عودة الى الموقع عودة رئيسية الملف
مدخل
حسن البنا
حسن البنا
تعود علاقة الإخوان بأمريكا إلى مراحل مبكرة من تاريخ الجماعة، فقد حرص المرشد المؤسس حسن البنا على مد جسور التواصل والتفاهم مع الأمريكان، بل وكان مبادراً بالاتصال والتفاهم مع الإدارة الأمريكية، ولعب البنا على قضية كان الأمريكان يهتمون بها، ويحددون علاقاتهم بالأنظمة الحاكمة والقوى السياسية في دول العالم بناءً على الموقف منها، وهي قضية العداء والمواجهة مع النام السوفيتي، في زمن السعي لفرض أوسع هيمنة أمريكية على خريطة العالم لمواجهة المعسكر الاشتراكي بقيادة «ستالين»، وتوافقًا مع هذا السعي الأمريكي.. وفي مقابلة تمت بين حسن البنا وفيليب أيرلاند السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة في 29 أغسطس سنة 1947- طلب البنا من الأمريكان تكوين «مكتب مشترك» من الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية، على أن يكون أغلب أعضائه من الإخوان، وتتولى أمريكا إدارة المكتب، هذا وقد كرر حسن البنا ذات الطلب مع ذات المسئول الأمريكي في مقابلة ثانية تمت في بيته بحضور بعض قيادات الإخوان، مبررا طلبه بأن يدفع الأمريكان «مرتبات» للإخوان مقابل محاربة الشيوعية– فيقول: "إن أعضاء الجماعة سيتركون عملهم الأصلي؛ لينضموا للخلايا الشيوعية للحصول على المعلومات، وبذلك سيفقدون مرتباتهم.. وإذا أمكن إبقاؤهم على أساس أنهم محققون وباحثون، فإن هذه المشكلة يسهل حلها".
حادثة المنشية
حادثة المنشية
تعززت علاقة جماعة الإخوان بالإدارة الأمريكية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك عقب قرار حل الجماعة، بعد قيام عناصر من الجماعة بمحاولة الاغتيال الفاشلة لعبد الناصر "المنشية 1954".. أي وفقاً لأدبيات الإخوان مع بداية «المحنة الثانية»؛ حيث فر عدد كبير من كوادر وعناصر الجماعة إلى السعودية، وقد كانت السعودية– وقتها– تناصب عبد الناصر ونظامه العداء.. وسعت المخابرات السعودية، بالتفاهم مع الإدارة الأمريكية، إلى تدريب حوالي 10 آلاف من أعضاء الإخوان على السلاح، على أمل استخدامهم في الإطاحة بنظام عبد الناصر.. ولكن الخطة فشلت وتوارت.
عمر التلمساني- حامد
عمر التلمساني- حامد أبو النصر
وللأمريكان فضل كبير في دعم وتأسيس التنظيم الدولي للإخوان فقد ساعدت المخابرات الأمريكية الجماعة في افتتاح كافة المراكز الإسلامية في أوربا، ومكنتها من السيطرة عليها بداية من 1982، وكانت علاقات المودة والتواصل جيدة بين الإدارة الأمريكية ومرشدي الإخوان، فقد تم استقبال عمر التلمساني، وقت كان مرشداً للجماعة، استقبالاً فاخراً في زيارته للولايات المتحدة .. نفس الشيء تكرر مع الشيخ حامد أبو النصر الذي منحته امريكا «تأشيرة مفتوحة» تم استخراجها في 24 ساعة، مصحوبة بدعوة لقضاء اجازة في الولايات المتحدة لكن حالته الصحية حالت دون اتمام الزيارة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما صرح به مرشد الاخوان الاسبق عمر التلمساني عقب عودته من زيارة أمريكا، حيث أعلن في اجتماع لمكتب الارشاد في 15 سبتمبر 1985، عن قرار الإدارة الأمريكية اعتزامها دعم الجماعات الدينية، من خلال الجمعيات وذلك عن طريق سفاراتها في البلدان الاسلامية.
عصام العريان
عصام العريان
وفي حقبة الثمانينيات من القرن الماضي تعددت زيارات قيادات إخوانية للولايات المتحدة.. فقد سافر الدكتور عصام العريان إلى أمريكا للتسويق للتحالف الانتخابي الذي تم في الانتخابات البرلمانية في 1984 بين الوفد والإخوان؛ ليشرح للأمريكان إمكانية وصول تحالف ليبرالي "الوفد"، وإسلامي "الاخوان" إلى السلطة في مصر.
وفي 1980– أيضا– وعلى خلفية حادثة رهائن السفارة الأمريكية في طهران، طلب الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان من التلمساني التدخل لدى آية الله الخميني لإطلاق سراح الرهائن، وحاول التلمساني بالفعل القيام بتلك الوساطة، لكن الخميني لم يستجب له.
وأحسن الإخوان في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، استخدام كوادرهم، خاصة قيادات العمل النقابي، في النقابات التي سيطر عليها الإخوان: "الأطباء/المهندسين/المحامين"- في القيام بمهام اتصال وتفاهم مع الإدارة الأمريكية، داخل مصر وخارجها، وبالتواصل مع قيادات التنظيم الدولي في أمريكا وأوروبا.
محسن عبدالحميد
محسن عبدالحميد
وبأوامر من قيادات الإخوان، وعقب احتلال الأمريكان للعراق- كان أعضاء «الحزب الإسلامي»- فرع الإخوان في العراق– هم أول من مدوا أيديهم لقوات الاحتلال، بل إن محسن عبد الحميد رئيس الحزب الإسلامي «الإخواني» شارك في أول حكومة احتلال في العراق برئاسة بريمر!!
وفي فترة النصف الثاني من التسعينيات والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين تواصلت التفاهمات والمقابلات بين الإخوان والإدارة الأمريكية، ولعب نفس الدور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الذي سافر كثيراً تحت راية العمل النقابي «الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب».. وقت أن كان قائماً بأعمال نقيب الصحفيين، وكذلك الدكتور سعد الكتاتني، والدكتور عصام العريان وصلاح عبد المقصود.
سعد الدين ابراهيم
سعد الدين ابراهيم
ويذكر في السياق ذاته الدور الذي لعبه الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون، في مبادرته التي قام خلالها بتنظيم أكثر من لقاء داخل مصر، بين قيادات إخوانية وطاقم السفارة الأمريكية بالقاهرة، وخارجها في الولايات المتحدة وقطر بترتيب لقاءات بين قيادات إخوانية ومسئولين أمريكان.
محمد مرسي
محمد مرسي
أما عن علاقة الاخوان بأمريكا عقب ثورة يناير 2011 وما تلاها من تطورات.. وصولاً لسيطرة الإخوان إلى مجلس الشعب ولجنة إعداد دستور 2012 ودور السفيرة الأمريكية في إنجاح مرشح الإخوان لمقعد الرئاسة محمد مرسي.. وما تلا ذلك من تطورات، بلغت ذروتها في ثورة 30 يونيو.. والتي أطاحت بالإخوان وممثلهم في القصر الرئاسي.. فالأمر ما زال عالقاً بالأذهان وما زالت الإدارة الأمريكية لا تخفي انحيازها ودعمها للجماعة الإرهابية.
وآخر تجليات الموقف الأمريكي الاعتراف الرسمي الصادر عن الإدارة الأمريكية، خلال الأسبوع الأول من فبراير 2014 والذي أكد على حرص الإدارة الأمريكية على التواصل مع جماعة الإخوان، رغم قرار الحكومة المصرية باعتبارها جماعة إرهابية، فقد أكدت الخارجية الأمريكية في بيان لها أن التواصل بين السفارة الأمريكية بالقاهرة وجماعة الإخوان لا يزال مستمراً، بحجة سعي الولايات المتحدة للحوار مع جميع أطراف العملية السياسية في مصر، وأكدت الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تصنف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية!!
ومن المهم– أيضاً– الإشارة إلى التنسيق العالي بين الإدارة الأمريكية وبين الإخوان فيما يتعلق بالملف السوري.. فالإخوان يعدون حماساً ودعماً عمليا ومباشراً لتحقيق المخطط الأمريكي الهادف لإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، ويعمل إخوان سوريا بحماس في تنفيذ ذلك المخطط الأمريكي.
خلاصة: 
ويمكن تلخيص جوهر العلاقات التاريخية بين الإخوان ومختلف الإدارات الأمريكية على النحو التالي:- 
1- المحدد الأهم و«السيادي» لدى الأمريكان والذي يحكم علاقاتهم «بالإخوان» هو التعهد الواضح والقاطع للإخوان من احترام اتفاقية السلام مع إسرائيل، وحفظ أمن دولة إسرائيل.
عبد الناصر
عبد الناصر
2- استخدام الأمريكان علاقاتهم بالإخوان لابتزاز أو الضغط على النظام المصري الحاكم (عبد الناصر/السادات/مبارك)، وصولاً لإضعافه..
3- في المقابل سعى الإخوان دائما لتقديم أنفسهم كحليف للأمريكان.. وقت الحرب الباردة «معا نواجه الشيوعية والروس»، وأرسلوا رسائل التطمين بأنهم على قدرة ودراية بخلق نظام حكم مستقر في تلك المنطقة.
4- السياسات الاقتصادية والانحياز الاجتماعي للإخوان يسير في نهج السياسات الأمريكية.. فهم مع النهج الرأسمالي ومع الخصخصة.
في هذا الملف الخاص جدا وعلى مدار سبعة أجزاء سنتناول بالتفصيل والوثائق والاعترافات، تاريخ العلاقات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين، من البداية حتى اللحظة الراهنة.

الإخوان وأمريكا الحلقة (1)
جمال عبد الناصر
جمال عبد الناصر
صدام الإخوان بثورة يوليو 1952 بداية لموجات الهجرة
اختيار الإخوان لأمريكا له علاقة بتوجه الثورة الاشتراكي
مرشد عام الجماعة رفض إصدار بيان تأييد للثورة
حتى تيقن من خروج الملك
الجماعة رفضت تأييد حكومة الثورة أو المشاركة فيها
البدايات
بدأت علاقة الإخوان المسلمين بأمريكا في عام 1954، بعد المواجهة التى حدثت بين الجماعة ومجلس قيادة ثورة يوليو، والتي كانت بسبب رغبة الجماعة في السيطرة على القادة الجدد واختطاف الثورة لصالح الجماعة.
كانت الجماعة تعيش فى بداية الثورة حالة من الوفاق مع قادتها خصوصاً بعد استثناء الجماعة من قرار حل الأحزاب السياسية، والذي أسهم في تنامي شعور الجماعة بالقوة، وأدى بعد ذلك إلى الصدام.
الأسباب الحقيقية للصدام يرويها البكباشي جمال عبد الناصر في قرار حل الجماعة، الذي صدر في 14-1-1954، والذي يؤكد فيه أن نفرا من الصفوف الأولى في هيئة الإخوان أرادوا أن يُسَخروا هذه الهيئة لمنافع شخصية وأطماع ذاتية، مستغلين سلطان الدين على النفوس، وبراءة وحماسة الشبان المسلمين، ولم يكونوا في هذا مخلصين لوطن أو دين‏.‏
ولقد أثبت تسلسل الحوادث أن هذا النفر من الطامعين استغلوا هيئة الإخوان والنظم التي تقوم عليها هذه الهيئة؛ لإحداث انقلاب في نظام الحكم القائم تحت ستار الدين‏.‏
ويوضح جمال عبد الناصر في متن قرار الحل، التفصيلات التي أدت إلى وصول العلاقة بين الطرفين إلى طريق مسدود، والتي دفعت مجلس قيادة الثورة إلى اتخاذ مثل هذا القرار بالقول، ولقد سارت الحوادث بين الثورة وهيئة الإخوان قد جرت بالتسلسل الآتي‏:‏
حسن العشماوي
حسن العشماوي
‏1‏ ـ في صباح يوم الثورة استدعى الأستاذ حسن العشماوي لسان حال المرشد العام إلى مقر القيادة العامة بكوبري القبة، وأبلغه أن يطلب من المرشد العام إصدار بيان لتأييد الثورة، ولكن المرشد بقي في مصيفه بالإسكندرية لائذا بالصمت، فلم يحضر إلى القاهرة إلا بعد عزل الملك، ثم أصدر بيانا مقتضبا طلب بعده أن يقابل أحد رجال الثورة، فقابله البكباشي جمال عبد الناصر في منزل الأستاذ صالح أبو رقيق الموظف بالجامعة العربية، وقد بدأ المرشد حديثه مطالبا بتطبيق أحكام القرآن في الحال، فرد عليه البكباشي جمال عبد الناصر أن هذه الثورة قامت حربا على الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي والاستعمار البريطاني، وهي بذلك ليست إلا تطبيقا لتعاليم القرآن الكريم‏.‏
فانتقل المرشد بالحديث إلى تحديد الملكية، وقال إن رأيه أن يكون الحد الأقصى ‏500‏ فدان‏.‏
فرد عليه البكباشي جمال قائلا: إن الثورة رأت التحديد بمائتي فدان فقط، وهي مصممة على ذلك. فانتقل المرشد بالحديث قائلا إنه يرى أنه لكي تؤيد هيئة الإخوان الثورة أن يعرض عليه أي تصرف للثورة قبل إقراره، فرد عليه البكباشي جمال قائلا: إن هذه الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها، وهي لن تقبل بحال أن توضع تحت وصاية أحد وإن كان هذا لا يمنع القائمين على الثورة من التشاور في السياسة العامة مع كل المخلصين من أهل الرأي، دون التقيد بهيئة من الهيئات، ولم يلق هذا الحديث قبولا من نفس المرشد‏.‏
‏2-‏ سارعت الثورة بعد نجاحها في إعادة الحق إلى نصابه، وكان من أول أعمالها أن أعادت التحقيق في مقتل الشهيد حسن البنا فقبضت على المتهمين في الوقت الذي كان المرشد لا يزال في مصيفه في الإسكندرية‏.‏
علي ماهر
علي ماهر
‏3-‏ طالبت الثورة الرئيس السابق علي ماهر بمجرد توليه الوزارة أن يصدر عفوا شاملا عن المعتقلين والمسجونين السياسيين، وفي مقدمتهم الإخوان، وقد نفذ هذا فعلا بمجرد تولي الرئيس نجيب رئاسة الوزارة‏.‏
الرئيس نجيب
الرئيس نجيب
‏4-‏ حينما تقرر إسناد الوزارة إلى الرئيس نجيب تقرر أن يشترك فيها الإخوان المسلمون بثلاثة أعضاء، على أن يكون أحدهم الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري‏.‏
عبدالحكيم عامر
عبدالحكيم عامر
وقد تم اتصال تليفوني بين اللواء عبد الحكيم عامر والمرشد ظهر يوم 7‏ سبتمبر سنة 1952‏، فوافق على هذا الرأي قائلا إنه سيبلغ القيادة بالاسمين الآخرين، ثم حضر الأستاذ حسن العشماوي إلى القيادة في كوبري القبة وأبلغ البكباشي جمال عبد الناصر أن المرشد يرشح للوزارة الأستاذ منير الدله الموظف في مجلس الدولة والأستاذ حسن العشماوي المحامي، وقد عرض هذا الترشيح على مجلس الثورة فلم يوافق عليه،‏ وطلب البكباشي جمال عبد الناصر من الأستاذ حسن العشماوي أن يبلغ ذلك إلى المرشد ليرشح غيرهما، وفي الوقت نفسه اتصل البكباشي جمال بالمرشد، فقال الأخير إنه سيجمع مكتب الإرشاد في الساعة السادسة، ويرد عليه بعد الاجتماع‏.‏
وقد أعاد البكباشي جمال الاتصال مرة أخرى بالمرشد، فرد عليه أن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك في الوزارة، فلما قال له‏:‏ لقد أخطرنا الشيخ الباقوري بموافقتك وطلبنا منه أن يتقابل مع الوزراء في الساعة السابعة لحلف اليمين أجابه بأنه يرشح بعض أصدقاء الإخوان للاشتراك في الوزارة ولا يوافق على ترشيح أحد من الإخوان‏.‏
وفي اليوم التالي صدر قرار من مكتب الارشاد بفصل الشيخ الباقوري من هيئة الاخوان فاستدعي البكباشي جمال عبدالناصر الاستاذ حسن العشماوي وعاتبه علي هذا التصرف الذي يظهر الاخوان بمظهر الممتنع عن تأييد وزارة الرئيس نجيب وهدد بنشر جميع التفاصيل التي لازمت تشكيل الوزارة فكان رد العشماوي أن هذا النشر يُحدث فرقة في صفوف الإخوان وليس لموقف المرشد العام ورجاه عدم النشر‏.‏
‏5‏- عندما طلب من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها- قدم الإخوان إخطارا باعتبارهم حزبا سياسيا وقد نصحت الثورة رجال الإخوان بألا يترددوا في الحزبية ويكفي أن يمارسوا دعوتهم الإسلامية بعيدا عن غبار المعارك السياسية والشهوات الحزبية، وقد ترددوا بادئ الأمر، ثم استجابوا قبل انتهاء موعد تقديم الإخطارات، وطلبوا اعتبارهم هيئة، وطلبوا من البكباشي جمال عبد الناصر أن يساعدهم على تصحيح الأخطاء، فذهب إلى وزارة الداخلية حيث تقابل مع المرشد في مكتب الأستاذ سليمان حافظ وزير الداخلية وقتئذ، وتم الاتفاق على أن تطلب وزارة الداخلية من الإخوان تفسيرا عما إذا كانت أهدافهم سيعمل على تحقيقها عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات، وأن يكون رد الإخوان بالنفي حتى ينطبق عليهم القانون‏.
صلاح شادي
صلاح شادي
‏6-‏ وفي صبيحة يوم صدور قرار الأحزاب في يناير سنة ‏1953‏ حضر إلى مكتب البكباشي جمال عبد الناصر الصاغ صلاح شادي، والأستاذ منير الدله، وقالا له: الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا هيئة الإخوان؛ ولهذا فإنهم يجب أن يكونوا في وضع يمكنهم من أن يردوا على كل أسباب التساؤل.. فلما سألهما: ما هو هذا الوضع المطلوب؟ أجابا بأنهم يريدون الاشتراك في الوزارة. فقال لهما: إننا لسنا في محنة وإذا كنتم تعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنتم مخطئون. فقالا له: إذا لم توافق على هذا فإننا نطالب بتكوين لجنة من هيئة الإخوان تعرض عليها القوانين قبل صدورها للموافقة عليها، وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إن أردتم التأييد. فقال لهما جمال: لقد قلت للمرشد سابقا إننا لن نقبل الوصاية.. وإنني أكررها اليوم مرة أخرى في عزم وإصرار‏.‏. وكانت هذه الحادثة هي نقطة التحول في موقف الإخوان من الثورة وحكومة الثورة‏، إذ دأب المرشد بعد هذا على إعطاء تصريحات صحفية مهاجما فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية، كما كانت تصدر الأوامر شفهيا إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائما في المناسبات التي يعقدها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدي‏.‏
‏7‏- لما علم المرشد بتكوين هيئة التحرير تقابل مع البكباشي جمال في مبنى القيادة بكوبري القبة، وقال له إنه لا لزوم لإنشاء هيئة التحرير ما دام الإخوان قائمين. فرد عليه البكباشي جمال إن في البلاد من لا يرغب في الانضمام للإخوان، وإن مجال الإصلاح متسع أمام الهيئتين. فقال المرشد: إنني لن أؤيد هذه الهيئة. وبدأ منذ ذلك اليوم في محاربة هيئة التحرير وإصدار أوامره بإثارة الشغب واختلاق المناسبات؛ لإيجاد جو من الخصومة بين أبناء الوطن الواحد‏.‏
‏8-‏ وفي شهر مايو سنة ‏1953‏ ثبت لرجال الثورة أن هناك اتصالا بين بعض الاخوان المحيطين بالمرشد وبين الإنجليز، عن طريق الدكتور محمد سالم الموظف في شركة النقل والهندسة، وقد عرف البكباشي جمال من حديثه مع الأستاذ حسن العشماوي في هذا الخصوص أنه حدث اتصال فعلا بين الأستاذ منير الدله والأستاذ صالح أبو رقيق ممثلين عن الإخوان وبين مستر‏ "إيفانز" المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، وأن هذا الحديث سيعرض حينما يتقابل البكباشي جمال والمرشد، وعندما التقى البكباشي جمال المرشدَ أظهر له استياءه من اتصال الإخوان مع الإنجليز والتحدث معهم في القضية الوطنية، الأمر الذي يدعو إلى التضارب في القول وإظهار البلاد بمظهر الانقسام‏. 
هذا وبعد حل الجماعة تحرك نظامها الخاص لاغتيال ناصر في حادثة المنشية الشهيرة، والتي انتهت بالفشل وتصاعد المواجهة بين الثورة والجماعة، وقد اعتُقل الآلاف من كوادر الجماعة وتم فصل البعض من أشغالهم، وهرب الكثيرون واختفوا، وكان الخيار الأفضل للكثير من أعضاء الجماعة هو السفر لأي دولة خارج مصر، خصوصاً الدول النفطية مثل السعودية، والتي كانت على خلاف في هذا الوقت مع نظام عبد الناصر، ومنهم من اختار السفر للغرب وخصوصا أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك كونوا روابط إخوانية، وحاولوا البقاء متماسكين حتى تتضح الصورة في مصر وتظهر الجماعة من جديد، وسنحاول في هذه الحلقات عرض مراحل تطور الجماعة في الولايات المتحدة الأمريكية تحديداً، حتى وقتنا هذا.

ولكن لماذا الولايات المتحدة الأمريكية؟!

ولكن لماذا الولايات
كانت الولايات المتحدة في فترة الخمسينات تمثل حلماً وبريقا لبعض القوى، خاصة الإسلامية منها، وكانت تعد نفسها لوراثة الاستعمار القديم المتمثل في إنجلترا وفرنسا، وتعاني منافسة حادة من الاتحاد السوفيتي الذي أخذ يسيطر وينشر أفكاره في منطقة الشرق الأوسط، ووسط حركات التحرر الوطني بشكل عام، الأمر الذي استنفر الأمريكان، وأخذوا في البحث عن قوى يمكن الاعتماد عليها في كسر شوكة قوى التحرر، من ناحية، والوقوف ضد تمدد نفوذ موسكو من ناحية أخرى، وسرعان ما وجدوا ضالتهم في حركة الإخوان المسلمين.
كانت الجماعة ومعها عدد من المفكرين الإسلاميين يعتبرون الاشتراكية كفرا بواحا، ومن ينادي بها كفار يستحل دمهم؛ الأمر الذي أدى إلى مواجهات متعددة بين أنظمة وقوى التحرر الوطني الناشئة، سواء تلك الحاكمة كثوار يوليو، أو تلك التي تسعى إلى تحرير بلادها من ربقة المستعمر.
وكل هذه العوامل أدت إلى ازدياد موجات هجرة الإسلاميين إلى الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص؛ هربا من تلك المواجهة، بمعنى أن هناك جهات عديدة تابعة لتلك الحركات، وفي القلب منها حركة الإخوان المسلمين، التي كانت تشرف على هجرة هؤلاء الشباب، ثم تقوم بإعادة تجميعهم؛ لتصفهم في صفوف منظمة، تصب في بوتقة واحدة.
الإخوان وأمريكا الحلقة (2)
فيصل بن عبدالعزيز
فيصل بن عبدالعزيز آل سعود- أنور السادات
عام 1975 وصلت فروع الجماعة في أمريكا إلى 230
الجماعة ساعدت المخابرات الأمريكية في مصالحة السادات والملك فيصل عام 1971
ازدهر فرع الإخوان بأمريكا بالتزامن مع تقارب السادات والولايات المتحدة الأمريكية
مجيء قيادات التنظيم الأم إلى أمريكا ولّد خلافات عميقة داخل الفرع الأمريكي
تفجرت أوضاع الفرع في نهاية السبعينيات وانقسم على نفسه وسط قيادات ضعيفة

يشير الموجز التاريخي لإنجازات الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة- والذي كتب في 25 أكتوبر 1991 كورقة عمل داخلية مقدمة لمجلس شورى الجماعة في الولايات المتحدة- إلى أنه في عام 1962 تم تأسيس اتحاد الطلاب المسلمين على يد مجموعة من الإخوان في أمريكا الشمالية، وتحولت لقاءات الإخوان إلى مؤتمرات ومخيمات لاتحاد الطلاب، وتأسست رابطة الطلاب المسلمين في عام 1963.
وأول أفراد منتمين للإخوان قدموا إلى الولايات المتحدة كانوا أيضا يصنفون من الإخوان التابعين لدولتهم الأصلية، فإذا جاء أخ مسلم من دولة ليس لها تجمع كبير في الولايات المتحدة كان ينصح بالانضمام إلى "أقرب حركة له، وعلى سبيل المثال كان يمكن للعراقي أن ينضم لإخوان الأردن، والليبي لإخوان مصر وهكذا".
ومرت الجماعة بأشكال تنظيمية مختلفة، وأول هذه الأشكال كانت الاجتماعات الإقليمية، فكل حركة لها قيادة ومجموع هذه القيادات كون جماعات أو ما سمي المجلس التنسيقي الذي كانت تتم به اللقاءات وكانت القرارات الصادرة عن هذا المجلس غير ملزمة لأعضائه.
ولاحقا تشكل بناء رسمي ووفقا للقانون الداخلي وأعلى منظمة في الجماعة هي المؤتمر التنظيمي و هو مشتق من مبادئ الاخوان فكل أسرة تنتخب فردا أو اثنين حسب عددهم. بعد ذلك يأتي مجلس الشورى ثم المجلس التنفيذي."" أثناء هذه المرحلة لم يكن اسم هذا التجمع مهماً و لكن ارتباطه باسم الاخوان كان بسبب الحجم الذي تتمتع به فكر هذه الجماعة. و لهذا السبب تم تبني اسم "الاخوان المسلمين" كأساس لهذا العمل. وكانت هناك محاولة لتغيير اسم الإخوان المسلمين إلى الحركة الإسلامية. أما بالنسبة للتعيين في الحركة فالشرط الرئيسي هو أن يكون الأخ نشطا في العمل العام في رابطة الطلاب المسلمين وممن يحضرون اجتماعاتها أو يشاركون في لجانها التنفيذية سواء المحلية أو المركزية، وكان هذا شرط الحركة في الستينات. وقد اعتاد التعيين أن يحدث بهذه الطريقة: حضور مؤتمرات رابطة الطلاب المسلمين واختيار المشاركين بفاعلية فيها من العرب و الاقتراب منهم لضمهم للإخوان. و كان يتبع ذلك بعض الزيارات للفروع المحلية وبالتالي اختيار العناصر الفعالة هناك و محاولة الاقتراب منهم للانضمام للإخوان."
وبعد أقل من 15  عام على تكوين الاتحاد كان قد وصل عدد فروعه فى الجامعات الأمريكية الى 230 فرع ف 1975/1976.

هذا عن الوضع في الولايات المتحدة الأمريكية فماذا عن مصر البلد الأم للتنظيم؟؟

عثمان أحمد عثمان
عثمان أحمد عثمان
في 15 مايو 1971 استطاع السادات أن يكسب معركته الحاسمة ضد الناصريين ولكن جماهير الشارع في مصر والوطن العربي كانت كلها رغبة في اعلان الحرب ضد اسرائيل، تعددت المظاهرات واشتعلت الجامعات، فاقترح محمد عثمان اسماعيل فكرة الاستعانة بأبناء الصعيد (طلاب الجامعات) وأكثرهم مقيمين المدن الجامعية وانضم اليه المهندس عثمان أحمد عثمان ويوسف مكادي في تأكيد قدرة هؤلاء الشباب على التصدي في حسم للناصريين والشيوعيين دفاعاً عن النظام من منطلق ايماني (اسلامي).. عاد السادات إلى ذكرياته مع قادة الاخوان فبدا الحوار مع عمر التلمساني، وبادر بالافراج عنه وجمع كبير من قيادات الجماعة، الذين تحمسوا لفكرة الاستعانة بشباب الصعيد.
سعيد رمضان
سعيد رمضان
وتحرك التنظيم الدولي للاخوان والذي كان يقوده سعيد رمضان زوج ابنة البنا، وكانت له صلات وثقة بالدوائر الأمريكية ومراكز صنع القرار ونشاطات واسعة في اوروبا، فضلا عن تمركز قوى في المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي استقرت فيها اعداد كبيرة من قيادات الاخوان الهاربة والمفرج عنهم من سجون ناصر .. رتب رمضان «لمصالحة العصر .. ومهد بإحكام للقاء السادات مع الملك فيصل بن عبدالعزيز في الحرم المكي عام 1971 وسط ترحيب وتخطيط امريكي دقيق بهدف دعم المملكة و الوصول إلى مرحلة تأخرت طويلا في ترويض السياسة المصرية وادخالها في الدائرة الامريكية .
بوابة الحركات الاسلامية
وحقق العرب انتصارا كبيرا في اكتوبر عام 1973، ولعبت واشنطن ادوارا اساسية في عمليات التسوية التي بدأت بفض الاشتباك الأول، واقصاء السوفييت خارج مسرح العمليات .. واستكمل التصور الامريكي حلقاته ببناء تحالف «السافانا» الذي ضم مصر والسعودية والمغرب وباكستان مع الولايات المتحدة بهدف التصدي لحركة اية تنظيمات شيوعية في العالم الثالث، واعداد القوى المسلحة اللازمة لمنع واجهاض أية انقلابات عسكرية .. مع الالتزام الامريكي والاوروبي (الدولي) بدعم الانظمة الحاكمة في البلدان الاربعة مع ملاحظة كونها تضم شعوب سنية، أي أن التصور الامريكي عمد أيضاً وعلى نحو غير معلن لتحويلها إلى محور مذهبي في اتجاه واحد لمواجهة اية قوى اخرى مخالفة له .. ونجح مهندس المشروع «سعيد رمضان» في استقطاب موافقات أوروبية على صيغة «السافانا» واستقبلت اعداد من المراكز الاسلامية العديدة في الكثير من المدن والعواصم الاوروبية، وتحت اشراف وتنظيم قيادات الاخوان، ووضعت تحت تصرفها ميزانيات واموال ضخمة للانفاق على الاهداف الكبيرة (غير المعلنة) مع تمكينها من جمع تبرعات سخية من الجاليات المسلمة حول العالم دعاما لأوجه الخير والاحسان وبناء المساجد..!
مهدي عاكف
مهدي عاكف
وبالطبع كان هذا الوقت عصر ازدهار لفرع الإخوان فى الولايات المتحدة الأمريكية وننقل هنا أجزاء من دراسة قدمها مهدى عاكف لمكتب الإرشاد فى مصر بعد عودته من أمريكا فى عام 1991 , وتم ضبط الدراسة بعد القبض على مهدى عاكف فى القضية 5 لسنة 1996 المعروفة إعلامياً بقضية حزب الوسط " كان هذا الاتحاد حقيقة نموذجاً فريداً فى تجميع المسلمين من شتى العالم الاسلامى وتوحيد صفوفهم، ومن كل مسلم عرقه وجنسيته وأصبح الجميع ذوى هوية إسلامية واحدة، وذلك كله بفضل الله سبحانه وتعالى ثم الشباب الإخوان المسلمين الذين كان لهم الدور الأساسى فى تكوين هذا الاتحاد وتعميق الأخوة الإسلامية وتغليبها على نازع العرق والعصبية، وكانت تلك الفترة من أزهى مراحل العمل الاسلامى فى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن أفواجاً من المهاجرين والمسلمين المقيمين بالولايات المتحدة انضموا كأعضاء فى هذا الاتحاد وارتفع عدد فروعه داخل الجامعات الأمريكية إلى 230 فرعاً عام 1975 / 1976. 
بوابة الحركات الاسلامية
وكان الاتحاد منذ نشأته يحمل أهدافه وفلسفته النابعة من واقعة الذى أنشئ فيه وأهم هذه الأهداف هى: 
1. تثبيت دعائم الوجود الاسلامى فى الولايات المتحدة الأمريكية. 
2. توطيد أواصر العلاقات بين المسلمين فى مختلف الولايات.
3. ربط جسور الاتصال بين الطلبة المسلمين فى الولايات المتحدة وبلادهم فى الشرق الاسلامى.
4. نشر المعرفة الاسلامية الصحيحة المبينة على أساس من القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح.
5. العمل على نشر الدعوة الاسلامية بين غير المسلمين فى الولايات المتحدة، وذلك بالاضافة إلى العديد من الأهداف والغايات التى كانت رجاء مأمل كل مسلم يعيش فى أرض الغربة بالولايات المتحدة، سواء كان طالب أو مهاجراً. 
6. إعداد القيادات الإسلامية الراشدة مع تدريب الأئمة والدعاة ورفع مستوى كقادات العاملين فى الحقل الاسلامى إلى درجة الابداع والتفوق.
7. تنشئة الجيل المسلم الجديد على الاسلام عقيدة، ومنهج حياة، وإعداده لقيادة المستقبل. 
جماعة الدراسات الإسلامية
جماعة الدراسات الإسلامية الماليزية
فى عام 1976م بدأت تظهر موجه جديدة فى تاريخ تطور العمل الاسلامى فى أمريكا وذلك من خلال تكوين للكيانات التى تتهم بالمسلمين القادمين من البلدان الاسلامية فكان أول اتحاد يكون بغرض تجميع المسلمين من إحدى البلاد الإسلامية هو (إتحاد الماليزيين) وذلك باسم "جماعة الدراسات الإسلامية الماليزية .MiSG"، ثم تلا ذلك فى عام 1977م تكوين رابطة "الشباب المسلم العربى" وذلك لخدمة وتجميع الشباب المسلم العربى، وتوالت بعد ذلك الاتحادات الباكستانية والإيرانية وغيرها،... وكان من أهم الأسباب التى دعت إلى ظهور مثل هذه الكيانات هو التواجد الضخم للطلبة المسلمين الوافدين من مختلف انحاء المشرق الإسلامى مما حدا بالإخوه القائمين على أمور الدعوه بالولايات المتحدة الأمريكية إلى إنشاء مثل هذه الكيانات والتى كانت تهدف اساساً إلى توطيد الصلات بين الطلبة المسلمين فى اغرب مع مواطنيهم الإسلاميين من المشرق بالإضافة إلى تجميع هذا العدد الكبير ومساعدتهم فى عدم الذوبان فى المجتمع الامريكى."
وبالطبع يبدو واضحاً من دراسة مهدى عاكف مدى التطور الذى شهده فرع الجماعة خلال منتصف السبيعنات والذى اقترن بالتقارب بين رؤوس الجماعة فى مصر والرئيس السادات والولايات المتحدة .
لكن هذا الربيع لم يدم طويلاً ففي مارس عام 1979 نجحت الثورة الاسلامية في إيران، واسقطت حكم الشاه وسيطر الامام الخميني على مقاليد الامور في طهران، وأعقبها غزو واحتلال السوفييت لافغانستان .. ومن القاهرة أعلن السادات الجهاد ضد الاحتلال التزاما بتحالف (السافان) وقامت الولايات المتحدة بدورها وأوكل التنفيذ سراً إلى الاخوان.

ممدوح سالم
ممدوح سالم
وأدت علاقات السادات مع الاسرائيليين، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد إلى تدهور العلاقات مع السعودية، انعكست على تحالفه مع الاخوان، فاستدعى المرشد الثالث (التلمساني) يوم الثلاثاء 21 اغسطس لحضور لقائه مع الكتاب والمفكرين ورجال الدين .. وتحدث زعيم الاخوان عن شرعية الجماعة مؤكدا أن قرار حلها صحيح، وأن اصدار مجلة (الدعوة) – لسان حال الجماعة – يتم بصورة غير قانونية ولكن سمح به تفضلا بعد أن أفرج عنهم وأطلقهم من السجون وقال: ويزيد الامر مرارة في نفسي يوم ان تكتب يا عمر لشبابنا الذي اتحدث عن تكوينه على نحو يجعله قادراً على مواجهة التحديات من حولنا .. وخاصة تحدي أولئك الذين يظنون أن المال هو كل شيء ويخرج عمر وفي صدر مجلة الدعوة بمقال عن خطاب وصله أن الحكومة الأمريكية والمخابرات الأمريكية ارسلته إلى ممدوح سالم رئيس الوزراء ليقول له اوعوا .. خدوا بالكم من الولاد بتوع الجماعات الإسلامية .. لأن هؤلاء خطر جداً .. اضربوهم وتخلصوا منهم .. فهل هذا يصح .. وحزني سببه ان هذا الأسلوب كان لابد وان ينتهي .. بعد كل ما جرى يا عمر في الماضي ..!!
وأضاف السادات في مواجهة التلمساني «الشباب إلى انا بقوله لازم نقابل التحدي .. ونبني مصر البناء الاسلامي الكبير .. كيف اقول له الان .. ان اميركا بعثت تخوفني .. كيف اصور له حكومة مصر التي اعطت كل هذا انها حكومة يأتيها خطاب كهذا من امريكا وغيرها .. لماذا انتم الذين تحملون مثل هذا الكلام .. ومن تكونوا يا عمر .. هذا كلام مرفوض ..
رفض السادات رسالة الأمريكان لانها جاءته عن طريق الاخوان وقبلها رفض توسطهم لدى ايران للافراج عن الرهائن الأمريكيين وانهاء مشكلة السفارة في طهران .. وانتهى التحالف بينهما .. واعلنوا رفضهم لسياسات السادات .. والتقت الجماعة الاسلامية في الصعيد مع اقرانها في الدلتا، واختاروا المكفوف د.عمر عبدالرحمن اميرا لهم ومعه الزمر وناجح ابراهيم وباقي الرفاق حول هدف واحد .. وقتل السادات في حادث المنصة عام 1981.
وبالتزامن مع الاضطراب فى علاقة السادات مع الجماعة , حدثت اضطرابات فى فرع الجماعة داخل الولايات المتحدة الأمريكية بسبب تقوية العلاقات الخارجية مع التنظيم الأم فى مصر و هو ما مكًن قيادات الاخوان فى أمريكا من مقابلة القيادات الأخرى في المشرق العربي, وهؤلاء جاءوا الى الحركة ووجدوا بعض الأفعال التنظيمية مثل الوسائل و الأولويات التي تختلف عن تلك التي اعتادوا عليها في بلادهم, فبدأوا في التساؤل:"أين الشروط الحازمة؟ أين السرية؟ و أين الاتصال بالمنظمة؟ وأين البرامج التعليمية؟ ما أهداف الجماعة هنا؟ و ما أهداف هذه البرامج؟" كل هذه التساؤلات كانت تدور في ذهن القادمين من الشرق. و بهذا بدأت الجيوب التنظيمية الاقليمية تتشكل أثناء هذه الفترة. كذلك بدأت الاشاعات و الشكوك تنتشر بين أعضاء الجماعة بخصوص بعض الأفراد قي القيادة. و بالتالي فأوضاع الجماعة في هذا الوقت تفجرت أثناء معسكر عام 1977 و جاءت قيادة أخرى عام 1978 و التي اتسم عملها بالصعوبة حيث إنها كانت تحاول رفع هيكل الحماعة من القيود أو التجمعات الإقليمية و ربط أجزائها معا, و لكن أثناء هذه الفترة كانت القيادة غير متجانسة و كان فقدان التوازن واضحا في مواقفها."
الإخوان وأمريكا الحلقة (3)
مقتل السادات كان بداية لموجة الهجرة الثانية
هروب مصطفى مشهور ومهدي عاكف
قبيل حملة الاعتقالات السبتمبرية الشهيرة في عام 1981 بعدة أيام
استطاعت الجماعة الاستفادة من خبراتها السابقة
وكونت تنظيمها الدولي بسرعة فائقة
عاكف وجه نظر الأمريكان إلى ضرورة اصطياد الدب الروسي في أفغانستان
عن طريق الإسلاميين وقدم الإخوان لهم كمقاول أنفار
60 مليار دولار حصيلة مكاسب الإخوان من الأمريكان
طوال عشر سنوات من المساندة في أفغانستان
مع التقارب الإخواني- الأمريكي ازدهر فرع الإخوان في أمريكا من جديد
عقب مقتل الرئيس السادات، أحست الجماعة باقتراب الخطر، فهرب العديد من كوادرها في موجة هجرة (هروب) جديدة إلى الغرب، ولكن في هذه المرة كان الإخوان يعرفون طريقهم جيدا، وقد استفادوا من هجراتهم السابقة وأصبحت لهم تنظيمات موجودة وجاهزة لاستقبال أي وافد جديد منهم. هرب مصطفى مشهور ومحمد مهدي عاكف قبيل حملة الاعتقالات السبتمبرية الشهيرة في عام 1981 بعدة أيام؛ الأمر الذي يظل علامة استفهام كبيرة لا يملك الإجابة عليها إلا مهدي عاكف فهو الحي الوحيد من أطراف هذا الزمن، بعد أن توفي الجميع.
مهدي عاكف- مصطفى
مهدي عاكف- مصطفى مشهور
تمركز عاكف ومشهور في ألمانيا، وأسسا في ميونخ المركز الإسلامي ليكون مقرا لاجتماعات التنظيم الدولي تحت قيادة عاكف، وشاركه مشهور بجهد كبير في وضع لائحة التنظيم الذي اشهر رسميا في مايو عام 1982.
من خلال التنظيم الدولي، أعيد تنظيم العلاقات الواسعة للإخوان مع قيادات الجماعة في أنحاء العالم.. وأصبح هناك مركز للحل والعقد واتخاذ القرار في كل الملفات الدولية للجماعة، خاصة في أفغانستان وفلسطين.. كما تولى عاكف مسئولية قسم الاتصال بالعالم الإسلامي أحد أهم أفرع النشاط في الجماعة وهو ما مكنه من تكوين شبكة علاقات عالمية واسعة تجاوزت التنظيمات الإخوانية إلى غالبية التيارات الإسلامية، وضم الكثيرين منها إلى التنظيم الدولي، مثل الحزب الإسلامي "باس" في ماليزيا، وحزب "الرفاه" وامتداداته في تركيا، مستفيدا– في ذلك- من علاقات قديمة ربطته مع أربكان صديقه القديم.. كما ضم إلى التنظيم الجماعة الإسلامية في باكستان، وانطلاقا من الخطوة الأخيرة، أعاد عاكف توجيه نظر الأمريكان إلى أهمية دور الجماعة في خطط اصطياد الدب الروسي ذبيحا بسكاكين الإسلاميين وهو مستغرق في مستنقع البرك والأوحال التي صنعتها آلته العسكرية في أفغانستان.
عبدالله عزام- زينب
عبدالله عزام- زينب الغزالي
كان عاكف قد أصبح مستشارا للندوة العالمية للشباب الإسلامي ومسئولا عن المخيمات الدولية، وعلى الجانب الآخر ترك عبد الله عزام "الفلسطيني الأصل" مقر إقامته في الأردن، وتوجه إلى إسلام آباد، وتم إلحاقه مدرسا بالمجمع الإسلامي العالمي عام 1982 منتدبا من رابطة العالم الإسلامي. وعزام الذي ولد في جنين عام 1941 ودرس الشريعة في جامعة دمشق، ارتبط بجماعة الإخوان المسلمين عندما جاء إلى القاهرة لنيل درجة الماجستير ثم الدكتوراه في الفقه الإسلامي من جامعة الأزهر، وقد توثقت علاقته بالإخوان في تلك الفترة وخاصة زينب الغزالي وعائلة سيد قطب، الذي تأثر بفكره كثيرا.
برزت نظرة عزام النقدية لحياة الترف التي يعيشها قادة المقاومة الفلسطينية في لبنان والأردن، حتى تلقى الدعوة للانتقال إلى باكستان ومنها– مباشرة– إلى بيشاور لإلقاء الدروس يومي الخميس والجمعة، وتوثقت علاقاته بالجامعة الإسلامية العالمية وكذا زعماء الحرب الأفغان أمثال عبد الرسول سياف، قلب الدين حكمتيار، ورباني- مدعوما في ذلك من قادة التنظيم الدولي للإخوان.
أسامة بن لادن
أسامة بن لادن
ازداد تعاون عزام مع أمراء الحرب، وبدأ في دخول مناطق الحدود الجبلية من خلال شركات مقاولات أسامة بن لادن، من أجل إقامة المعسكرات والإنشاءات اللازمة لحماية أمراء الحرب من الضربات الجوية السوفيتية.
كان عزام قد سبق له أن اقترب من المهندس الشاب أسامه بن لادن، إبان فترة إقامته في المملكة السعودية، الأمر الذي نشأت معه علاقة وثيقة بين الرجلين، انجذب على إثرها بن لادن لأفكار عزام، وتأثر بدعوته إلى الجهاد العالمي وتكوين قوة منظمة لتغيير أوضاع الأمة، وتحول الشيخ إلى أب روحي ومعلم للشاب بن لادن، وسرعان ما أبرم الرجلان أهم صفقات الأسلحة مع مسئولي الـ CIA عام 1986، وبعد أسبوعين تسلما أخطر وأهم الأسلحة الثقيلة.
استمر عزام في جلب الشباب إلى أفغانستان بمساعدة الإخوان، وتحت سمع وبصر الأمريكان؛ لتدريبهم والدفع بهم في خضم المعركة ضد السوفيت، حتى معركة جلال آباد الشهيرة التي تم الغدر فيها بالمقاتلين العرب من قبل المخابرات الباكستانية، أحس عزام بالخطر يقترب نتيجة قرب انتهاء الحرب وإعلان السوفيت عزمهم الانسحاب من أفغانستان، واستطاع الإخوان طوال تلك السنوات أن يكونوا ثروة طائلة من عملهم كمقاولي أنفار للولايات المتحدة، قدرها الخبراء في واشنطن بستين مليار دولار، لا يعلم عنها شيئا سوى رجلين: أحدهما توفي وهو مصطفى مشهور، والآخر حي يرزق وهو مهدي عاكف المرشد العام السابق للجماعة.
ويبدو أنه في هذا الوقت كانت مهمة الإخوان ورفاقهم من الجماعات المقاتلة الأخرى قد انتهت، فقد دحر الدب الروسي وأعلن الانسحاب من أفغانستان، وبقي مشروع عزام والإخوان قائما، وهو تأسيس قوة انتشار سريعة تساعد الجماعة عند الطلب في عدد من البلدان، أهمها البلدان ذات الأقلية الإسلامية في كوسوفو والفلبين، وعدد من الدول الأوروبية.
بينما كان يرى المتشددون الإسلاميون من تنظيمي الجهاد والجماعة الإسلامية، ضرورة نقل المعركة إلى بلدانهم للجهاد ضد ما أسموه أنظمة الحكم التي لا تحكم بما أنزل الله.
كان الأمريكان على الخط، مرجحين رؤية التنظيمات الجهادية، في محاولة لإبعاد المتطرفين الإسلاميين عن مناطق النفوذ والتحرك الأمريكي، دون أدنى اهتمام بما يحدث في تلك البلدان العربية والإسلامية من جراء تلك النظرية.
 وبدأ صراع علني بين الاتجاهين: الجماعات الجهادية المصرية من ناحية، وعزام من ناحية أخرى، انتهى بمقتل عزام عام 1989 بعبوة متفجرة زرعت في الطريق بين منزله والمسجد.

محاولات للإيقاع:

ضياء الحق
ضياء الحق
 سبقت محاولة اغتيال عزام محاولات عديدة للإيقاع بينه وبين السلطات الباكستانية، تدخل الإخوان على الفور لتداركها، أهم تلك المحاولات يرويها عزام في مذكراته عندما استنجد بزينب الغزالي في إحدى زياراتها الخاصة لباكستان، عندما كان ضياء الحق رئيسا للوزراء، كان الرجل وزوجته يكنان لها محبةً وتقديراً خاصاً، وقبل مغادرتها باكستان سألها ضياء الحق إن كان لها مطلب خاص من باكستان، فأجابت: نعم ابني الوحيد لديكم وأريد وعداً بحمايته.
وسألها الرئيس متعجباً: هل لك ولد في باكستان ولا نعلم به؟ قالت: نعم؛ الدكتور عبد الله عزام. فوعدها الرئيس بأنه في أمان طالما أنه موجود.
بناظير بوتو
بناظير بوتو
وبالفعل لم يقتل عزام إلا بعد رحيل ضياء الحق ومجيء بناظير بوتو للحكم في عام 1989.
كان الوضع قد استقر كثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، وجاءت انتخابات عام 1979، وظهر مجلس شورى جديد عام 1980، وبدأ العمل في توحيد صفوف الجماعة، وشرع في بناء إطار تنظيمي سليم.
بوابة الحركات الاسلامية
كما تطور اتحاد الطلاب المسلمين عام 1980 ليصبح الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA) التي تضم جموع المسلمين من المهاجرين والمواطنين ولتصبح نواة للحركة الإسلامية في أمريكا الشمالية، وقد تطورت الجمعية الإسلامية بشكل واضح في الثمانينيات، لكن قيادة الإخوان وتوجيههم لها بدأت تقل بشكل تدريجي، نظرا لندرة تواجدهم بها.
ولذلك تمحورت الخطة الخمسية الثانية التي وضعتها الجماعة، حول البناء الذاتي وتوطين الدعوة، ومن ذلك محاولة زيادة تأثير الإخوان في منظمات تستهدف المهاجرين المسلمين الشباب، وهو ما أكد عليه الموجز بالقول: "توطين الدعوة والعثور على أسس دائمة في المدن التي يعيش بها الإخوان حاليا حتى تكون نقاط التقاء للإخوان القادمين".
دولة إسلامية أم حصن يرعى الوافدين؟
كانت المشكلة الرئيسية أمام قيادة الجماعة هي تحديد ماهية الهدف والحركة أمام كوادر الجماعة في أمريكا، فهل هدف التنظيم هناك هو إقامة الدولة الإسلامية أم تأسيس حصن يأوي الوافدين إليه؟!
كان ذلك هو السؤال الذي حاولت دراسة مهدي عاكف- التي سبق وأن أشرنا إليها- الإجابة عليه، وفي هذا السياق تقول الدراسة:
حسن البنا
حسن البنا
"يوجد أيضاً لبس في الهدف والغاية، وهل من أجل إقامة دولة الإسلام في أمريكا أو مجرد حضن يرعى الوافدين، كما يوجد عدم وضوح في أذهان إخوان أمريكا بالنسبة للأصول المنهجية، وهل يتم اتباع الإطار الفكري الذي أرساه الأستاذ حسن البنا، أم يمكن تبني كتابات أخرى؟ وعما إذا كان للجماعة خطوط عريضة تحدد إطارها الفكري، كما أن اختلاف الخلفيات الفكرية والتربوية والاجتماعية والتنظيمية المختلفة قد أثر على الانسجام الفكري والتربوي؛ مما أدى إلى عدم استقرار اللوائح وضعف الموازين التي يتم اختيار القيادات على أساسها:
قضية المدنية الغربية وكيفية التعامل معها هي من نتاج عدم وضوح الفكر.
نقطة العمل الداخلي والعمل العام، ودور كل منهما في تحقيق أهداف الجماعة.
المرأة ودورها وتصور الجماعة بشأن وضعها التنظيمي وكيفية التعامل معها.
الشورى وما هي حدود المسئول العام وحدود النقد البناء، وأثر التعامل النقابي على العلاقات الأخوية.
المسائل الأمنية.. يختلف معالجتها طبقاً لطبيعة كل مسئول، وهل يتم الإعلان عن الجماعة في أمريكا أو جزء منها, وما هي الأمور التي تُكشف؟ وما هي الأمور التي يجب أن تُحاط بالسرية؟
المستويات التربوية أيضاً من المسائل التي يجب إمعان النظر فيها، حيث إن تجاوز الشروط أصبح هو الأصل وتولية أحسن الموجودين، وليس تطبيق الشروط والمراحل التربوية المختلفة.
فقه العمل العام وما يتبعه من تحديد للعلاقات مع مختلف المؤسسات وعدم وضوح التصور بشأن الاختلاط والتساهل والتعامل المالي مع الدول المختلفة، ومشاركة المرأة وغيرها من الأمور التي ما زالت محل خلاف لوجهات النظر.
بالنسبة للتكوين العضوي للجماعة فهو يتميز بالنقاط التالية:
- عدم الاستقرار وتباعد المسافات الجغرافية.
- وجود أغلبية عربية.
- وجود جنسيات مختلفة؛ مما يخلق مشكلة صعوبة التواصل؛ نظرا لاختلاف اللغة.
- وجود طبقة نادرة من المثقفين الأمريكان. 
- وجود أغلبية طلابية 70%.
- وجود أغلبية من الرجال 80%. 
- زيادة نسبة المقيمين طوعاً أو كرهاً.
- حداثة أبناء الجماعة في التنظيم.
- قلة عدد المربين والمرشدين.
- وجود مشكلات إقليمية مثل السودان.. إلخ.
- تزايد نسبي ملحوظ في الثقة بالقيادة، مثال الدكتور أحمد القاضي.
بالنسبة للموارد المالية توجه الجماعة أي موارد للاستثمار بشكل جاد ومتناسب مع حجم التنظيم المطلوب ولأهداف المقرض.
بالنسبة للتنظيم العالمي فهو يعتبر حكماً بين الإخوان في أمريكاً، كما أنه يوجه للتنظيم الأمريكي بحكم خبرة وكفاح الإخوة بالتنظيم العالمي.
فضلاً عن أن هناك عوامل معتبره في تكوين نشاط الإخوة في العمل العام والخاص بتنظيم أمريكا– فإن تواجد العديد من الجماعات الإسلامية على الساحة الأمريكية يجب أيضاً أن يكون محل الاعتبار، بما في ذلك تبديد جهود العديد من الإخوة في مناطق أمريكا المختلفة، وهذه الجماعات أو المجموعات يمكن تقسيمها إلى نوعين:
أولهما: جماعات مصدرة من الشرق مثل السلفيين، حزب التحرير، تنظيم الجهاد والتبليغ والدعوة، وغيرها، بمعنى أن كل جماعة موجودة في الشرق يوجد فرع لها في أمريكا، ولكن تختلف كل تلك الجماعات تبعاً لاختلاف ثقلها في المشرق.

رشاد خليفة
رشاد خليفة
ثانيهما: جماعات أو مجموعات ناشئة من البيئة الأمريكية، مثل مجموعة رشاد خليفة، ومجموعة المركز الإسلامي في لوس أنجلوس، وغيرها، وهي مجموعات لا تمثل أي ثقل فيما عدا المدينة أو الولاية المتواجدة فيها، ولكن لها العديد من الأنشطة داخل مراكزها؛ مما يؤثر على أنشطة الإخوة في تلك المناطق.
والملاحظ- والكلام ما زال لمهدي عاكف من دراسته التي قدمها لمكتب الإرشاد عام 1991- أن كثيراً من تلك الجماعات أو المجموعات المنتشرة في الولايات الأمريكية يستدرج الإخوة في تلك الولايات للخلاف وإثاره النعرات؛ حتى وصلت في بعض الولايات إلى التشابك بالأيدي، كما حدث مع إخوة التبليغ في بعض الولايات؛ وهدفهم من ذلك إظهار أهميتهم والتشويش على العمل الإخواني في تربية وتكوين واستيعاب الأفراد، فقلما نذهب إلى أي منطقة وتكون تلك المنطقة بها وجود لتلك الجماعة، إلا ويكون معظم التساؤلات والاستفسارات عبارة عن شكوى وطلب النصيحة عن كيفية التعامل مع هذه الجماعة وهؤلاء الأفراد، وننسى دائماً الهدف الأسمى والأهم ألا وهو استيعاب الأفراد القادمين من الشرق ونشر الدعوة الإسلامية في الغرب. 
الإخوان وأمريكا الحلقة (4)
بوابة الحركات الاسلامية
مهدي عاكف يكشف في تقريره لمكتب الإرشاد:
إخوان أمريكا حائرون بين العلنية والسرية.
والتقرير يرصد محاذير الانتقال إلى العلانية.
أمن التنظيم وقيادته وأفراده خاصة القادمين والعائدين إلى الشرق.
انخفاض مستوى الالتزام الحركي أو الفكري أو التربوي.
إحراج تنظيمات الجماعة في الشرق.
أغلبية التنظيم من الطلاب ومعظمهم سيرجع إلى بلده وفي ظهوره خطر عليه.
العلنية تحفز السلطات المحلية في أمريكا مما قد ينتج عنه موقف مضاد للجماعة.
وفي النهاية الجماعة أوجدت تنظيما سريا وآخر علنيا تحت قيادة واحدة.
نائب رئيس المكتب السياسي لحماس كان مسئولاً عاما عن فرع الإخوان بأمريكا.
نواصل القراءة في التقرير الذي قدمه مهدي عاكف لمكتب الإرشاد في مصر بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية.
فمن الواضح أن فرع الجماعة في أمريكا كان يعيش في ذلك الوقت جدلاً حول السرية والعلنية وأيهما أفضل للعمل؟ يقول مهدي عاكف تحت عنوان "سرية وعلانية الدعوة": "تعرضنا فيما سبق لنقطة الأمن والسرية، وأثر ذلك في النشاط الإخواني في أمريكا، ونظراً لأهمية هذه النقطة وما تثيره دائماً من لغط بين أفراد الجماعة المتنوعة المشارب، فإننا نود أن نطرح هذه القضية بشيء من التفصيل..
أ‌- أسباب الدعوة العلانية:
- اتساع العمل الإسلامي وعدم وجود الصيغة المناسبة لاستيعاب الجاليات.
- التخطيط طويل الأمد يحتاج قيادة دائمة ولوائح وقوانين ثابتة.
- الأعراف الأمريكية ضمنت حرية التعبير والتنظيم.
ب‌- حاجة ملموسة لمتحدث رسمي للجماعة في أمريكا.
- خروج القيادة للجماهير تملأ الفراغ القائم حالياً عن عدم وجود قيادة إسلامية.
- ظهورنا للناس يحسن صورة المسلمين والإخوان لدى الرأي العام الأمريكي.

 محاذير الانتقال إلى العلانية
- أمن التنظيم وقيادته وأفراده خاصة القادمين والعائدين إلى الشرق.
- انخفاض مستوى الالتزام الحركي أو الفكري أو التربوي.
- إحراج تنظيمات الشرق.
- الخوف من الاحتداد مستقبلاً من طوفان الجماهير المقبلة.
- كيفية الجمع بين إخوة سريين وآخرين علنيين في تنظيم واحد.
- قلة الكفاءات القيادية السرية لقيادة تنظيم علني.
لكل عنصر من العناصر السابقة أو الأسباب أو المحاذير لها وجاهتها؛ لذلك فإن هناك عدة بدائل سوف نعرضها باختصار..

بوابة الحركات الاسلامية
1. أن تكون الإسنا (ISNA) وهي الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية هي الشكل العلني للعمل الدعوي بإجراء بعض التعديلات في نظامها ولوائحها.
2. أن يكون هناك تنظيم عام وآخر خاص منفصلان تماماً وذو قيادتين منفصلتين.
3. أن يكون هناك تنظيم واحد وقيادة واحدة وذات فرعين أحدهما علني والآخر سري.
4. أن يظل الأمر كما هو عليه الآن، وأن أي تصرف فيه سرعة يجب ألا نقوم به الآن.
رؤية قيادة الجماعة في أمريكا
ويواصل مهدي عاكف بعد ذلك عرض رؤية القيادات الإخوانية في أمريكا لفكرة السرية والعلنية وجدوى أي منهما للعمل، فيقول في ورقة تحمل عنوان "صورة عن الأوضاع في أمريكا حسب الواقع":
1. يسيطر الآن على اهتمامات الإخوان في أمريكا موضوع العلنية والسرية بشكل واضح، ولم يقتصر الأمر على الإخوة المسئولين ولو من المستويات الأولية "نقيب أسرة وما فوق"، بل أصبح حديث كل القاعدة، وتساؤلات كل من له صلة بالعمل حتى ولو كانت صلته محدودة. وما من لقاء التقيت فيه بالإخوة إلا وطرح هذا الموضوع بشكل مكثف، وبإلحاح شديد، على الرغم من محاولاتي تهوين الأمر، والتأكيد على وحدة الصف، والالتزام بآداب الجندية. 
2. الموقف العام لأغلبية الإخوان من القاعدة وإلى مستوى أغلب القمة هو رفض التوجه إلى العلنية– ولهم في هذا تعليلات متعددة:
- منها أن الأغلبية طلاب ومعظمهم سيرجع إلى بلده وفي ظهوره خطر عليه، ومنها أن الإعلان لن يفيد الدعوة بشيء إلا إذا كان تحت اسم الإخوان المسلمين وهو ما يرفضه الداعون إلى العلنية، ومنها أن ذلك سوف يؤدي إلى تحفز السلطات المحلية في أمريكا؛ مما قد ينتج عنه موقف مضاد للجماعة، ومنها أن الإخوان سوف يفقدون سيطرتهم على المنظمات الإسلامية التي تقود العمل الإسلامي في أمريكا مثل الإسنا ورابطة الشباب المسلم العربي، وغيرها، إذ أن هذه المؤسسات تضم في إطارها كل المسلمين مع اختلاف توجهاتهم وتمايز الإخوان من خلال تنظيم جديد يثير العصبيات الفكرية ضد الجماعة، ومنها أنه ما دام التنظيم الجديد لن يحمل اسم الإخوان وهو ما أكده دعاة العلنية فلا داعي له؛ حيث إن قبضة الإخوان على المؤسسات الإسلامية العامة قوية، ويمكن العمل على زيادة الفاعلية من خلال هذه المؤسسات دون إثارة أو حرج.

عاكف يستطلع رأي قادة الجماعة في أمريكا

موسى مرزوق
موسى مرزوق
3. كان طبيعيا أن أتصل ببعض الإخوة المسئولين؛ لأوضح لهم ما لمسته وأستطلع منهم الحقيقية وكيفية معالجة موقف كهذا، وفعلا تحدثت في هذا مع الإخوة:
الأخ الأستاذ هاني صقر– وهو يقوم بمسئولية رئيس مجلس الشورى.
الأخ الأستاذ موسى مرزوق– ( نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الآن) وهو المسئول العام عن الجماعة.
الأخ الأستاذ أحمد القاضي جبري– وهو مسئول التربية في التقسيم الجديد.
الأخ الدكتور حسين إبراهيم– وهو عضو في مجلس الشورى. 
الأخ سليمان البحيري– وهو من الإخوة أصحاب الرأي ومحل استشارة الجميع. 
وقد كانت توجهات هؤلاء جميعا مختلفة في أمور، وبينها اتفاق في بعض الأمور.

هاني صقر
هاني صقر
الأخ هاني صقر
يرى أن العلنية ستسبب إشكالات متعددة أغلبها تتفق مع ما ذكرته في البند 2، ويرى أنه إذا كان لا بد من العلنية فحتى يتحقق التمايز وتتأصل الهوية والولاء لا بد من إعلان اسم الإخوان على الرغم من مخاطر ذلك، كما ورد سابقاً. 
وموقفه قائم على عدم الثقة مطلقا في أصحاب معهد الفكر (يقصد المعهد العالمي للفكر الإسلامي) وهم في رأيه أصل هذا التوجه الجديد، ويرى أن الدكتور القاضي متأثر بهم إلى حد بعيد ويتبنى رأيهم ويدافع عنهم، وذلك– حسب قوله– يشكل حرجا شديدا للإخوان جميعاً.. إذ يهمهم في الدرجة الأولى وجود الدكتور القاضي بينهم قائدا وموجهاً دون أن يكون له ارتباط بمجموعة معهد الفكر. ويعلل نفور الإخوان جميعاً من هذا التوجه الجديد بأن دور هذه المجموعة بارز فيما طرح من تصور للعمل من خلال هذا التوجه الجديد، وأكد هذا وزاد من حساسية الموقف أن الذي أعلن التصور وتولى شرحه هو الدكتور جمال برزنجي، وأنه قبل إعلان التصور أشاع ما فيه على أنه واقع مقرر ومحدد المواقيت وزمن التنفيذ وخطواته.
ويرى كذلك أن التصور الذي طرحته اللجنة الثلاثية برئاسة الأخ الدكتور نبيل صفوت صيغة ملائمة وبخاصة أن غالبية الإخوة وافقوا عليها.. ومن مقترحاته للعلاج أن يعالج موقف الدكتور القاضي، في رأيه هو المشكلة الأساسية وبعده عن مجموعة المعهد هو الحل الذي يرضي الجميع.. واقترح أن يوفد مكتب الإرشاد لجنة لحل المشكلة إذ أنها تزداد مع كل يوم تعقيداً. 

نبيل صفوت
نبيل صفوت
الأخ موسى أبو مرزوق 
كان يشغل وقتها منصب نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، ويرفض هو الآخر العلنية ويرى أن يكون هناك قسم للعمل المحلي– وفعلاً قال بأن هذا القسم قد أنشئ وعهد إلى الدكتور القاضي تنظيمه والإشراف عليه. وأعطى القسم صلاحيات واسعة في كل المجالات من تجنيد وإدارة المؤسسات العامة وتوطين الدعوة، واتخاذ الأساليب التي يراها في أنشطته، ولكن الدكتور القاضي لا زال يرفض العمل من خلال هذا القسم. كما رفض العمل من داخل مجلس الشورى ورفض المسئولية العامة عن الجماعة– على حد قول الأخ موسى– ويقول إنه أمام الإلحاح على الدكتور القاضي بضرورة البدء في تنظيم هذا القسم قام بجمع مجموعة من المستوطنين، عددهم 33 فقط، وأغلبهم من العاملين في المؤسسات العامة. وتوجهاتهم مع توجهات مجموعة معهد الفكر. على الرغم من وجود فئات غيرهم من أحسن الإخوان، على حد قوله، ويرى أن الرأي المنبثق عن هذه المجموعة لا يمثل رأي المستوطنين من الإخوان. ويرى أن هؤلاء هم الذين حولوا دعوة التوطين إلى مشكلة السرية والعلنية ليكون الطريق مفتوحاً أمام مجموعة معهد الفكر للسيطرة على الجماعة وتوجيهها من خلال رؤيتهم وتطلعاتهم ويزيد الأخ موسى أن هذه المجموعة بنت توجهاتها نحو العلنية واتخاذ الخطوات من خلال مجموعات بذاتها على قناعتهم بأن أعضاء المؤتمر التنظيمي وكذلك مجلس الشورى لا يمثلون الإخوان في أمريكا تمثيلاً حقيقيًّا، وبالتالي فإنهم لا يستطيعون حل المشكلة. ويرون أن الحل لا بد وأن يأتي من القيادة العليا. وقد أجاب الأخ موسى على سؤال وجهته إليه بأن المشروع الذي طرح أولا عن طريق اللجنة الأولى وأعلنه الدكتور برزنجي قد وافق عليه مجلس الشورى بالإجماع، فما سبب التراجع عن هذه الموافقة- أجاب بأن المشروع حين عرض على القاعدة رفضته رفضاً باتا. وعلى هذا أعلن الإخوة في مجلس الشورى سحب موافقتهم، ولما عرض الأمر على المؤتمر التنظيمي لم يحظ إلا بصوتين فقط من 60 صوتا تقريبا، وعلى هذا تم الاتفاق على تكوين اللجنة الثلاثية برئاسة الدكتور نبيل صفوت لتقديم تصور وسط، وفعلا طرح هذا التصور ووافق عليه الإخوان جميعاً: مجلس الشورى، ومسئولو المناطق، ولم يرفضه غير الدكتور القاضي.
ويرى الأخ موسى أن المشكلة تتجسد في المخاوف من تسلل مجموعة معهد الفكر إلى مركز القيادة، والشكوك حولهم كثيرة، بل وبعضها يصل إلى حد التأكد، وهناك علامات استفهام حول علاقتهم بالسعودية ومخابراتها، وأن توجهاتهم كلها خارج نطاق الجماعة، بل يدعمون كل مناوئ لها، ويحضرون مؤتمراتهم ويدعمونهم بالمال الكثير، في الوقت الذي لا يسهمون فيه مع الجماعة وأنشطتها بشيء، زيادة على أنهم لا يرون أن لقيادة الجماعة في أمريكا حق الطاعة أو التوجيه، ويستقلون استقلالا كاملاً يطرحون من خلاله توجهاتهم على أنها توجهات عالمية خاصة لا صلة لها بالدعوة. ومن هنا كانت مخاوف الإخوان منهم. وانتقد الأخ موسى تصعيد الدكتور القاضي للمشكلة خارج إطار أمريكا. وقد طلب إذا كانت هناك نية لحضور إخوة مسئولين للإسهام في حل المشكلة أن يكون ذلك أثناء انعقاد مجلس الشورى وسيكون ذلك يومي 5، 6 من مايو، ويقول إنه يمكن تأجيل هذا الموعد لعدة أيام لكن يلزم إخطارهم قبل الموعد بوقت كاف. 
ويرى الأخ موسى بأن القضية لو حلت مع الدكتور القاضي لانتهى كل شيء؛ ليظل العمل من خلال الموثوقين فيهم من الإخوان. 

العلانية لجزء فقط من التنظيم

أحمد القاضي
أحمد القاضي
الأخ الدكتور أحمد القاضي جزاه الله خير فقد حضر خصيصاً لمناقشة هذا الأمر إلى نيوجرسي وعلى مدى أربع ساعات تقريباً دار الحديث حول المشكلة على النحو التالي:
أولاً: عرض الدكتور القاضي لتاريخ العمل الإسلامي في أمريكا ودور مجموعة معهد الفكر فيه وبخاصة دكتور جمال برزنجى أيام أن كان طالباً.
ثانياً: حدد عدة نقاط أهمها:
1. أن عرض المشروع على الاخوة لم يكن أمينا. إذ أنه عرض على أن التنظيم كله سوف يعلن وهو ما لم يطرح. ولم يرد في التفكير.
2. أن العرض تم على أساس أنه توجهات وتصورات مجموعة معهد الفكر وأنى (الدكتور) قائم عنهم بالعرض والدفاع وهم يتسترون من خلفي وذلك انتقاص من خبرته وولائه – كما يقول – الأمر الذي يرفضه تماماً. إذ أن الحقيقة أن هذا رأيه قبل رأى هؤلاء، ولا يعيب رأيه أنه توافق مع رأى الآخرين. 
3. قرر الدكتور القاضي أنه يفهم مجموعة المعهد فهما عميقاً لم يصل إليه أحد من الأخوة الثائرين حتى الآن. وتجربته وخبرته ليستا بهذه البساطة التي يظنها الإخوان . 
4. يرى الدكتور القاضي أن العمل في توطين الدعوة لا ينفع فيه إلا المستوطنين وحدهم وهو لذلك يرى أن يكون العمل خاصاً بهم لأنهم أدرى بظروف البيئة ومتطلباتها وأخبر بشئون الحياة ومشكلاتها في أمريكا. 
5. يرى كذلك أن التشكيلات الموجودة الآن كنظام للجماعة لا تمثل الجماعة تمثيلاً صحيحاً وبالتالي لا تصلح لإصدار قرار سليم يتعلق بمستقبل الدعوة في هذه البلاد. إذ أن هذه التشكيلات تتحكم فيها الأغلبية الجنسية بصرف النظر عن أي شيء آخر وعلى هذا– في رأيه - فإن قرارات المؤتمر التنظيمي ومجلس الشورى وغيرهما لا تعبر عن الحقيقة ولا تواكب الواقع. ومن أجل هذا فقد رفض العمل مسئولا أو عضوا في مجلس الشورى ما دام الوضع على ما هو عليه. 
6. يرى الدكتور القاضي أن الأصل أن يكون المستوطنون هم التنظيم الأساسي. وما عداهم يكونون مشاركين من خلال تعليمات التنظيم وتوجهاته ورؤيته شأنهم في هذا شأن أي مجموعة وافدة على إقليم من الأقاليم في الشرق فمهما كانت كثرتها حتى ولو فاقت في عددها عدد أبناء الإقليم فإن تعليمات الإقليم ورؤيته ونظمه تظل منطلق العمل الملزم لهؤلاء مهما كان عددهم. وهذا – كما قرر وأكد – هو الأصل عنده. 
7. لكنه قبل أن يتنازل عن هذا الأصل بعض الشيء ليعمل من خلال قسم العمل المحلى شريطة تغيير الواقع التنظيمي الموجود بحيث لا تكون الأغلبية هي صاحبة القرار من خلال من تنتخبهم لعلاقات وطنية في الغالب. لذا فقد وضع لائحة لهذا القسم تضمنت عددا من البنود أهمها: 
أ – أن تكون عضويته من المستوطنين الموثقين. 
ب- أن تكون لغة القسم الإنجليزية. 
ج- ان يكون للقسم حريات كاملة في كل المجالات من صناعة القرار ووضع الخطط والبرامج وقواعد التجنيد ووسائل العمل. وغير ذلك.
د- أن يتم كل ذلك بموافقة المكتب أولا. ثم مجلس الشورى إن اقتضى الأمر. 
هـ- أن يكون رأي القسم هو النافذ فيما لو أن المكتب رأى غير رأيه ويعرض الأمر على مجلس الشورى فإن وافق القسم نفذ ما يراه وإلا فإن على مجلس الشورى وهيئة المكتب التنازل عن رأيهم لأن القسم هو المتخصص في مجاله والتخصصات أهم ما يفيد في العمل. ويجب ألا توضع عليها قيود (كما قرر).

أحمد بان
أحمد بان
8. يقرر الدكتور أحمد بأن أحدا من الإخوة القائمين بالعمل حاليا لا يصلح لقيادة أي مؤسسة عامة وبخاصة مؤسسة (الإسنا)، (النيت) ولا يقوم بهذا بجدارة إلا المستوطنون. وأن لديه من هؤلاء عددا كبيرا يقومون بهذه المهام وهم في نفس الوقت من الموثقين توثيقا كاملاً. 
9. ثم ذكر الدكتور أحمد أنه على الرغم من الجهد الذي بذله في إعداد هذه اللائحة إلا أنه متأكد من أنها سترفض من كل تشكيلات الإخوان لأنها تشكيلات عرقية قبل أن تكون دعوية. 
10. يرى الدكتور القاضي أنه لا بد من قرار من القيادة العليا في هذا الأمر. إذ أن القاعدة لم تعد تحترم رأي القيادة المحلية هناك. 
ولما سألته وكيف تضمن التزام القاعدة بتنفيذ أمر القيادة العليا والشأن كما تقول. قال: أعتقد أنها ستنفذ وهنا عارضه كل من الدكتور حسين إبراهيم، والأخ سليمان البحيري والشيخ عبد المتعال الجبري. 
الإخوان وأمريكا الحلقة (5)
بوابة الحركات الاسلامية
الإخوان يرفضون العمل العلني في مصر متعللين بالمعوقات
فلماذا رفضوا إذن العمل العلني في أمريكا؟!
ولماذا أقاموا تنظيما برأسين في واشنطن؟
وهل يعني هذا أننا أمام تنظيم بثلاث رءوس في مصر؟
الإخوان يقارنون بين تحسين صورة المسلمين في الغرب
وبين الحفاظ على أمن التنظيم وقياداته فيرجحون أمن التنظيم
الجماعة تؤيد غزو صدام للكويت
لفتح الطريق للأمريكان للقدوم إلى المنطقة
مفوض العلاقات الخارجية للتنظيم
يلتقي بوش الأب وكلينتون ويعرض مساعدة الإخوان
والأمريكان يردون بإرسال مراقبين لحضور جلسات 
محاكمة التنظيم في مصر
ونواصل مع مهدي عاكف وتقييمه للأوضاع في فرع الإخوان بأمريكا، ورأي قيادات الجماعة هناك حول موضوع سرية وعلانية الدعوة؛ إذ يكتب عاكف حول لقائه مع الشيخ عبد المتعال الجبري مؤكدا:
حضر الشيخ عبد المتعال الجبري اللقاء مع الدكتور القاضي، واستمع إلى عرضه، لكنه لم يبد رأيًا فيما عرضه الدكتور القاضي في الجلسة إلا مجرد استفسارات، ومن أهمها استفسار عن مدى ولاء الإخوة الذين ذكر الدكتور القاضي أنهم أهل لتحمل مسئولية المؤسسات العامة بجدارة. وقوبل هذا الاستفسار من الدكتور بامتعاض؛ إذ رأى فيه شكا في خبرته وتقويمه للأفراد. 
لكن الشيخ عبد المتعال بعد ذلك أبدى وجهة نظره لي على انفراد وخلاصتها ما يأتي: 
1. أن مجموعة معهد الفكر لا تمثل الدعوة لا شكلاً ولا مضموناً، وأنهم يحاولون احتواء العمل والسيطرة عليه لتوجهه حسب ما يريدون وهم غير مأمونين. 
2. أن الدكتور القاضي مؤازر لهم على طول الخط- حسب قوله- ويتبنى آراءهم، ويستميت في الدفاع عنها. ويتشكك الشيخ فيما ذكره الدكتور القاضي من أنه يعرفهم معرفة تامة ويعلم كل شيء عنهم. 

موسى أبو مرزوق
موسى أبو مرزوق
3. أن الأخ موسى أبو مرزوق ليس محدد الموقف؛ فهو مع الدكتور القاضى يوافقه ومع غيره يعلن رفضه. 
4. أن الأخ موسى يحاول– حسب رأي الشيخ– توجيه التنظيم كله وجهة فلسطينية، بحيث يكون جل النشاط حول قضية فلسطين. 
5. أن من أسباب الخلل تعصب أبناء الخليج والكويت والعراق وكثير من الفلسطينيين لتوجهات الأستاذ "الراشد" في التربية والحركة. وذلك يؤدي بهم إلى التحرر من كثير من قواعد الالتزام الحركي والمنهجي العام. 
6. يرى أنه يجب توجه النظام كله هناك إلى التربية أولا. وبخاصة أن مسئوليته الآن هي التربية. 

بوابة الحركات الاسلامية
7. يرى أن توجه الدكتور القاضي يعتمد على كثير من الباكستانيين وهؤلاء- حسب قوله– ليسوا على مستوى فقه الجماعة منهجياً ولا حركياً؛ إذ هم يتبعون توجهات الشيخ أبي الأعلى المودودي ويؤثرون التمايز عن العرب، ويدعون إلى سيطرة الإنجليزية على العربية، وهو ما يراه الشيخ عبد المتعال خطراً جسيماً، يؤدى إلى مزيد من التفكك والخلل في الثقافة والعلاقات. 
وإن كان لي من تعليق فإني أستأذن في طرحه على النحو الآتي: 
1. الوضع هناك يحتاج إلى تدخل حاسم وسريع يراعي التوازن الذي يجمع بين كل التوجهات؛ حتى لا يعتبر فريق أن القرار مؤيد لجانب دون جانب.
2. الواضح من الواقع أن الثقة مفقودة الآن بين الجميع وهو مكمن الخطر.
3. منهج التربية هناك يساعد على وهن الالتزام؛ إذ أن الجانب الإدارى يكاد يسيطر على العلاقات سيطرة شبه كاملة، والجانب التربوي يقوم على أساس المدخل الثقافي وحده والتوسع فيه توسعاً قد يكون في معظمه غير ملائم لمستويات الأخوة الدعوية، بينما جانب التربية الروحية، وإحياء القيم ومعايشتها، وتأصيل الانتماء للدعوة، وتعميق فقه الجندية وضوابط الأداء، كل ذلك يكاد يكون غير موجود، فالمخيمات والدورات تخلو من هذا تماماً. وهو ما رأيته وعايشته. ولعل هذا أحد الأسباب الأساسية في فتح الطريق أمام التعصب للآراء وكثرة المجادلات وحدتها أثناء عرضهما مما قد يصل إلى حد تجريح كل طرف للآخر.
4. إن العمل السريع– في رأيي– يقتضي الوصول إلى قرار حاسم وملزم يفرض تسكين هذه الخلافات، وعدم السماح بالحديث عنها مجرد حديث وتشكيل مجموعة تسوية تنشط في طرح المفاهيم الصحيحة لفقه الدعوة، وتعميق قيم الجندية، والحب، والأخوة، والتجرد وصدق القصد، والذلة على المؤمنين. على أن تكون رسائل الإمام الشهيد مدخلا رأسيا في التربية والتوجيه. وأن نكون الأساس الذي لا ينازعه سواه مهما كانت مصادره. 
5. والأمر يقتضي أن يقوم المسئولون بواجبهم في الاتصال بالقواعد على الأسس السابقة، وأن يتم ذلك بدقة تامة والتزام متين.
6. والوضع أولاً وأخيراً يحتاج إلى تكثيف الزيارات إلى هذه البلاد وبخاصة من مصر. وأن تكون مهمة هذه الزيارات التأصيل التربوي قبل كل شيء. والعمل على توثيق علاقات القيادات بعضها ببعض. 
7. الكل هناك مجمع على ضرورة قيام المسئولين هنا بزيارة قريبة لمعالجة هذه المشكلات. وقد يكون من الموافق ما اقترحه الأخ موسى من موعد انعقاد مجلس الشورى 5، 6 مايو بشرط إخبارهم أولاً.
إلى هنا تنتهي دراسة عاكف التي ترسم بوضوح حجم الجدل الذي أثير في بداية التسعينيات حول سرية وعلانية فرع الجماعة بأمريكا.
ملاحظات مهمة
رأينا كيف أن الأغلب الأعم من قيادات الجماعة في الولايات المتحدة الأمريكية، يرفض فكرة العمل العلني، خشية من عدة مخاوف حصرها عاكف في الآتي:
- أمن التنظيم وقيادته، خاصة هؤلاء القادمين والعائدين من الشرق.
- انخفاض مستوى الالتزام الحركي أو الفكري أو التربوي.
- إحراج تنظيمات الشرق، خاصة مع الدول الصديقة لأمريكا.
- الخوف من الاحتداد مستقبلاً من طوفان الجماهير المقبلة.
- كيفية الجمع بين إخوة سريين وآخرين علنيين في تنظيم واحد.
- قلة الكفاءات القيادية السرية لقيادة تنظيم علني.
بوابة الحركات الاسلامية
وعرض عاكف عدة بدائل للخروج من الأزمة أهمها :
1. أن تكون الأسنا(ISNA) وهى الإتحاد الإسلامى في أمريكا الشمالية هي الشكل العلنى للعمل الدعوى بإجراء بعض التعديلات في نظامها ولوائحها.
2. أن يكون هناك تنظيم عام وآخر خاص منفصلين تماماً وذات قيادتين منفصلتين.
3. أن يكون هناك تنظيم واحد وقيادة واحدة وذات فرعين أحدهما علنى والآخر سرى.
4. أن يظل الأمر كما هو عليه الآن وأن أى تصرف فيه سرعة يجب الا نقوم به الآن."
ونواصل مع مهدى عاكف عرضه لرؤية القيادات الإخوانية في أمريكا للفكرة ( فكرة العمل العلني )، ولنا على هذا الموضع ثلاث ملاحظات :
الأولى: يشتكي الإخوان دائما من فكرة التضييق عليهم في الدول العربية وبخاصة مصر، ويروجون عبر خطابهم العلني، انهم لا يحبذون أي عمل سري، لولا تلك المعوقات القانونية التي توضع في وجه أي تحرك للجماعة نحو العلانية، والسؤال لماذا رفضوا التوجه للعمل العلني في أم الديمقراطيات ( في أمريكا) وحبذوا العمل السري .
الثانية : إذا كان الإخوان، وفي قلب الولايات المتحدة الأمريكية أقاموا تنظيم برأسين ( عام وسري)، فلماذا دائما ينفون أن لديهم تنظيم سري في مصر، على الرغم من تأكيد عدد من قياداتهم الكبار لوجود مثل هذا التنظيم، في مقدمتهم الدكتور عبد الستار المليجي .
الثالثة :أن الإخوان عندما قارنوا بين محبذات العمل العلني وفي مقدمتها، تحسين صورة المسلمين في الغرب، وبين محبذات العمل السري، وفي مقدمتها الحفاظ على أمن التنظيم وقياداته، رجح الإخوان أمن التنظيم على تحسين صورة المسلمين، فلماذا ينكرون دائما أمام الشاشات البراقة، أنهم دائما ما يقدمون مصلحة التنظيم على مصلحة الأمة، وهو الأمر الذي أكده عددا من قياداتهم أيضا، وفي مقدمتهم أبوالعلا ماضي وثروت الخرباوي ..وآخرين.

بوابة الحركات الاسلامية
حرب الخليج
في هذا الوقت كانت الجماعة الأم تعيش أجواء مختلفة، فبعد نهاية حرب أفغانستان وتأكد المخابرات الأمريكية من قدرات الجماعة على الحشد والردع، جاءت حرب الخليج لتصنع المحطة الثانية في التعاون الأمريكي– الإخواني المثمر.
عاودت المخابرات الأمريكية الاستعانة بالإخوان في تهيئة الأجواء بمنطقة الخليج؛ من خلال إظهار دعمهم للرئيس الراحل صدام حسين ومباركتهم لخطته "غزو الكويت". حيث أوفدت الجماعة مجموعة من قياداتها من بينهم أعضاء بارزون بنقابة المحامين بمصر لمقابلة صدام حسين وأقنعوه بوضع لفظ الجلالة‏ (‏ الله أكبر‏)‏ على العلم العراقي، لأهمية إضفاء الصبغة الدينية على خطابه السياسي، وإطلاق مسمى الحرب المقدسة على غزوه الغادر للكويت التي استقبلت أعدادا كبيرة من الإخوان الهاربين والمفرج عنهم من سجون عبد الناصر إبان سنوات محنتهم، واستقروا فيها وأكلوا من خيرها ثم اعتبروها فيما بعد بمثابة "بيت المال" للتنظيم الدولي،‏ فكان رد الجميل هو مساندتهم ومباركتهم ودعمهم لصدام في نهب ثرواتها‏.

نايف بن عبد العزيز
نايف بن عبد العزيز
طبعا جميعنا يذكر تنكرهم لجميل السعودية، التي فتحت لهم ذراعيها إبان محنتهم الأولى مع عبد الناصر، عندما ساندوا إيران في حربها ضد العراق "في حرب الخليج الأولى"، ولكنها الميكافيلية في أبهى صورها، تلك التي دفعت بسمو الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي، إلى التصريح بأن الإخوان كانوا أساس البلاء في المملكة. ‏
محمد حامد أبو النصر
محمد حامد أبو النصر
ووفقا للسيناريو المتفق عليه احتلت القوات العراقية الكويت لإيجاد مبرر لأمريكا للتدخل بدعوى مساندة الكويت وطرد المحتل العراقي وترتب عليها لجوء إخوان الكويت لتجميد عضويتهم في التنظيم الدولي للإخوان، وقيام الدكتور إسماعيل الشطي‏ "المتحدث الرسمي بإسم إخوان الكويت‏" بإجراء محاكمة صورية لمرشده الأعلى في ذلك الوقت "محمد حامد أبو النصر" ردا على تأييد التنظيم لغزو صدام لبلاده‏.
كانت العلاقات الأمريكية الإخوانية في ذلك الوقت في أعلى مستوياتها، وهو ما أكده يوسف ندا مفوض العلاقات الخارجية للجماعة، الذي ذكر"أنه قابل الرئيسين الأمريكيين، بوش الأب وبيل كلينتون، خلال حقبة التسعينيات، وعرض عليهما توسط الإخوان لأمريكا في بعض القضايا المثارة مع دول في العالم الإسلامي، مضيفا أنه اتصل أيضا بمؤسسات داخل الولايات المتحدة- لم يحددها- من أجل ذات الموضوع، وهو ما أقر به مأمون الهضيبي مصدقا على كلام ندا.

هيلاري كيلنتون
هيلاري كيلنتون
ومن الحقائق المؤكدة في هذا الصدد: تمكن الإخوان في ولاية نيوجيرسي أحد معاقل الجماعة بقيادة فؤاد حمودة مسئول الإخوان في الولايات المتحدة من الاتصال بالسيناتور هيلاري كيلنتون "قبل أن تصبح وزيرة للخارجية"، والتي أرسلت للحكومة المصرية– عقب اللقاء- تستفسر عن ملابسات وفاة عبد الحارس مدني "المحامي المصري الذي توفي في أحد السجون المصرية آنذاك"، وهو ما أكد إمكانية وصول الإخوان للبيت الأبيض عن طريق فرع التنظيم الدولي في واشنطن.
عصام العريان-عبد
عصام العريان-عبد المنعم أبوالفتوح-خيرت الشاطر
كان حرص مسئولين في السفارة الأمريكية على حضور جلسات محاكمات الإخوان إبان حقبة التسعينيات واضحا، ولم يقف الأمر عند الحضور وإنما امتد إلى إعداد وكتابة تقارير حول تلك المحاكمات، كما حدث في القضية العسكرية الأولى عام 1995، والتي كانت تضم عددا من المتهمين الرئيسيين، في مقدمتهم: عصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وخيرت الشاطر. فقد حضر جلسات المحاكمة المسئول الثاني بالسفارة الأمريكية، كما حضر الجلسات أيضا وفد من المحامين الإنجليز، واعتبر هذا تدخلا في القضاء المصري.. كما أرسلت هيلاري كلينتون برقيات تأييد للإخوان.. مسجلة اعتراضها على المحاكم العسكرية، وهو ما نشرته صحف تابعة للإخوان في ذلك الوقت، واستمر حضور ممثلين للسفارة الأمريكية في جلسات محاكمات الإخوان حتى عام 1999 الذي شهد قضية النقابيين عام.
الإخوان وأمريكا الحلقة (6)
بوابة الحركات الاسلامية
الإخوان سعوا للقاء مسئولين أمريكيين عقب تفجيرات 11 سبتمبر
لإقناعهم بأنهم بعيدون عن التفجيرات
والشواهد تكذب ذلك
فالظواهرى يرى أن فكر قطب هو دستور تنظيم القاعدة
وعزام (عضو مجلس شورى الإخوان) هو الأب الروحي للتنظيم
مهدى عاكف أمر فرع الجماعة بالعراق بالتعاون مع الحاكم الأمريكى
وأمر فرع القاهرة بالتظاهر للتعمية على إتفاق العراق
أولبرايت وصفت الجماعة بالبراجماتية
والجماعة حاولت تنفيذ توصيات كونداليزا حول الفوضى الخلاقة على الأرض
ونواصل سرد فصلا من علاقة الإخوان بالأمريكان، فقد أكدت دراسة أعدها القسم السياسي بجماعة الإخوان، عقب التفجيرات مباشرة، على ضرورة عقد لقاءات سريعة مع الأمريكان لشرح وجهة نظر الجماعة، واقناعهم بأنها بعيدة كل البعد عن تلك المجموعات التي قامت بهذه الأحداث، فكرا وتنظيما.
كان قادة الجماعة يعرفون أنهم يكذبون، فالصلة الفكرية واضحة، عن طريق أفكار سيد قطب التي تدين بها الجماعة، والتي كانت المعين الصافي الذي استقت منه كافة الجماعات الإرهابية أفكارها، وبخاصة تنظيم القاعدة وزعيميه أسامة بن لادن والظواهري.
ويكفي ان نقرأ للظواهري هذا الكلام لنعرف حجم علاقته بقطب وافكار، يقول الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في كتابه "فرسان تحت راية النبي":" إن كلمات سيد قطب الأخيرة وهو يرفض أن يتقدم بطلب عفو من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مشدداً على (أن أصبع السبابة التي تشهد لله بالتوحيد في كل صلاة تأبى أن تكتب استرحاما)، باتت دستوراً ومنهجاً يدرسه الأصوليون (في جميع أنحاء المعمورة)، في الثبات على المبدأ. ويشدد الظواهري على أن قطب هو أول من أكد "على مدى أهمية قضية التوحيد في الإسلام، وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول لمن يكون الحكم والسلطان: لمنهج الله أو لشرعه، أم للمناهج الأرضية والمبادئ المادية، أم لمدعى الوساطة بين الخالق وخلقه. ويؤكد الظواهري "كان لفكر قطب أثره الواضح في معرفة الحركة الإسلامية لأعدائها وتحديدها لهم وإدراكها أن العدو الداخلي لا يقل خطورة عن العدو الخارجي، بل إنه الأداة التي يستخدمها العدو الخارجي والستار الذي يحتمي وراءه في شن حربه على الإسلام". ويضيف الظواهري في معرض حديثه عن خطة قطب ورفاقه في مواجهة نظام عبد الناصر "كان المعنى في هذا التخطيط أكبر من قوته المادية، فقد كان يعنى بوضوح أن الحركة الإسلامية قد بدأت خوض حربها ضد النظام (نظام عبد الناصر) باعتباره عدوا للإسلام، بعد أن كانت أدبياتها ومبادئها من قبل تؤكد على أن عدو الإسلام هو العدو الخارجي فقط". ويشدد الظواهري على أنه "بالرغم من أن مجموعة سيد قطب تم البطش بها والتنكيل بأفرادها على أيدي الحكم الناصري، إلا أن ذلك كان أعجز من أن يحد من تأثيرها المتعاظم في أوساط الشباب المسلم، فقد كانت ومازالت دعوة سيد قطب إلى إخلاص التوحيد لله والتسليم الكامل لحاكمية الله ولسيادة المنهج الرباني شرارة البدء في إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام في الداخل والخارج والتي مازالت فصولها الدامية تتجدد يوما بعد يوم". 

بن لادن- عبدالله
بن لادن- عبدالله عزام
وكان الإخوان يعرفون أنهم يكذبون بشأن الصلة التنظيمية أيضا، فالأب الروحي لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، هو الدكتور عبد الله عزام عضو مجلس شورى التنظيم الدولي، ومبعوثه إلى افغانستان. كانت خطة الإخوان ومبعوثهم تتلخص في تكوين جيش صغير، يتحول إلى قوة انتشار سريعة تستطيع الجماعة من خلالها، مواجهة أعدائها في الوقت المناسب وفي أي مكان في العالم . ولكن بعد مقتل عزام تحول هذا الجيش إلى نواة لتنظيم القاعدة، بعد أن أختطفه الظواهري ومجموعة المصريين (المتهمون الرئيسيون في مقتل عزام) واستخدموه لخدمة أغراضهم، التي جاء على رأسها مواجهة الولايات المتحدة في عقر دارها . ومن هنا جاءت أحداث سبتمبر الشهيرة .
حسان حتحوت- جورج
حسان حتحوت- جورج بوش
لقاء الرئيس بوش:
استعان الإخوان بجناح التنظيم الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أبرزهم الدكتور حسان حتحوت‏ (‏ رئيس أكبر المنظمات الإسلامية بأمريكا‏)، حيث كان‏ أول من استقبل الرئيس الأمريكي جورج بوش بالمركز الإسلامي التابع لهم في العاصمة الأمريكية، عقب أحداث‏11‏ سبتمبر مباشرة،‏ بوصفه ممثلا عن مجلس التنسيق السياسي الإسلامي الأمريكي وعن مجلس الشئون العامة الإسلامية. وجهت الجماعة من خلال حتحوت رسالة إلي الإدارة الأمريكية تؤكد فيه قدرتها على تقديم العون الجيد لواشنطن في إطار امتصاص غضب الشباب المسلم، وتحويله إلى نشاط إيجابي بعيدا عن سلبية الجماعات المتطرفة، شريطة أن تدعم أمريكا الجماعة في مواجهة تلك الحكومات الديكتاتورية –على حد توصيفهم-.

محمد مهدي - بول بريمر
محمد مهدي - بول بريمر
 وأستمرت اللقاءات في الإنعقاد، ولكن بشكل سري، حتى كان احتلال العراق، الذي أمر خلاله المرشد العام السابع للجماعة محمد مهدي عاكف (المنسق السابق للعلاقة مع الأمريكان)، جناح التنظيم الدولي في العراق ( الحزب الإسلامي العراقي بقيادة محسن عبد الحميد والإتحاد الإسلامي الكردستاني بقيادة صلاح الدين بهاء الدين )، بالتعاون مع الحاكم الأمريكي –آنذاك-بول بريمر، والمشاركة في الحكومة الانتقالية التي شكلها عقب سقوط النظام العراقي مباشرة، وهو ماتسبب في إيجاد أزمة داخل التنظيم الإخواني بالعراق وتدخل عاكف بوصفه المرشد العام للتنظيم الدولي لاحتواء تلك الأزمة وأصدر قرارا، ملتويا يؤكد على أن‏ مشاركة الإخوان في الحكومة الانتقالية يمثل شأنا داخليا للجماعة في العراق،‏ الأمر الذي ترتب عليه استقالة عدد من إخوان العراق المعارضين لتلك المشاركة وتشكيلهم جيش الخلاص الإسلامي، بينما قام بعضهم بتكوين جبهة علماء المسلمين برئاسة حارث الضاري، الذي التقى بعاكف مرتين بالقاهرة وطالبه بضرورة التدخل لإنهاء علاقة الحزب الإسلامي بحكومة بريمر، ولكن عاكف رفض للمرة الثانية معتبرا أن ذلك المر شأن داخلي يخص العراقيون وحدهم .
سعد الدين إبراهيم-
سعد الدين إبراهيم- محمد مرسي- محمد عبدالقدوس
الإخوان في النادي السويسري:
واتساقاً مع موقف الجماعة في العراق استمرت المخططات الإخوانية في مصر في فتح جسور الحوار مع الأمريكان، وبدأ الإخوان في الاتصال بالدكتور سعد الدين ابراهيم، وقام وفد من الجماعة بزيارته في منزله بالمعادي، عقب خروجه من السجن، خاصة وان وقد اقام سعد الدين علاقات جيدة ببعض قادة الإخوان الذين زاملوه في السجن، واقنعوه بضرورة القيام بدور كوسيط لتقريب وجهات النظر بين الإخوان والاوروبيين وهو ما حدث فعلا عقب خروجه من السجن، حيث رتب للقاء بين دبلوماسيين أوروبيين من سفارات بريطانيا وسويسرا والسويد، ووفد من الجماعة ضم كل من: محمد مرسي رئيس الهيئة البرلمانية للجماعة آنذاك، وعصام العريان عضو مجلس شورى الجماعة، والصحفي محمد عبد القدوس، بينما حضر من الجانب الآخر عدد من الدبلوماسيين الغربيين. دار الحوار حول إمكانيات وصول الإخوان إلى السلطة، والأجندة السياسية التي يحملونها حال وصولهم إلى الحكم، وموقفهم الحقيقي من الغرب، وقضايا الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير. 
كانت الإخوان يعتبرون تلك اللقاءات جزءا من سيناريو عام وضعته الجماعة من أجل فتح قنوات اتصال مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، لاقناعهما بقبول أن يكون للتيارات الإسلامية دورا محوريا في المنطقة على غرار التعاون الذي حدث بين الأمريكان والاحزاب الإسلامية في تركيا وباكستان، بالاضافة إلى الهدف الأهم، والمتمثل في عدم ادراج اسم جماعة الإخوان على قوائم التنظيمات الإرهابية التي تطاردها وتحاصرها واشنطن والحصول على وعد بدعم سياسي أمريكي في حال الوصول إلى الحكم، والضغط على النظام في مصر لتقبل الوجود الشرعي للإخوان.
وتكرر السيناريو نفسه مع د. سعيد النجار الذي زاره عدد من الإخوان للاستفادة من علاقاته الجيدة وتوجهاته الليبرالية لعقد لقاءات مع مسئولين في الخارجية الأمريكية لكنهم لسبب ما لم يفاتحوه في الموضوع صراحة .. بعد انتقال الحوار إلى موضوعات خلافية كثيرة بعيدة عن أهداف اللقاء وبقي في برنامج الإخوان لقاءات مع الكاتب مأمون فندي وتوماس فريدمان.
وعلى الصعيد نفسه، برز داخل الجماعة تصور آخر للإسراع في إجراء تفاهمات مع الإدارة الأمريكية، عن طريق التنسيق مع الإخوان في أمريكا وخصوصا د.حسان حتحوت رئيس احدى اكبر المنظمات الإسلامية في أمريكا، وهو احد تلاميذ حسن البنا المخلصين، بما له من علاقات جيدة بالمؤسسات الأمريكية، حيث كان أول من استقبل الرئيس جورج بوش الابن في المركز الإسلامي التابع له بعد احداث 11 سبتمبر مباشرة –كما أسلفنا-، وبدأ الإخوان بالفعل اتصالاتهم وكان مقررا ان يسافر احد أعضاء مكتب الارشاد إلى أمريكا للقاء بعض القيادات هناك خصوصا المسئولين عن ملفات الشرق الأوسط، ولكن حرب العراق أجلت هذه الترتيبات.لم تشارك الجماعة في أي تصعيد لضد الاحتلال الأمريكي في العراق، بل ساهمت، بتعليمات من مرشدها العام محمد مهدي عاكف، في تثبيت دعائمه، كما رأينا من قبل عن طريق دفع إخوان العراق للإنضمام إلى حكومة بريمر.
اعتراضات مصرية وردود أمريكية:
وعندما أعلنت السلطات المصرية عن رفضها لصيغة اللقاءات الأمريكية مع ممثلي ورموز جماعة الإخوان المحظورة والذي أصبح دوريا ومنتظما جاءت تأكيدات واشنطن أنها لا تستطع تكرار أخطائها في إيران ولهذا يجب عليها أن تتحاور وتستمع وترسل توجيهاتها وتصوراتها للجماعة التي يمكن أن تشكل حكومة في المستقبل وأصبحت هذه اللقاءات أكثر جدية وأدق تنظيما وقابلتها متابعة مصرية أمنية دقيقة وضربات للجماعة ولرموزها وسلسلة من الاعتقالات والمحاكمات لهم‏.‏
كما بادرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية بالدفاع عن الجماعة حيث اعتبرت مجلة ‏FOREIGAFFAIRS‏ أن جماعة الإخوان بوليصة تأمين ضد التطرف والإرهاب وأن التحاور معها يحقق المصالح الأمريكية لتلاقي مصالح الطرفين في مجالات متعددة ومطالبة المسئولين عن صنع القرار الأمريكي بإقامة الحوار مع الجماعة من خلال ممثليها المقيمين في الغرب‏,‏ والتأكيد على اعتدال الجماعة ‏(‏من وجهة نظرهم‏)‏ تجاه القضية الفلسطينية بدعوي أن الجماعة تري أن الصراع مع إسرائيل ليس دينيا بل هو نزاع على الأراضي المحتلة وأن الإخوان على استعداد للاعتراف بدولة إسرائيل بمجرد قيام منظمة حماس بذلك‏.‏
كما نشرت مجلة ‏HARBERS‏ مقالا بعنوان‏(‏ أحزاب الله الديمقراطية الإسلامية ومذهب بوش‏)‏ أكد فيه المحرر المقال أن الرفض الأمريكي المطلق للجماعات الإسلامية لا يخدمهم على المدي البعيد وأوضح بأن على الرغم من أن أيدولوجيتها السياسية قد لا تروق للأذن الغربية فإن ذلك لا يمنع من أن المستقبل الديمقراطي في الشرق الأوسط سوف يعتمد بصورة كبيرة على تفهم هذه الأيديولوجيات والأفكار والتعامل معهما‏، وعلي الرغم من اعتراف كاتب المقال بعدم صدق التصريحات العلنية للجماعة باحتضانها الديمقراطية‏،‏ وأنها قد تعمل على فرض إعمال الشريعة على المجتمع المصري في حالة وصولها للحكم ـ فإن ذلك لا ينفي أن الجماعة بدأت في تغيير منهجها المتشدد نتيجة مشاركتها في الحياة السياسية،‏ والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الأمريكية التي تدافع عن الجماعة الأم هي نفسها التي تهاجم جناحها العسكري في غزة والمتمثل في حماس وتصفه بالإرهاب،‏ وتضعه على القوائم الأمريكية للمنظمات الإرهابية، بل أن جميع قيادات حماس،‏ ممنوعون من دخول الولايات المتحدة‏.‏

كوندوليزا رايس ومبارك
كوندوليزا رايس ومبارك
وقد كشفت مصادر دبلوماسية غربية بالقاهرة عن أن وزارة الخارجية الأمريكية اعتمدت مذكرة تدعو إلي فتح حوار سياسي ومباشر مع جماعة الإخوان المحظورة‏،‏ مؤكدة أن هذه المرحلة تتطلب الاقتراب أكثر من الجماعة التي تحظى بشعبية واسعة بمصر،‏ وأوصت بضرورة أن تكون جلسات الحوار مع قيادات الإخوان منتظمة ودائمة وعدم الاستماع كثيرا لتحذيرات الحكومة المصرية بعدم التعاون مع هذا التيار‏،‏ ورأت المذكرة أن علاقة واشنطن بالإخوان خلال السنوات الماضية كان لها بعض النتائج الايجابية‏، وهو ما يتسق تماما مع تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس التي قالت فيه إنه يجب ألا يكون الخوف من وصول التيارات الإسلامية إلي السلطة عائقا أمام الإصلاحات العربية،‏ كما يتفق مع ما جاء بتقرير مادلين أولبرايت بعد زيارتها للقاهرة عام‏2005‏ والذي جاء فيه‏(‏ أنه إذا كان التخوف الأمريكي قد بني على أن إجراء الانتخابات الحرة سيؤدي حتما إلي وصول الأصوليين- تقصد الإخوان- إلي مقاعد السلطة بسبب هوان الأحزاب الشرعية‏، فإن التجارب السابقة تشير إلي أنهم جماعات برجماتية يمكن التعامل معها بشكل ممتاز‏,‏ وقد ساهمت تلك التصريحات في منح الإخوان الجرأة السياسية حتى وصل الأمر بمرشدها عاكف أن يعلن في‏2005/3/2‏ أن الإخوان ليس لديهم مانع من أن يكون الرئيس مبارك رئيسا لمصر لفترة خامسة‏،‏ شريطة أن يكون ذلك بناء على اتفاق بينه وبين جماعة الإخوان ‏.