بوابة الحركات الاسلامية : الإخوان المسلمون وإيران.. تاريخ من التلاقي والتنافر! (طباعة)
الإخوان المسلمون وإيران.. تاريخ من التلاقي والتنافر!
آخر تحديث: الجمعة 19/04/2019 03:17 م حسام الحداد
الإخوان المسلمون
اسم الكتاب: إيران والإخوان المسلمين
المؤلف: عباس خامه يار
الناشر: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق في بيروت سنة 1997
إن كتاب "إيران والإخوان المسلمين" للباحث الإيراني عباس خامه يار، من الكتب النادرة التي تناولت بالتفصيل العلاقة بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، قبل انتصار ثورة الخميني سنة 1979، وبعدها.
ويكتسب موضوع الكتاب أهميته كون الإخوان المسلمين، من أكبر الجماعات السنيّة، وكانت على صلات طيبةـ خاصة مركز الجماعة في مصرـ بمراجع الشيعة، وكان حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، واحدا من أهم الناشطين في لجان التقريب بين السنة والشيعة.
ومن اللافت للانتباه أن الإخوان المسلمين- برغم أنهم كانوا من أول المؤيدين للثورة الإيرانيةـ إلا أن علاقاتهم مع إيران قد ضعفت بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، لأسباب عدة.
الكتاب صدرت طبعته العربية الأولى عن مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق في بيروت سنة 1997، ويرصد تطور العلاقات بين الطرفين وعوامل الالتقاء والافتراق بينهما، أي الأمور التي أدت لحدوث تقارب بين إيران والإخوان، ثم أسباب النفور أو ضعف الصلات.

أهمية مصر بالنسبة لإيران

يعقد المؤلف في مقدمة الكتاب مقارنات تاريخية وجغرافية وحضارية وثقافية بين إيران ومصر التي يوجد فيها مقر وثقل جماعة الإخوان، فكما أن إيران هي مركز القوة في العالم الشيعي، فمصر تعتبر مركز القوة في العالم السني؛ لما يشكله كلا البلدين من ثقل سكاني وإرث حضاري وموقع جغرافي متميز، لكن المؤلف لا يفوته وهو يشير إلى أهمية مصر أن يدعو إيران إلى "الاستفادة" من تلك الأهمية، مستشهداً بكلام لأحد المتشيعين في مصر (فهمي الشناوي)، جاء فيه:
"في يوم ما سوف تجد الثورة الإسلامية في إيران السؤال عينه معروضاً عليها للإجابة: هل تفوز برضى مصر، فتكون لها الغلبة وتنطلق عالميّاً كقوة دولية كبرى، أم تفقد مصر فتظل محصورة توصف مرّة بأنها مجرد ثورة داخل الفكر الشيعي، ومرة بأنها ثورة جنس الفرس فقط" ص22.
والكلام السابق الذي نقله خامه يار عن الشناوي في كتابه/ محاضرته "أهمية مصر للثورة الإيرانية" لا يدع مجالاً للشك في رغبة إيران استغلال موقع مصر وأهميتها وثقلها داخل العالم السني لنشر عقائدها، وتصدير ثورتها، مستفيدة من علاقتها القوية بالإخوان المسلمين، وهم أصحاب الحضور البارز في الشارع المصري، وخارج مصر أيضا.
كما استشهد المؤلف بكلام مهم للشناوي أيضاً، جاء فيه: "إن عملية اختراق الحصار العربي إنما تبدأ من مصر، وعملية السباحة عبر المحيط العربي إنما تبدأ من مصر، لا لأهمية مصر بين العرب وحسب، ولكن للأهمية الاستراتيجية لمصر في اللعبة الدولية، ولأنه إن مالت مصر مال العرب، ولأن اكتساب مصر أسهل من اكتساب الحرب الدائرة- وقت كتابه- (بين العراق وإيران)".

عوامل الالتقاء بين الحركتين

يطرح المؤلف في كتابه اسم "الحركة الإسلامية الإيرانية" بدلا من إيران، ويعني بها الحركة الشيعية النشطة المعارضة لشاه إيران، وحركة التقريب بين السنة والشيعة التي نشط بها عدد من مراجع الشيعة.
حيث يخصص هذا الفصل من الكتاب لبيان العناصر التي أسهمت- من وجهة نظره- في حدوث تقارب بين الحركتين، ثم العوامل التي أدت إلى ضعف الصلات بينهما:
أولاً: عناصر الالتقاء بين الحركتين
ويجملها في: (الفكر الوحدوي عند الحركتين، وموقفهما المشترك من القومية، وقضية فلسطين).
 1ـ الفكر الوحدوي عند الحركتين:
ما يعنيه هنا من فكر وحدوي عند الإخوان المسلمين، هو أن هذه الجماعة عموماً لا تحمل موقفاً سلبياً أو عدائياً تجاه العقائد والأفكار الشيعية، فالجماعة منذ نشأتها عُرف عنها التساهل إزاء العقائد والمخططات الشيعية، وقد أورد المؤلف أقوالاً كثيرة لقادة الإخوان، يهوّنون فيها من الخلافات بين السنة والشيعة، ويعتبرونها خلافات بين الفروع، منها قول البنا: "..أما الخلاف فهو في أمور من الممكن التقريب بينهما"، وقول د. عبد الكريم زيدان، وهو من كبار جماعة الإخوان في العراق: "ليس بين الفقه الجعفري والمذاهب الأخرى (أي الأربعة) من الاختلافات أكثر من الاختلاف بين أي مذهب وآخر" ص 106.
أما الفكر الوحدوي عند الشيعة، أو عند الحركة الشيعية الإيرانية، فيعني به المؤلف تلك التصريحات أو الكتابات التي صدرت من الخميني وبعض مراجع الشيعة بضرورة التقارب بين السنة والشيعة، واتحادهما لمواجهة الأخطار الخارجية إضافة إلى بعض الأشياء العملية من قبيل تغيير بعض المناهج الدراسية، الخاصة بأهل السنة، وتقديم المساعدات للكثير من الهيئات السنيّة، والاهتمام بالمناطق السنيّة في إيران...ـ على حد تعبير المؤلف.
2ـ موقف الحركتين المشترك إزاء القومية:
يعتبر المؤلف هذه النقطة العامل الثاني الذي أحدث تقارباً بين الإخوان وإيران، حيث إن كلا الحركتين اتخذ موقفاً سلبيًّا من الاتجاهات القومية، فالإخوان اعتبروا أن القومية العربية هي سبب ضياع الخلافة الإسلامية، وضياع فلسطين، في حين أن الحركة الشيعية الإيرانية "ترى نفسها ضحية من نوع آخر للقومية التي تجلت تارة في 2500 عام من النظام الشاهنشاهي، وتارة أخرى في الأحزاب الوطنية المعارضة للثورة والمرتبطة بالقوى الغربية، والتي وقفت موقفاً عدائياً من الثورة الإسلامية بعد انتصارها" ص115.
3ـ قضية فلسطين وتحرير القدس الشريف:
هذه القضية بحسب المؤلف "من أهم النقاط التي تلتقي عندها جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية منذ البداية وحتى الآن" ص120.
ففي هذا الجزء، يؤكد المؤلف أن قضية فلسطين حظيت باهتمام خاص لدى الإخوان "وشكلت منعطفاً في تاريخهم، ونقطة مشرقة في سجلهم"، ويورد عدداً من الأدلة النظرية والعملية لدعم الإخوان لقضية فلسطين، والعمل على تحريرها من الاحتلال، ثم يقارن تلك المواقف، بما أصدره مراجع الشيعة من بيانات وخطابات تجاه قضية فلسطين، ليصل إلى أن مواقف الإخوان والشيعة متطابقة إزاء قضية فلسطين وتحرير القدس، بل ومتطابقة أيضاً في منطلقاتها.

عناصر الافتراق بين الحركتين

يخصص المؤلف هذا الجزء من الكتاب ليتحدث في عدد كبير من الصفحات عن العناصر التي أضعفت العلاقات الإخوانية- الإيرانية، ويقسمها إلى عوامل فكرية، وأخرى سياسية:
أولاً: عوامل الافتراق الفكرية
وهي (الحكومة وشكلها المختلف في رأي الحركتين، واختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب، والمسار الإصلاحي والثوري).
1ـ الحكومة وشكلها المختلف
لعلّ هذا العنصر من عناصر الافتراق يظهر فيه التأثير الشيعي بشكل واضح جلي، فبرغم ما أبداه الإخوان من مودة وحسن نية تجاه الشيعة وإيران وثورتها، إلاّ أن عقيدة الشيعة الخاصة بالإمامة والحكومة- وهي الركن الأساسي- اتخذت فيصلاً وحكماً في علاقة الشيعة بالإخوان، فالفكر الشيعي، وإيران على وجه الخصوص، لا يقبلان أي فكر أو تنظيم يخالفهم في قضية الإمامة، ودولة المهدي المنتظر، مهما حاول هذا التنظيم أو ذاك التقرب من إيران، أو مدح الشيعة.
ففيما يتعلق بموقف الجهتين من قضية الإمامة وشكل الحكومة، يشير المؤلف إلى أن الحركتين "تعتقدان اعتقاداً راسخاً بإقامة الحكومة الإسلامية وارتباط الدين بالسياسة" ص 153. 
والمؤلف إذ يتحدث عن تطابق بالعموم عن "ضرورة" وليس "شكل" الحكومة الإسلامية، فإنه يؤكد أن التفاصيل مختلف عليها اختلافا كبيراً وعميقاً؛ كون الإخوان المسلمين جماعة سنيّة، تنظر إلى هذه القضايا من منظورها السني، في حين أن إيران تنظر إلى هذه القضايا من منظورها الشيعي، الذي يختلف عن المفهوم السني جملة وتفصيلاً.
ويتساءل: "هل تتفق هاتان الحركتان في نظرتهما إلى مفهوم الحكومة والحاكم، وإلى طريقة تطبيق الشريعة وأسلوب الوصول إلى الحكم؟
ويجيب على ذلك فيقول: إن الشواهد الموجودة تشير إلى وجود اختلاف عميق في هذا المجال بين الحركتين، ومصدره اختلاف نظرة كل منهما إلى هذه المفاهيم" ص 153.
وبحسب المؤلف، واستناداً إلى ما كتبه علماء الشيعة، فإن المعتقد الشيعي الذي تؤمن به "الحركة الإسلامية الإيرانية" يقوم على ما يلي:
ـ أن الحاكم يجب أن يتحلى ـ إضافة إلى القيادة السياسية ـ بالزعامة الفكرية والأخلاقية.
ـ أنه يجب أن يكون معيّناً من الله وأن يكون طاهراً معصوماً، منزهاً عن كل عيب... وهذه الصفات منحصرة في الأئمة الاثنى عشر.
ـ تفويض الأمر في فترة الغيبة إلى "الفقيه الجامع للشرائط" فيما يعرف بولاية الفقيه.
ـ عدم وجوب طاعة الحاكم إذا حكم بالمعصية.
ـ تفضيل غير المسلم إذا كان عادلاً على المسلم إذا كان ظالماً.
ـ تحريم العمل عند الحكام، وعدم جواز الصلاة خلفهم.
وبذلك يتضح أن شكل الحكم عند السنة والشيعة يختلف اختلافاً كبيراً، فالسنة- ومنهم الإخوان- يعتبرون "الخلافة" هي التعبير الصحيح عن شكل الحكم بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الإخوان يعتبرونها "واسطة العقد، ومجمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله في الأرض"... والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله؛ ولهذا قدم الصحابة النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه حتى فرغوا من تلك المهمة".. ص 173.
أما الشيعة، فإنهم "يرفضون فكرة الخلافة من الأساس، بل يرون أن كل ما أتى بعد علي بن أبي طالب غير شرعي وغير معترف به، خاصة إذا ما أتى من أهل السنة" ص174.
2ـ اختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب
من الأمور التي اختلفت فيها الحركتان، النظرة والموقف من الشيوعية والرأسمالية، فبحسب المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعتبر الشيوعية أو الماركسية خطراً يفوق الخطر الغربي أو الرأسمالي، الممثل خاصة بالولايات المتحدة وبريطانيا، في حين أن "الحركة الإسلامية الإيرانية" كانت ترى أن الخطر المحدق قادم من الغرب، وزعيمته الولايات المتحدة.
وأورد المؤلف عدداً من الأسباب التي جعلت الإخوان- عموماً- يعتبرون الخطر الشيوعي الماركسي أكبر من الخطر الغربي، هي:
1ـ أن الماركسية مذهب فكري وعقائدي وثقافي، وليس خطراً عابراً، وهو مصادم للدين والعقيدة بشعاره: "الدين أفيون الشعوب".
2ـ أن أقسى الضربات التي تلقتها جماعة الإخوان في مصر، كانت على يد نظام جمال عبد الناصر الاشتراكي، الحليف للاتحاد السوفيتي، مركز الشيوعية في العالم (ويجدر أن نلاحظ أيضا أن الإخوان في سوريا تلقوا أقسى الضربات على يد نظام شيوعي طائفي)، وكذلك في العراق.
3ـ القمع الذي كان يقوم به الحكام الشيوعيون في العالم العربي لشعوبهم، والإفساد ومحاربة الدين، والشعارات البراقة التي كان يطلقها الشيوعيون لاستقطاب الشباب.
4ـ الارتباط الوثيق بين اليهودية والشيوعية، وكون معظم زعماء الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي هم من اليهود، أو المسيحيين المؤيدين لإسرائيل.
5ـ اعتقاد الإخوان بأن هزيمة عام 1967 أمام اليهود كانت نتيجة لخيانة ومؤامرة الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي وتعاونهم مع الصهيونية الدولية.
6ـ تأثر الإخوان بموقف السعودية الرافض للتوجهات الاشتراكية لنظام عبد الناصر.
7ـ احتلال السوفيت الشيوعيين لأفغانستان المسلمة.

أما نظرة الإخوان إلى الغرب والرأسمالية، فإن الكتاب يعتبر أنها تستند إلى:
1ـ تركيز الإخوان على الانحطاط الأخلاقي والثقافي للغرب؛ لذا فإن اختلافهم معه في الجوانب الثقافية والأخلاقية كان أقوى بكثير من الجوانب الأخرى.
2ـ اعتبارهم أن الغرب أهل كتاب، يقل خطرهم عن الكفار من غير أهل الكتاب.
3ـ افتقار الإخوان إلى الفهم الدقيق للرأسمالية وأهدافها الاستراتيجية، والنظر إليها بدرجة كبيرة من السطحية.
وقبل الانتقال إلى نظرة الخميني وتياره إلى الشيوعية والرأسمالية، يحسن بنا أن نشير إلى أن موقف جماعة الإخوان المتشدد والواعي من الشيوعية، في فترات الجماعة الأولى- حصل له تبدل كبير؛ حيث إنه لم يعد الخطر الشيوعي، ذا الأهمية الآن بالنسبة للإخوان بعد أن احتلت أمريكا واجهة الخطر، وبعد أن اعتقد الإخوان بمقولة موت الشيوعية، ولعلّ العديد من الشواهد تذهب في هذا الاتجاه مثل: التنسيق والتحالف مع الأحزاب اليسارية في العالم العربي، وإقامة العلاقات الوثيقة والإشادة الدائمة بعدد من الأنظمة اليسارية في العالم (روسيا- سوريا- فنزويلا...)، رغم أن الأنظمة اليسارية العربية (سوريا، ليبيا...)، لا زالت تحارب جماعة الإخوان.. وألد أعداء الإخوان فكرياً هم مفكرو اليسار ومجلاتهم، كما حدث في مصر مؤخراً بعد الانتخابات المصرية التي شهدت صعود الإخوان، فقد كان كتاب اليسار أشد أعداء الإخوان، ولعل صحيفة القاهرة الأسبوعية ومجلة روز اليوسف خير شاهد على ذلك.
أما نظرة الخميني للشيوعية والرأسمالية، فمختلفة عن وجهة نظر الإخوان، وكان الإيرانيون يعتبرون الخطر الغربي أكبر من الخطر الشرقي أو الشيوعي، ويعزو المؤلف ذلك إلى:
1ـ أن إيران كانت واقعة خلال القرنين الماضيين تحت سيطرة الاستعمار الغربي، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكان لبريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص الدور الكبير في الدعم اللامحدود لدعم نظام الشاه في قمعه للحركة الشيعية الإيرانية.
2ـ لم يكن الخميني ينظر للأمريكان على أنهم أهل كتاب، بل إنه يعتبر الغرب "كافراً". (ويجدر بنا الإشارة إلى أنه مع اعتباره أهل الكتاب كفارا، فإنه لم يعتبر الملاحدة الروس مثلهم!!).
3ـ اعتبار الخميني أن نشاط ومواقف الشيوعيين في إيران، التي ترتبط "ظاهرياً" بالمعسكر الشرقي، إنما تصب في حسابات ومصالح أمريكا والغرب!
4ـ اعتبار أن أمريكا والغرب هما سبب كل المآسي التي حلت بالإسلام والمسلمين.
وفي هذا كما يلاحظ تزوير واضح للتاريخ فإن جرائم المعسكر الشيوعي تجاه المسلمين ليس لها مثيل في تاريخ الإسلام، كما بين ذلك على سبيل المثال كتاب (قتلوا من المسلمين مئات الملاين) لمحمود عبد الرءوف القاسم.
3ـ المسار الإصلاحي والثوري
وهذا أحد العناصر التي أدّت إلى ضعف العلاقات بين حركتي الإخوان، والشيعة، فالإخوان- بحسب المؤلف- "حركة إصلاحية محافظة، وليست حركة انقلابية" ص189، وأن سياستها تقوم على التربية والتثقيف والدعوة، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم، واعتماد أساليب العمل السلمي، ومنه العمل البرلماني... (مع بعض الاستثناءات).
أما "الحركة الإسلامية الإيرانية" فإنها تشكك في هذا المنهج الإخواني، السلمي التربوي، متسائلة: "ما الذي أسفر عنه الأسلوب الإصلاحي التربوي للإخوان بعد خمسين سنة من تجربته؟ وإذا كنّا نتقبل جواب الإخوان على أنه لم يغير الحكومات ولكنه خلق قاعدة عريضة ودائمة، فإن سؤالاً آخر يطرح نفسه، وهو: هل يستحق هذا الأمر كل هذا الثمن الباهظ؟" ص202.
وتحاول "الحركة الإسلامية الإيرانية" التدليل على صحة نهجها الثوري بانتصار الثورة على نظام الشاه سنة 1979م، وهي "ترتكز على الأصول الشيعية في عملها، وتتأثر بالأحداث التاريخية، وبالمظالم التي تعرض لها الشيعة على امتداد تاريخهم، وبالمعارضة التقليدية التي عرفوا بها حكام الجور والظلم، ويطلقون شعار (كل أرض كربلاء، كل يوم عاشوراء) مقتدين بالمنهج الدموي الذي سلكه الإمام الحسين في كربلاء، ويبقى الخيار مفتوحاً أمام زعماء هذه الحركة لاختيار الظروف الزمانية والمكانية المناسبة واختيار أقصر الطرق لتحقيق هدفهم السامي" ص 203.

ثانيا: عوامل الافتراق السياسية

إضافة إلى العوامل الفكرية الثلاث السابقة، فإن المؤلف يورد أسباباً سياسية أخرى، أدت إلى ضعف الروابط بين حركة الإخوان وحركة الشيعة، وفي مقدمة هذا الجزء من الكتاب حيث يؤكد على الهوية المذهبية للثورة، على عكس ما درج عليه علماء الشيعة من ترديده بالهوية الإسلامية فقط للثورة دون أي اعتبار مذهبي.
فالمؤلف أولاً يقرر أن "انتصار الثورة الإسلامية هو انتصار للفكر الشيعي وإحياء له من جديد بين مسلمي العالم، وهو الفكر الذي يعتقد الشيعة أنه حورب منذ وفاة الرسول وانتخاب الخلفاء الراشدين على يد بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة" ص 203.
ثم ينتقد ثانياً أهل السنة الذين كانوا يستاءون من تعصب الثورة للمذهب الشيعي، فيقول: "كانت كل خطوة تخطوها الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخضع لتمحيص العالم السني وتثير حساسيته، وأدت الخطوات الوحدوية التي خطاها أصحاب الثورة الإسلامية،... إلى رفع طموحات السنة إلى أكثر مما ينبغي، حتى أضحوا يرون في أي تأكيد للهوية المذهبية للثورة انحرافاً عن الأهداف الأساسية للثورة ويهاجمونها بشدة دون أن يلحظوا دور المذهب في انتصار الثورة والتزام الناس الشديد بمذهبهم، ووضع الحوزة ووجود الكثير من الأشخاص المتعصبين، وما إلى ذلك من الأمور التي لا سبيل إلى تجاهلها" ص204.

أبرز العوامل السياسية التي أزّمت علاقة الإخوان بإيران:
1ـ نهضة الشيعة في البلدان الإسلامية؛ ذلك أن نجاح الثورة أعطى الشيعة خارج إيران دفعة معنوية، وتطلعات تفوق أحجامهم، وعددهم، كما تمثل ذلك في سطوع نجم الشيعة في لبنان، ممثلاً بحزب الله، وثورات الشيعة في الخليج.
2ـ نشاط حركة نشر التشيع في أوساط السنة، ولا تخفى الأهداف التي تتستر إيران من ورائها لنشر التشيع، حتى إن أحد كبار الإخوان المسلمين، وهو التونسي راشد الغنوشي، المعروف بولائه لإيران والشيعة، انتقد هذا التوجه، معتبراً أن الأولى بإيران بدلاً من تشييع أهل السنة في شمال إفريقيا، أن تسعى لدعوة غير المسلمين. ص 208.
3ـ المواجهات بين السنة والشيعة في أماكن مختلفة من العالم.
4ـ الصراعات الداخلية في إيران. 
والمؤلف يقصد بذلك الظلم والاضطهاد الذي تعرض له أهل السنة في إيران، خاصة في أقاليم كردستان وأذربيجان الغربية وتركمانستان، لكنه يعزف عن استعمال مصطلحات الظلم والاضطهاد والتهميش، معتبراً أن الاضطهاد الذي تعرض له السنة "مواجهات دامية بين أنصار الثورة الإسلامية ومعارضيها في المناطق السنيّة الإيرانية". ص 210.
5ـ الهجوم الإعلامي الواسع للأنظمة العربية ضد الثورة، وظهور الكتب والفتاوى التي تهاجم الشيعة وإيران وتفتي بتكفيرهم.
ومما يثير الاستغراب في هذا الصدد أن المؤلف رغم اعترافه بأن السياسات الإيرانية السابقة مثل تمرد الشيعة في الخليج على حكوماتهم، ونشر التشيع وظلم السنة في إيران كانت سبباً في نفور السنة من الثورة، إلاّ أنه يحمل الإخوان مسئولية فتور العلاقات مع إيران، معتبراً أنها انساقت وراء الدعاية "الوهابية" ضد الشيعة وإيران، وكأن إيران لا تتحمل مسئولية إزاء نفور السنة والإخوان عن مذهبهم وثورتهم.

العلاقات بين الإخوان والثورة

في هذا الفصل- وهو آخر فصول الكتاب- يتحدث المؤلف تحديداً عن المرحلة التي سبقت انتصار الثورة، ثم تقويم العلاقات بعد الثورة.
ويؤكد المؤلف أن العلاقات بين جماعة الإخوان، وبين قادة الحركة الشيعية بدأت قبل الثورة بسنوات طويلة، وكانت (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) عنصراً مهماً من عناصر التقارب الفكري بين الجانبين، وكان حسن البنا أحد الناشطين في الدار.
ومما يلفت الانتباه بعلاقة الإخوان المسلمين بالحركة الشيعية الإيرانية المناهضة للشاه في تلك الفترة، تلك الحميمية التي كان يكنها الإخوان لنواب صفوي.
ونواب صفوي- لمن لا يعرفه- هو أحد القيادات الشيعية الشابة الثورية، وكان يتعصب لآرائه لدرجة القتل، وكان زعيماً لمنظمة ثورية هي "فدائيان إسلام" (فدائيو الإسلام)، وقام هو وأتباعه بقتل عدد من كبار المسئولين الإيرانيين في عهد الشاه، وإضافة لذلك قتل عدداً من علماء السنة، منهم أحمد كسروي.
وقد كان الإخوان يعتبرون نواب صفوي واحداً منهم، ودعوه لزيارة مصر وسوريا في بداية عام 1954، والتقى قيادة الجماعة، وخطب في مهرجاناتها، وعندما اشتكى له زعيم الإخوان في سوريا د. مصطفى السباعي من انضمام شباب الشيعة إلى الأحزاب العلمانية والقومية، دغدغ صفوي عواطف الإخوان، وقال أمام حشد من السنة والشيعة: "من أراد أن يكون جعفريا حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين". ص225.
ويعود المؤلف في هذا الفصل إلى تحميل الإخوان مسئولية أفول علاقاتهم التي كانت حميمة مع الثورة، رغم أنه يعترف بأن الإخوان أخذوا على الثورة مواجهاتها الدموية مع أعدائها، والأحكام التي أصدرتها المحاكم الثورية، وتأكيد الدستور كون رئيس الجمهورية شيعياً وإيرانيا، وتحديد نظام ولاية الفقيه كأسلوب للحكم في إيران وحاكمية فئة رجال الدين... ص 228.
ويذكر المؤلف من الأسباب أيضاً: علاقة إيران الوثيقة بالنظام السوري الذي ارتكب أبشع المجازر بالإخوان في سوريا، وضغط الحكومات العربية على الإخوان لينفضوا عن إيران، والحرب العراقية الإيرانية، التي أصرت إيران على استمرارها 8 سنوات.
وهكذا يتضح للقارئ من خلال عرض الكتاب أن علاقة إيران بالإخوان كانت قائمة على دعامتين، هما:
1ـ معرفة إيران بمذهبها والانطلاق منه في التعامل مع الإخوان والعبور من خلالهم إلى العالم السني، مع غياب هذا البعد عند جماعة الإخوان التي لم يدرك كثير من قادتها لليوم مذهبية وطائفية إيران.
2ـ عمل إيران على الأرض بما يتوافق مع مذهبها ومصلحتها كالتعاون مع أمريكا في "إيران جيت" وتأييد مذابح الفلسطينيين في لبنان، ومذابح الإخوان في سوريا، مع دغدغة عواطف الإخوان بالشعارات والكلام، ومن ثَمَّ تحميل الإخوان مسئولية عدم تحقيق الوحدة الإسلامية!!