بوابة الحركات الاسلامية : داعش هل هي إمتداد للفكر الوهابي؟(1من2) (طباعة)
داعش هل هي إمتداد للفكر الوهابي؟(1من2)
آخر تحديث: الأحد 14/12/2014 10:45 م
احمد يوسف احمد يوسف
عندما أعلنت الحكومة السعودية (الاثنين 8 ديسمبر 2014) تمكنها من إلقاء القبض على 135 شخصًا إرهابيًّا. حيث إنهم في الأغلب يحملون جنسيات سعودية حوالي فقط 26 شخص من بلدان أخرى، وأوضح المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي في مؤتمر صحفي عقد بالرياض، أنه وعلى ضوء المحاولات المتكررة للنيل من أمن الوطن واستقراره من قِبل فئات حاقدة لها ولاءات خارجية، فقد تمكنت الأجهزة الأمنية من متابعة مجموعات مشبوهة، وقد نتج عن المتابعة الأمنية والميدانية القبض على 135 متهماً، وأن عملية القبض كانت في أماكن مختلفة، ومنهم من يرتبط بالتنظيمات المتطرفة، وقد دأبوا على تلقي التدريبات على الأسلحة والأعمال الإرهابية وتنوعت أدوارهم في أشكال مختلفة من الدعم للتنظيمات المتطرفة سواء بالتمويل أو التجنيد أو الافتاء ونشر الدعاية الضالة.
لقد أعادت الضربة الأمنية الأخيرة موقف الحكومة السعودية في مكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية على أراضيها، خاصة تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" على مدار العقدين الأخيرين، وعلى الرغم من شدة وحزم السلطات السعودية في محاربة التنظيمات الإرهابية وفكرها المتطرف- إلا أن هذه الأفكار المتطرفة دائماً ما تجد حاضنة فكرية لها جذور ثابتة في الواقع السعودي وهي تاريخيًّا مرتبطة بالفكر الوهابي الذي أسست عليه دولة السعودية منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا. منتظرة لأفكار تنظيم "داعش" المتطرفة نجدها تستمد أفكارها السلفية من الفكر الوهابي أو فكر الإخوان المسلمين، على أن الفكر الوهابي هو الأسبق تاريخياً في إرساء الخطاب الديني السني المتعصب.
إن الدولة السعودية التي نشأت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي عقب التحالف بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود عام 1744، والذي أسس لدولة دينية تقوم على تقاسم السلطة بين الشيخ والأمير.
أريد لها الانفراد بالتمثيل السياسي بما يحول دون مشاركة أو نشوء أي كيان آخر منافس داخل المجال الإسلامي العام. لقد خاض حراس المذهب الوهابي مواجهات عديدة لمحاولة إبقاء الدولة السعودية داخل نطاق تأثير التعاليم الوهابية. وفي إطار الصراع التاريخي للدولة السعودية الوهابية مع الخلافة العثمانية؛ حيث سقطت الدولة السعودية الأولى عام 1818 كانت دعوات علماء المذهب الوهابي لأمراء الدولة السعودية النابعة من العواقب الوخيمة التي آلت إليها أمور الدولة السعودية الأولى، حيث عبر الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد طريقة والده (وبغاها ملكاً) يعتبر الشيخ عبدالرحمن بن حسن أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وقال: "طغت أمور الدنيا على الدين" وقد طالب الشيخ عبدالرحمن بتأكيد دور الدين في بناء واستقرار وقوة الدولة ووحدتها وتمركزها النجدي وطالب بأن يكون الحكم بأمر الدين. في الوقت الذي امر الحكام السعوديين في بقاء مصدر المشروعية الدينية فاعلاً في البيئة الشعبية الحاضنة لحكمهم، "أي نجد". فهم في المقابل واجهوا تحديات قوية تفرضها متطلبات التحديث.
ومنها استعارة أنظمة وتشريعات غير مستمدة مباشرة من الكتاب والسنة مما اعتبره العلماء تعدياً سافراً لمجالهم السيادي في التشريع والذي دفع المفتي الأكبر ورئيس القضاة في عهد الملك فيصل- الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لوضع "رسالة في تحكيم القوانين" عام 1960 جاء فيها "أن الحاكم بغير ما أنزل الله كافر، إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل، لا ينقل عن الملة" وعندما سئل المفتي السابق الشيخ عبد العزيز بن باز [عام 1999] هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفاراً؟ فأجاب: ممن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر، وعلى ذلك فقد فهم طلاب الشيخ بن باز ومن جاء بعدهم خصوصاً من "الجهاديين" في "القاعدة" أو "داعش" تلك الفتاوى، على أن النظام السعودي في مقدمة المستهدفين بفتاوى الشيخين ابن إبراهيم، وابن الباز، وقد أسست تلك الفتاوى لتكفير الدولة السعودية كونها حكمت قوانين وضعية في المحاكم.
لقد مر تاريخ الصراع بين السلطات السعودية والفكر الوهابي بمراحل مختلفة حتى امتد هذا الصراع إلى القاعدة الشعبية وكان أول خلاف بين آل سعود وقاعدتهم الشعبية برز في النزاع بين ابن سعود وحبيشة العقائدي المتمثل في الإخوان، حول بقاء الصلاحية العلمانية للتصور العقدي الوهابي القائم على التكفير والهجرة والجهاد مفتوحة وقد أخذو عليه أنه عطل فريضة الجهاد، بينما قام بإدخال البدع مثل "اللاسلكي والتلغراف" إلى بلاد الإسلام.
وكان عام 1929 بين ابن سعود والإخوان مواجهة بين الدولة السعودية المحدثة وحراس الوهابية في نسختها الأصلية ومع الدعم العسكري البريطاني تم القضاء على الإخوان وتم استيعاب الفلول منهم في مؤسسات الدولة.
وفي منتصف الستينيات من القرن الماضي من قبل شباب ينحدر من "الإخوان" قاموا بتأسيس جماعة دعوية أطلقت على نفسها اسم "الجماعة السلفية المحتسبة"، حيث اختارت المفتي السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز، مرشداً لها وقد قامت الجماعة بتطوير آليات عملها من العمل الدعوي والشرعي إلى الانتقال إلى المواجهة المسلحة ليس لإعادة هيبة الدولة فقط بل والانتقال إلى مرحلة متقدمة في الصراع الكوني. والذي توج باندلاع حركة تمرد مهدوية داخل الحرم المكي في نوفمبر 1979 بقيادة جهيمان العتيبي الذي قتل هو ومن معه، وفشلت الحركة في تحقيق أهدافها، ولكن ظلت أفكار جهيمان مكوناً أساسياً في أدبيات السلفية الجهادية "القاعدة"، إلى "داعش".. إلخ
وقد حدد جهيمان في رسالة الإمارة والبيعة والطاعة وحكم تلبيس الحكام على طلبة العلم العام" وظيفة الحاكم فقال: "واجب الخليفة هو تحكيم الشريعة"، وإلا "فقد ضل عن سبيل الله". وكان جهيمان يؤكد أن واقع حال المملكة السعودية هو "تعطيل الحكم بكتاب الله".
وبعد غزو نظام صدام حسين للكويت في 1990 ولدت حركة اعتراضية من داخل المجتمع الوهابي وعلى خلفية أفكار ورسائل جهيمان تم إصدار "مذكرة النعيمة" في يوليو 1992 والتي حملت توقيعات 108 من المشايخ والقضاة والدعاة وأساتذة الجماعات الدينية والأكاديميين والأطباء والمهندسين المحسوبين على التيار الوهابي. وقد اعتبر هذا ذروة النشاط الاحتجاجي في بلد مثل السعودية، أمثال سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر وعائض القرني وعادل الكلباني، حيث طالب الموقعون بإعادة أسلمة الدولة السعودية على منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكان المطلب الرئيسي في "المذكرة" هو "وجوب التحاكم إلى شرع الله وتحكيمه في جميع شئون الفرد والأسرة والدولة، وفي علاقة الأمة بالدولة وفي علاقة الدولة والأمة بغيرهما من الدول والأمم". ...يتبع (الجزء الثاني)