بوابة الحركات الاسلامية : السلفيون على طريق الإخوان (طباعة)
السلفيون على طريق الإخوان
آخر تحديث: الجمعة 02/05/2014 10:09 م
السلفيون على طريق
طالعتنا الصحف بخبر لتنظيم الدعوة السلفية بمحافظة أسوان، حملة لإزالة القمامة ودهان الأرصفة، وزرع الأشجار بمنطقة السيل الجديد بحي شرق، تحت إشراف المهندس محمود حسن، رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية بالمحافظة، في الوقت الذي صرحت فيه مصادر داخل الجبهة السلفية، بأن الجبهة بدأت بالفعل تجميد عضويتها في "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، بسبب فشله في إدارة المرحلة السياسية، وعدم قدرته على الرد على أحكام الإعدام التي صدرت بحق قيادات الإخوان، أو تحقيق توافق مع القوى السياسية.
ما بين الخبرين علامات استفهام كثيرة حول الدور الذي يلعبه الآن السلفيون بتنوعاتهم – وما أكثرها – في المشهد السياسي والاجتماعي، فهل السلفيون يسيرون على خطى جماعة الإخوان، بعد إزاحة الأخيرة من المشهد السياسي، لينفردوا بدور التيار الديني في اللعبة السياسية وصراعاتها؟
جاء أول ظهور للسلفيين على سطح المشهد السياسي، مع ثورة 25 ، حينما أطلقت  الجماعة السلفية فتوى تحريم المظاهرات التي تدعو للخروج على الحاكم، في محاولة منها لحث الملايين الغاضبة للرجوع إلى منازلهم، حيث أفتى ياسر برهامي، نائب رئيس "الدعوة السلفية" بتحريم الخروج على الحاكم الظالم، معللا ذلك "بأنه سيترتب على الخروج مفسدة أعظم من الصبر عليه"، وبعد تنحي مبارك في 11 فبراير 2011، ثم اعتلاء الإخوان لمنصة الميدان، جاءت اللحظة المناسبة للخروج والتعبير عنهم كقوة مجتمعية، لها دورها في مجريات الأحداث السياسية، للبدء في معترك السياسة لأول مرة.
وليبدأ التيار السلفي ـ وفق هذا التطور ـ في التراجع عما اعتبره من ثوابت عقيدته خلال العقود الماضية، من رفض للديموقراطية والمجالس النيابية، مرورًا بالحزبية واشتغال النساء بالسياسة،  وليتبنى السلفيون خيارات فقهية كانوا يرفضونها بل ويهاجمونها في خطاب الماضي، حتى استوعب قاموسهم مفرداتٍ جديدةً عليهم مثل "الوطنية" و"الوطن فوق الجماعة".
السلفيون على طريق
دفع هذا التحول الجماعة السلفية إلى تأسيس حزب النور، وتحالفوا مع "الإخوان" في أعقاب ثورة يناير، وقد وجدهم الإخوان أداة داعمة في حشد الناس لصالحهم، مستغلين شعبية التيار السلفي في المناطق الفقيرة والنائية، وإن كانت تنقصهم أدوات يمتلكها الإخوان كالتنظيم الهرمي الصارم، والخبرات السياسية، وهو ما بدا جليًا في حشد الناس للخروج في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011، والمعروفة إعلاميا بـ"غزوة الصناديق"، ليخرج السلفيون من جيبوهم صكوك فتوى دخول الجنة للتصويت بـ"نعم"، بدعوى "من أجل الاستقرار والعجلة التي تدور"،  وليتشكل بعدها مجلس الشعب في 2011، بهيمنة إخوانية، حصل فيها حزب "الحرية والعدالة"، على 127 مقعدًا، ويحتل بعدهم حزب النور السلفي المركز الثاني بالحصول على 96 مقعدًا.. في مقدمات بارزة تشير إلى دور الوصيف الذي أجادوه بانحيازهم التام للإخوان، قبل تقلّب الأحوال والخلاف معهم.
بدأ خلافُ التيار السلفي مع الإخوان بتقسيم لجان مجلس الشعب، حين استحوذ الإخوان على رئاسة أغلب اللجان، في حين لم يعطوا للتيار السلفي إلا لجنة واحدة فقط، الأمر الذي كان بمثابة صفعةً لها صداها من الإخوان على وجه السلفيين، والتأكيد على فكرة أنهم مجرد ظهيرٍ للاعب رئيس هم الإخوان.
 ورغم ذلك، وحرصًا على المكاسب الممكنة، فقد وعد السلفيون مكتب الإرشاد، بأنهم سيصوتون لخيرت الشاطر في حال ترشحه لانتخابات الرئاسة، ولكن مع رفض اللجنة العليا للانتخابات للشاطر، ودخول محمد مرسي وعبد المنعم أبو الفتوح آثر السلفيون أبو الفتوح على مرسي في الجولة الأولى، خاصة أنهم يعرفون جيدا، أن مرسي ومن وراءه مكتب الإرشاد، لن يسمحا لهم بأن يكونوا في الحكومة التي ستتشكل في أعقاب الانتخابات، في حين رأوا أن أبو الفتوح أكثر لينًا، فهو في اعتقادهم رجل أكثر تفاهمًا ورجل مواءمات من الطراز الأول، ولكن مع صعود مرسي وشفيق، عاد السلفيون لمساندة الإخوان، لأنهم سيحققون مشروع "الدولة الإسلامية".
وعلى الرغم من أن المعزول جعل عماد عبد الغفور (أحد قيادات حزب النور السلفي)، أحد مستشاريه بعد صعود الإخوان لسدة الحكم، غير أن الخلافات دبت مجددًا بين الإخوان والسلفيين مع بداية تشكيل الحكومة برئاسة هشام قنديل، حيث تلقوا الصفعة الثانية مع سياسة الإخوان الإقصائية، عندما رفضت الجماعة تكليف أيٍ من أعضاء النور السلفي بأي حقائب وزارية، مستأثرة بالوزارة لكل من ينتمي لها، ومع الإعلان الدستوري ووقوع مصر في بحر من الدماء في موقعة الاتحادية في ديسمبر 2012، حاول التيار السلفي أن يلعب دورًا معارضًا نسبيا للإخوان، فقام يونس مخيون رئيس حزب النور بعمل مبادرة مع التيار المدني، والمتمثل في ذلك الوقت في جبهة الإنقاذ الوطني، للوصول إلى أي مهادنات بين الإخوان والتيارات الليبرالية، ولوقف أحداث العنف المندلعة في ذلك الوقت، المبادرة التي جعلت الشاطر يقوم بتوجيه ضربة قاصمة للتيار السلفي ككل، عندما قام بتقسيم السلفيين، لينشق عماد عبد الغفور عن حزب النور، ويؤسس حزب الوطن في يناير 2013، متخذين من القاهرة ومحافظات الصعيد كتلة تصويتية لهم، وترك محافظات الدلتا ووجه بحري للنور، وعندما بدأت حملات "تمرد" لإسقاط حكم مرسي والإخوان، هاجم التيار السلفي الحملة معلنا موقفه الرافض لها قائلا: "شرعية مرسي خط أحمر".
ومع سقوط الإخوان بعد خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي ـ وزير الدفاع آنذاك ـ كان يونس مخيون، رئيس النور موجودًا أثناء خطاب عزل مرسي، والذي حضرته جميع القوى الوطنية والثورية، إضافة إلى مؤسستي الأزهر والكنيسة، في الوقت نفسه كانت قواعد السلفيين في اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، واللذين استمرا لمدة شهر ونصف الشهر.
السلفيون على طريق
استطاع التيار السلفي القفز من سفينة الإخوان قبل غرقها في مستنقع الغضب الشعبي الرافض لكل ما هو إخواني أو متأسلم بشكل عام، ليدرك السلفيون أن الغضب بلغ ذروته، فلم يكن أمامهم سوى حلين لا ثالث لهما:
 الأول: أن يظلوا على موقفهم الداعم للإخوان، وفي تلك الحالة سيغرقون في طوفان ثورة 30 يونيه، وهو الأمر الذي كان سينهي الحياة السياسية لأي حزب ديني سواء للإخوان أو السلفيين.
الثاني: القفز من السفينة والتنصل من سياسات الإخوان، ليحلوا محلهم، وذلك لضمان وجود قوة دينية في أي عملية سياسية مستقبلية، وهي أحد أهم مكاسب ثورة يناير التي حصلوا عليها، وفي الوقت نفسه يكون التيار السلفي هو التيار الوحيد، واللاعب الأساسي باسم الدين، بدلا من دور الكومبارس الذي كان يلعبه في ظل وجود الإخوان، فالفرصة لن تتكرر مرتين، ليصعد التيار السلفي ويبدأ في تقديم نفسه مرة أخرى بشكل جديد.
استطاع التيار السلفي أن يمسك العصا من المنتصف، ففي الوقت الذي كانت فيه القيادات الحزبية للنور، الذي تصدر المشهد على دائرة التفاوض لمناقشة خارطة، ويهاجمون الإخوان في وسائل الإعلام الليبرالية، كانت قواعدهم من الشباب في المحافظات يملؤون ميداني الرابعة والنهضة، وكانت أغلب الخطب الأكثر تطرفًا في الاعتصامين لشيوخ السلفية، والمؤيدة لشرعية المعزول، ويعود هذا الانقسام بين قيادات وقواعد السلفية، بسبب عدم قدرة قيادات الحزب على فرض سيطرتهم على قواعد السلفيين من الشباب في القاهرة والمحافظات، عكس الإخوان المسلمين الذين يحكمهم مبدأ "السمع والطاعة"، وهذه إحدى نقاط ضعف التيار السلفي بشكل عام.
وعلى مدار ما يقرب من العام استطاعت أحزاب التيار السلفي وعلى رأسها النور، أن تلعب دور المعارض الدائم، منذ تكوين الحكومة الانتقالية المؤقتة، ورفضهم للبرادعي رئيسًا للوزراء باعتباره "علمانيا خالصا"، مرورًا بتكوين لجنة العشرة ومن بعدها لجنة الخمسين، انتهاءً بتعديل الدستور.
ومع تعديل الدستور بدأت جولة لحزب النور مع الأحزاب الليبرالية والمدنية، خاصة مع محاولات إلغاء المادة 219 المفسرة للمادة الثانية، واعترضت جميع الأحزاب السلفية، بل إن البعض هدد بالمقاطعة، وحشد المظاهرات ضد لجنة الخمسين المكلفة بتعديل الدستور، مثل حزب البناء والتنمية، واصفين قرارها بأنه إسقاط للهوية الإسلامية، وهو نفس الموقف الذي تمسك به النور السلفي في أول جولات تعديل الدستور، ليهدد التيار السلفي بالنزول المكثف للتظاهر، وأكد تنظيمه عدة مؤتمرات قبل الاستفتاء على الدستور لتوعية الشعب بما يحمله هذا الدستور العلماني لهم من مغبّة، والدعوة لرفضه إذا أُلغيت هذه المادة، متهمًا الجيش بعدم الالتزام بالوعود التي قطعها على نفسه بعدم المساس بمواد الشريعة الإسلامية، وأن الجيش قام بخداع التيار السلفي كما خدعته جماعة الإخوان من قبل، وأن هناك مجموعة علمانية متطرفة تدفع السيسي إلي محاربة كل ما هو إسلامي (على حد تعبير الدكتور خالد علم الدين القيادي في حزب النور)، واعتبر الحزب أن إلغاء هذه المادة تحايل على الدستور، وعلى الإرادة الشعبية، مشيرا إلى أن هذه اللجنة غير منتخبة وغير مختارة من قبل الشعب.
ومن بعد ثورة 30 يونيه 2013، لم يفوت السلفيون فرصة الهجوم على الإخوان، وانتقاد سياساتهم وقيادتهم، الأمر الذي لقي قبولًا كبيرًا من جانب الإعلام الليبرالي، لتفتح لهم أغلب القنوات الفضائية أبوابها، فهاجم ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية الإخوان، في عدد من الحوارات التليفزيونية والصحفية، ولم يكن برهامي وحده الذي هاجم الإخوان، بل انضم له ياسر بكار "المتحدث الإعلامي"، ليتحولوا  وينقلبوا على الإخوان، إلى الحد الذي جعل أحد قيادات التيار السلفي يصف الإخوان بأنهم "ماسون مصر".
اليوم.. يعود السلفيون بشكل عام، للعب مرة أخرى في المناطق الفقيرة، وتقديم الخدمات الاجتماعية لدى الطبقات الفقيرة، لتحل محل الدولة التي غابت في القيام بدورها المجتمعي، من خلال تقديم دور "الأم البديلة"، وذلك بهدف الانتشار وتكثيف حضور التيار السلفي شعبيا.
معطيات الواقع الحالي، تدفع باتجاه أن التيار السلفي وراثة "شكلية" للإخوان، بالظهور على رأس قائمة التيارات الإسلامية، لكن دون بلوغ مكانة الإخوان، فيقدم لنا فكرة "الإسلام السياسي"، ويحاول أن يكون بديلًا لجماعة اتسم خطابها السياسي والاجتماعي باللين والقبول لدى فئات بعينها في المجتمع، الأمر الذي يفتقر إليه الخطاب السلفي المتشدد والصادم في الوقت الحالي، إلى جانب افتقاره للخبرة السياسية الطويلة لجماعة الإخوان، والتي مكنت الأخيرة من الصمود على مدار ثمانين عامًا في مواجهة أزمات متباينة دون أن ينفرط عقدهم، فهل يستطيع التيار السلفي وأحزابه التعلم من درس الإخوان، أم أن المجتمع سيضطر لمواجهته بعد عدة عقود من الآن ؟!