بوابة الحركات الاسلامية : حماس بين مستجدات الوضع الإقليمي ومصالحة الرمق الأخير (طباعة)
حماس بين مستجدات الوضع الإقليمي ومصالحة الرمق الأخير
آخر تحديث: الخميس 08/05/2014 06:44 م
حماس بين مستجدات
عاشت حركة حماس هزات عنيفة هددت وجودها في قطاع حماس، خلال الفترة التي أعقبت حالة توتر المنطقة عام 2011، فقد راهنت الحركة على سيطرة تنظيم الإخوان، بعدما توفرت لديها معطيات تؤكد وصول تنظيم الإخوان إلى رأس السلطة، في الدول العربية التي شهدت سقوط أنظمتها الحاكمة، إلا أن الأوضاع لم تستمر كما كانت تتصور الحركة؛ حيث واجه تنظيم الإخوان رفضا شعبيا جارفا، أدى إلى الإطاحة بحكمه في مصر، كما واجهت دول الخليج ضربات قاسمة له، وللدول التي تسانده وعلى رأسها قطر، وأصبح تنظيم الإخوان يعاني من عزلة داخل دول المنطقة، نتج عنها انهيار شبه كامل، إضافة إلى حالة الوهن والضعف التي لم يعشها من قبل مدة تاريخه على مدار ثمانية عقود، وهو ما انعكس بقوة على موقف حماس المحلي والإقليمي، بعد أن دعمت تنظيم الإخوان سياسياً وعسكرياً؛ الأمر الذي وصل إلى خسارة حركة حماس لأهم الدول والكيانات والتنظيمات، التي كانت تدعم كل تحركاتها في الداخل الفلسطيني وعلى المستوى الدولي، مثل سوريا وإيران، إضافة إلى العداء الذي وصل إلى ذروته مع الشعب المصري وأجهزة الدولة، نتيجة الانتهاكات التي قامت بها على أرض مصر، خاصة بعد توافر أدلة تؤكد ضلوع الحركة في عمليات إرهابية منذ اندلاع أحداث 25 يناير 2011 وحتى الفترة التي أعقبت سقوط النظام الإخواني في مصر.

حماس وغزة وموقف الشعب المصري من القضية الفلسطينية

حماس وغزة وموقف الشعب
بعد أن سيطرت حماس على قطاع غزة، بانقلاب دموي عام 2007 بعد مناوشات بينها وبين السلطة الفلسطينية، ممثلة في حركة فتح، بدأت معاناة أبناء القطاع نتيجة ممارسات حماس، التي نتج عنها فرض الحصار الإسرائيلي للقطاع، ولم تجد الحركة منفذاً لها سوى الحدود المصرية؛ فقامت بحفر شبكات أنفاق بالآلاف لتنعش خزائن الحركة بملايين الدولارات يومياً، بعد تحصيل الضرائب من سكان القطاع، وتشير المصادر الفلسطينية المتواجدة بالقطاع إلى أن الحركة كانت تقوم بتوزيع "التمر" على المواطنين، قبل أن تتولى مقاليد الحكم، وكانت تتقرب إلى الأهالي بكل السبل، حتى تمكنت من السلطة، فتغيرت عقيدتها في التعامل مع المواطنين، وأصبح شعارها: "لا نأكل من الشاة إلا الكتف" وهو ما يدل على ترف العيش، ومع مرور الوقت تزايدت ضغوط حماس على المواطنين، حتى تحولت إلى ممارسات قمعية تشبه أساليب عصابات المافيا، وهو ما جعل غالبية سكان القطاع يرفضون التواجد الحمساوي، لكن القبضة الأمنية الحمساوية كانت أشد من الرفض، وجاء ذلك بالتزامن مع ممارسات حماس تجاه السيادة المصرية؛ ما نتج عنه توتر شديد بين الطرفين، إلا أن معاناة الشعب الفلسطيني كانت دائماً ما تقف حائلاً أمام أي قرارات ردع، تسعى الدولة المصرية إلى اتخاذها ضد حركة حماس، والتي كانت دائماً ما تمارس حماس لعبة التسول السياسي كورقة ضغط على الدولة المصرية، والتي تحاول من خلالها إظهار الموقف المصري على أنه حرب تجويع لسكان القطاع المحاصر، في حين أن شخصيات سياسية فلسطينية ترى أن أي موقف تقوم به مصر تجاه قطاع غزة هو رد فعل أقل من الطبيعي مقابل ما تمارسه حماس، من أفعال تؤثر بالسلب على الأمن القومي المصري، خاصة وأن الحركة كانت- وبوضوح- الذراع المسلح لتنظيم الإخوان، في فترة الفوضى الأمنية وما أعقبها من فترة تخبط في الشارع المصري ودوائر صنع القرار، فمن الطبيعي أن تقاتل الحركة مستخدمة كل أدواتها المتطرفة؛ من أجل ترسيخ حكم الإخوان في مصر، والذي يصب في مصلحتها بكل ما تحمله الكلمة من معان سياسية وإستراتيجية واجتماعية واقتصادية. 

حماس بين مستجدات
وبرغم أن القضية الفلسطينية تستحوذ على قدر كبير من اهتمام الشعب المصري، إلا أن بعض المحللين يرون أن حماس نجحت في تقليص ذلك الاهتمام بعدما تحول قطاع غزة إلى مفرخة للإرهاب، الذي يمارس عملياته في الداخل المصري، إضافة إلى إيواء القطاع لبعض قيادات وعناصر تنظيم الإخوان المطلوبين أمنيًّا، وقد تزايدت حدة التوتر الشعبي تجاه حماس، بعد أن اتضحت خطورة الدور الذي كانت تمارسه في الفترة السابقة، مستخدمة الأنفاق في تلك المهام التي أوكلها تنظيم الإخوان لها.

حماس ومستجدات الوضع الإقليمي بعد سقوط الإخوان

حماس ومستجدات الوضع
خسرت حماس الرهان على جماعة الإخوان، مع انها دعمت تحركاتهم في الدول التي شهدت احداثاً داخلية، خاصة في سوريا ومصر؛ الامر الذي أفقدها رصيدا كبيرا من مساندة تلك الأنظمة، إضافة إلى خسارتها أنظمة دول الجوار، الرافضة لسيطرة الإخوان على حكم تلك الدول، سواء أن كان موقف تلك الدول مستمرا منذ بداية "ثورات الربيع العربي"، أو موقفا مستحدثا فرضته تطورات الأحداث، مثل الموقف السعودي الذي دعم المعارضة المسلحة في سوريا؛ ثم تراجع مؤخراً نظراً للمعطيات التي أنذرت وبشده من مغبات استمرار الدعم.

حماس بين مستجدات
وبعد زوال تنظيم الإخوان عن حكم مصر، ومواجهة أجهزة الدولة المصرية لتدخلات حماس وانتهاكها السيادة المصرية وارتكابها عمليات تضر بالأمن القومي المصري، حسب ما أعلنته الجهات القضائية والأجهزة الأمنية المصرية- وجدت حماس أن تطورات الوضع الإقليمي المحيط بها يسير في عكس مصلحتها، حيث إن الدول العربية بدأت في إعلانها رفض جماعة الإخوان، وتطور الأمر إلى مقاطعة دولة "قطر" التي تعتبر أكبر داعم للتنظيم، يأتي هذا بعد خسارة حماس للنظام السوري، الذي كان يأوي قيادات الحركة على أرضه وأسرهم، حيث يرى في دعم خيار المقاومة هدفا قوميا يسعى من أجله النظام البعثي السوري، والذي لعب دور حلقة الوصل بين الحركة وجمهورية إيران الإسلامية، الداعم اللوجستي والإستراتيجي الأول للحركة.

حماس بين مستجدات
واعتبر محللون أن اشتداد الحصار على تنظيم الإخوان وحركة حماس جعل الحركة تجد نفسها في عزلة لم تشهدها منذ أن تأسست، والناتجة عن عدة عوامل:
أ‌- خسارة الحركة للدعم السوري بعد دعمها "الجيش الحر" بتعليمات من التنظيم الدولي للإخوان.
ب‌- معاداة مصر لصالح الإخوان، برغم وقوف مصر بجانب القضية الفلسطينية منذ بدايتها.
ج- قطع العلاقات الحمساوية- الإيرانية، بعد أن وجدت إيران عناصر حماس تقاتل على الأرض ضد الجيش السوري النظامي، وهو الموقف الذي تكرر مع مقاتلي حزب الله.
د- تراجع الدول العربية عن دعم حماس بعد أن استشعرت خطورتها، نتيجة لموقف الحركة من الشأن الداخلي المصري.
ولذلك أدركت حماس أن ما تعانيه من حصار، سينعكس على تواجدها في غزة، وأن الضغوط التي تمارس عليها، قد تكون السبب في الإطاحة بها من القطاع المحاصر، خاصة وأن عملية هدم الأنفاق التي يقوم بها الجيش المصري، زادت من اشتعال الأوضاع الداخلية في القطاع، حيث يرى المواطنون أن ممارسات حماس كانت السبب الأساسي في غلق الأنفاق، التي تمد سكان القطاع بالحاجات الأساسية والضرورية من مأكل وملبس ودواء وغيرها من ضرورات الحياة، وهو ما يفسر ظهور حركة "تمرد على الظلم في غزة"، والتي يراها سياسيون فلسطينيون نتيجة طبيعية لحالة الحصار الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بسبب حماس.
 

حماس والانقسام الداخلي ومصالحة الرمق الأخير

حماس والانقسام الداخلي
أصبحت حماس قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وفقدان السيطرة على قطاع غزة، بعد أن فقدت كل حلفائها وداعميها ومناصري القضية الفلسطينية في الداخل والخارج، وفي نفس الوقت زادت شعبية حركة فتح داخل وخارج القطاع المحاصر، ما هدد تواجدها السلطوي في القطاع المحاصر، في الوقت الذي تسعى فيه "فتح" لاستكمال مباحثات السلام مع العدو المحتل، والتفاوض من أجل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية؛ ولذلك لم تجد حماس أمامها مفرا من اتخاذ خطوات جدية وإيجابية نحو رأب الصدع الذي سببته سياستها تجاه دول المنطقة، وقد أكد مقربون من حركة حماس أن هناك لقاءات جمعت بين شخصيات أمنية مصرية رفيعة المستوى، والقيادي في حركة حماس موسى أبي مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي في الحركة، في مقر إقامته، في القاهرة الجديدة، حيث كان يعرض وجهة نظر حماس للأجهزة المصرية، في محاولات مستميتة لتبرئة ساحتها من التهم المنسوبة إليها، إلا أن ما عرض عليه من قرائن ودلائل دامغة تؤكد انتهاك حماس للسيادة المصرية، وممارستها أعمال زعزعة للأمن القومي المصري، وبعد عدة لقاءات على مدار ما يقرب من شهرين، كان يقوم خلالها أبو مرزوق بنقل ما يتم في اللقاءات لقادة حماس في غزة، وخاصة مجموعة محمود الزهار، بعد أن دبت الخلافات داخل الحركة، والتي اعتبرها بعض المراقبين بداية انقسام داخلي، حيث إن الزهار يمثل الجناح الساعي لاحتواء الموقف الإقليمي من الحركة. 
حماس بين مستجدات
وعلى الجانب الآخر يقف "خالد مشعل"، رافضاً تقديم بوادر حسن النية، والتخلي عن دعم تنظيم الإخوان، والتدخل في الشأن المصري ودعم جماعات العنف المتطرفة، إلا أن الزهار أبدى موافقته لما ألقاه أبو مرزوق على مسامعه، من محتوى اللقاءات التي جمعته وبعض الشخصيات التابعة لجهات سيادية مصرية، وتحدث الزهار عن أنه قادر على السيطرة على الموقف في القطاع، وجاءت النتيجة في الاتفاق من الجانب المصري على خطوط عريضة يمكن من خلالها قبول الجلوس مع حماس: 
أ - التخلي الفعلي عن دعم تنظيم الإخوان عبر مواقف واضحة، وهي البداية التي تمكنها من الابتعاد عن دائرة العداء، خاصة مع الدولة المصرية. 
ب – تقديم معلومات وافية عن الجماعات المتطرفة، التي دعمتها حماس في سيناء، بتوجيه جماعة الإخوان، وكذلك معلومات عن العمليات التي تمت على الأراضي المصرية والمسئول عنها، بداية من اقتحام السجون المصرية وحتى أحداث العنف التي أعقبت 30 يونيو. 
ج – تسليم قيادات الجماعة وبعض الشخصيات الجهادية والتكفيرية الهاربة، والتي تتخذ من غزة ملجأ لها. 
د – غلق جميع الأنفاق التي لم تكتشفها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية حتى الآن، وفرض الرقابة الأمنية الصارمة على الشريط الحدودي، ومنع أي أعمال عنف من داخل غزة تستهدف الأراضي المصرية. 
هـ - الجلوس على طاولة المصالحة الفلسطينية، واتخاذ خطوات جديه تجاهها؛ لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني المحاصر، وإنهاء حالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية. 

حماس بين مستجدات
وقد أبدت الحركة موافقتها على جميع الشروط سابقة الذكر، دون شرط أو قيد؛ في محاولة منها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد تم وضع جدول زمني لإنجاز كل بند من البنود، ويرى محللون أن موافقة حماس جاءت في الرمق الأخير للحركة، وهو ما يمكن من خلاله تحاشي سقوطها في قطاع غزة، ومن جهة أخرى تشير مصادر سيادية تتبع السلطة الفلسطينية إلى أن حماس قدمت بادرة اتفاق مع الحكومة المصرية، من خلال انسحابها من المشهد المصري وعدم التدخل في شأنها نهائياً، والتخلي عن دعم تنظيم الإخوان الإرهابي.
واتفقت العديد من الرؤى التحليلية والمعطيات، على أن حماس تيقنت من خسارتها بمساندة الإخوان، وقد تصدق بنسبة كبيرة في التخلي عنها، مقابل أن يرفع عنها الحصار السياسي، خاصة الذي تفرضه عليها مصر، حيث تأكدت أن أدلة تورطها متوفرة لدى أجهزة الدولة المصرية، إضافة إلى محاولاتها احتواء حالة الغضب التي تجتاح سكان قطاع غزة، الذين تأكدوا أن الحركة هي السبب الرئيس في سوء العلاقات المصرية الفلسطينية، ولا يمكن تهميش الدور الإقليمي لدول المنطقة، التي رأت في حماس امتدادا طبيعيا لجماعة الإخوان، إلا أن حالة الانقسام داخل حركة حماس جعلت الاتفاق معها قابلا للانتكاس، في حالة محاولة الجناح التابع لـ"خالد مشعل" الوقوف أمام أي خطوة إيجابية تسير الحركة في اتجاهها.