بوابة الحركات الاسلامية : ومن الفتوى ما قتل (طباعة)
ومن الفتوى ما قتل
آخر تحديث: السبت 10/01/2015 10:11 م
ثروت الخرباوي ثروت الخرباوي
يثير الحادث الإرهابي في فرنسا بعض الأفكار المهمة، فمن ناحية ظهر أن الذين ارتكبوا هذا الحادث ولدوا في فرنسا وعاشوا فيها وتعلموا في مدارسها، ولذلك لا يستطيع أحد أن يلقي بالتهمة على الفقر والجهل أو غياب الديمقراطية، ومن ناحية أخرى فإن الحادث كشف عن أن هؤلاء الإرهابيين من أصول جزائرية وأنهم تلقوا الدروس الدينية في المراكز الإسلامية في باريس، ومن المعروف أن هذه المراكز يسيطر عليها تيارات الإسلام السياسي، وتشهد دائما زيارات متكررة من رموز الحركة الوهابية والمدارس السلفية، حيث يقومون بإلقاء دروسهم التي تحض على كراهية المجتمع الغربي وتحرض على علمانيته، ويبدو أن اختزال مشكلة التطرف في الفقر والجهل جعلنا نهمل الأسباب الرئيسية، بل إننا أغلقنا عيوننا عمدا عن السبب الرئيسي خوفا من مواجهة الحقيقة التي تتمثل في تطرف الخطاب الديني نفسه وفساد أفكاره.
أما عن الجهل والفقر فلا يمكن لأحد أن ينسى أن أحد أعمدة الإرهاب في عصرنا الحديث هو "أسامة بن لادن" الذي كان أحد أكبر أثرياء العالم كما أنه كان قد حصل على شهادته العليا في تخصص علوم الاقتصاد، ومعه أستاذ الإرهاب الأكبر أيمن الظواهري الطبيب المصري الذي ينتمي إلى عائلة من أكبر العائلات المصرية ، ولك أن تتحدث بلا انقطاع عن المهندس خيرت الشاطر ملياردير الإخوان ويوسف ندا صاحب البنوك والشركات العالمية ، وفريق أساتذة الجامعة الإخوان مثل محمد مرسي ومحمود عزت ومحمد بديع ومحمود غزلان ورشاد البيومي وغيرهم ، بل إن جماعة الإخوان هي أكثر جماعة في العالم كله في ضم أساتذة جامعة في تخصصات مختلفة ، فإذا انتقلت من جماعة الإخوان إلى باقي جماعات الإسلام السياسي ستجد أنهم أكثر شرائح مجتمعاتهم ثراءً، وعلى سبيل المثال ستجد أن حزب التحرير في الأردن ودول المهجر يضم كبار رجال الأعمال، وجمعية العدل والإحسان في المغرب تضم أغنياء المجتمع المغربي، أما المدرسة السلفية والحركة الوهابية فهي أكبر مستودع للمال في العالم كله.
آن لنا الآن أن نركز على الخطاب الديني لأنه هو السبب الرئيسي في كل المعاناة التي نعانيها حاليا، لذلك كانت كلمة الرئيس السيسي في الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم جامعة مانعة، فقد طالب الرجل بثورة دينية، ثورة تصحح المفاهيم المغلوطة التي دخلت على الدين وغيرت مقوماته، نحتاج إلى ثورة دينية نتخلص فيها من نصوص ظن الناس أنها مقدسة لمجرد أنها وردت في كتب التراث وهي في الحقيقية من صنع إبليس وأعوانه، فليس يقبل مثلا أن تظل الفتاوى المفزعة تطل برأسها علينا كل حين، فتحول حياتنا إلى حرب مستمرة مع طواحين الهواء.
ولك أن تعلم أن الشباب الفرنسي المسلم الذي قام بالجريمة النكراء وقتل من قتل من العاملين في تلك الجريدة الساخرة قد فعل فعلته بناء على فتاوى دينية صادرة من هيئات علمية، فالشيخ سامي السرساوي عضو لجنة الفتوى بالازهر الشريف أفتى مؤخرا بقتل كل من يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم في أي مكان وبدون أخذ إذن من أي أحد، وقال الشيخ السرساوي وهو يستصرخ الشباب المسلم: أفتي بقتل كل من شارك بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أردف قائلا: أين شباب الإسلام لقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الرجل الذي شيخوه وأطلق على نفسه لقب الحويني أفتى بوجوب قتل من يسيئ للرسول صلى الله عليه وسلم وإن تاب وندم على ما فعل، وقد نقل علماء الأزهر ومدعي السلفية فتوى ابن تيمية التي قال فيها:"إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهرًا و باطنًا، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل ، ويجب قتل من فعل هذا".
فإذا كانت هذه هي فتاوى العلماء، وهذه هي طبيعة الخطاب الديني الذي يتم تصديره للأمة، فهل تستطيع أن تتهم الشباب الذي صدق هذه الفتاوى واعتبرها دينا، أم أننا يجب أن نتلقي بالاتهام كله على أصحاب هذه الخطاب المتطرف؟