أكّد حوار أجرته وكالة رويتز الإخبارية مع أحد المتشدّدين في سيناء ما جاء على لسان القيادات العسكرية المصرية بأن مصر تمضي قدما في حربها على الإرهاب، وقد نجحت إلى حدّ كبير في تحجيم النشاط الجهادي في المنطقة، وستواصل العمل إلى أن تلفظ هذه الجماعات أنفاسها الأخيرة.
في بقعة نائية بصحراء سيناء راح أحد قادة أشرس الجماعات الإسلامية في مصر، الشهر الماضي، يشرح آماله في الإطاحة بالحكومة. “نحن ننفذ إرادة الله”، هذا ما قاله القائد لصحفي من وكالة رويترز نقل إلى الموقع معصوب العينين في منتصف يناير.
تحدث القائد المتشدّد في غرفة صغيرة لها نافذة مفتوحة، وبينما كانت الرياح تسفع الصحراء المقفرة في الخارج قال “سنقيم دولة إسلامية في مصر”. وقال إنه ينتمي إلى جماعة أنصار بيت المقدس التي قتلت المئات من قوات الأمن منذ عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين وسط احتجاجات شعبية عارمة عام 2013.
وفي الأسبوع الماضي أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجمات على قاعدة عسكرية وفندق في شمال سيناء أسفرت عن مقتل 25 فردا وإصابة 58 بينهم تسعة مدنيين يوم 30 يناير.
ورغم تلك الهجمات أظهرت زيارة مراسل رويترز لسيناء في منتصف الشهر الماضي كيف أصبحت مهمة المتشدّدين أكثر صعوبة، إذ يبدو أن الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، القائد السابق للجيش، يحقق نجاحا في حملته لتضييق الخناق على الجماعات الإسلامية المسلحة.
حتى القائد العسكري المتشدّد الذي قابله المراسل يقول إنه يواجه صعوبات أكبر، ويضيف “أعدادنا أقل من قبل، فقد قتل كثيرون منا، واعتقل كثيرون، وقوات الأمن في كل مكان”.
ومنذ تولى السيسي السلطة في يونيو من العام الماضي قام بتحييد جماعة الإخوان المسلمين وأخذ خطوات جريئة لإصلاح الاقتصاد وأعلن سلسلة من المشروعات الكبرى التي تهدف إلى توفير فرص العمل. كما طالب السيسي بثورة في الخطاب الديني وقال إن المتشددين الإسلاميين يهدمون الدين ويسيئون إليه. وتتوقف كل هذه الطموحات على الحفاظ على الأمن الوطني وتحجيم المتشددين في سيناء.
وقال مسؤولون أمنيون إن السيسي أرسل لذلك المزيد من القوّات إلى المنطقة وحاز دعم بعض البدو الذين ساعدوا الجيش في تحديد طرق تهريب السلاح التي تستخدمها الجماعات المتشددة، وأدت هذه الأساليب إلى تحقيق نجاحات.
وفي أوائل العام الماضي كانت جماعة أنصار بيت المقدس تسيطر على نحو ثلث القرى في المنطقة وكان من الصعب على الجيش دخول عدة مناطق. أما الآن فقد تغيرت الصورة وفقا لما قاله القائد المتشدد ومسؤولون أمنيون وسكان في سيناء.
وتشير روايات هؤلاء إلى أن المتشددين فقدوا بعض الزخم الذي كانوا يتمتعون به من قبل وإن ظلوا قادرين على شن بعض الهجمات التي يسقط فيها قتلى وجرحى.
وفي قرية الحسينات حيث توجد مجموعة من المباني الإسمنتية ذات الطابق الواحد وحيث يرعى الدجاج والماعز في الطرقاتّ، قال تاجر البنزين عيد سلمان إن المتشددين اختفوا تقريبا من المنطقة، وأضاف سلمان أن هجمات طائرات الهليكوبتر العسكرية هدأت بعد أن كانت تتم بصفة يومية وذلك رغم وقوع اشتباكات ليلية من حين إلى آخر. وقال سلمان “اعتدنا قبل عام على رؤية الكثير من أنصار بيت المقدس يمرون أمام بيتنا في سيارات ويلوحون بأعلامهم السوداء. أما الآن فلا نكاد نراهم، فالحياة أصبحت أهدأ كثيرا”.
تدمير الأنفاق
تتمثل أحد المعايير التي تبين مدى الضغط على المتشددين في صعوبة لقاء القائد المتشدد، ففي العام الماضي كانت اجتماعات مماثلة أسهل كثيرا وكان من الممكن رؤية المقاتلين في الشوارع. أما هذا العام فقد كان المتشددون أكثر حذرا.
وبعد الاتصال بأحد الوسطاء من البدو تم وضع عصابة على عيني الصحفي وسحبت منه هواتفه المحمولة. وكان السائق الذي نقل الصحفي يتوقف على جانب الطريق لفترة وجيزة كل 20 دقيقة للتأكد من أنه ليس مراقبا، وسئل السائق لماذا يتصرف على هذا النحو فرد قائلا “مش شغلك”. وقال المتشدد، الذي كان يتحدث بلهجة بدوية ثقيلة، إن تنظيم الدولة الإسلامية كان مصدر إلهام له ولزملائه وإنّهم قلدوا ممارساته. وقد غيرت الجماعة اسمها في الآونة الأخيرة إلى “ولاية سيناء” بعد أن بايعت التنظيم الذي طالبها بمواصلة هجماتها على قوات الأمن المصري.
وأضاف “نحن نأسر أي شخص يخوّننا، ونقطع رأس الخائن، وهذا يرعب الآخرين حتى لا يقومون بأي تصرف ضدنا. هذه هي لغة ‘داعش’ وأساليبها”. غير أن المتشدد بدا أقل ثقة من زملائه، الذين أجريت مقابلات معهم العام الماضي، وقال "حوالي ألف منا قتلوا وألقي القبض على نحو 500 أو 600".
وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في بعض مناطق سيناء أواخر العام الماضي وتعمل على إقامة منطقة عازلة على الحدود بين سيناء وقطاع غزة. وقال المتشدد إن قوات الأمن دمرت أنفاقا تربط بين سيناء وغزة، الأمر الذي حرم المقاتلين مما تصفه السلطات بطرق مهمة للتزود بالسلاح، وأضاف أن “الأسلحة أقل بكثير لأن الأنفاق دمرت، وأصبح من الصعب نقل السلاح”. وامتنعت مصادر في إسرائيل عن التعقيب على الجماعة أو الأنفاق لكنها قالت إن العلاقات مع مصر أفضل مما كانت عليه في عهد مرسي في ما يتعلق بالوضع في سيناء. وقال ضابط عسكري إسرائيلي مطلع على العلاقات مع القوات المسلحة المصرية “الوضع على الحدود مستقر. المصريون أخذوا خطوات لتأمين سيناء إدراكا منهم أن انعدام الأمن خطر على الحكم المصري”. وأضاف “نحن ننسق في ما يتعلق بالأنشطة قرب السياج (الحدودي) للحيلولة دون امتداد الهجمات الإرهابية إلى إسرائيل”.
وقال مسؤول مصري إن إسرائيل تزوّد مصر بمعلومات مخابرات للمساعدة في تعقب أنصار بيت المقدس، وأضاف قائلا “لا أستطيع أن أقول إن كانت مفيدة لكن بوسعي أن أقول إنها تلقى التقدير”.
وفي سيناء عززت قوات الأمن المصرية وجودها في مختلف أنحاء المنطقة الشمالية، وأصبحت القوات أفضل تجهيزا، إذ يرتدي أفرادها السترات الواقية من الرصاص ويضعون الخوذات وبدوا أكثر يقظة من العام الماضي. ولمكافحة الانتحاريين تضع قوات الأمن عربات من الشرطة أمام الحواجز الأمنية وزادت من عدد أجهزة الكشف عن المعادن.
وقال مسؤول أمني كبير إن السيسي ضاعف القوات في سيناء منذ العام الماضي، رافضا ذكر أرقام محددة، وأصبح نحو 30 جنديا يحرسون الحواجز الأمنية بعد أن كان عدد الجنود في كل منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.
ورد المتشددون بعمليات كر وفر واختطاف بعض رجال الشرطة واغتيال البدو الذين يشتبه في تعاونهم مع مسؤولي المخابرات، ونشروا أيضا مقاطع فيديو تظهر قطع رؤوس البدو الذين قالت الجماعة إنهم تعاونوا مع قوات الأمن.
الخوف من الجانبين
رغم أن القوات المصرية حقّقت نجاحات فمازال المتشددون يمثلون خطرا كبيرا على الأرواح وعلى الاقتصاد المصري الضعيف. واستهدف هجومان من الهجمات التي وقعت مؤخّرا مدينتي بورسعيد والسويس اللتين تتحكمان في مداخل قناة السويس الممر الملاحي الذي يدر على مصر إيرادات مهمة.
وقال الجيش إن هذه الهجمات وغيرها جاءت ردا على ما تحقق من نجاح في الضغط على المتشددين. وقد وجد زعماء مصر المتعاقبون أن من المستحيل القضاء على المتشددين بالكامل.
ويقول مسؤولون مصريون إن لديهم معلومات قيمة عن قادة أنصار بيت المقدس، غير أنه من الصعب الحصول على معلومات عن المقاتلين العاديين الأعضاء في الجماعة. ومازال المتشددون يعيشون بين المواطنين العاديين ويختلطون بالسكان المحليين على نحو يجعل من الصعب على قوات الأمن التعرف عليهم.
وقال مسؤول كبير في الشرطة “قد يأتي إلينا بعض الناس الآن ويتحدثون إلينا متظاهرين أنهم مواطنون عاديون وبعد أيام يفجرون أنفسهم في حاجز أمني”.
وأضاف “في إحدى المرات توجّهنا لمهاجمة قرية، فوجدنا فيها واحدا من المتشددين مر علينا قبل أيام وقال لنا ‘ربنا ينصركم على الإرهابيين’، وقد قبضنا عليه بعد أيام من الاشتباكات”. وربما يؤدي تصعيد العمليات الأمنية إلى وقوع خسائر في الأرواح بين المدنيين وينشر الاستياء بين سكّان سيناء خاصة من البدو الذين يشكون منذ فترة طويلة إهمال الحكومة المركزية لهم. وقال أسامة شبانة، وهو طالب من قرية تومة “لابد أن تجد السلطات وسيلة لحمايتنا. نحن خائفون من الطرفين، قوات الأمن والإرهابيين. عندما نسمع الرصاص نهرع إلى بويتنا مختبئين”.
وقد استطاع ضابط بالجيش، استجوب المتشددين، اكتساب معرفة بمخاطر الضغط، إذ قال “روى أحدهم كيف قتلت قوات الأمن أخيه ووصف كيف بكت زوجة أخيه وحثته على الثأر وإلا فإنه سيبدو ضعيفا”.
وأشار أيضا إلى أن بعض المقاتلين أجانب تدربوا في سوريا، مما يعقد مساعي تحقيق الاستقرار في سيناء.
ومازال السيسي يواجه معركة صعبة لفرض سلطته والحفاظ على الاستقرار في البلاد. لكنه يبدو عازما على انجاز هذه المهمة وذلك بناء على اجتماع عقده المسؤولون الأمنيون قبل بضعة أسابيع.
ويقول مسؤول أمني كبير إن السيسي أبلغ الاجتماع أنه يريد إحراز المزيد من التقدم وأنه لا يريد "أن يسمع أي شيء عن الارهاب في سيناء" خلال ستة أشهر.
(العرب اللندنية)