بوابة الحركات الاسلامية : عندما رفض الأزهر مصادرة كتاب "الحرية الدينية في الإسلام" (طباعة)
عندما رفض الأزهر مصادرة كتاب "الحرية الدينية في الإسلام"
آخر تحديث: الخميس 07/03/2019 02:56 م حسام الحداد
عندما رفض الأزهر
عندما نشر الكتاب للمرة الأولى تسبب في ضجة كبرى، وانتقده الأستاذ عيسى منون عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كليتي الشريعة والأصول بجامعة الأزهر، وكتب ضده في مجلة الأزهر وطالبت الأصوات بمصادرة الكتاب فتم عرضه على مجمع البحوث الإسلامية الذي رفض مصادرته..
عبد المتعال الصعيدي "1895- 1971" واحد من أهم علماء الأزهر الشريف، وعضو مجمع اللغة العربية، ولد في قرية النجباء بالدقهلية، درس في الجامع الأحمدي بطنطا، ثم أكمل تعليمه في الأزهر، وأصبح أستاذًا بكلية اللغة العربية، اشتهر بأنه صاحب منهج إصلاحي في التعليم والفكر والتجديد الديني، تتجاوز مؤلفاته ستين عنوانًا. 
الأزهر يرفض مصادرة الكتاب 
ترجع أهمية كتابه الحرية الدينية في الإسلام الذي طُبع لأول مرة عام (1375هـ/ 1955م)؛ لكونه ينتهي إلى أن المرتد لا يقتل وقد رأى مجمع البحوث الإسلامية ممثلا في الدكتور محمد رجب البيومي عضو المجمع، أنه رأي جديد بالنسبة لما علم وتقرر، وقد استند الكاتب إلى أدلة ترجح وجهة نظره. وعندما نشر الكتاب للمرة الأولى تسبب في ضجة كبرى، وانتقده الأستاذ عيسى منون عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كليتي الشريعة والأصول بجامعة الأزهر، وكتب ضده في مجلة الأزهر وطالبت الأصوات بمصادرة الكتاب فتم عرضه على مجمع البحوث الإسلامية الذي رفض مصادرته بالاستناد إلى كتاب (الإسلام عقيدة وشريعة) للإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر، والذي ناقش فيه حديث "من بدل دينه فاقتلوه" قائلا: "قد تتغير وجهة النظر في هذه المسألة إذا لوحظ أن كثيرا من العلماء يرى أن الحدود لا تثبت بأحاديث الآحاد، وأن الكفر بنفسه ليس مبيحا للدم، وأن المبيح للدم هو محاربة المسلمين والعدوان عليهم، ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وأن ظواهر القرآن في كثير من الآيات تأبى الإكراه على الدين، فقد قال تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} الآية 256 من سورة البقرة، وقال: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} الآية 99 من سورة يونس، وبناء على ذلك سمح مجمع البحوث بطبع وتداول الكتاب. 
فقه الحدود
تعود أهمية القضية التي تناولها الكتاب وهي: تجديد فقه الحدود، والحكم على المُرْتَدّ، تلك القضية التي ما زالت أصداؤها تتردد في كتابات المحافظين والمجدِّدين على حد سواء بحيث يمثل الخطاب الإصلاحي الإسلامي، المتمثل في دفاع المفكرين المسلمين المعاصرين عن حرية الاعتقاد، استناداً إلى اجتهاداتهم وفهمهم لمقاصد الشريعة، وأثبت فيه أن أصول الشريعة الإسلامية لم تكن قط مناهضة للحرية الإنسانية، ولا معادية لحرية البوح والعقيدة. ويتناول الكتاب الحرية الدينية بين التوحيد والوثنية، وحكم المرتد في الشريعة الإسلامية، وضعف الاستناد إلى الإجماع في قتل المرتد، وكذلك إثبات الحرية الدينية له، وغيرها من الموضوعات التي تتعلق بالحرية الدينية.
 دين الاستبداد 
يؤكد عبد المتعال في كتابه صغير الحجم كبير القيمة- 160 صفحة من الحجم المتوسط- أن الوثنية هي دين الاستعباد والاستبداد من طغاة البشر للضعفاء، وهؤلاء الطغاة يفرضون عبادة أنفسهم وأوثانهم على الناس، فأخذ الناس بأساليب القوة وإكراههم في عقائدهم هو الوثنية ذاتها. ويتطرق المؤلف إلى قضية الجزية، والتي يفند كل أصولها فيقدم بمنطق عقلاني رائع مناقشة ثرية لفكرة الجزية التي لم تفرض على الناس لكفرهم بل لقتالهم وحربهم؛ فلهذا لم تفرض على "النساء" والصغار والرهبان ومن لا يصلح للحرب، وهذا يفيد أن الجزية ليست إلا غرامة حربية وأنها لا شأن لها بكفرهم، فلا يكون لها تأثير في تركهم له، ولا يكون في فرضها عليهم أدنى وسيلة لحملهم على الإسلام؛ لأن الإسلام أكبر من أن يغري الناس على دعوته بالمال، يأخذه من غيره باسم الجزية، فإذا أسلم لم يأخذه منه؛ لأنه إذا أسلم أخذ منه الزكاة.
  حرية المرتد 
  وبالجراءة العقلانية نفسها يناقش عبد المتعال الصعيدي الرؤية المتحجرة الجامدة لقتل المرتد فيقول إنه لا عقاب لمرتد عن الإسلام، ويقول: ثبوت الحرية الدينية للمرتد هو مذهبي الجديد وعليه لا يكون هناك فرق في الدعوة بين المرتد ومن لم يسبق له إسلام، فكل منهما يدعو إلى الإسلام بالتي هي أحسن، وكل منهما يكتفى بدعوته مرة واحدة، ولا يلزم في المرتد أن يستتاب أبدًا كما ذهب إليه النخعي وغيره ممن يقول بالاستتابة الدائمة. ويرى الصعيدي أن دوام الاستتابة يترتب عليه إلزام المرتد ووضعه تحت قيد الإقامة "الجبرية"، وهو ما يتنافى مع مبدأ حرية العقيدة. ودليل "المؤلف" على رأيه هو إجماع المسلمين على اشتراط الاختيار في صحة الإسلام، فهو شرط في صحة إسلام كل شخص، سواء أكان ممن لم يسبق منه إسلام أم كان ممن سبق منه وارتد عنه، وحينئذٍ لا يصح أخذ المرتد إلى الإسلام بالإكراه. ويضيف: الإسلام لا يكفي فيه نطق اللسان؛ بل لا بد في صحته من إقرار القلب فيه. كما أن شرط الاختيار يجب أن يكون في الدوام كما يجب أن يكون في الابتداء، كشرط الطهارة في الصلاة ونحوه من الشروط، ولا يحق لأحد أن يسلب مسلمًا هذا الحق، فهو حق إلهي لا يستطيع أحد منازعته.
ضعف الاستناد 
يؤكد عبد المتعال أنه لم يكن هناك إجماع على القول بقتل المرتد، ويضيف: وعلى تقدير ثبوت الإجماع عليه يكون لي الحق أيضا في مخالفته، وهذا الحق لي في مخالفة هذا الإجماع على تقدير وجوده ثابت لي من عدة وجوه: 
أولها: أن الإجماع لم يتفق على حجيته، فقد ذهب بعض النظامية من المعتزلة والشيعة أنه محال في ذاته وفي طريق العلم به لو سلم إمكان العلم به، والجمهور هم الذين يذهبون إلى حجية الإجماع، ولهم ردودهم على من خالفهم في حجيته وإني أرى أن الإجماع حجة فيما لا يمكن الخلاف فيه، كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، وأما العقاب في الدنيا بقتل أو حبس +ليرجع إلى الإسلام، فهو مما يمكن الخلاف فيه لأنه لا يؤدي إلى إبطال أساس من أسس الإسلام. 
وثانيها: أن الفرد من الصحابة كان يشذ على إجماعهم إذا ظهر له وجه يرى أنه على حق فيه، فكان الصحابة يتسامحون في هذا معه ولا يحاولون إكراهه على موافقتهم كما نحاول الآن إكراه من يخرج على ما ندعيه من الإجماع بوجه من الوجوه، فلا نناقشه في هذا الوجه بل نسد الطريق أمامه بدعوى الإجماع فيه. 
وثالثها: أن المتأخرين إلى عصرنا كانوا يرون أن الإجماع انعقد على العمل بالمذاهب الأربعة وتحريم العمل بغيرها، وقد نقل هذا الإجماع في كثير من الكتب التي يعتمد عليها الأزهريون. 
ورابعها: أني لا أرضى لنفسي بالجمود على ذلك الإجماع الأزهري، فقد ضاعت فيه شخصية الأزهر، ويجمد على ما ألفه من الأقوال المشهورة.
ويختتم برأي ابن حزم أن الحق قد يكون مع الواحد دون الجماعة، وقد جاء ذلك في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام"، وأضاف: إذا كان الفقهاء يقولون: "لا قياس مع وجود النص" فإنه يجب أن يقال إنه لا إجماع مع وجود النص أيضا لنكون أمام النص وحده نفهم منه ما نشاء مما يمكن قبوله في مقاييس الفهم الصحيح، ولا يحول بيننا وبينه حائل من دعوى الإجماع على فهمه بخلاف هذا الفهم؛ لأن مثل هذا قد يقبل إذا ذهب النص وبقي الإجماع وحده، أما إذا بقي النص فإنه يجب أن يعول عليه وحده دون الإجماع أو غيره.