بوابة الحركات الاسلامية : الأزهر والسلطة: التوظيف.. السيطرة.. المصالح (طباعة)
الأزهر والسلطة: التوظيف.. السيطرة.. المصالح
آخر تحديث: الخميس 14/05/2015 05:17 م
الأزهر والسلطة: التوظيف..
اسم الكتاب – الأزهر والسياسة دراسة عن علاقة مؤسسة الأزهر بالدولة منذ 1952 وحتى 1994
تأليف - الدكتورة مليكة زيغال
ترجمة – الدكتور حمد العيسى
احتكار الدين تحت سيطرة الدولة، هذا هو مختصر الدراسة التحليلية التي كتبتها الدكتورة مليكة زيغال، أستاذ الفكر والحياة الإسلامية المعاصرة في مركز الدراسات الشرق أوسطية بجامعة هارفارد، تحت عنوان (الأزهر والسياسة دراسة عن علاقة مؤسسة الأزهر بالدولة، منذ 1952 وحتى 1994)، وقام بترجمتها الدكتور حمد العيسى ونشرت في سبعة حلقات بجريدة المقال القاهرية .والدراسة تهدف الي تسليط الضوء على الرابط بين التغير البنيوي الذي فرضته النخبة الحاكمة على الازهر وما نتج عنه من تحول في السلوك السياسي للعلماء ويظهر الجزء الاول من الدراسة ان مشروع تحديث الازهر الذي صدر كقانون عام 1961 ادى الي نتائج عكسية غير مقصودة لقد كان الهدف المعلن من الاصلاح هو تطوير العلماء ودمجهم في الجزء الحداثي من المجتمع ولكن بدلا من تحقق ذلك الهدف بزغ سلوك سياسي جديد بين العلماء فالنظام الناصري من خلال التحديث الاصلاحي الذي قام به قام بإصلاح هائل في حجمه وغامض في جوهره ومجهول العواقب ومن ثم لا يمكن ان ينظر الي سلوك علماء الازهر فقط كرد فعل علي سياسة عبد الناصر تجاه المؤسسة الدينية المصرية ولايمكن وصفه بانه خضوع للدولة فحسب وعبر منح الازهر احتكارا للدين تحت سيطرة الدولة فان النظام السياسي اخضع العلماء بالفعل واجبرهم علي الاستسلام السياسي الكامل للدولة خلال الستينيات ولكنه منحهم في الوقت نفسه- وهنا المفارقة الكبرى- الاليات اللازمة لبزوغهم السياسي في السبعينيات 

الانقسام الثنائي

تصف الكاتبة إدخال المناهج الحديثة في المناهج الأزهرية بعملية اجبار علماء الأزهر للتعامل مع انقسام ثنائي للمعرفة الحديثة مقابل الدينية ، وبذلك تخلخلت هوية الأزهريين فقد كان النظام يهدف في الواقع إلى أكثر من فرض سيطرة محكمة ومباشرة على المؤسسة الدينية، فمن خلال إدخال معرفة حديثة وجهاز بيروقراطي تدعمه الحكومة وتسيطر عليه الدولة كان يمكن لناصر تركيع العلماء دون ابادتهم تماما فقد كان النظام الناصري الثوري بحاجه لشرعية دينية يمثلها علماء دين تابعون للدولة بغية التصدي للنفوذ السياسي للإخوان المسلمين وصنع توازن في العالم الاسلامي مع النظام السعودي الإسلامي وكان عبد الناصر يأمل في الازهر بعلمائه لتحقيق الهدف السياسي الناصري إذ جرى إصلاحه

تقييم الإصلاح

تقول الكاتبة يرى معظم العلماء اليوم أن عملية دمج الدين بالحياة التي كان من المفترض أن تنبع من تطوير الأزهر مُنيت بالفشل فبدلا من تعزيز تفاعل وثيق بين المجالين نتج عن تحديث الازهر مجرد (تجاور ) لهذين المجالين (دون تفاعل ) ما ادى الي فشل الاندماج وعبر اعطاء الطلاب معرفة دينية وحديثة مختلطة يستحيل استيعابها وفقا لمعظم المدرسين في الازهر .فتحديث المعرفة في الازهر كان بالفعل يطمس (يشوش ) الحدود بين الاسلاميين والعلماء وهى الحدود التي وضعها الرأي العام وعلماء الاجتماع كما اعطي ادخال المعرفة الحديثة علماء الازهر الشباب الفرصة لدخول عالم (الترقيع ) عبر خلط المعرفة الدينية بالحديثة فتبديل الخلفية التعليمية لعلماء الازهر حولهم الي مفكرين يملكون مراجع ومفردات الزملاء المتطرفين الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الحديثة وتسببت هذه الظاهرة في بزوغ الميول الإسلاموية بين علماء الازهر والتي أصبحت واضحة اجتماعيًا وسياسيًا فيما بعد. 

السبعينيات

لقد استخدم نظاما ناصر والسادات الدين لتحقيق أهداف سياسية بما في ذلك تعزيز شرعيتهما السياسية ولكنهما لم يستخدما الدين بالطريقة نفسها لقد هيمن ناصر بقوة علي المؤسسة الدينية ووطد سيطرة الدولة رسميا على الأزهر وبناء عليه كان يمكنه استخدام الاسلام كما فسره علماء الازهر لإضفاء الشرعية علي خيارات النظام الاشتراكية .لكن السادات جعل نفسه مدينا للشرعية الدينية اكثر من ناصر بشكل خطير لقد ابتعد عن الاشتراكية العربية وحرر الساحة السياسية من اجل التخلص من الجناح اليساري الناصري ونتيجة لهذه الخطوة قدم للعلماء مساحة اكثر انفتاحا نسبيا للتغير والتجريب وهو ما أدى الي تحركهم وخروجهم من الاطار الجامد لمؤسسات الدولة واصبحت الجماعات الاسلامية من اخوان وغيرها شركاء للأزهر في هذه السلطة ومنح الشرعية للسادات .وكما استخدم ناصر الأزهر لضرب الاخوان استخدم السادات الازهر لضرب اليساريين تحت مسمي العودة الي الدين والتوبة من الافكار الشيوعية والقومية وكتب الشيخ البهي الذي اشرف على اصلاح جامعة الازهر في عام 1979 مقالا جاء فيه (ان ثورة يوليو 1952 قد تسببت في فراغ ديني ودمرت الدين كما فعل الاستعمار ففي ظل نظام ناصر احتلت القومية العربية محل الاسلام )وطالب العلماء الحكومة في السبعينيات بإجراء تحول في النظام القانوني المصري ليصبح اسلاميا ولم يكن النظام مستعدا للامتثال لجميع مطالبهم في هذا الصدد بل لم يكن من المتخيل مطلقا ان يسمح السادات للعلماء بأداء دور سياسي كبير، وظهر في هذه الفترة متطرفون إسلامويون، الأمر الذى جعل الشيخ عبد الحليم محمود يطلب أن يكون هو المفسر الديني  الشرعي لما يحدث علي الساحة السياسية ولكن النظام اسكت الشيخ فورا مما اضطر الازهر كمؤسسة رسمية للاستسلام 

بعد الاغتيال

بعد اغتيال السادات أدرك الأزهر كيفية  تحقيق مطالب النظام بانتقاد فكر الجماعات الإسلاموية المتطرفة وسعى علماء الازهر إلى تحويل الصراع معها بعيدا عن العنف الي مجال الخطاب الديني وبذلك دفع نظام مبارك الازهر للمجال العام مجددا كدرع لحماية المجتمع من عنف الإسلامويين المتطرفين وانتهز الازهر هذه الفرصة ووافق علي انتقاد الإسلاموية العنيفة واكتسب المزيد من النفوذ على حكومة مبارك ودفعت المؤسسة الدينية نظام مبارك الي قبول الأسلمة المتزايدة للمجتمع لقد احتاجت الحكومة الازهر لشرعنة حربها ضد الإسلاموية المتطرفة وهو ما أدى الي قبولها تلك الصفقة ووصف احد المشايخ الصفقة قائلا (كيف ينظر الشباب الي الشيخ شيخ الازهر والمفتي او أي شيخ يحمل منصبا رسميا وينتقد هؤلاء الشباب؟ يعتقد هؤلاء الشباب أن أولئك العلماء يعبرون عن فكر النظام لانهم موظفون في الخدمة المدنية اقوالهم يحيط بها الشك والريبة فحسب .وبهذا تكشف الدراسة عن القوة المتتالية التي حصل عليها الازهر وخطورتها جئت من خلال توظيف النظام له 
فعبد الناصر استخدمه لمحاربة الاخوان وشرعنة الاشتراكية 
والسادات استخدمه لمحاربة الناصريين واليساريين. 
ومبارك استخدمه لمحاربة الجماعات المتطرفة ومن هنا كلما زادت دموية الصراع بين الدولة والجماعات الإسلاموية العنيفة زاد نفوذ الازهر وتأثيره في النظام وظهر ذلك بوضوح فيما عرف بندوة العلماء التي كونها 12 استاذا بكلية الدعوة  مع 12 استاذ بجامعة القاهرة في يونيو 1992  للحرب ضد العلمانية ومطالبتهم مبارك برفض حزب المستقبل الذي ينادى الدكتور فرج فوده الي تأسيسه لفصل الدين عن السياسية ومع الوقت تحولت بيانات ندوة العلماء الي التحريض على قتل فودة من قبل الجماعة الإسلامية التي من المفترض أن يحاربها الأزهر؟! 
وتخلص الدراسة الي ان التحديث الذى قام به عبد الناصر للأزهر ادى الى انطماس الحدود التي تفصل بين التعليم العلماني والديني، الأمر الذى جعل علماء الازهر يدركون أهمية المعرفة الحديثة التي عرفتهم على ثقافة الترقيع الفكري فاستخدموها بفعالية ضد خصومهم وأصبح لهم نفوذ سياسي ومجتمعي كبير فكما استخدمهم النظام استخدموه بصورة أسوأ