بوابة الحركات الاسلامية : الخطاب الوهابي و"الآخَر".. ابن باز نموذجًا (3) (طباعة)
الخطاب الوهابي و"الآخَر".. ابن باز نموذجًا (3)
آخر تحديث: الأحد 24/05/2015 06:01 م
الخطاب الوهابي والآخَر..
كنا قد قدمنا في الجزء الأول من "الخطاب الوهابي.. ابن باز نموذجًا" عقيدة الولاء والبراء والتي يستند إليها هذا الخطاب لتكفير الآخر والبراءة منه، وبالتالي استحلال ماله ودمه وعرضه، وكذا موقف هذا الخطاب من الحكام بعدم الخروج عليهم والسمع والطاعة لهم، ما يؤدي هذا الموقف إلى استكانة الشعوب وصبرها على القهر والاستبداد ومعاداة فكرة الثورة، بحكم أنها حسب هذا الخطاب، وكذلك عرضنا لموقف هذا الخطاب من المذاهب السياسية، وأنها حسب هذا الخطاب مذاهب كفرية، ويدخل ضمن دائرة الكفر والشرك بالله حسب هذا الخطاب الاحتفال بالمناسبات الدينية.
وتناولنا في الجزء الثاني موقف الخطاب الوهابي من المرأة وكيف انه اراد لها السجن اما في النقاب واما في منزلها فهو ضد عملها وضد خروجها من المنزل وصوتها عورة وتقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان حسب ما يروج له هذا الخطاب. 
ونتناول في هذا الجزء من قراءتنا للخطاب الوهابي موقف هذا الخطاب من الآخر خصوصا مع تنوع هذا الآخر في الخطاب الوهابي المعاصر وموقفه منه بين الرفض والقبول، فنجد ان هذا الخطاب ليس لديه آليات أو استعدادات لقبول هذا الآخر المختلف معه حتى في الإطار المذهبي ولو كان يدين بدين الإسلام فما بالنا بالآخر الديني والذي يتبع ديانة غير الإسلام.
وسوف نعرض في هذا المقام موقف الخطاب الوهابي من الآخر المسيحي والآخر الصوفي والآخر الشيعي.

أولًا الآخر المسيحي:

أولًا الآخر المسيحي:
يرفض ابن باز الأخوة الوطنية بين المسلم والمسيحي حيث انه يعتبر المسيحي كافر بما انزل الله وبالتالي هو عدو حتى لو كان من نفس الوطن فيقول في رده على خبر صحفي نشر في صحيفة عكاظ العدد 3031 وفي جريدة أخبار العالم الاسلامي العدد 395 وكان الخبر يتعلق بإقامة صلاة الجمعة في مسجد قرطبة، وذكرت فيه أن الاحتفال بذلك يعد تأكيدا لعلاقات الأخوة والمحبة بين أبناء الديانتين الإسلام والمسيحية، وكان التعليق على الخبر "ولا شك أن هذا العمل يعتبر تأكيدا لسماحة الإسلام وأن الدين واحد" وكان رد الشيخ ابن باز" ونظرا إلى ما في هذا الكلام من مصادمة الأدلة الشرعية الدالة على أنه لا أخوة ولا محبة بين المسلمين والكافرين، وإنما ذلك بين المسلمين أنفسهم، وأنه لا اتحاد بين الدينين الإسلامي والنصراني، لأن الدين الإسلامي هو الحق الذي يجب على جميع أهل الأرض المكلفين إتباعه، أما النصرانية فكفر وضلال بنص القرآن الكريم والحديث الشريف وما جاء في معنى ذلك من الآيات والأحاديث ما يدل دلالة ظاهرة على أن الأخوة والمحبة إنما تكون بين المؤمنين أنفسهم.
أما الكفار فيجب بغضهم في الله ومعاداتهم فيه سبحانه، وتحرم موالاتهم وتوليهم حتى يؤمنوا بالله وحده ويدعوا ما هم عليه من الكفر والضلال.
كما دلت الآيات على أن الدين الحق هو دين الإسلام الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وسائر المرسلين، وهذا هو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء ديننا واحد) رواه البخاري في صحيحه، أما ما سواه من الأديان الأخرى سواء كانت يهودية أو نصرانية أو غيرهما فكلها باطلة، وما فيها من حق فقد جاءت شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم به أو ما هو أكمل منه، لأنها شريعة كاملة عامة لجميع أهل الأرض، أما ما سواها فشرائع خاصة نسخت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي أكمل الشرائع وأعمها وأنفعها للعباد في المعاش والمعاد.
ومن خلال هذا الرأي وحسب ابن باز فلا يجوز التعامل مع هؤلاء بمودة وموالاة او مشاركتهم اعيادهم حيث يقول في هذا الخصوص في مجموع الفتاوى الجزء السادس "لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم بل يجب ترك ذلك؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم. 
فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء، لأنها أعياد مخالفة للشرع،  فلا يجوز الاشتراك فيها ولا التعاون مع أهلها ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها.
وتلك الفتاوى التي نجدها منتشرة على السنة الدعوة السلفية وحزب النور في معاداتهم للأخوة القباط شركاء الوطن، فيخرج علينا قياداتهم وكبار مشايخهم في كل مناسبة يحرمون علينا مشاركاتهم مما اوجد هوة اجتماعية ومزق اللحمة الوطنية التي كانت بين ابناء الشعب الواحد فرأينا كنائسهم تحرق ويتم الاعتداء عليهم تحت دعوى ان موالاتهم كفر، فكم عانى الشعب المصري ومازال يعاني من هذه الفتاوى التي تستند على مرجعيات متعصبة ولا تؤمن أصلا بالوطنية، والمصيبة التي نحن بصددها أن أصحاب هذه الفتاوى "الدعوة السلفية وزراعه السياسية حزب النور" يستعدون الان بالتعاون مع بعض من المؤسسة الدينية لخوض الانتخابات البرلمانية وبعدما سمح لهم الأزهر ووزارة الأوقاف باعتلاء المنابر في خطب الجمعة فقد اتخذوا شرعية من الدولة لنشر تلك الفتاوى التي تمزق النسيج الوطني وتهدد السلم والأمن المجتمعي، تلك الفتاوى التي يستغلها تنظيم الدولة في العراق والشام "داعش" لذبح المسيحيين والإيزيدين وغيرهم، وتدعي الدولة والسعودية ايضا والذي يمثلها هذا الفكر انهم يحاربا الارهاب، اي ارهاب بعد هذه الفتاوى التي يتم التصديق عليها من قبل الدولة السعودية صراحة او من قبل الازهر ولو ضمنيا.

ثانيا الموقف من الطرق الصوفية:

ثانيا الموقف من الطرق
تلك الفئة أيضا لدى ابن باز تدخل إما في إطار التكفير أو الابتداع وبالتالي فالخطاب الوهابي لا يحبز التعامل معهم بحال بغض النظر عن موقفهم الديني، فالتكفير سمة أساسية لهذا الخطاب حيث يقول ابن باز على موقعه الالكتروني: "مشايخ الصوفية فيهم تفصيل: منهم من هو كافر لأنه يتعاطى الشرك بالله -عز وجل- ودعوة غير الله من أصحاب القبور، أو الجن، أو يرى وحدة الوجود؛ كأصحاب بن عربي، هؤلاء كفار، ولا يجوز دعائهم ولا زيارتهم ولا أخذ توجيهاتهم؛ لأنهم منحرفون عن الطريق، ولا يجوز موالاتهم ولا تصديقهم بما يقولون، ولا أخذ توجيهاتهم في أي شيء، ومنهم أناس عندهم بدع وأشياء لا أساس لها في الشرع المطهر، ولكنهم ليسوا كفار ولكن عندهم بدع ما أنزل لله بها من سلطان، فالواجب نصيحتهم أيضاً وتوجيههم إلى الخير، وإنكار البدع التي عندهم. أما أن يطلب منهم البركة أو من تراب حجرهم هذا منكر لا يجوز، فلم يفعل هذا الصحابة فيما بينهم -رضي الله عنهم-، وإنما كان يفعل هذا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لما جعل الله في جسده من البركة، أما الصوفية فهم أقسام وهم يشتركون في البدعة، ولكنهم أقسام في الأحكام منهم الكافر ومنهم المبتدع الضال الذي يجب الحذر منه ونصيحته والتنبيه على بدعته، وكلهم مشتركون في البدع، لأنهم أحدثوا بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان، فالواجب الحذر منهم وعدم الاغترار بهم، وعدم زيارتهم لأخذ دعائهم، أو التبرك بهم، أو أخذ توجيهاتهم، أونحو ذلك" 
ويستطرد ابن باز في هجومه على الطرق الصوفية فيقول "هذه الطرق وأشباهها كلها من الطرق البدعية ولا يجوز الموافقة عليها ولا المشاركة فيها لأنها بدع، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال- عليه الصلاة والسلام-: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وليس هذا من سنة النبي- صلى الله عليه وسلم-الاجتماع على هو هو هو، أو على كلام ليس بظاهر وليس بمعلوم، وإذا كان فيه دعوى علم الغيب صار هذا أعظم نكارة وأخبث عملاً بل هذا هو الشرك؛ لأن دعوى علم الغيب منكر وكفر، علم الغيب لا يعلمه إلا الله- سبحانه وتعالى-، والحاصل أن الطرق الصوفية كالنقشبندية، والقادرية والشيخية وأشباهها كلها طرق مبتدعة لا يجوز منها إلا ما وافق الشرع المطهر، فالواجب تجنبها وعدم الاشتراك فيها" هكذا يخرج ابن باز الطرق الصوفية من الاسلام اما بالابتداع وهو درجة أخف، واما بالكفر وعلى كل الاحوال فهو لا يوافق على التعامل مع هذه الطريق بعوى كفريتها وابتداعها وكما هو معلوم من الخطاب الوهابي فان الكافر يستحل ماله ودمه وعرضه، وكذلك دعوة ابن باز لطمس القبور وهدم المساجد التي على قبور وهذا ما تفعله "داعش" في العراق والشام، مما يؤكد على ان مرجعية هذه التنظيمات المتطرفة والإرهابية هي هذا الخطاب الوهابي.

الموقف من الشيعة"

الموقف من الشيعة
قام ابن باز بتكفير المتصوفة من المذهب السني كما بينا في هذه الورقة، ومن قبل قد قام بتكفير الاقباط وعدم موالاتهم ولا الاحتفال بأعيادهم وبالمثل فهو يقوم بتكفير معظم مذاهب الشيعة او تخطيئهم فيقول ابن باز في مجموع الفتاوى "الشيعة فرق كثيرة وليس من السهل أن يتسع للحديث عنها الوقت القليل، وبالاختصار ففيهم الكافر الذي يعبد علياً ويقول: يا علي، ويعبد فاطمة والحسين وغيرهم، ومنهم من يقول: جبريل عليه الصلاة والسلام خان الأمانة وأن النبوة عند علي وليست عند محمد، وفيهم أناس آخرون، منهم الإمامية – وهم الرافضة الاثنا عشرية – عباد علي ويقولون: إن أئمتهم أفضل من الملائكة والأنبياء، ومنهم أقسام كثيرة وفيهم الكافر وفيهم غير الكافر، وأسهلهم وأيسرهم من يقول علي أفضل من الثلاثة وهذا ليس بكافر لكن مخطئ، فإن علياً هو الرابع والصديق وعمر وعثمان هم أفضل منه، وإذا فضله على أولئك الثلاثة فإنه قد أخطأ وخالف إجماع الصحابة ولكن لا يكون كافراً، وهم طبقات وأقسام ومن أراد ذلك فليراجع كلام الأئمة مثل الخطوط العريضة لمحي الدين الخطيب، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتب أخرى أُلفت في ذلك كالشيعة والسنة لإحسان إلهي ظهير وغير ذلك كتب كثيرة في مثل هذا الباب نوعت وبينت أغلاطهم وشرهم نسأل الله العافية، ومن أخبثهم الإمامية الاثنا عشرية والنصيرية ويقال لهم الرافضة؛ لأنهم رفضوا زيد بن علي لما أبى أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر وخالفوه ورفضوه، فما كل من ادّعى الإسلام يسلّم له بأنه أصبح مسلماً، من ادعى الإسلام ينظر في دعواه، فمن عبد الله وحده وصدّق رسوله وتابع ما جاء به فإن هذا هو المسلم، وأما إذا ادعى الإسلام وهو يعبد الحسين ويعبد فاطمة ويعبد البدوي ويعبد العيدروس وغيرهم فهو ليس بمسلم، نسأل الله السلامة والعافية وهكذا من سبّ الدين أو ترك الصلاة ولو قال: إنه مسلم ما يكون مسلماً، أو استهزأ بالدين أو استهزأ بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو بمحمد عليه الصلاة والسلام أو كذبه، أو قال: إنه جاهل أو قال: إنه ما أتم الرسالة ولا بلغ البلاغ المبين، كل هؤلاء كفرة، نسأل الله العافية".
هكذا يحدد ابن باز موقفه من الاخر بمدى قربه او بعده من منهجه فمن اختلف معه في المنهج حتى ولو كان من اهل السنة والجماعة فهو كافر، خارج عن الملة، وبالتالي يستحل ماله ودمه وعرضه، هكذا كان التأسيس والمرجعية التي تستند عليها تلك التنظيمات الارهابية ليس هذا فقط بل ان الدعوة السلفية في مصر وزراعها السياسية حزب النور تعتمد على هذه المرجعية في علاقتها بالآخر. هذا ما يضعنا في أزمة كبيرة في الوقت القريب، فحزب النور يحاول جاهدا التقرب من رموز النظام الحالي وعقد تحالفات او صفقات ان صح التعبير مع المؤسسة الازهرية ويقوم بجولات دعوية في المحافظات الفقيرة والمناطق الاكثر فقرا مدعوما ببعض المعارض الخيرية للملابس او السلع الغذائية او القوافل الطبية ما يقربه اكثر من هذه الجماهير الفقيرة، هذا ما يشكل خطرا على البرلمان القادم لو حقق هذا الحزب الاكثرية المرتقبة، فسوف تتحول مصر الى كتلة ملتهبة وصراع دائم بين هؤلاء الذين يتبنون الخطاب الوهابي التكفيري وباقي الشعب الذي يتميز بتعدد ثقافاته فهو شعب بأغلبية مسلمة ويحتفل مع اخوته المسيحيون بأعيادهم وهذا ما يرفضه الخطاب الوهابي ويكفره، وهو من ناحية اخرى سني المذهب لكنه يعشق آل البيت ويحتفل بموالدهم ومناسباتهم الدينية وهذا ايضا ما يرفضه ويكفره الخطاب الوهابي والذي يمثله حزب النور والدعوة السلفية، والسؤال هو: كيف يتعايش المصريون مستقبلا مع هذا الخطاب اذا ما حقق اكثرية برلمانية في الانتخابات القادمة؟