بوابة الحركات الاسلامية : صيحات التجديد الديني (19) (طباعة)
صيحات التجديد الديني (19)
آخر تحديث: الثلاثاء 26/05/2015 06:47 م
د.رفعت السعيد د.رفعت السعيد
وبدأ الكواكبى كتابه "طبائع الاستبداد" متسائلًا عن الداء والدواء ونقرأ "يقول المادى الداء القوة والدواء المقاومة، ويقول السياسى الداء استعباد البرية والدواء استرداد الحرية، ويقول الحكيم الداء القدرة على الاعتساف والدواء الاقتدار على الاستنصاف، ويقول الحقوقى الداء تغلب السلطة على الشريعة والدواء تغلب الشريعة على السلطة، ويقول الربانى الداء مشاركة الله في الجبروت والدواء توحيد الله حقًا" [الرحالة ك – طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد – الطبعة الأولى – مطبعة الدستور العثمانى بالمحروسة – (1318هـ) صـ8] ويتحدث عن استبداد الخليفة (فهو لم يعان من استبداد غيره) فيقول "الاستبداد صفة الحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء دون خشية من حساب" [صـ10] "والحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت الرقابة الشديدة والتى لا تسامح فيها" أما المستبد فإنه يتحكم في شئون الناس بإرادته لا إرادتهم، ويحاكمهم بهواة لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدى فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعى لمطالبته. والمستبد عدو الحق وعدو الحرية وقاتلها، والحق أبو البشر والحرية أمهم، والعوام صبية أيتام لا يعلمون شيئًا، والعلماء هم إخوانهم الراشدون إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا" [صـ13] ويهاجم الأغنياء "فهم ربائط المستبد يذلهم فيئنون ويستدرهم فينحنون ولهذا يرسخ الذل في الأمم التي يكثر أغنياؤها، أما الفقراء فيخافهم المستبد خوف النعجة الذئاب" [صـ71] والاشتراكية منهج إسلامى "فالخلفاء الراشدون فهموا معنى القرآن وعملوا به، واتخذوه إمامًا فأنشأوا حكومة قضت بالتساوى وأحدثوا في المسلمين عواطف إخوة وروابط اجتماعية وحالات معيشية اشتراكية لا تكاد توجد بين أشقاء" [صـ19]. وإذا كان التجديد هنا يأخذ منحنى اجتماعيًا فإنه يأتى إلى تجديد في فهم متبغى الدين. فيعلوا صوته "لا يوجد في الإسلام نفوذ ديني مطلقًا في غير مسائل إقامة شعائر الدين" [صـ39] ثم هو يؤكد "إن الأمم الحية ما أخذت في الترقي إلا بعد عزلها شئون الدين عن شئون الحياة، وجعلها الدين أمرًا وجدانيًا محضًا لا علاقة له بشئون الحياة الجارية على نواميس الطبيعة" [الأعمال الكاملة – صـ183].
ثم هو يدعو وبحماس إلى وحدة وطنية بين مسلمي ومسيحيي البلدان العربية ضد دولة الخلافة ويقول: "يا قوم وأعنى بكم الناطقين بالضاء من غير المسلمين، أدعوكم إلى تناسى الأحقاد والإساءات. يا هؤلاء تعالوا نتراحم بالإخاء ونتساوى في السراء.. دعونا ندبر حياتنا الدنيا، ونجعل الأحكام تحكم في الآخرة فقط، ودعونا نجتمع على كلمة سواء ألا وهى: فلتحيا الأمة وليحيا الوطن، فلنحيا طلقاء، وأدعوكم وأخص منكم النجباء فلنبصر ولنتبصر فيما إليه المصير". ويقولون إن الكواكبى ألّف كتابين آخرين سرق مسودتهما أحد جواسيس الخلافة وأحرقتا وتقرر في الباب العالى التخلص منه، ولما كانت عادته أن يبلل أصبعه من لسانه ليقلب صفحات أي كتاب يقرأه فقد أهدوه كتابًا وضع السم في أطراف صفحاته. ويقولون إن داهية الباب العالى أبو الهدى الصيادى طار فرحًا بمقتل الكواكبى وقال عبارته الشهيرة "بالقراءة أتعبنا وبالقراءة قتلناه".
وأمام قبره رثاه شعراء كثيرون – فقال حافظ إبراهيم
منا رجل الدنيا، هنا مهبط التقى.. هنا خير مظلوم، هنا خير كاتب
قفوا واقرأوا أم الكتاب وسلموا.. عليه، فهذا القبر قبر الكواكبى