لنلق الآن نظرة على المفاهيم أو المقولات الأساسية في الدعوة الوهابية، والتي انطلقت مع محمد بن عبد الوهاب وقام بنشرها والدعوة لها تلامذته في المملكة السعودية ومن بينهم ابن باز، وسنركز على المفاهيم أو المقولات التي تتناول موضوعات التوحيد، الطاغوت، الحاكمية، الولاء والبراء، والجهاد:
- أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:
الأول: الأمر بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له، والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه والبراءة منه.
الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله تعالى والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه، وتكفير من فعله والبراءة منه، فلا يتم مقام التوحيد إلا بهذا.
- أصل العبادة تجريد الإخلاص لله تعالى وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
- العبادة هي التوحيد، ومن لم يأت به لم يعبد الله.
- كلمة التوحيد لا تنفع قائلها إلا بمعرفة معناها والعمل بمقتضاها، إذ ليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها، ولكن المراد: معرفة ما وُضعت له، ودلت عليه، وقبوله، والانقياد للعمل به.
- التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية (توحيد الله بفعله)، وتوحيد الألوهية (توحيد العبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات (وهو من جنس توحيد الربوبية).
- التوحيد الذي وقع عليه النزاع ليس توحيد الربوبية ولا هو توحيد الأسماء والصفات، فالكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلهم ونهب أموالهم واستحل نساءهم كانوا مقرين لله سبحانه بتوحيد الربوبية، وهو أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يُحيي ولا يميت ولا يدبر الأمور إلا الله وحده، وكانوا أيضًا يتصدقون ويحجون ويعتمرون ويتعبدون ويتركون أشياء من المحرمات خوفاً من الله عز وجل، ولكن ذلك لم يُدخلهم في الإسلام، فالذي كفّرهم وأحل دماءهم وأموالهم هو أنهم لم يشهدوا لله بتوحيد الألوهية (توحيد العبادة)، فهذا الذي تفرق الناس لأجله بين مسلم وكافر، وهذا الذي به حُقنت الدماء والأموال وانفصلت دار الإيمان عن دار الكفر، وهذا الذي لأجله جُردت سيوف الجهاد.
- توحيد الألوهية هو إفراد الله سبحانه بالعبادة والكفر بما يُعبد من دونه والبراءة منه، ولا بد أن يكون باللسان والقلب والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً.
- التلفظ بكلمة التوحيد ليس عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يُحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله (الطاغوت)، فلا يحصل التوحيد ولا يصير الإنسان مؤمناً، ولا يُعصم دمه وماله إلا بالكفر بالطاغوت.
- اسم الطاغوت يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل، ويحسّنه، ويشمل أيضاً: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالي، الذي يحكم بغير ما أنزل الله، وكل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله.
- لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من الطواغيت وتكفيرهم.
- صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم.
- كل من خالف حكم الله فهو طاغوت.
- النظم والقوانين الموضوعة للتحاكم إليها، مضاهاةً لتشريع الله، داخلة في معنى الطاغوت.
- من حاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في موارد النزاع، من القوانين والسياسات الوضعية، والنظم البشرية، وعادات الأسلاف والأجداد، وارتضاها دون شريعة الله، فقد حاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به، ومن قدم شيئاً على شريعة الله، أو اعتقد جواز الحكم بما يخالفها، أو سهّل في التحاكم إلى غيرها، مع ما في ذلك من تسوية الخالق بالمخلوق، فهو كافر وظالم وفاسق يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير.
- لا يجوز استبدال الشريعة الإلهية بالقوانين الوضعية، ورد ما تنازع فيه المسلمون إلى أهل القوانين والآراء؛ لأنه من التحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله بالكفر به.
- لا يجتمع الإيمان بالله مع تحكيم غير شريعته.
- حكم الله ورسوله لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان وتطور الأحوال وتجدد الحوادث، فإنه ما من قضية في الحياة والسياسة والاقتصاد والتجارة والعلم والحرب، في كل ناحية من نواحيها، ما ظهر أو لم يظهر بعد، إلا وحكمها في كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا، أو غير ذلك، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله.
- ويدخل في الكفر بالطاغوت عداوة الكفار والتصريح لهم بالعداوة وعدم موالاتهم وتوليهم، كمحبتهم لدينهم، ونصرتهم وإعانتهم على المسلمين، والتحالف معهم ولو لم تقع النصرة فعلاً؛ ذلك أن الإنسان لا يستقيم له دين ولا إسلام، ولو وحد الله وترك الشرك، إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء ومقاطعتهم وحربهم وجهادهم والبراءة منهم، فإذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفاً منهم ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، وأعانهم ونصرهم وظاهرهم فإنه كافر مثلهم، يُحل ماله ودمه، ويجب قتاله، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم.
- لا يستقيم الإسلام، ويقوم قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويرتفع علم الجهاد، إلا بالحب في الله والبغض فيه، وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه، فمقت المشركين وعيبهم، وذمهم، وتكفيرهم، والبراءة منهم، هو حقيقة الدين والوسيلة العظمى لرب العالمين.
- من قال: لا أعادي المشركين، أو عاداهم ولم يكفّرهم، أو قال: لا أتعرض لمن قالوا: لا إله إلا الله ولو فعلوا الكفر والشرك وعادوا دين الله، فهذا لا يكون مسلماً.
- ويدخل في موالاة المؤمنين نصرتهم والجهاد معهم والهجرة إليهم.
- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ناقض من نواقض الإسلام.
- من خرج مع المشركين لقتال المسلمين، طوعاً واختياراً، وأعانهم ببدنه وماله، فلا شك أن حكمه حكمهم في الكفر.
- إن مما يوجب الجهاد لمن اتصف به: مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، بيد، أو بلسان، أو بقلب، أو بمال، فهذا كفر مخرج من الإسلام.
- الله أمر بقتال المشركين على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خُلي سبيلهم، ومتى أبوا عن ذلك أو بعضه، قوتلوا إجماعاً، ولو قالوا: لا إله إلا الله.
- لا يجوز اختلاط المؤمنين بالكافرين دون حاجز الولاء والبراء.
- الكافر يُبغض ويُعادى من كل وجه.
- البلدة التي تجري عليها أحوال الكفر ولا تظهر فيها أحكام الإسلام بلدة كفر.
- البلد التي يُحكم فيها بالقانون ليست بلد إسلام، تجب الهجرة منها.
- يجب الهجرة من كل بلدة تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر ويُعلن فيها بالمحرمات، والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم.
- وجود بعض الطاعات مع انتشار الشرك وعلو شعائره لا يمنع من وصف الدار بالكفر والحكم على أصحابها بالشرك.
- مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال، فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
- وعلى هذا يتم الدين ويُقام علَم الجهاد.
إن المفاهيم أو المقولات التي أوردناها هنا، بتكثيف شديد (مع بعض التكرار في اللفظ لتأكيد المعنى)، هي مفاتيح اصطلاحية يمكن من خلالها قراءة الدعوة الوهابية بوضوح كامل، في منطوقها الحرفي، فهي تمتد عبر نصوصها كلها، لا تتغير مفرداتها ولا تراكيبها الدلالية.. إن في كتابات محمد بن عبد الوهاب أو في شروحات من أتوا بعده من أئمة الدعوة النجدية، باعتبارها مفاهيم أو مقولات محمولة على الوحي، فهي معبرة عن الحق واليقين (الديني) المعلن ومطابقة له، في صورته النهائية الخالدة، وأي خروج عليها هو، في جوهره، خروج على صحيح الدين.. إن التوحيد والدعوة له هو الأساس الذي تقوم عليه الوهابية. في هذه التيمة يمكن اختزال الخطاب الوهابي في كل حالاته ومساراته وتحركاته، بما هو خطاب سلفي لا يرضى بأقل من الانصياع الكلي لطروحاته وحقائقه وأخذها كاملة على محمل القبول والتسليم (والاجترار)، بيد أن التوحيد لا يؤخذ في الوهابية بشحنته الدينية فقط، وإنما هو مفهوم يفترض أو يستحضر مجموعة من الاشتراطات والمقتضيات الموضوعية الصارمة ليتحقق معناه بشكل فعلي وواضح في حركة وصيرورة الواقع، هذه الاشتراطات والمقتضيات تُختزل في أربعة أساسية:
- الكفر بالطاغوت (كل ما عُبد من دون الله).
- الحاكمية (إفراد الله وحده بصفة حق التشريع).
- الولاء والبراء (موالاة أهل الدين والإيمان ومعاداة أهل الكفر والضلال).
- الجهاد لمدافعة أهل الكفر وتحكيم شرع الله وإعلاء كلمته في الأرض.