بوابة الحركات الاسلامية : الثابت والمتحول في فكر التيار السلفي.. حقيقة الصراع بين "عبد العظيم" و"الشحات" (طباعة)
الثابت والمتحول في فكر التيار السلفي.. حقيقة الصراع بين "عبد العظيم" و"الشحات"
آخر تحديث: الإثنين 19/10/2015 06:34 م
الشيخ سعيد عبد العظيم
الشيخ سعيد عبد العظيم
مع بداية التصويت في الانتخابات البرلمانية في مرحلتها الأولى أمس الأحد 18 أكتوبر 2015 قام الشيخ سعيد عبد العظيم مؤسس الدعوة السلفية بشن هجوم حاد على الدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور ونشر هذا الهجوم على مواقع التواصل الاجتماعي، والشيخ سعيد عبد العظيم أحد المؤسسين الأوائل للعمل الدعوي في الجماعة الإسلامية في الجامعة ثم المدرسة السلفية بالإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي ومن بعدها الدعوة السلفية وأشرف على العديد من أنشطتها الدعوية والاجتماعية عبر مراحل مختلفة وحتى الآن، وله العديد من المؤلفات، تُرجِم بعضها إلى عدة لغات مثل الإنجليزية والتركية والإندونيسية وتطبع وتوزع في عدة دول، أيضا للشيخ سعيد مقالات كثيرة نشرت في عدة صحف ومجلات عربية كما ساهم في الإشراف العلمي في فترة سابقة على مجلة الحكمة وهي مجلة علمية إسلامية تصدر في لندن وتوزع في العديد من الدول. 
ويقول سعيد عبد العظيم مهاجما الدعوة التي أسسها في سبعينيات القرن الماضي: فمن المآسي اعتبار الانتخابات البرلمانية المقبلة بصورتها ونتيجتها المعروفة سلفاً سبيلاً للإصلاح، وأنها الخيار الوحيد والأوحد!! وأن البديل هو الصدام كما يفعل إخوانهم الذين قدموهم قرابين وما زالوا يتاجرون بهم ليل نهار؛ لا يرقبون فيهم إلًّا ولا ذمة، ولا يعرفون لهم حرمة، مما يستدعي مراجعة أبسط المعاني، كمفهوم المسلم، وحق المسلم على المسلم، فقد صارت هذه المعاني مجهولة بعد دخول إخواننا – الدعوة السلفية وحزبها - معترك السياسة الحزبية.
 ويستطرد سعيد عبد العظيم قائلا: وكان بعض السياسيين يُعلِّق على مشاركتهم في بداية الأمر ويقول: اتركوهم يمارسون السياسة، فبعد سنتين ستكون الممارسة وفق نفس قواعد اللعبة الميكافيلية، وصدق هؤلاء فيما توسموه، فسرعان ما غير أصحابنا – الدعوة السلفية وحزبها - جلودهم ومنهجهم، فخطابهم الديني في المسجد فيه الحلال والحرام والعقيدة والشريعة، وخطابهم السياسي لا فارق بينه وبين خطاب الشيوعي والليبرالي، ويكفي مراجعة سريعة لتصريحات المتحدث الرسمي وقادة الحزب والدعوة لتدرك مدى الازدواجية والتناقض بين الخطاب الدعوي في المسجد وبين الخطاب السياسي في وسائل الإعلام. ويستحكم الخطر عندما تعلم أن الخطاب السياسي هو العالمي والذى يتم التركيز عليه دون التفات يُذكر للخطاب الثاني.
ويتوجه سعيد عبد العظيم بالنصيحة للدعوة السلفية وحزبها قائلا: إذا قيل لأصحابنا: لماذا بررتم القتل والاغتصاب والظلم؟ لماذا باركتم تدمير سيناء وحصار أهل غزة؟ لماذا وقفتم إلى جوار الجاني والظالم على حساب المجني عليه والمظلوم؟ لماذا رفعتم عقيرتكم بالأمس القريب وكنتم كالأسد الهصور، واليوم لا أقول إنكم كالنعامة، بل أنتم تؤيدون وتباركون كثيرًا من صور الإجرام التي ترتكب في حق الدين والدنيا، وزعمتم الاضطرار بلا وجه حق حتى استمرأتم أكل الميتة؟  لماذا ولماذا..  لن تجد إلا التقليد والمصالح المتوهمة والتي هي إلى الإفساد أقرب، وستجد معلومات من مصادر مشبوهة ومريبة هي التي تقودهم . 
لقد صرح بعضهم وقال: لا تتكلموا بالشرع، وإنما تكلموا بالمصلحة، وقديماً قالوا: مصلحة الدعوة صنم يعبده بعض الدعاة إلى الله.
عبد المنعم الشحات
عبد المنعم الشحات
وقالوا: ما عُصي الله إلا بالتأويل .. وبعد إهلال موسم الانتخابات تسمعهم يتكلمون عن الدفاع عن الإسلام والشريعة!! بلا حمرة خجل من المخلوق والخالق.
وهذا الهجوم الذي يشنه سعيد عبد العظيم على الدعوة السلفية إلى موقف التيار السلفي من العمل السياسي قبل ثورة 25 يناير 2011 في ظل وجود سعيد عبد العظيم في مجلس إدارتها، فكانت الدعوة السلفية لا تعترف بهذا العمل السياسي ومازالت، كما أنها ترى الديموقراطية كفرًا، ولا تنتمي لشرع الله وأن ما يستند إليه السياسيون في العمل السياسي من نظم حكم هي بعيدة كل البعد عن الشريعة الاسلامية، واجمالا هناك خمسة أسباب رئيسة لعزوف السلفيين في ما مضى عن العمل السياسي، وهي رفض الديمقراطية والكُفر بها، التنازل عن الثوابت الإسلامية، الفصل بين الأهداف الشرعية والسياسية، الدعوة إلى الدولة الدينية، وأخيراً التضحيات الرائدة والمقابل الزهيد. وهذا لا يعني أن السلفيين لم يكن لهم مواقف محددة من الملفات المطروحة، ففي الواقع، كانوا يدعمون بشكل أو بآخر تيارات أو فصائل إسلامية محددة.
ولكن بعد الثورة تحولوا من مرحلة دعم فصائل إسلامية معينة إلى تقديم انفسهم كفصيل ولاعب أساسي في اللعبة السياسية وجاء رد عبد المنعم الشحات منظر الدعوة السلفية على أستاذه ومعلمه الأول في الدعوة السلفية ردا سياسيا شديد اللهجة حيث قال "الشحات" في مقال له على الموقع الرسمي للدعوة السلفية، إن قول سعيد عبد العظيم إن البديل عن المشاركة بالانتخابات هو الصدام كما يفعل إخوانهم، متعارض مع قوله في نهاية نصيحته (ولا تتهموا إخوانكم بالصدام إذا طالبوا بحقوقهم المشروعة وبسلمية الوسائل)، فهل يتصادم الإخوان أو لا يتصادمون؟ موجها تساؤلاته لسعيد عبد العظيم، وهل تقر حضرتك هذا أم تنكره؟. وتابع المتحدث الرسمي للدعوة السلفية: "إذا كنت هنا تلمح برفق ولين لرفض العنف، فهذا مقارنة بآخر مواقفكم وهو التوقيع على نداء الكنانة بداية للرجوع إلى الحق، وإن كان يعتبر خطابًا متهاونًا مع فكرة الصدام كما وأوضح "الشحات" أن سعيد عبد العظيم لا يعلم كثيرا عن تفاصيل قرارات الدعوة السلفية، لأنه ابتعد فعليًا عن الدعوة منذ أن قررت ألا تعطى أصواتها لمرشح الإخوان في الجولة الأولى، وهم الآن يعترفون أن الأمريكان هم من ورطوهم في ورطة انتخابات الرئاسة، لكنهم لم يعتذروا ولن يعتذروا عن أنهم خوَّنونا كعادتهم عندما نصحناهم بعدم خوض انتخابات الرئاسة. وذَكَّر "الشحات" سعيد عبد العظيم بمواقف الإخوان وحلفائهم من بينها كلام سلامة عبد القوى وغيره "السلمية ماتت من زمان"، و كلام أشرف عبد الغفار القيادي الإخوانى الذى أكد أن استهداف أبراج الكهرباء لا ينافى السلمية. وتابع "الشحات": "ماذا كان يجب علينا إزاء الدعوة التي تمت وباسم (الجبهة السلفية) من باب التلبيس على الناس بالتظاهر بالمصاحف مع احتمال سقوط المصاحف وإهانتها؟ هل يسعنا أن نسكت أو نخلى بينهم وبين الشباب يدعونهم لمثل هذه المظاهرات؟". ووجه "الشحات" حديثه لسعيد عبد العظيم قائلا: "نحن لم نتخذ السياسة الميكافيلية، فنحن لم ندخل فيها حتى نتركها، وإنما نطبق قاعدة الموازنات بين المصالح والمفاسد"، واستطرد: "أخشى ما أخشاه أن يكون من يتأثرون بكلامكم في نهاية الأمر يقعدون عن خدمة دينهم وعن إنكار المنكر، أو يدافعون عن جرائم من يقتل أو يعتدى على حرمات الناس، أو على الأقل يقصرون في تبرئة الدين من هذا"
وردا على هذا الموقف للشحات وسعيد عبد المقصود معا نؤكد على ان أدبيات الفصيل السلفي تجرم الخروج على الحكام ولم ترد في قواميس الأسلاف مفردة (ثورة)، مما استدعى مراجعة ملحة للمواقف وإعادة فتح باب الاجتهاد في الواقع لا سيما بعد إزالة العديد من العقبات، وحدوث انفراجه كبيرة في الحريات بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيه، وظهور بصيص أمل في التغيير قد يؤدي لتطبيق الشريعة من خلال إمكانية الوصول السلمي للسلطة عبر البوابة الديمقراطية، أو على الأقل التصدي للرغبات العلمانية في إلغاء المادة الثانية للدستور والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع أو حتى الوصول لصيغة توافقية تخفف من التبعات وترضي جميع الأطراف ولو جزئيا، لذا كان لزاما فتح باب المراجعة على مصراعيه لكثير من الأمور التي كان السلفيون جميعاً يرفضونها في السابق لمبررات وأسباب مختلفة، كحق التظاهر السلمي، والمشاركة الانتخابية، والنظام الديمقراطي وغيرها من الأمور المتعلقة بالسياسة، لتصبح عند الكثير منهم واجبا شرعيا تفرضه ضرورة الواقع.
ومن جانبها سارعت الدعوة السلفية في الإسكندرية – الكيان الثاني والأكثر نشاطا الآن – إلى إصدار بيان مقتضب تعلن فيه أنها بعد التشاور والمحاورة في ضوء المتغيرات الجديدة قد قررت المشاركة الإيجابية في العملية السياسية، وأنها بصدد تحديد الخيار المناسب لصورة هذه المشاركة، قبل أن تعود لتعلن عن تأسيسها حزب سياسي بمرجعية إسلامية وهو (حزب النور) على أن تكون قيادته مستقلة عن القيادات الشرعية كما أعلنت عن توسعها في إنشاء الجمعيات الخيرية . وتسارعت الفصائل السلفية بعد ذلك في تكوين الاحزاب السياسية رغم وجود فتاوى ونصوص تحرم عليهم هذا فقد طوعوا الفتاوى لصالح الممارسة السياسية.
وبالرغم من أن هذين الموقفين هما اللذين ظهرا على السطح فإن ثمة طيف عريض من دعاة السلفية (العلمية) ما يزال على موقفه القديم وآرائه الرافضة لكل المتغيرات بشكل قاطع بدءً من السماح بالتظاهر وانتهاءً عند الولوج في عالم السياسة عبر بوابة الديمقراطية وتحول السلفيين من طلاب علم ودعاة إلى ساسة وبرلمانيين وناشطين.

وتتلخص هذه المواقف في الآتي:

وتتلخص هذه المواقف
1- فريق يؤيد الانخراط في اللعبة الديمقراطية بضوابط معينة، ويمثله الدعوة السلفية بالإسكندرية، والسلفية الحركية بالقاهرة والتي من رموزها محمد عبد المقصود وفوزي السعيد ونشأت أحمد.
2- فريق يحاول المقاربة وإمساك العصا من المنتصف، فلم يقوموا بإنشاء أحزاب سياسية ولم يتجهوا لتكوين مرجعية لأحدها ولكنهم متابعون للوضع السياسي في مصر ويقومون على إصدار البيانات التي ترسم خريطة التوجه السياسية للسلفيين في المرحلة القادمة من أجل الحفاظ على هوية مصر الإسلامية، ويمثل هذا الاتجاه جماعة أنصار السنة المحمدية حيث قامت بإنشاء مجلس شوري علماء أنصار السنة لهذا الغرض وضمت في عضويته دعاة بارزين من خارج الهيكل الإداري للجماعة كالشيخ محمد حسان ومصطفى العدوي ومحمد حسين يعقوب.
3- الممانعون: وهؤلاء تنوعت مواقفهم ما بين إيثار الصمت، والرفض التام والقول بكفر النظام الديمقراطي وحرمة المشاركة في الانتخابات، والتأييد في بادئ الأمر ثم الانقلاب والتبرؤ من القول بجواز انشاء الأحزاب السياسية أو المشاركة في العملية الانتخابية كما هو الحال مع القيادي السلفي بمدينة المنصورة أحمد النقيب.
مؤسس الدعوة السلفية
مؤسس الدعوة السلفية
ويشترك غالبية الممانعون للمشاركة الديمقراطية من السلفيين في العديد من المحاذير والتي تتمثل في:
1- الديمقراطية مذهب كفري لأنها تجعل التشريع لغير الله سبحانه وتعالى وعليه فإن المشاركة في التصويت في العملية الانتخابية ودخول البرلمان والتقيد بدستورها حرام لأنه دخول تحت قبة مذهب كفري.
2- طلب الولاية: حيث يقوم الفكر الديمقراطي على طلب الولاية للنفس بل وعلى الصراع من أجل ذلك من خلال تكوين الأحزاب ونشر الدعايات وخوض الانتخابات وهو أمر منهي عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: “إنا والله لا نولي على هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حرص عليه” وقوله:  لن، أو لا نستعمل على عملنا من أراده".
3- التعددية: وهي من آليات الديمقراطية، وإن كان ظاهرها السماح بالاختلاف في الرؤية فإن حقيقتها إباحة لجميع المعتقدات والأفكار والتصورات في المجتمع وبأحقية كل فرد أو جماعة في تكوين الآراء والمعتقدات الخاصة وهو ما يوجب قيام الأحزاب الإسلامية بقبول هذه التعددية بل والعمل على إتاحة السبيل لها لتأسيس أحزاب وكيانات جديدة في حال وصول الإسلاميين للحكم وهو ما يتعارض مع الثوابت الإسلامية.
4-  قبول الحل الديمقراطي يعني القضاء على الحل الإسلامي والاعتراف الضمني بأن الديمقراطية بديل عن الشريعة.
وهذه النقاط مازالت تتمسك بها الدعوة السلفية وزراعها السياسية حزب النور رغم مشاركة الحزب في العملية السياسية تحت ما يسمى "جلب المصالح"
كما تابع "الشحات" موجها حديثه لمؤسس الدعوة السلفية: "ألم تسمع عن محاصرتهم لبيت الشيخ ياسر وبيت نادر بكار؟، ألم ينقل إليك أحدهم السباب الذى كتبوه على جدران هذه البيوت من ألفاظ القذف الصريحة؟ ألم ترَ محمد عبد المقصود وهو ينقل عن كذاب لم يكن قد وُلد يوم أن كنتم في الجامعة أمورًا عن الشيخ أبى إدريس ولم تنكر أنت ولا غيرك، وكنتَ أولى بالإنكار حيث كنت شاهدًا على هذه الفترة؟". واعترف "الشحات" بأخطاء الدعوة السلفية قائلا: "أما أخطاء بعض المتصدرين إعلاميًا فأمر وارد ألَّا يحسن الفرد عرض فكرته، لكن عذرنا أن ما صدر من خطأ من أي فرد صُوِّب له وقام بتصويبه علنًا، لكن أنت تبالغ جدًا فيها، ومن العجيب أنك قبلت من الإخوان تصريحات محمد مرسى حول نفى الخلاف العقدي بين المسلمين وغيرهم! ولم تُعِر تصريحات عصام العريان بعودة اليهود المصريين وحصولهم على ممتلكاتهم أي اهتمام".
لم تكن هذه هي المرة الاولى منذ 25 يناير التي تهاجم فيها الدعوة السلفية وزراعها السياسية حزب النور فقد قام من قبل العديد ممن يعملون في حقل الاسلام السياسي بشن الهجوم على الدعوة السلفية وحزبها تارة لوجود أخطاء شرعية وتارة اخرى وهي الاكثر بسبب المصالح السياسية المتعارضة. فالخلاف داخل تيار الاسلام السياسي بما فيه جماعة الاخوان الارهابية ليس خلافا على الاسلام ولا حول المرجعيات الفقهية بينما هو الاساس خلاف حول المصالح السياسية لكل فريق داخل هذا التيار.