بوابة الحركات الاسلامية : السلفيون وأشاعرة الأزهر بين العداء والتقية (طباعة)
السلفيون وأشاعرة الأزهر بين العداء والتقية
آخر تحديث: السبت 02/01/2016 05:04 م
السلفيون وأشاعرة
تناولنا من قبل في بوابة الحركات الإسلامية موقف الدعوة السلفية من الأزهر الشريف بعقيدته الأشعرية؛ حيث لم يتقارب السلفيون في مصر مع الأزهر قبل ثورة 25 يناير 2011، بحال من الأحوال وكانوا شديدي الهجوم على مؤسسة الأزهر لانتهاجها المذهب الأشعري، الهجوم الذي كان يؤدي في بعض الأحيان من هؤلاء السلفيين إلى تكفير الأزهر الشريف، ولكن بعد الثورة خاصة بعد ثورة 30 يونيو واتخاذ السلفيين جانب الدولة في مواجهة الإخوان هدأت نبرة التكفير وتراجع الهجوم السلفي على الأزهر، وبدأت الاتفاقات فيما بينهم فقد تدخل شيخ الأزهر لدى وزارة الأوقاف للسماح للسلفيين في اعتلاء المنابر، وبدأ التنسيق فيما بينهم لعمل "قوافل" دعوية للمناطق الفقيرة والأكثر فقرًا في الصعيد، فهل تغاضى الطرفان عن الخلاف العقائدي وتكفير الآخر من أجل السياسة؟ هذا ما بيناه في تقارير سابقة، واليوم نتناول نفس الموضوع بعدما خسرت الدعوة السلفية وذراعها السياسية "حزب النور" الانتخابات البرلمانية 2015 وبدأت تعود مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبل 2011 من الهجوم على الأزهر. حيث تعد العقيدة الأشعرية لدى هؤلاء السلفيين - المنتمين بشكل عام الى الوهابية السعودية - إحدى العقائد التي نشأت من رحم علم الكلام وتأثرت به وبأصوله، بخلاف العقيدة السلفية عقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من نصوص الكتاب والسنة، ولهذا فهناك فروق بينهما في كثير من مسائل الاعتقاد يطول الحديث حولها، لكن من أبرزها ما يتصل بالموقف من صفات الله تعالى فالسلفية تثبت جميع صفات الله تعالى التي دل عليها الكتاب والسُّنَّة على ما يليق بالله تعالى بغير تمثيل ولا تكييف، بخلاف الأشعرية فهي تنفي كثيرًا من الصفات وتثبت بعضها وتؤولها تأويلًا فاسدًا، وهذا التأويل يقتضي في مضمونه نفيها. ويحاول بعض الناس التلبيس فيزعم أن الأشاعرة من أهل السنة والجماعة أو هم أهل السنة والجماعة وهذا خطأ وتلبيس. ويقول كبير أئمتهم الشيخ عبدالعزيز بن باز: "الأشاعرة وأشباههم لا يدخلون في أهل السُّنَّة في إثبات الصفات؛ لكونهم قد خالفوهم في ذلك، وسلكوا غير منهجهم، وذلك يقتضي الإنكار عليهم وبيان خطئهم في التأويل، وأن ذلك خلاف منهج الجماعة... كما أنه لا مانع أن يقال: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السُّنَّة في باب الأسماء والصفات، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى، حتى يعلم الناظر في مذهبهم أنهم قد أخطئوا في تأويل بعض الصفات وخالفوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان في هذه المسألة، تحقيقاً للحق وإنكاراً للباطل وإنزالاً لكل من أهل السنة والأشاعرة في منـزلته التي هو عليها...". 
ويقول الشيخ صالح الفوزان: "ليسوا – أي الأشاعرة - منهم – أي أهل السنة - في باب الصفات وما خالفوا فيه، لاختلاف مذهب الفريقين في ذلك". 
وكذلك المراجع الوهابية الآتية: "منهج الأشاعرة في العقيدة" للشيخ سفر، "الفروق في العقيدة بين أهل السنة والأشاعرة" للأستاذ صادق السفياني، "منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى" للأستاذ خالد نور، "موقف ابن تيمية من الأشاعرة" للشيخ المحمود.
السلفيون وأشاعرة
كل هذه الكتب تعد مراجع علمية مهمة لدى الدعوة السلفية، وهذه الأدبيات كما عرضنا نموذج لها إنما تُخرج الأشاعرة من أهل السنة والجماعة وتعتبرها فرقة من الفرق الضالة.
ويعتبر أغلب السلفيين أنهم وحدهم أصحاب المنهج الصحيح والعقيدة السليمة، وأنهم أصحاب الحق، ووحدهم الفرقة الناجية، ويفهمون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «تفترق أمتى على نيف وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة»، خطأً، ويعتقدون أنهم فقط أهل السنة والجماعة، والباقون على ضلال، ويعتبرون أي رؤية تخالف وجهات نظرهم من عند الشيطان، على حد كتاباتهم. 
ويلعن أتباع المنهج السلفي، الآخرين، ويهاجمونهم، ويطعنون في عقائدهم حتى وإن كانوا مسلمين مثلهم ويشهدون بوحدانية الله ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث لم تنج فرقة إسلامية من تشكيك السلفيين في عقيدتهم، ويقولون صراحة بكفرهم وخروجهم من زمرة المسلمين عامة، أو من مذهب أهل السنة بخاصة، لكن الملاحظ وعند الحديث عن المذهب الأشعري، المذهب العقائدي الرسمي لمشيخة الأزهر، تتراجع نبرة السلفيين العدائية الواضحة تجاه المذاهب الإسلامية المتباينة، بل يتحول مسار الخطاب السلفي عن «الأشاعرة» إلى مستويين: أحدهما للترويج الإعلامي والتداول بالمجال العام وبين الجماهير، وآخر للتداول بقاعات الدرس والتعليم ويُعرف باسم «الخطاب الدرسي». ويتراوح موقف شيوخ السلفية بين هذين الموقفين، فالأول فيه قبول بالمذهب الأشعري والاعتراف به، يصل الأمر إلى تفخيم المؤسسة الراعية للأشاعرة «الأزهر» بمشيخته وجامعته، والثاني الخطاب الدرسي التكفيري الرافض للأشعرية بوصفها مذهبًا يعطل عن الله صفاته، ورؤية عقائدية «فاسدة». وتجدر الإشارة إلى أن أتباع السلفية يعرفون باسم «الحنابلة المتأخرين»، الذين ظهروا في القرن الرابع الهجري، ناسبين جلّ آرائهم وفتواهم إلى الإمام أحمد بن حنبل، كذلك يتبنون رؤى ومواقف ابن تيمية الذي ظهر في القرن السابع الهجري، ومن بعده محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري. ويعتقد السلفيون في إثبات كل ما جاء من أسماء وصفات وأخبار عن الله في القرآن والسنة النبوية من غير تأويل ولا تفسير بغير الظاهر، فهم يثبتون لله المحبة والغضب والسخط والرضا والنداء والكلام والنزول إلى الناس في ظل من الغمام، ويثبتون الاستقرار على العرش، والوجه واليدين!! وهم يقصدون بالظواهر «الظواهر الحرفية، لا الظواهر ولو مجازية»، وهو ما يخالف رؤية المذهب الأشعري، التي يرى أن ألفاظ الصفات لها معان ظاهرة، وهي الحسية التي نراها وهي محالة على الله تعالى، ومعان أخرى «مجازية» يعرفها العربي من غير تأويل، على حد تعبير أبو حامد الغزالي. 
كما يرى الأشاعرة أنه من الخطأ الوقوع في التشبيه والقول بأن لله وجها، الأمر الذي ينطبق على اليد وغيرها من الصفات، مستدلين على إثبات ذلك بالنقل والعقل، ومن هنا يأتي الهجوم على المذهب الأشعري من المنتمين للسلفية.
ياسر برهامي، نائب
ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية
 ويعد ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، أكثر السلفيين مراوغة تجاه الأزهر، ففي وقت يتنصل فيه من الطعن في عقيدة الأزهر، وذلك وقت الاحتياج للحصول على تصريح خطابة، وهو ما يضطره لمغازلة المشيخة والقائمين عليها، وفى وقت آخر يطعن في عقيدة الأشاعرة. ويرى برهامي في كتابه «المِنَّة في شرح اعتقاد أهل السُّنَّة»، أن «الأشاعرة أهل بدع وضلال، وإقرارهم بالصفات المشهورة المعلومة من الدين بالضرورة في الجملة منع من تكفيرهم، وإن كان عندهم تعطيل للاستواء «يقصد استواء الله على العرش»، ونحو ذلك من الصفات، ولكنه ليس على سبيل الإنكار لصريح القرآن، بل على سبيل التأويل». ويتابع نائب رئيس الدعوة السلفية: «صار الناس بسببهم يقولون عن عقيدة تأويل الأسماء والصفات بأنها عقيدة أهل السنة»، معتقدين أن الأشاعرة هم أهل السنة، وليسوا كذلك؛ لأن الأشاعرة فرقة فيها انحراف بلا شك» على حسب النص الذى جاء في كتاب برهامي. وكثيرًا ما يشدد نائب رئيس الدعوة السلفية على أن الأشاعرة «من أهل القبلة وليسوا من أهل السنة، منسوبون إلى أهل السنة؛ لأنهم أقرب الفِرق إلى أهل السنة».
 الشيخ محمد سعيد
الشيخ محمد سعيد رسلان
 ويرى الخطاب السلفي الأصولي أن منبع سمّ الأشاعرة وفسادهم «جهلهم»، وحسبما جاء على لسان الشيخ محمد سعيد رسلان: «فإن أهل التأويل سموا أنفسهم أهل العقل، وهم في الحقيقة لا عقل ولا نقل، وأما أهل التفويض فهم لا يفهمون شيئًا، فإذا سألتهم عن أي شيء قالوا لا ندري، وإن قيل لهم ماذا عن «ثم استوى على العرش»، قالوا لا نعلم معناها»، ويرى أيضًا: «يقولون نحن أهل العقل، ولهذا لجئوا إلى القول الباطل، فطريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وهذا من جهلهم؛ لأنه حيث وجدت السلامة فلابد من العلم والحكمة، إذن طريقة السلم أسلم، وأعلم وأحكم، وهذه جملة صادقة كاذبة، فأما شطرها الأول صادق، «طريقة السلف أسلم» وأما شطرها الثاني فباطل، طريقة الخلف أعلم وأحكم؛ بل طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم، ولازمها مدمر جدًا؛ لأن من لوازمها، أن يكون الخلف، ومن هم الخلف عند هؤلاء؟ المتكلمون. أن يكون المتكلمون وأفراق الفلاسفة من المعتزلة وغيرهم أن يكونوا أعلم وأحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هذا لازم لا يقول به مسلم بل من قاله يكون كافرًا». على حد قوله.
وكعادة السلفية في تكفير المخالف لها حتى ولو كان من أهل القبلة فهم يكفرون الأشاعرة حسب قول محمد سعيد رسلان.
وترجع علاقة الأزهر الشريف بالمذهب الأشعري إلى ما يصل إلى عشرة قرون تقريبًا، وتحديدًا منذ تأسيس الدولة الأيوبية وانتهاء الحكم الفاطمي في مصر، حيث قرر السلطان صلاح الدين، تغيير المذهب العقائدي الرسمي للجامع، واستبداله بمذهب الشيعة الإسماعيلية "مذهب الفاطميين" المذهب السنى على منهج الأشاعرة، ومنذئذ تتبنى المشيخة، ومن بعدها، جامعة الأزهر "الأشعرية" مذهبًا رسميًا. 
الدكتور أحمد الطيب،
الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر
ومن جهته، سبق أن أوضح الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر أن سبب تمسك الأزهر بالأشعرية، كون المذهب «كان انعكاسًا صادقًا أمينًا لما كان عليه النبي وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين». ويؤكد الإمام الطيب «أن الأزهر وهو يتبنى مذهب الأشعري، فإنه لا يتبناه تعصبا لمذهب ولا لإمام من الأئمة، ولكن لأن هذا المذهب لم يكن أمرًا مخترعًا أو محدثًا في الدين، كما أن الأشعري لم يخترع مذهبًا جديدًا كمذهب الاعتزال أو المذاهب الأخرى التي يسهل على الباحث أن يعثر فيها على أنظار ودقائق تصطدم اصطدامًا صريحًا بنصوص الكتاب والسنة»، على حد قوله. وسبق أيضًا أن أوضح شيخ الأزهر أن الأزهري الحقيقي لا يمكن أن يقع في "فخ السلفيين"، مشيرًا إلى أن بعض الأزهريين ضعاف التأسيس العلمي وقعوا في فخ السلفية، وأن الأخيرة ليست مذهبًا، وأن كلمة السلف، بصيغتها، لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة وجاءت مذمومة، مشددًا على أن السلفيين الذين يفسقون الفرق الإسلامية الأخرى هم "غلاة الحنابلة"، ولا ينتمون للسلف الصالح بصلة.
الدكتور أحمد كريمة
الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف
ويقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف: "إن موقف السلفيين من مذهب الأشاعرة، المذهب الرسمي لمشيخة الأزهر الشريف، هو التكفير، وينتهجون مبدأ "المعاريض" أي أن يقول الشخص لفظا هو ظاهر في معنى ولكن المراد به معنى آخر، أو أن يكذب لدواعٍ وأهداف معينة، موضحًا أن كل فرق الخوارج تتسم بالمراوغة والمداهنة ومتابعا: "المتسلفة يجيدون هذا".
وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، أن السلفيين هم أساس التكفير ويضعون بعض المؤلفات عن التكفير إرضاءً للنظام، وإظهارًا للرأي العام أنهم ضد التكفير، موضحًا أن السلفيين يعلنون أنهم ليسوا ضد مذهب الأشاعرة ولكنهم في دروسهم يخرجون هذا المذهب عن الملة؛ لأنهم يعتبرونه زيفًا في العقيدة وهو مؤداه للكفر.
وأشار أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، إلى أن هناك تقاعسًا من الأزهر في الرد على السلفيين وموقفهم من الأشاعرة، موضحًا أن هناك ضرورة لتحجيمهم.
الدكتورة آمنة نصير،
الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر
فيما قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر: "إن أغلب أطياف الشعب المصري لا يعرف مذهب الأشاعرة، بمن فيهم السلفيون أنفسهم الذين يهاجمون المذهب وأتباعه، موضحة أن هجوم السلفيين على مذهب الأشاعرة غير مفهوم للجميع. وأضافت أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر، أن مذهب الأشاعرة جاء من خلال القراءات والتفسير، ولكن الإسلام لا يعرف الأشاعرة والسلفيين فهي مذاهب خرجت بعد الرسول والصحابة".
ومن كل ما سبق يتضح لنا أن ما يحكم مواقف الدعوة السلفية تجاه الأزهر الشريف أو المؤسسة الدينية بشكل عام هو مقدار المكاسب التي يريدون الحصول عليها، وهو نفس المنطق البراجماتي الذي يحدد علاقات الدعوة السلفية بغيرها من الحركات والجماعات داخل تيار الإسلام السياسي، فتقترب الدعوة السلفية من الأزهر حينما تريد تصريحات الخطابة أو التصريح بعمل أنشطة دعائية في الشارع إبان الانتخابات البرلمانية، وحينما يتم التضييق عليها فإنها تخرج فتاواها التي تكفر فيها المذهب الأشعري ومعتنقيه من علماء المؤسسة الأزهرية.
للمزيد عن مذهب الأشاعرة.. اضغط هنا