بوابة الحركات الاسلامية : إضراب سياسي (طباعة)
إضراب سياسي
آخر تحديث: السبت 20/02/2016 09:57 م
د. محمد بالدوان (المغرب) د. محمد بالدوان (المغرب)
لو كنت محبا للتكرار لأعدت ما قلته في مقالتي "إضراب عام" بخصوص دواعي انتفاض النقابات بإضراب عام في وجه حكومة بنكيران سنة 2014.
يبدو أن إحجام النقابات عن تنظيم إضراب عام سنة 2015 جعل الحكومة تزداد جرأة باستهدافها فئات اجتماعية هشة جديدة. ربما استشاطت غضبا حين التفتت الحكومة إلى أرامل لا يشكلن قطاعا داخل المركزيات النقابية، وقد يكون مصدر توتر القيادات النقابية إطلاق الحكومة سنة 2015 تغطية صحية تشمل الطلبة، خاصة إذا عُلِم قرب انجاز التغطية الصحية لذوي الأعمال الحرة. 
لا لا لا لا ! أرجح أن يكون إدخال لائحة دوائية جديدة حيز التخفيضات، ومراجعة أسعار المستحضرات الطبية هو ما أنفد صبر النقابات. وقد يكون الالتفات إلى ذوي الاحتياجات الخاصة أو استقطاب نظام المساعدة الطبية أزيد من 9 ملايين منخرط، والسعي إلى تحسين خدمته، هو ما دفع النقابات إلى منابذة الحكومة تارة بمبرر إغلاق الأخيرة باب الحوار، ومرة بتصويرها عَدُوّة للشعبية والطبقات المسحوقة !   
قطعا سيكون السبب هو إصلاح صندوق المعاشات المدنية، غير أني آمل ألا يكون رفع الحد الأدنى للمعاش لذوي السلالم الدنيا إلى 1500 درهم هو ما استثار النقابات. قد يثور أحدهم بوجهي قائلا: كُفّ عن السخرية، كلامك ينبئ عن جهل مطبق بموضوع التقاعد، فالحكومة جاءت بثلاثة إصلاحات مقياسية لا تبقي ولا تذر(رفع السن، رفع نسبة المساهمة، مراجعة قاعدة الاحتساب). 
نعم صدقت ! وهلا اغتنمت لحظة الصدق والصفاء لتقول أين كان حماة الشغيلة حين كان يتهاوى صندوق المعاشات المدنية؟ إياك أن تقول لم يكونوا على علم. لماذا لم تتواتر إضراباتهم العامة، منذ 2006، لإدراك الصندوق قبل أن يتدحرج إلى الحضيض؟ أم كانوا مشغولين بقضايا أهم: أموال التعاضد والتفرغ والتفييض والتكليفات والتنقيلات ومناورات تغيير الإطار؟ ! 
طالما غازل رئيس الحكومة النقابات، وأشار إلى من يحاول الإيقاع بينهما ودفعهما إلى الخصومة، وهذا من صميم عمله كرئيس حكومة يسعى إلى حفظ التوازنات. أما الباحث فلا يطمئن إلا إذا صور المشهد تماما كما يراه. 
ربما نجحت لباقة بنكيران بسعيها إلى تحييد الفاعل النقابي ودفعه إلى مراجعة خطوة الإضراب العام. ويمكن أن يعزى تردد النقابيين إلى خوفهم من تحريك ملفات فساد تورط فيها بعضهم، أو إلى تفاديهم لَبْس الإضراب بالصراع السياسي الدائر، الذي لا شك في أنه سيحتدم إلى غاية أكتوبر 2016. 
المهم هو أن النقابات بدأت تراجع بعضا من حساباتها، لكن سرعان ما نزل بها قصف إعلامي صور ترددها جريمة نكراء، فصرحت بأنها ستخوض الإضراب التزاما بتنفيذ آخر خطوة في برنامج نضالي سُطِّر آنفا.
إن المرحلة تفرض على النقابات اصطفافا طبيعيا إلى جانب حكومة عازمة على مواصلة الإصلاحات؛ تعمل جاهدة من أجل توازن المالية العمومية تفاديا للديون وتَحَكُّمِ لوبيات الضغط المالي، ومن أجل توازن اجتماعي بدعم الفئات الهشة والمهمشة التي كانت ولا زالت تعاني في صمت، ومن غير المعقول ألا تستوعب النقابات هذه المعادلة فتمضي إلى إرباك هذه المساعي، وتتعجل حصاد أولى ثمرات الإصلاح مُطالبةً بزيادة عامة في الأجور.  
في ذات السياق تقريبا جاء الإضراب العام الذي تولته بعض النقابات سنة 2014، وكنا نظن أنها بذلك كانت تدق آخر مسمار في نعش بنكيران، لكن سرعان ما فوجئنا بأنها أنعشته ليكتسح المدن الكبرى في الانتخابات الجماعية.
لا أرغب في ارتكاب النقابات ذات خطأ 2014، ليس لأني لا أريد أن يفوز الإسلاميون بانتخابات أكتوبر 2016، بل لأني أرغب عن تكبد الاقتصاد الوطني خسارة محتملة غير مبررة، كما أني أخشى وصول النقابات نقطة اللاعودة، إذ حينها ستخسر جبهة محاربة الفساد والاستبداد أحد أقطابها الأشاوس.