بوابة الحركات الاسلامية : عبد المتعال الصعيدي شيخ المجددين (طباعة)
عبد المتعال الصعيدي شيخ المجددين
آخر تحديث: الخميس 07/03/2024 11:28 ص حسام الحداد
عبد المتعال الصعيدي
عبد المتعال عبد الوهاب أحمد عبد الهادي الصعيدي عالم لغوي من علماء الأزهر الشريف وعضو مجمع اللغة العربية وواحد من أصحاب الفكر التجديدي بالأزهر ومن المنادين بالمنهج الإصلاحي في التعليم والفكر المعاصر والعلوم الإسلامية.

نشأته

نشأته
ولد في 29 شعبان 1311 هـ الموافق 7 مارس عام 1894م بكفر النجبا، مركز أجا بمحافظة الدقهلية، عندما بلغ التاسعة التحق بكتاب القرية النظامي وتعلم هناك قواعد الخط والنحو وحفظ القرآن الكريم. بعد ألتحاقه بالمدارس الابتدائية النظامية التحق بالجامع الأحمدي بطنطا، وحصل على شهادة العالمية في عام 1918م، ودرس علم المنطق وكان الأول على طلاب معهد طنطا فتم تعيينه مدرسًا بالجامع الأحمدي بطنطا، وفي عام 1932م انتقل للتدريس بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف بالقاهرة.

منهجه الفكري

منهجه الفكري
كان الصعيدي محبًّا للقراءة فكان يقرأ مجلة المقتطف والهلال والمنار والأستاذ والبلاغ، ورغب في دراسة الفلسفة وتاريخ العلم وأصول النقد وتاريخ الحضارة الإنسانية وقرأ مختارات جورجي زيدان. أعجب بفلسفة ابن رشد وموسوعة يعقوب صروف في تثقيف الرأي العام وكتابات عبد الله النديم.
عرف الشيخ الصعيدي بآرائه الثورية والتجديدية، فكان يرى نظام التعليم في الأزهر مصابًا بالعقم والجدب، ورأى ضرورة تطويره بما يلائم روح العصر، لتخريج جيل من الأزهريين المجددين والمبدعين والبعيدين عن الجمود والتقليد والتعصب، والذين كان يراهم المذنب الحقيقي وراء ما يظهر من كتابات المجترئين من حين لآخر، وواكب هذا دعوته إلى تطوير فقه الحدود في الشريعة الإسلامية، وذلك في مقالة نشرت في جريدة السياسة الأسبوعية عام 1937م.
وفي عام 1919م شرع في تقديم كتابه "نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف" ونُشر في عام 1924م، وقد ألف الصعيدي 49 كتابًا مطبوعًا و20 كتابًا مخطوطًا أهداهم للأزهر مثل "تاريخ الإصلاح في الأزهر"، "حكماء اليونان السبعة"، "قضايا المرأة"، "الفن القصصي في القرآن"، ومن أشهر كتبه "المجددون في الإسلام" وهو أحد أهم الكتب التي ألقت الضوء بالنقد والتحليل علي أهم الشخصيات المجددة في الفكر الإسلامي منذ القرن الأول الهجري حتى نهاية القرن الثالث الهجري.
وشارك الصعيدي في العديد من المساجلات والمناقشات على صفحات الجرائد اليومية والمجلات حول قضايا الأدب وتاريخه، والإعجاز البياني في القرآن، وضرورة الاجتهاد في الأصول، وخصائص الإجماع والوحدة الإسلامية، مع كبار رواد الكلمة من أمثال محمد حسنين هيكل، وطه حسين، والعقاد، والشيخ يوسف الدجوي، وعلي عبد الواحد وافي، والشيخ عيسى منون، وخالد محمد خالد، وأحمد فؤاد الأهواني، والشيخ محمد الغزالي.

آثاره الفكرية

آثاره الفكرية
لقد تجسدت ملحمة المعاني الإسلامية في تلك المناظرات الخطرة التي انبرى لها الشيخ عبد المتعال الصعيدي في بدايات القرن الفائت ضمن بصماته الفكرية الرائدة والتي مثلت حصناً حصيناً للمسلم المعاصر ودرعاً منطقية صارمة في التصدي لجولات الجنون العقائدي الغربي فكانت معالجاته الشائقة لقضايا الحرية الدينية في الإسلام، القضايا الكبرى في الإسلام، النظم الفني في القرآن، حرية الفكر في الإسلام، القرآن والحكم الاستعماري، الوسيط في تاريخ الفلسفة الإسلامية، ومفاتيح كنوز القرآن. وكان ختامها: لماذا أنا مسلم؟ والذي جاء في إطار نحو عشرين مناظرة فكرية متألقة بُهت على أثرها الكثيرون وظل بريقها شاهداً للإسلام في عبقرية صموده وتصديه واحتشاده لكل ما تجود به الفطرة الذهنية في أطوارها المختلفة.
ولعل أبرز هذه المناظرات كانت في ما يتعلق بكيفية الإصرار على أصول الإسلام بجانب التساهل والتهاون في فروعه وجزئياته، ولعل أبسط مقابل أو معادل معرفي يمكن أن يؤكد أن مرجع ذلك إنما يعود إلى قوة هذه الأصول وقوتها هذه ترجع إلى ملاءمتها للفطرة الإنسانية بحيث لا يمكنها النزوع عنها، فهذه الأصول هي التي تضمن له الظهور والقوة ولو أصاب أهله من الضعف أضعاف ما يصيبهم الآن وما بعد ذلك بأشواط زمنية، وتنقسم هذه الأصول إلى اعتقادية وتشريعية، من ثم فالإيمان بالأولى هو ملزم للقناعة بالأخرى، فالأولى هي البؤرة والأساس ولا ضرورة للثانية دونها، وعلى ذلك يتجلى أصل التوحيد. فالله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله ولا شريك له فيها ولا واسطة بينه وبين عباده، وهو ما يرفع من شأن كل مسلم ولا يجعل في الإسلام هيئات كهنوتية تتحكم في عقائد المسلمين.
وينطلق الصعيدي في مناظرته هذه إلى دخائل قضية التوحيد وتفصيلاتها مستدلاً بهذا الكون وإحكام نظامه ومسجلاً لتناقضية صارخة إزاء الذين يردون هذا الإحكام لمنطق المصادفة، بينما هو في الرؤية المستقيمة منطق اللا منطق لأنه لا يرد الأسباب لمسبباتها ولا المقدمات لنتائجها. فالمصادفة هي منطق احتمالي نادر الحدوث، من ثم لا يمكن التعويل عليه، أو الركون إليه في تسبيب الظواهر والمعطيات، إذ إنه يتجاهل العقل الذي اعتمده كآلية للإنكار.
عبد المتعال الصعيدي
أما جدلية الزمان والمكان فكانت موضع مناظرة أخرى يستخلص منها أن الإسلام لم يُشرع لشعب خاص أو زمن خاص حتى يراعى فيه مصلحتهما المكانية أو الزمانية، وإنما شُرع لجميع الشعوب ومختلف الأزمان، إذ إن المصالح دائماً ما تختلف باختلاف عنصرَي الزمان والمكان، وانبنى على ذلك الأصل أن يكون الاجتهاد هو الشفرة التي تحرك العقل وتفك طلسم المتغيرات المتلاحقة لكنها تعتمد على معيار التوسط بين الإفراط والتفريط، فالإسلام راعى في أحكامه مطالب الروح والجسد وحقوق الدنيا وحقوق الآخرة، كما راعى في ما وضعه لتهذيب النفوس اعتدال القوة الفكرية والقوة الشهوية والقوة الغضبية، بل إنه حافظ على ذلك الاعتدال فيما سنَّه من التعبد. وامتدت هذه الاعتدالية لتكون معياراً محدداً بين مطالب الروح والجسم ولم تغلب واحدة على الأخرى، إذ إن النعيم والعذاب في الإسلام للجسم والروح معاً، وإن النعيم الروحي أجلُّ شأناً وأعظم قدراً لأن السعادة الروحية هي السعادة الحقيقية الكاملة. أما عن المناظرة الخاصة بوضعية الدولة في الإسلام فقد أكد الصعيدي أن الإسلام يريد أن يجمع الناس تحت مظلة دين واحد ولا يريد أن يجمعهم تحت مظلة دولة واحدة، ولا أن يجعل منهم جنساً واحداً ولا من لغتهم لغة واحدة. فلا يهم الإسلام أن تبقى لكل شعب خصائصه ومميزاته من لغات وعادات، وإنما يهمه أن تتعارف الشعوب ولا تتناكر وأن تتحاب ولا تتخاصم ليعيش الضعيف آمناً بجانب القوي، فلا يطمع في وطنه ولا تمتد عيناه إلى ماله ولا يسخّره في قضاء مآربه ولا يسعد من شقائه ولا يغتني من فقره، ذلك أن الدولة المثالية في الإسلام ذات صبغة عامة ليست بعربية ولا فارسية ولا رومية ولا غيرها وليس رئيسها عربياً أو فارسياً أو غيرهما، إنما هو مسلم من أي شعب كان.
أما عن المناظرة المتعلقة بتناقضية العلم والفلسفة مع الدين الإسلامي فتتجه رؤية الصعيدي إلى أن الدين يقصد منه الوصول إلى معرفة الحق بطريق الوحي، والعلم والفلسفة يقصد منهما الوصول إلى معرفة الحق بطريق النظر والعقل، فهما إذن يتفقان في الغاية ويختلفان في الوسيلة، واختلافهما في الوسيلة لا يمكن أن يجعل كلاً منهما يقف من الآخر موقف عداء لأن الغاية الواحدة قد يكون لها وسيلتان تؤديان إليها، وقد يكون لها وسائل متعددة، والوسائل التي تؤدي إلى غاية واحدة تتعاون في الوصول إليها ولا تتنافر، والدين يعترف بأن العقل وسيلة من وسائل المعرفة، والعلم والفلسفة يعترفان بأن الوحي وسيلة لها أيضاً، وحينئذ لا يصح أن يقف الدين موقف عداء من العلم، ولا يصح أن يقف العلم والفلسفة موقف عداء مع الدين، لا من حيث الغاية، ولا من حيث الوسيلة.
ومن الكتب المهمة الخطيرة التي تقرؤها له باهتمام وتمعن، كتابه «الحرية الدينية في الإسلام»، الذي صدرت منه طبعة جديدة عن مكتبة الأسرة عام 2012، وهو من أجلّ كتبه وأخطرها، على صغر حجمه، وقلة عدد صفحاته، جنبا إلى جنب كتابه الآخر الفريد «حرية الفكر في الإسلام»، وهو الذي عرض فيه لموقف الدين من الحريات بأنواعها العلمية والسياسية والدينية، مبينا أن الإسلام كفل هذا الحريات للإنسان، فقد ميزه بالأمانة أي العقل دون بقية المخلوقات لكي يستخدمه في التفكير والبحث، وإذا أهمل الإنسان في استخدام العقل لم يكن هناك معنى لخلقه فينا، و"الله سبحانه وتعالي منزه عن العبث".
طبع كتاب «الحرية الدينية في الإسلام» لأول مرة عام 1955، وهو من أهم مصنفات الشيخ عبد المتعال الصعيدي، ويرجع ذلك إلى مضمونه الذي يحوي جوهر مشروعه الذي جاهد فيه لتفعيل واستمرارية باب الاجتهاد، وتجديد علم أصول العقيدة، وتحديث آليات الدعوة، والمواجهة والنقد، فضلاً عن جدَّة وأهمية القضايا والموضوعات التي تناولها، وهي: تجديد فقه الحدود، والحكم على المُرْتَدّ، تلك القضية التي ما زالت أصداؤها تتردد في كتابات المحافظين والمجدِّدين على حد سواء. 
يتناول الصعيدي مفهوم "الحرية الدينية في الإسلام" بنفس عالم طويل، مطلع، محيط بدقائق المسائل وتفاصيل التفاصيل في مدونات الفقه والتاريخ والعلوم الإسلامية النقلية (التفسير والحديث والعقائد.. الخ)، وهو قوي النظر جريء الطرح فيما يرى من رأي أو يجتهد في اجتهاد، مدعما طرحه واجتهاده بأسانيد نقلية وحجج عقلية. يستهل الصعيدي كتابه بحمد الله الذي "فتح باب الاجتهاد في الدين لأهل الاجتهاد، ولم يجعل الجمود سنة في الدين ولا في العلم، بل فتح باب التجديد فيهما على مصراعيه لكل إمام مجدد"، وإدراكًا منه ووعيًا بخطورة ما يقدمه من اجتهاد يعلم أنه قد يثير عليه ثائرة المحافظين الجامدين، يقول الصعيدي في مقدمته للكتاب: "فهذا كتاب أتيت فيه باجتهاد ديني خطير.. إذ أثبت فيه أن الحرية الدينية في الإسلام عامة في دعوة غير المسلم الذي لم تبلغه دعوة الإسلام وفي دعوة من بلغته واستجاب له ثم ارتد عنه". وعلى مدار صفحات الكتاب الـ160، عالج الصعيدي عبر فصوله مسائل الحرية الدينية بين التوحيد والوثنية، معرفًا بالحرية الدينية ومقارنًا بين تحققها من عدمه تاريخيًّا بين أهل التوحيد والوثنية، لينتقل بعدها إلى صلب موضوعه وهو "الحرية الدينية في الإسلام"، من خلال معالجته للآيات القرآنية التي وردت في الحرية الدينية، خائضا في مباحث فقهية دقيقة حول إبطال دعوى النسخ في الآيات الواردة في الحرية الدينية، لا تملك معه إلا أن تعجب بقدرته الهائلة على البحث والاستقصاء والمقارنة ودحض الآراء الواهية، ومراجعة التقليد بل نفيه إذا ما كان يقتضي ذلك. ولا يملك قارئ الكتاب إلا الإعجاب بالملكات العقلية للشيخ الجليل الذي فصل قولًا رائعًا في موضوع الحدود، فهو يرى في كتابه عن الحدود أن السارق يمكن أن يعاقب بعقوبة أخرى غير قطع اليد، منها الغرامة أو رد ما سرق، واستدل على ذلك بآراء معتبرة لأبي حنيفة والشافعي ومالك، ومما استدل به من قول الأئمة المذكورين أن السارق تسقط عنه عقوبة القطع بالتوبة حتى ولو قدر عليه، وبأنهم يقولون بعدم الجمع بين التغريم والقطع وكفاية أحدهما عن الآخر، كما أن القصاص في القتل يسقط بعفو ولي الدم وهو أولى من السرقة فجاز العفو من المسروق للسارق بعد الغرامة. سياحة عقلية وفقهية ممتعة وشاحذة للتفكير والنظر والتأمل ومناقشة الآراء القديمة منها والحديثة ومعارضتها والترجيح من بينها يصل المؤلف منها إلى ما ارتضاه له بحثه العميق من "إثبات الحرية الدينية للمرتد عن الإسلام، وأن الحرية الدينية في الإسلام مطلقة لا تقييد فيها، وخالصة لا شائبة تكدرها، وليكون له بها فضل السبق على مشرعي عصرنا فيما شرعوه من حرية الاعتقاد في دساتيرهم الحديثة، وهو فضل للإسلام عظيم الشأن في هذا الزمان".

الأنشطة الاجتماعية

الأنشطة الاجتماعية
كان للشيخ عبد المتعال أنشطة عديدة متنوعة نظراً لنبوغه المبكر، وحرصه على إفادة الأمة الإسلامية، وذلك على صعيد مختلف جوانب الحياة؛ حيث عمل على نشر مقالات متعددة في صحف ومجلات كثيرة، منها: الأخبار، والأهرام، والمنار، ومجلة السياسية الأسبوعية، ومجلة البلاغ ، ومجلة الثقافة، ومجلة الرسالة، وقد تنوعت مقالاته من حيث الأهداف ما بين سياسية، واجتماعية، ودينية، وتاريخية.. وقد بذل الشيخ عبد المتعال جهوداً كبيرة في سبيل تطوير نظم التعليم في الأزهر، وكانت غايته في ذلك الأخذ بنظم التعليم الحديثة، من خلال التطبيق، والاستنتاج بعيداً عن أنظمة التلقين والحفظ التي تبعث على الجمود، وكذلك من خلال مؤلفاته الكثيرة التي يدعو من خلالها للإصلاح في التعليم الأزهري، وذلك مثل كتابه "نقد نظام التعليم الحديث للأزهر الشريف"، وهو عبارة عن رسالة إصلاحية، أو نظرة هادفة في مناهج التعليم الأزهري، في محاولة لإبراز عيوبه، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة لها، ثم وضع كتاباً آخر أسماه "الأزهر وكتاب دراسات قرآنية"، وفيه يدعو أيضًا إلى التجديد والإصلاح في نظم التعليم في الأزهر.

ملامح التكريم

- حصل على وسام الدولة للعلوم والفنون سنة 1983م.
- أطلق اسمه على أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة.

مؤلفاته

مؤلفاته
للشيخ عبد المتعال الصعيدي الكثير من المؤلفات المهمة التي تعد كنزًا لم يكتشف بعد ولم تنال تلك المؤلفات حقها في الدرس، ومن بين هذه المؤلفات:
بغية الإيضاح.
البلاغة العالية.
تاريخ الإصلاح في الأزهر.
حرية الفكر في الإسلام.
الحرية الدينية في الإسلام.
السياسة الإسلامية في عهد النبوة.
تاريخ العرب في الجاهلية وصدر الإسلام.
تاريخ الجماعة الأولي للشبان المسلمين.
ثقافات إسلامية.
شباب قريش في بدء الإسلام.
في ميدان الاجتهاد.
القضايا الكبرى في الإسلام.
قضية مجاهد في الإصلاح وبحوثها الدينية والعلمية والأدبية.
المجددون في الإسلام من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر. 
من أين نبدأ.
الوسيط في تاريخ الفلسفة الإسلامية.
القرآن الكريم والرد على المبشرين
الأزهر وكتاب دراسات قرآنية

وفاته

توفي الشيخ عبد المتعال الصعيدي في 23 محرم 1386 هـ الموافق 13 مايو عام 1966م عن عمر يناهز اثنين وسبعين عامًا.