بوابة الحركات الاسلامية : محمد خاتمي.. صانع التغيير في إيران (طباعة)
محمد خاتمي.. صانع التغيير في إيران
آخر تحديث: الثلاثاء 20/07/2021 10:23 ص
محمد خاتمي.. صانع
الرئيس الخامس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ينظر إليه كأحد أبرز وجوه التيار الإصلاحي.. انفتحت إيران في عهده على الغرب.. أصبح أحد رموز المعارضة على خلفية انتقاده السلطات لقمعها المتظاهرين بعد انتخابات 2009.

حياته

حياته
ولد محمد خاتمي في أدركان عاصمة إقليم يزد الأوسط سنة 1943 لأسرة إيرانية متدينة.
بعد إنهاء دراسته الابتدائية دخل سنة 1961 مدرسة قم الدينية، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعه أصفهان، وبعد تخرجه أكمل المستوى المتقدم في الدراسة الدينية من معهد قم.
وفي سنة 1970 درس العلوم التربوية في جامعة طهران، ثم عاود دخول معهد قم لدراسة علم الاجتهاد.
يجيد خاتمي ثلاث لغات غير الفارسية، هي الإنجليزية والألمانية والعربية، وله العديد من الكتب المقالات في موضوعات مختلفة.

فكره

فكره
يعد محمد خاتمي ابن مدرسة آية الله حسين علي منتظري الفكرية التي رأى فيها وهجها وعيوبها أيضًا، وهو الذي تخصّص في علم الاجتهاد في قم بعد دراسته للفلسفة، اضطرته مواقف المرشد الخليفة خامنئي إلى الاستقالة والابتعاد.
ويعد خاتمي أقرب إلى المفكر منه إلى السياسي، فهو يرى نفسه مفكرًا ومجدّدًا مصلحًا، سليلًا لفكر القرن التاسع عشر وجمال الأفغاني ومحمد عبده، مؤمنًا بضرورة دفع الثقافة الإسلامية للانخراط في الحداثة والاختلاط مع ثقافة العالم الغربية.
لذلك لم ينظر خاتمي لإيران على اعتبارها كوكبًا منفصلًا عن العالم الإسلامي من حولها، وكان يبدأ بإيران وأوضاعها ليصل إلى نقد الواقع الإسلامي عمومًا، الذي لا يمارس فيه الأفراد حقهم الأصيل في صوغ حياتهم، ورأى أن مشكلة إيران والعالم الإسلامي هي “غياب الحرية”، وقد تعرض خاتمي للحرية في عمله الفكري عبر مسارين رئيسيين “إصلاح الداخل”، و”العلاقة بالآخر”. وكان في كتابه الكبير “الديمقراطية وحاكمية الأمة” أسئلة وإجابات حول الحضارة الإسلامية، وعن المستقبل والبيئة والديمقراطية والشورى والأخلاق والاقتصاد.
كما يعرّف خاتمي المجتمع الإسلامي بالقول: “إنه لا يشابهه نظيره في الغرب؛ لأن ثمة خلافات بينهما منبعها طبيعة التطور التاريخي وسياقات نشأة المفهوم عند كل حضارة، والدور الذي حدّدته كل حضارة للفرد في إطارها، وهي العوامل التي تُكسب المجتمع دوره وتحدد مسئولياته”.
 ويرى خاتمي أنه ليس من الضروري أن يكون هناك تعارض بين الاثنين في كل شيء، فالمجتمع المدني الغربي متفرع، من الوجهة التاريخية ومن حيث الأصول والمرتكزات النظرية، عن الدولة – المدينة اليونانية، ومن النظام السياسي لروما بعد ذلك، على حين أن المجتمع المدني الذي ننشده، له من البعد التاريخي والمباني النظرية أصوله في مدينة الرسول، فتبديل اسم “يثرب” إلى “المدينة” لم يكن مجرد تبديل اسم بآخر، كما أن تبديل “أيام الجاهلية” إلى “أيام الله” لم تكن القضية مجرد تبديل اسم بآخر.
وله العديد من مؤلفاته بالفارسية، وهي :" بیم موج"، "از دنیای شهر تا شهر دنیا "، "آیین واندیشه در دام خودکامگی"، "نامه ای برای فردا" واحیاگر حقیقت دین" واسلام، روحانیت وانقلاب اسلامی"، "زنان و جوانان" وتوسعه سیاسی، توسعه اقتصادی و امنیت"، "مردم سالاری" ، "گفت و گوی تمدن ها" "أحزاب وشوراها"، "نیاز ونماز"، "کتاب محمل گفت و گو"، "مفاخر ایران"، "گفت و گوی مهر"، "باران در کویر"، "در مسیر گفت و گو"، و"در ستایش دانشگاه".
وله مؤلفان باللغة العربية هما "مطالعات في الدین والإسلام والعصر"، و"مدینه السیاسة". ومؤلف باللغة الإنجليزية " Islam, Liberty and Development".
 

حوار الحضارات

حوار الحضارات
المعروف في الإعلام العالمي عن الرئيس خاتمي أنه إصلاحي، وأنه درس الفلسفات الغربية في جامعة السوربون الفرنسية، ومعجب بكانط وديكارت وفولتير وروسو وغيرهم من فلاسفة التنوير الغربيين. كما واشتهر الرجل عالمياً بمشروعه الحضاري الذي أسماه (حوار الحضارات) في مقابل نظرية أستاذ العلوم السياسية الأمريكي الراحل صموئيل هانتنغتون (صدام الحضارات). إضافة إلى ذلك، عرف خاتمي بوجهه البشوش الباسم، وحديثه الهادئ ، وشخصيته الكارزماتية، مما كسب إعجاب الغربيين ورضاهم، وكان الوجه الحضاري المقبول للنظام الإيراني في العالم، مقارنة بحكام إيران من الملالي الآخرين.
ورأى خاتمي في الحوار مع الآخر، ضرورة إنسانية تواجهها المجتمعات غير الغربية عمومًا، عبر خلق مشتركات بين الحضارات غير الغربية، فيستخدم خاتمي تعبير نحن “غير الغربيين” و”نحن الشرقيين”، وكذلك “نحن أصحاب الحضارات الدينية”، وحدد خاتمي ثلاثة أهداف لحوار الحضارات، “أولها حل المعضلة المتمثلة في تناقض الأسس الفلسفية والفكرية التي تقوم عليها كل حضارة، والذي يغلب الصراع كنمط للتفاعل، والهدف الثاني وقف محاولات الغرب الهيمنة والسيطرة على الشعوب والحضارات الأخرى، وسعيه إلى تسييد نمط حضاري واحد، فقيام الغرب بالحوار مع الحضارات الأخرى يعني ضمنياً اعتراف الغرب بوجود هذه الحضارات”، واعتبر خاتمي أن ثورة المعلومات، نموذج للحوار “الحقيقي” بين الحضارات، ولمنجزات الغرب التي يتعاطى معها المسلمون، مشيرًا إلى أنها تغطي الجوانب العلمية، كما تغطي الجوانب السياسية والثقافية.

التجربة السياسية

التجربة السياسية
بدأ نشاطه السياسي في اتحاد الطلبة المسلمين بجامعة أصفهان، وعمل قريبًا من ابن الخميني الراحل أحمد الخميني ومحمد منتظري، ونظموا حلقات نقاش سياسية دينية. 
في هامبورغ الألمانية، عاش محمد خاتمي، في السنوات التي سبقت تفجّر الأوضاع في طهران، وكان على رأس مركز هامبورغ الإسلامي في ألمانيا قبل انتصار ثورة 1979، مخالطا العمل الأوروبي والحياة الديمقراطية الغربية.
شارك خاتمي في نشاطات سياسية ضد الشاه محمد رضا بهلوي، وفي إعداد ونسخ وتوزيع بيانات سياسية لا سيما تلك التي تصدر عن الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
سمحت له علاقته بأحمد خميني أن يقترب من قيادة الثورة الإيرانية من منابعها، وتكون له الصدارة في الدوائر السياسية العليا في أكثر من مستوى.
 فقد مثل دائرتين انتخابيتين هما مقاطعة أردكان ووميبود في الفترة الأولى للبرلمان سنة 1980. وفي سنة 1981 عينه الخميني مديرًا لمؤسسة كيهان، كما عين وزيرًا للثقافة والتوجيه الإسلامي سنة 1982. 
تولى عدة مسئوليات أثناء الحرب مع العراق، بما فيها نائب ورئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة، ورئيس قيادة الحرب الدعائية, وعين مجددًا وزيرًا للثقافة والتوجيه الإسلامي في عهد الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني سنة 1989. وبعد استقالته سنة 1992 أصرّ الرئيس رفسنجاني على تقريبه منه، ليكون مستشارًا له، ورئيسًا للمكتبة الوطنية الإيرانية.

الرئيس الإصلاحي

الرئيس الإصلاحي
انتخب رئيسًا للجمهورية الإسلامية في مايو 1997، وذلك بحصوله على أكثر من 20 مليون صوت، وبنسبة 70% من مجموع الأصوات خلفًا للرئيس على أكبر هاشمي رفسجناني، كما فاز خاتمي بولاية رئاسية جديدة قبل أن يخلفه محمود أحمدي نجاد.
أعلن خاتمي عددًا من الخطوات قبيل فوزه بالرئاسة، لتكون برنامجًا انتخابيًّا متكاملًا، وبدأ بالعمل على تطبيقه فور فوزه بالرئاسة. وكانت أولى شعاراته التطبيق الحقيقي للحياة “الديمقراطية” وتأسيس فكرة أن القانون فوق الجميع، إضافة إلى رفع مستوى حياة المجتمع في مختلف المجالات.
وتوجد في إيران حياتان مختلفتان تعيشان بالتوازي جنبًا إلى جنب، الحياة الانتخابية النقابية والبرلمانية والرئاسية، من جهة ومن جهة أخرى، تقابلها الحياة الإمامية التي يفرضها ويقوّيها ويحميها الولي الفقيه، الذي يختار ويعيّن المسئولين من أعلى الهرم، وليس ضمن القاعدة الانتخابية الديمقراطية. وهذا ما واجه خاتمي منذ اليوم الأول لجلوسه على كرسي الرئاسة. وبدأت صراعات متواصلة تطفو على السطح.
فأصبح الرئيس خاتمي مسبّبا للمشاكل مع جميع أجهزة الدولة الإيرانية تقريبًا. لكنه عرف أن الحل لا يكمن بالصدام معهم، ولكن بإعادة تنشيط المجتمع المدني ونشر ثقافة القانون، فكانت أولى دعواته للشعب الإيراني إلى طرح الآراء في كل ظاهرة بما فيه شخص المرشد خامنئي ذاته الولي الفقيه.
بدأ خاتمي بتوسيع دائرة الحرية في الصحف والإعلام والثقافة، وشجّع السينما والحوارات السياسية، وأعاد فتح جميع سفارات الدول الأوروبية في طهران. وأعاد هيكلة جهاز المخابرات الإيرانية، وأطلق حوار المذاهب المختلفة في طهران، فكان الرد من المرشد، بنشر سلسلة من الاغتيالات ضد المفكرين المحيطين بخاتمي، والأمر بمحاكمة وزراء خاتمي الذين اختارهم وقرّبهم بتهم مختلفة، منها تلفيق الفضائح الجنسية، والاتهام بازدراء الأديان.
لكن خاتمي ردّ بإطلاق جموع الشباب إلى الشوارع في مظاهرات طلابية ضد قرارات الولي الفقيه. فردّ المرشد باتخاذ قرارٍ بإغلاق عشرين صحيفة إصلاحية دفعة واحدة، فوُوجه بالمزيد من العنف من مجلس الأوصياء على النظام ممثلي الخامنئي في إيران.
تطور الصراع إلى أكثر من توجيه الاتهامات فصدرت أحكام بالإعدام ضد أصدقائه وحلفائه ومستشاريه، تم إلغاؤها بعد المظاهرات العارمة التي اندفعت تندّد بمجلس الأوصياء وقراراته.
ولكن خاتمي واصل نضاله ضد تيار المحافظين، فتقدم في خريف العام 2002 بمشروعين كبيرين إلى البرلمان عرفا باسم (مشروع القانون المزدوج) وكان الهدف تقليص صلاحيات مجلس الأوصياء وتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، وتم رفض المشروعين من قبل مجلس الأوصياء، فاضطر خاتمي لسحبهما.
وخلال ولايتيه الرئاسيين، تحسنت علاقات إيران بالدول الغربية بعد أن شهدت انفتاحًا ملحوظًا تمثل في الأساس في زيارة خاتمي إلى عدد من الدول الأوروبية وعلى رأسها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، كما حقق داخليًّا نتائج اقتصادية مرضية، ووقعت بلاده اتقاقيات اقتصادية مع عدة دول.

المعارض

المعارض
وبعد انتهاء العهدة الرئاسية الأولى لخليفته نجاد، ترشح خاتمي- الذي ينظر إليه كأحد أبرز الممثلين للتيار الإصلاحي بإيران- في انتخابات الرئاسة 2009، ولكنه سرعان ما تراجع عن ترشحه لصالح المرشح مير حسين موسوي الذي لم ينجح بالانتخابات المثيرة للجدل.
وتعرض خاتمي خلال الاحتجاجات التي تلت هذه الانتخابات، لتهجمات كلامية علنية ومضايقات من قبل الجناح المتشدد للنظام الإيراني، بعدما أصبح أحد أبرز شخصيات المعارضة خاصة بعد انتقاده القمع الذي تمارسه السلطات ضد التظاهرات. وانتقاده أيضا للسياسة الخارجية الإيرانية "الصدامية" مع الغرب في عهد نجاد.
وفي فبراير 2015، عاد مسئول في السلطة القضائية الإيرانية التذكير بأنه يمنع على الإعلام ذكر الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، المتهم من البعض في النظام بالوقوف وراء التظاهرات المعارضة في العام 2009، بحسب ما نقلت وسائل اعلامية. ونقلت وكالة أنباء فارس أن المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجائي سئل عن "قرار المدعي العام الذي يمنع الإعلام عن ذكر رئيس حكومة الإصلاحات (خاتمي)". ولم تحدد الوكالة توقيت صدور القرار.
ورد محسني إيجائي قائلًا: "من حق القضاء إصدار أمر للإعلام بعدم نشر صور أو مقالات تخص هؤلاء الذين ينظر اليهم المجلس الأعلى للأمن القومي والسلطة القضائية على أنهم قادة العصيان"، في إشارة إلى التظاهرات التي شهدتها الجمهورية بعد إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في العام 2009.

الأزمة السورية

كان لمحدم خاتمي، وجهًا آخر للأزمة السورية، وقد اختلف في موقفه عن موقف المرشد خامنئي في أنه أيّد ثورة الشعب السوري ولم يقف مع دعم إيران للرئيس السوري بشار الأسد. واشتغل فريقه المقرّب على التنديد بالسياسة الإيرانية التي تسببت في ارتكاب جرائم حرب في سوريا، فأعلن محمد شريعتي، المستشار السياسي لخاتمي، بالتباس وتسييس الثورة السورية، معتبرًا أن ما يجري في سوريا، ليس له علاقة بالحرب الطائفية، بل ثورة كبقية الثورات التي جرت في باقي الدول العربية. ووصف شريعتي الموقف الإيراني الداعم للنظام السوري، بأنه غير صائب، مؤكدًا أن المواقف الإيرانية إزاء ما يحدث في سوريا، كانت ستتغير، لو كان الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي في الحكم، مع عدم التدخل في الشأن الداخلي السوري.
وأشار شريعتي إلى موقف خاتمي الذي يرى أن الموقف الإيراني التأييدي للنظام السوري، لا يحظى بشعبية داخل إيران، وأنه خاسر، ولكن وعلى الرغم من ذلك، حمّل شريعتي المعارضة السورية، مسئولية عدم القيام بخطوات تجذب إليها الشعب الإيراني.

خاتمي وروحاني

لعب  محمد خاتمي ذول الثقل الكبير بين تيار الشباب، دورًا أساسيًّا في انتخاب حسن روحاني رئيسًا لإيران في 2013، رغم الاتهامات التي اتهمه بها المحافظون من المتشددين؛ حيث اعتبروه بأنه كان أحد المحرضين على الحركة الاحتجاجية التى جرت فى 2009، بعد إعادة انتخاب الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد.
ويبقى خاتمي الممنوع من الظهور إعلاميًّا أو ذكر اسمه، الرجل القوي داخل تيار الإصلاحيين، والمفكر الكبير الذي يحرك الشباب، وصانع التغيير في إيران.