بوابة الحركات الاسلامية : حكم سفر المرأة دون محرم بين دار الفتوى المصرية والسعودية (طباعة)
حكم سفر المرأة دون محرم بين دار الفتوى المصرية والسعودية
آخر تحديث: الثلاثاء 23/08/2016 03:11 م
حكم سفر المرأة دون
في هذه الأيام يكثر اللغط حول سفر المرأة دون مَحرم، خصوصًا لأداء فريضة الحج أو العمرة، ونظرًا لأهمية الموضوع قد تتبعنا الفتاوى التي تجيز سفر المرأة دون محرم وتلك الفتاوى التي تحرمه، واتضح لنا أن هناك خلافًا حادًّا بين تلك الفتاوى الصادرة من القاهرة والفتاوى الصادرة من المملكة السعودية.
فقد قال فضيلة مفتي الجمهورية، الدكتور شوقي علام، إنه «يجوز للمرأة أن تسافر من غير مَحْرَمٍ بشرط اطمئنانها على الأمان في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقات في شخصها أو دينها».
وجاءت فتوى فضيلة المفتي ردًّا على سؤال حول مدى جواز سفر المرأة للحج مع صحبة آمنة وبغير محرم، واستدل مفتي الجمهورية بما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما رواه البخاري وغيره عن عدي بن حاتم أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ- أي المسافرة- تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللهَ»، فمن هذا الحديث برواياته أخذ بعض المجتهدين جواز سفر المرأة وحدها إذا كانت آمنة.
وأضاف: «نرى المالكية والشافعية يجيزون للمرأة السفر بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة، وكان ذلك في حج الفريضة، واستدلوا على ذلك بخروج أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحج في عهد عمر رضي الله عنه، وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن رضي الله عنه».
وأكد مفتي الجمهورية، أنه إذا امتشطت المرأة أو الرجل أثناء الإحرام ورأى أحدهما في مشطه شعرات لا يدري هل قُطِعَتْ بسبب المشط أو كانت ساقطة أصلاً، فلا تلزمه الفدية في هذه الحالة، لاحتمال أن تكون مقطوعة من الأصل، ولا تجب الفديةُ بالشك والاحتمال، موضحًا أنه إذا لم يعلم الرجل أو المرأة بتساقط شعره أثناء الامتشاط فهو مكروه في حقه، سدًّا لذريعة سقوط الشعر، ولا فدية عليه في هذه الحالة
حكم سفر المرأة دون
وتأكيدًا لتلك الفتوى الصادرة عن فضيلة الدكتور شوقي علام فقد أفتت دار الإفتاء المصرية بنفس الفتوى في 9 يوليو 2012، في فتوى تحمل رقم مسلسل 4480 جاء فيها " يجوز للمرأة أن تسافر بدون مَحرَم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفسها وعرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقاتٍ في شخصها أو دِينها؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري وغيره عن عَدِيّ بن حاتم رضي الله عنه أنه قال له: «فإن طالَت بكَ حَياةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينةَ -أي المسافرة- تَرتَحِلُ مِنَ الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالكَعبةِ لا تَخافُ أَحَدًا إلاّ اللهَ»، وفي رواية الإمام أحمد: «فوالذي نَفسِي بيَدِه لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى تَخرُجَ الظَّعِينةُ مِن الحِيرةِ حتى تَطُوفَ بالبَيتِ في غَيرِ جِوارِ أَحَدٍ».
فمِن هذا الحديث برواياته أخذ جماعة من الفقهاء المجتهدين جوازَ سفر المرأة وحدها إذا كانت آمنة، وخصصوا بهذا الحديث الأحاديثَ الأخرى التي تُحَرِّم سفر المرأة وحدها بغير مَحرَم؛ فهي محمولة على حالة انعدام الأمن التي كانت من لوازم سفر المرأة وحدها في العصور المتقدمة.
وقد أجاز جمهور الفقهاء للمرأة في حج الفريضة أن تسافر بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة، واستدلوا على ذلك بخروج أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحج في عهد عمر رضي الله عنه وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن رضي الله عنه.
قال الإمام أبو الحسن بن بطال في "شرح البخاري" (4/532، ط. مكتبة الرشد): [قال مالك والأوزاعي والشافعي: تخرج المرأة في حجة الفريضة مع جماعة النساء في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحج معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصرى، وقال الحسن: المسلم مَحْرَمٌ، ولعل بعضَ مَن ليس بمَحْرَمٍ أوثقُ مِن المَحْرَم] اهـ.
وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى شرح الموطأ" (3/95): [ولعل هذا الذي ذكره بعض أصحابنا إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجار؛ فإن الأمن يحصل لها دون ذي محرم ولا امرأة، وقد رُوِيَ هذا عن الأوزاعي] اهـ.
حكم سفر المرأة دون
وقال العلاّمة الحطّاب المالكي في "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" (2/523، ط. دار الفكر): [قَيّد ذلك الباجي بالعدد القليل، ونصه: "هذا عندي في الانفراد والعدد اليسير، فأما في القوافل العظيمة فهي عندي كالبلاد، يصح فيها سفرها دون نساء وذوي محارم" انتهى، ونقله عنه في الإكمال وقَبِلَه ولم يذكر خلافه، وذكره الزناتي في شرح الرسالة على أنه المذهب، فيقيد به كلام المصنف وغيره.
ونص كلام الزناتي: إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عَدَد وعِدَد أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار: الواجب منها والمندوب والمباح، من قول مالك وغيره إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد. هكذا ذكره القابسي. انتهى] اهـ.
والذي عليه الفتوى أن سفر المرأة وحدها عبر وسائل السفر المأمونة وطرقه المأهولة ومنافذه العامرة؛ من موانئ ومطارات ووسائل مواصلات عامة، جائز شرعًا ولا حرج عليها فيه؛ سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا، وأنّ الأحاديث التي تنهى المرأة عن السفر من غير محرم محمولة على حالة انعدام الأمن، فإذا تَوَفَّرَ الأمن لم يشملها النهي عن السفر أصلًا.
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فيجوز للمرأة أن تسافر لأداء العمرة مع صحبة آمنة من غير أن يكون معها محرم.
والله سبحانه وتعالى أعلم"
بينما كان للملكة الوهابية رأي آخر حيث جاءت الفتوى السعودية بتحريم سفر المرأة دون محرم برقم " 122630: السفر بدون محرم للضرورة"
وتم نشرها على موقع الإسلام سؤال وجواب بتاريخ 17 أكتوبر 2008، جاء فيها " الحمد لله
الأصل الذي قررناه في فتاوى عدة أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بلا محرم، سواء كان السفر سفرَ قربة كالحج وزيارة الوالدين وبرهما، أو سفراً مباحا لغير ذلك من الأغراض.
وقد دل على ذلك النص والاعتبار، فمن ذلك:
1- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ أخرج مَعَهَا". رواه البخاري ( 1862 ).
وروى مسلم ( 1339 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لا يَحِلُّ لامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ". وقد رويت أحاديث كثيرة في النهي عن سفر المرأة بلا محرم وهي عامة في جميع أنواع السفر.
2- ولأن السفر مظنة التعب والمشقة، والمرأة لضعفها تحتاج لمن يؤازرها ويقف إلى جوارها، وقد ينزل بها ما يفقدها صوابها، ويخرجها عن طبيعتها، في حال غياب محرمها، وهذا مشاهد معلوم اليوم لكثرة حوادث السيارات وغيرها من وسائل النقل.
وأيضا: سفرها بمفردها يعرضها للإغراء والمراودة على الشر، لا سيما مع كثرة الفساد، فقد يجلس إلى جوارها من لا يخاف الله، ولا يتقيه، فيزين لها الحرام. فمن تمام الحكمة أن تصاحب محرما في سفرها ؛ لأن الهدف من وجود محرمها حفظُها وصيانتها والقيام بأمرها، والسفر عرضة لوقوع الأشياء الطارئة بغض النظر عن المدة.
قال النووي رحمه الله: "فَالْحَاصِل أَنَّ كُلّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَة بِغَيْرِ زَوْج أَوْ مَحْرَم" انتهى.
وقد حكى غير واحد من العلماء اتفاق الفقهاء على منع سفر المرأة بلا محرم، إلا في مسائل مستثناة.
حكم سفر المرأة دون
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال البغوي: لم يختلفوا في أنه ليس للمرأة السفر في غير الفرض ( الحج الواجب ) إلا مع زوج أو محرم، إلا كافرة أسلمت في دار الحرب أو أسيرة تخلصت. وزاد غيره: أو امرأة انقطعت من الرفقة فوجدها رجل مأمون فإنه يجوز له أن يصحبها حتى يبلغها الرفقة". انتهى من "فتح الباري" (4/76).
وسفر المرأة إلى الحج الواجب بلا محرم، اختلف العلماء في جوازه، والصحيح من أقوال العلماء: أنه لا يجوز، وسبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم 34380
هذا هو الأصل في هذا الباب، فليس للمرأة أن تسافر بلا محرم، ويجب أن يصحبها المحرم خلال السفر كله، ولا يكفي أن يوصلها زوجها إلى المطار ويستقبلها والدها في البلد الآخر، لكن حيث وجدت الضرورة فلا حرج ؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات.
وعليه، فإذا كان حصول زوجة صديقك على الجنسية الفرنسية يرفع عنها ضررا معتبرا، ولم يمكن لمحرمها مرافقتها في السفر، فلا حرج أن تسافر بمفردها على النحو الذي ذكرت، كما لا حرج أن تحصل على هذه الجنسية.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله: " ما حكم سفر المرأة وحدها في الطائرة لعذر، بحيث يوصلها المحرم إلى المطار ويستقبلها محرم في المطار الآخر؟
الجواب:
لا بأس بذلك عند المشقة على المحرم، كالزوج أو الأب، إذا اضطرت المرأة إلى السفر، ولم يتيسر للمحرم صحبتها، فلا مانع من ذلك بشرط أن يوصلها المحرم الأول إلى المطار، فلا يفارقها حتى تركب الطائرة، ويتصل بالبلاد التي توجهت إليها، ويتأكد من محارمها هناك أنهم سوف يستقبلونها في المطار، ويخبرهم بالوقت الذي تَقْدُمُ فيه ورقم الرحلة.. لأن الضرورات لها أحكامها، والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم "
انتهى من "فتاوى ابن جبرين".
هكذا يقع الجمهور فريسة لخلاف العلماء فعلى أي فتوى تسافر المرأة إن كان هذا يستند إلى ما يستند اليه الآخر من مرويات يعترف الاثنان أنها ظنية الدلالة والثبوت، تلك المرويات التي تسير حياة البشر المسلمين رغم ظنيتها، فهل من حل تطرحه هيئات كبار العلماء في البلدان الإسلامية؟