بوابة الحركات الاسلامية : "وحيد البلعوس"... شيخ الكرامة ومعارض "الأسد" (طباعة)
"وحيد البلعوس"... شيخ الكرامة ومعارض "الأسد"
آخر تحديث: الأحد 04/09/2022 11:00 ص حسام الحداد
وحيد البلعوس... شيخ
في يوم الجمعة الرابع من شهر سبتمبر 2015، رحل أبو فهد وحيد البلعوس الملقب بشيخ الكرامة، بعد استهدافه عبر انفجار سيارة مفخخة أثناء مروره في منطقة عين المرج على طريق ظهر الجبل بالقرب من مجمع سؤادا شرقي السويداء، ليلقى حتفه مع مجموعة من مشايخ الكرامة.

حياته

حياته
الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس ولد في 19 مايو 1965، ابن قرية صميد شمال مدينة السويداء، لكنه ولِد وترعرع في قرية المزرعة غربي السويداء.
سكن ضاحية جرمانا جنوب شرق دمشق خلال فترة خدمته في سلك الأمن السياسي ثمّ سلك الشرطة. وبعد تقاعده برتبة مساعد أول في بداية العقد الماضي، عاد إلى المزرعة، وامتهن العمل في البناء.
والتحق البلعوس بالتعليم في مشيخة عقل الطائفة، وبدأ يتحصل على العلوم الدينية لطائفة الدرزية ومعها يتدرج في الرتب الدينية للمشيخة.

شيخ الكرامة:

شيخ الكرامة:
والبلعوس هو رجل دين في الطائفة الدرزية، ولم يكن معروفاً قبل العام 2011، وبدأ يظهر اسمه عندما بدأت حركات تسليح المشايخ الذين عرفوا باسم "مشايخ الكرامة"، الذين وضعوا نصب أعينهم دفع الحرب عن جبل الدروز في السويداء وحماية أهله، رافضين الزجّ بشباب السويداء قسراً في الخدمة العسكرية إلى جانب النظام السوري.
وقد شكّل البلعوس في 2014 تجمّع "مشايخ الكرامة" مع مجموعة من مشايخ الطائفة الدرزية الشباب في السويداء، من دون أن يؤدي ذلك لتصادمه مع مشيخة عقل الطائفة الدرزية في المحافظة، على الرغم من خلافاته معها ومحاولات المشيخة تحجيمه، والتي باءت جميعاً بالفشل.
لم يهدف البلعوس من تأسيس تجمّع "مشايخ الكرامة" إلى منافسة مشيخة عقل الطائفة أساساً أو أخذ مكانها، بل كان التجمّع يهدف إلى تنسيق جهود المشايخ الشباب في الطائفة الدرزية، لحماية أبناء محافظة السويداء من أي اعتداءات من تنظيم "الدولة" (داعش)، أو الفصائل المنتشرة في محيط المحافظة أو انتهاكات من قبل قوات النظام المنتشرة داخلها. وتطوّر الأمر في ما بعد إلى حماية التجمّع لشباب محافظة السويداء من إجبار النظام لهم على الخدمة الإلزامية في صفوف قواته.

معارض الأسد:

معارض الأسد:
وتميّز التجمّع بأنه أكثر جرأة من مشيخة عقل الطائفة الدرزية، ولم يتعامل بدبلوماسية مع مؤسسات النظام الأمنية والإدارية الموجودة في السويداء. وتميزت مواقفه تجاه مؤسسات النظام بالحسم وعدم التهاون مع أي انتهاكات تُرتكب ضد أبناء محافظة السويداء.
وحصل البلعوس، والذي يلقّبه أبناء السويداء بـ"أبو فهد"، على شعبية كبيرة في أوساط أبناء الطائفة الدرزية، انطلاقاً من مواقفه الثابتة برفض الاعتداء على أبناء السويداء وأملاكهم وأراضيهم، ليجتمع حوله عدد كبير من مشايخ الطائفة الدرزية الشباب، من مختلف المشارب المعارضة والمؤيدة والحيادية تجاه النظام السوري.
وكان أول صدام بين النظام والبلعوس قد حصل خلال الانتخابات الرئاسية في شهر يونيو 2014، عندما أجبر الأمن امرأة تعاني من اضطراب عقلي من السويداء على حمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد والرقص بها، عندها تدخل البلعوس وعدد من رجاله وقاموا بتكسير الخيمة الانتخابية.
وبعدها بادر البلعوس، بتحريض الأهالي على الخطف المضاد، مع كلّ حادث خطفٍ مقابل فدية، واتهام الدولة ورئيس فرع الأمن العسكري في السويداء ودرعا العميد وفيق ناصر بـ«عدم طرد البدو»، على قاعدة أن «كل البدو يتعاونون مع المجموعات المسلّحة، ويشكّلون خطراً على القرى». وغالبية عمليات الخطف المضاد على خطف أبرياء من السويداء، كانت تطال أبرياء من أهالي حوران والبدو، ما أزعج المؤسسة الدينية والدولة معاً، علماً بأن معظم المخطوفين من أبناء السويداء تُركوا مقابل فدية ولم يُطلقوا في عمليات تبادل.
وانتقل البلعوس في تحريضه شباب السويداء إلى مرحلة الدعوة لعدم الالتحاق بصفوف الجيش، واحتضن بعض رافضي الخدمة، ودعا إلى التسلّح بمعزلٍ عن التشكيلات العسكرية والأحزاب التي تنسّق عملها مع الجيش. 
وقد لقي خطاب رفض الخدمة استحساناً وسط شريحة الشباب، كما يحصل في مناطق أخرى بفعل قسوة الحرب، علما بأن عدداً كبيراً من أبناء السويداء يقاتلون في صفوف الجيش السوري على خطوط النار إلى جانب أبناء المحافظات الأخرى.
غير أن المحطّة الأبرز في سياق حركته تمثلت في «العراضة» المسلّحة التي أقامها البلعوس مع عدد من رجاله أمام مقام عين الزمان قبل نحو 10 أشهر، على خلفية إشكال في خيمة انتخابية للانتخابات الرئاسية، واعتقال الأمن العسكري أحد المقرّبين منه بتهمة تجارة السلاح.
اكتسب البلعوس الزخم الأكبر في الأشهر الماضية، بعد استفحال الأزمة المعيشية وشحّ المحروقات في المحافظة، واتهم الدولة «بأنها تعاقب السويداء بحرمانها من المحروقات»، علماً بأن الأهالي يعزون السبب إلى الحرب وإلى دور «تجّار الأزمات».

مواجهة "جبهة النصرة":

مواجهة جبهة النصرة:
كما أن معركة داما في أغسطس 2014، شكّلت مفصلاً حدّد شكل العلاقة بين البلعوس والنظام السوري. وقاد البلعوس المعركة إلى جانب قوات الجيس السوري ضد "جبهة النصرة"، بعد اقتحام مسلحي «النصرة» وبعض البدو لقريتَي داما ودير داما، وقتلهم عدداً من الأهالي والأطفال.
وبعد انتهاء المعركة، اتّهم البلعوس قوات النظام بخيانته وغدره وإطلاق الرصاص على رجاله من الخلف، ما أدى لمصرع خمسة منهم.
فصار يتحدث عن أن الجيش السوري لم يتدخّل، وأن جماعته تولت تحرير البلدة، قبل أن يحظى بعد المعركة بلقب «شيخ الكرامة»، علماً بأن «الموازين العسكرية لا تسمح بذلك من دون دعم الجيش، بالإضافة إلى أن أغلبية الفصائل في المحافظة اشتركت في المعركة ومن ضمنهم مشايخ خارج حركة البلعوس، وبدعم واضح من مدفعية الجيش وسلاح الجو».
وأما الموقف الأهم الذي صدر عن الشيخ البلعوس، فكان رفض أي فتنة مذهبية أو طائفية في الجبل، مؤكداً في أكثر من مناسبة أن "كل عرض في الجبل أكان سنياً أو شيعياً أو علوياً أو مسيحياً أو درزياً هو في حمايتنا"، مشدّداً على رفض أي فتنة مع الجوار.
ولقد كانت حادثة حاجز المزرعة التابع للمخابرات الجوية في يناير 2015حدثاً مفصلياً في تاريخ السويداء والشيخ البلعوس إذ وبعد اعتداء الحاجز على أحد الباصات وإهانته لبعض الركاب فيه قام أنصار الشيخ البلعوس غير المسلحين باقتحام الحاجز وإزالته ليدخل الشيخ البلعوس بعدها في مواجهة مفتوحة ليس فقط مع نظام الأسد بل مع مشيخة الطائفة، وعندما أدلى بتصريحات نارية ضد الأسد، اتهمه فيها ببيع سورية لإيران والسعي إلى تقسيمها، قامت أجهزة أمن النظام بالضغط على مشيخة العقل، وهي المرجعية الرسمية لدروز سورية، والتي قامت بدورها بإصدار بيان موقع من شيوخ العقل حمود الحناوي، ويوسف جربوع، وحكمت الهجري، ويقضي بتوجيه البعد الديني" إلى وحيد البلعوس وأتباعه".

الإبعاد عن المؤسسة الدينية:

الإبعاد عن المؤسسة
وتحرك مشايخ العقل الثلاثة في مواجهة هذه الظاهرة، وأصدروا في 30 2014 قراراً بإبعاد البلعوس وأتباعه عن المؤسسة الدينية، بسبب «تكرار الحوادث المخلّة بالدين وآدابه، والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدينية». 
و تشاوروا المشايخ الروحيين، وعقدت اجتماعات دُرس خلالها الموقف، ومخاطر ما يدعو إليه البلعوس، ومخاطر تفلّت الأمن في المحافظة في حال استمرار استهداف هيبة الدولة والقانون. 
 حيث علل الموقعون على البيان قرارهم هذا «بتكرار الحوادث المخلة بالدين وآدابه، والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدينية»، وهو ما يفسر بياناً سابقاً منسوباً لنفس المشيخة يرفض أي إساءة لقائد الوطن والجيش العربي السوري حامي حمى الأوطان.
أوضح المشايخ الثلاث في بيان لهم، سبب قرار بمعاقبة الشيخ وحيد البلعوس وآخرين بإبعادهم عن الدين، بأنه جاء لخروجهم عن مسار الطائفة، حيث يعتبر «البَعد الديني» نزعا لصفة «المشيخة» عن رجل الدين، وحرمانه من حضور مجالس رجال الدين وممارسة طقوسهم وشعائرهم. واستبقت مشيخة العقل قرار إبعاد البلعوس عن الدين ببيان تبرأت فيه من مواقفه المناهضة للنظام والتي اعتبرتها «من المخالفات والمظاهر الخاطئة في تربيتنا الدينية والأخلاقية والاجتماعية والوطنية». وأدانت التصريحات والمقاطع المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي وقالت: «إنها تعبر عن رأي أصحابها فقط ولا تعبر عن رأينا تلك الأعمال البعيدة عن قيمنا وأخلاقنا المعروفية الأصيلة». وأكدت مشيخة العقل على أن «هناك ثوابت لا تسمح المساس بها أو التعرض لها بالسوء، وهي: الوطن وقائد الوطن والدولة ومؤسساتها والجيش العربي السوري حامي حمى الوطن والثوابت الوطنية والعيش المشترك والسلم الأهلي».
البلعوس فوجئ بقرار إبعاده، وجرى الحديث عن تباينات بين مواقف المشايخ الثلاثة، وخلاف بين الحناوي وجربوع من جهة، والهجري من جهة ثانية، وأن الحناوي وقف إلى جانب البلعوس. وذلك ربطاً بأن الحناوي كان حاضراً وصامتاً عندما أطلق البلعوس مواقفه الأخيرة. كذلك أصدر البلعوس بياناً عقب بيان المشايخ، وجّه فيه تحيّة للحناوي في محاولة لإظهاره كطرفٍ في مقابل جربوع والهجري.
بيان المشيخة هذا كان قد سبب انقساماً داخل الطائفة حيث استنكر عدد من الشيوخ الدروز هذا القرار وأعلنوا وقوفهم إلى جانب شيخ الكرامة، فأصدر ما يُعرف "بجماعة عمار بن ياسر"، بياناً أكدت فيه دعمها للبلعوس ورفضها قرار توجيه البعد الديني له. قائلة إنها لا تقبل أن يصبح العلويون معياراً للوطنية، ووجهت من خلال البيان إنذاراً للأسد تطالبه فيه بسحب زعرانه من السويداء.

اغتياله

اغتياله
وفي 4 سبتمبر استهدفت عبوة ناسفة موكب شيخ الكرامة وحيد البلعوس، في منطقة ظهر الجبل في مدينة السويداء؛ ما أدى إلى مقتله على الفور، وهو أبرز شيوخ الكرامة في الطائفة الدرزية.