كان الإخوان، بتوجيه حسن البنا، يبحثون عن دعم ملكي لمواجهة شعبية الوفد وسيطرته على الشارع السياسي، وكان الملك ومستشاره يبحثون عن كل القوى التي تنادى الوفد وتستطيع أن تهدد قوته وتشق صفوفه.
العداء للوفد هو المشترك الأكبر الذي جمع بين الإخوان والقصر الملكى، لكن أزمة الإخوان في تصورهم أن العلاقة ندية متكافئة، ولم يكن الملك ورجاله يرون فيهم إلا أداة لتخويف الوفد.
ولقد استمر تأييد الإخوان للقصر والملك حتى سقط النظام كله، ومن ناحيته، أسدى الملك ورجاله خدمات جليلة للبنا وجماعته، لكن التحالف لم يكن مبدأياً أو قائماً على أسس تصلح للبقاء، ولم يكن إلا تعبيراً عن الاتفاق حول ضرورة العمل من أجل إضعاف الوفد.
كان منطقياً أن يكون التوتر هو السائد الحاكم في علاقة الإخوان المسلمين مع الوفد، فالأمر في حقيقته صراع بين مدرستين مختلفتين واتجاهين متنأقضين..
البدايات الأولى للإخوان لا تنم عن عداء صريح للوفد، لكن موقفهم اتسم بالسلبية عندما خاض الوفد معركته ضد ديكتاتورية محمد محمود وصدقى، وارتقى الأمر إلى درجة العداء العلنى الصريح في منتصف الثلاثينيات .
كانت بداية هجوم الإخوان على الوفد في عام 1935، عندما أبدى الزعيم مصطفى النحاس إعجابه بالزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، وراى فيه عبقريا يفهم المعنى الحقيقي للدولة الحديثة، التي تستطيع أن تعيش وتنمو في ظل المتغيرات الدولية.
هاجم البنا أتاتورك والنحاس معاً، واتهم الوفد بأنه لم يحقق شيئاً من آمال المسلمين عبر حكوماته المتتالية.
واللافت للنظر هنا، استخدام البنا لكلمة "المسلمين" وليس "المصريين"، ذلك أن برنامج الوفد لا يشير من قريب أو بعيد إلى الدفاع عن مصالح المسلمين، والتركيز كله على المصريين دون نظر إلى دياناتهم .
وتكرر الهجوم على الوفد وزعيمه بعد توقيع معاهدة سنه 1936، وقال الإخوان إنها معاهدة مشئومة تخدع المصريين.
واتهم الإخوان حزب الوفد بمعارضته تطبيق الشريعة الإسلامية، وانحازوا في كل الصراعات بين الوفد والملك إلى مصلحة السراى، وهو ما دفع بعض الصحف الوفدية إلى التحذير من مخاطر صعود الإخوان، وأثارت من جديد قضية الفصل بين الدين والدولة.
وقد استمر الإخوان في معاداة الوفد والانحياز إلى السراى، وبخاصة أن كثيراً من الرؤى الملكية تتوافق مع الفكر الإخواني، وبخاصة فيما يتعلق بالموقف السلبي من الدستور والحكم البرلماني والنظام الحزبي. ولم يتورع البنا عن الهجوم على الزعيم سعد زغلول، وثورة 1919 بالتبعية، ورأى فيه زعيماً حيث لا زعيم!
وقد ألف حسن البنا بالإسماعيلية أول فرقة للرحلات وكان يزاول تدريبها بنفسه على بعض التمرينات الرياضية التي كانت تزاول في المدارس، وبعد انتقال مركز الإخوان إلى القاهرة عين مكتب الإرشاد مدرباً بمكافأة ليتفرغ لتنظيم هذه الفرق وبفضل ممارسة التدريبات الرياضية والأنشطة الاجتماعية فقد نمت هذه الفرق بصورة منتظمة حتى كان المؤتمر الثالث عام 1935والذي اهتم بالتنظيم فوضع قواعد للعمل التنظيمي ومن هذه القواعد تنظيم تشكيلات الجوالة، وبعد المؤتمر الثالث تكثفت الجهود للتوسع في إنشاء فرق الرحلات (الجوالة) فزاد عددها واعتبرت تنظيماً وهيكلا مستقلا تابعا للمركز العام مباشرة. ومما أشعل الحماسة للتوسع في تكوين هذه الفرق ما كان يشاهد في شوارع القاهرة من استعراض الوفد لفرق القمصان الزرقاء واستعراض مصر الفتاة لفرق القمصان الخضراء، وكان لا بد للإخوان هم أيضاً من فرق، لردع خصومها. وفي عام 1936 استطاع الإخوان حشد ما يقرب من عشرين الفا من جوالتهم في استعراض للقوة احتفالاً من جانبهم بمناسبة اعتلاء الملك العرش.
ومع انعقاد المؤتمر الخامس 1938، والذي حدد الطبيعة الشاملة للجماعة، دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقية صوتية ومنظمة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية، هذه الأفكار جعلت من فرق الجوالة، وهي فرق رياضة اجتماعية، دوراً رئيساً لتطبيق هذه الطبيعة الشاملة.
ويقدر نجاح الجماعة في زيادة عدد فرق الجوالة بقدر ما تقترب من خطوة التنفيذ الأخيرة، ولقد ربط البنا بين هذه الأعداد وبين خطوة التنفيذ .
وفي اهتمام خاص بفرق الجوالة، اختير لها أخلص شباب الجماعة، كما عين لها قائد عاماً سنة 1939 وهو الصاغ محمود لبيب وتكون لها مجلس قيادة من سبع أشخاص واهتمت القيادة بصقل الأعضاء وتدريبهم وتعويدهم الطاعة التامة، ولقد أفادت التحالفات السياسية مع القصر والحكومة الأقلية بالحفاظ على تشكيلات الإخوان المسلمين على الرغم من أن حكومات الأقلية ألغت القمصان الخضراء والزرقاء .
في خريف 1937، وإلى جانب الجوالة، تم إنشاء كتائب (أنصار الله)، والكتائب عبارة عن مجموعة تضم كل منها أربعين عضواً من الأعضاء النشطين كما بدأ البنا في تكوين ثلاث كتائب: الأولى من العمال والثانية من الطلبة والثالثة من الموظفين والتجار، وكانت كل كتيبة تلتقى على حدة في ليلة محددة، وتمارس أكبر قدر ممكن من صلوات الفرد والجماعة والتسبح وتلاوة القرآن وتفسيره وأقل قدر من النوم، والهدف الأخير من هذه التربية كان جوهره الالتزام المطلوب من العضو والذي يتلخص في ثلاث كلمات : العمل والطاعة والصمت، ويبدو أن الجوالة والكتائب كانت مرحلة يستخلص فيها البنا من هذين التشكيلين أخلص الخلصاء وانقى الأنبياء والأكثر طواعية من أعضائهما لتكوين تنظيم عسكري جديد يكون أكثر انضباطاً وهو ما عرف بالجهاز الخاص.