بوابة الحركات الاسلامية : مفتي مصر الأسبق وحبس مفهوم تجديد الخطاب الديني في الأسلوب (طباعة)
مفتي مصر الأسبق وحبس مفهوم تجديد الخطاب الديني في الأسلوب
آخر تحديث: السبت 29/10/2016 03:57 م
حسام الحداد
طالب الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، بمنع غير المتخصصين في العلوم الشرعية بالتصدر لإطلاق الفتاوى سواء كانت على الفضائيات أو في المساجد.
وأضاف أن كل الجماعات الإرهابية نشأت برعاية صهيونية عالمية، تمدها بالمال والسلاح، وتقتطع نصوصا وآراء من كتب التراث لبعض العلماء، لتلصقها بالدين وتصفها بأنها هي الشريعة ذاتها، مؤكدًا أن تجديد الخطاب الديني لا يعنى تجديد الدين، ولا الأحكام الشرعية الثابتة، بل هو تجديد أسلوب الإلقاء فقط، 
 وحول ان قانون الفتوى المزمع تقديمه لمجلس الشعب للموافقة عليه يعد نوعا من احتكار الدين لمؤسسة بعينها قال الدكتور نصر: "لا، هذا الكلام ليس صحيحًا ولا يمت للاحتكار بصلة، وإذا قلنا بأنه احتكار للدين، فلنسمح لغير الأطباء بممارسة مهنة الطب، ونقول وقتها إن الطب ليس بالشهادات، وأن الأولين كانوا يمارسون الطب بدون مؤهلات وبغير أن يدخلوا الجامعات المخصصة لعلوم الطب والصيدلة، كذلك الهندسة، فلا يجوز لأى إنسان أن يفتح مكتب هندسة ويقول إنه يملك خبرة في العلوم الهندسية وقادر على تأسيس المنشآت والأبنية والعمارات، إذن فقضية التخصص هذه هي من أمور الحياة والتقدم والتطور، والله يقول في كتابه الكريم: «واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وبناء عليه هناك أهل الذكر في الأحكام الشرعية وأصول الدين، وهناك أهل الذكر في علوم الطب والصيدلة، وهناك أهل الذكر في العلوم الهندسية، فكيف نبخس الدين حقه ونصدر غير المختصين للدعوة؟
وهنا يقوم الدكتور نصر باجتزاء الآية من سياقها حيث ان الله عز وجل في هذه الآية يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم حول عدم المصدقين لدعوته حيث يقول تعالى لنبيه في سورة النساء "  وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( 7 ) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ( 8 ) ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين ( 9 ) ". وفي تفسير ابن كثير، يقول تعالى رادا على من أنكر بعثة الرسل من البشر : ( وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم ) [ ص: 334 ] أي : جميع الرسل الذين تقدموا كانوا رجالا من البشر ، لم يكن فيهم أحد من الملائكة ، كما قال في الآية الأخرى : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى ) [ يوسف : 109 ] ، وقال تعالى : ( قل ما كنت بدعا من الرسل ) [ الأحقاف : 9 ] ، وقال تعالى حكاية عمن تقدم من الأمم أنهم أنكروا ذلك فقالوا : ( أبشر يهدوننا ) [ التغابن : 6 ] ; ولهذا قال تعالى : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) أي : اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف : هل كان الرسل الذين أتوهم بشرا أو ملائكة؟ إنما كانوا بشرا ، وذلك من تمام نعم الله على خلقه; إذ بعث فيهم رسلا منهم يتمكنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم . ومن هنا يتضح لنا اذا اعتمدنا التفاسير القديمة التي يريد الدكتور نصر اتباعها في الأحكام نجد ان اهل الذكر تم حصرهم في أهل العلم بالديانات السابقة كاليهود والنصارى وليس كما يفسر ذلك الدكتور نصر فريد واصل، بأن أهل الذكر هؤلاء هم أهل التخصص في كل مجال، وهم نخبة كل علم وكباره، فهناك أهل الذكر في الزراعة، وهناك أهل الذكر في الصناعة، وهناك أهل الذكر في الثقافة، وهناك أهل الذكر في التجارة والاقتصاد، ومن يتكلم في الدين بدون مؤهلات كبيرة، يكون ذلك في إطار ما يسمى بالثقافة العامة. وهنا يؤكد نصر فريد واصل على التخصص في الدراسات الدينية وربما نكون معه اذا كان الدين وفهمه مقصورا على فئة معينة او جماعة معينة وليس لعامة المسلمين وهنا يؤكد الدكتور نصر فريد واصل على خصوصية المعرفة الدينية وبالتالي نظل دوما في حاجة الى رجال دين يملكون الدين ويحتكرونه ولا يكون الدين متاحا الا لهم فتنتفى العلاقة بين العبد وربه الا من خلال وسيط وهو الشيخ او الامام، وهذا ما يتنافى مع ما تعلمناه من الدين منذ طفولتنا بان الدين الاسلامي ليس به رجال دين وان فهم القرآن والسنة متاح لكل من عرف اللغة العربية لذلك قال تعالى في سورة يوسف الآية (2) " إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" فلم يخص أحد بتعقل القرآن فهو نزل للناس كافة ليس لفئة او جماعة من رجال الدين او الشيوخ.
ويستكمل الدكتور نصر فريد واصل حديثة بان الفارق بين ما سميته بـ«الثقافة العامة».. وأهل الذكر بان هؤلاء يمكن أن تكون لديهم ثقافة عامة بالصناعة والزراعة، والدين، لكن هذه الثقافة العامة غير متخصصة، إنما الحكم الشرعي يبنى على التخصص الدقيق في الشرع، ومن هنا ليس متاحًا لأى إنسان أن يقول أنا عندي قدرة على معرفة علوم الدين، وأنا قرأت كتب التفسير وكتب الحديث وكتب الفقه، وكتب كبار العلماء في أصول الدين، وحافظ للقرآن الكريم، وبالتالي فهو يقول: ما الفرق بيني وبين خريج الأزهر المتخصص الحاصل على الدكتوراه؟ فهذا الشخص (مدعى العلم) يقول إنه مثله مثل الأزهريين، لكن هذا ليس صحيحا، بل إنه أمر كبير جدًا يضر بالدين.
ويستطرد في الرد على ان العلم الشرعي ليس بالشهادات فيقول: نحن لم نقل إنه أصبح بالشهادات، نحن نقول إنه يملك التأهيل التخصصي الدقيق، وكان هذا التخصص يعرف قديما بالإجازة، والأخيرة معناها، أنه بعد أن يحصل على عصارة علوم الشرع من التفسير والحديث والقفه والعلوم اللغوية من النحو والصرف والبلاغة والشعر، فيجرى له نوع من الامتحانات يختبره فيها شيخه، وبناء عليه يقرر أن يمنحه الإجازة من عدمها، إذن كان في الماضي أيضًا تخصص ومتخصصون، ولم تكن الأمور شائعة، لكن الآن تم تنظيم هذا الأمر، وأصبحت له مؤسسات علمية سواء كانت مؤسسات للصناعة أو للتجارة أو للعلوم الحديثة، وكذلك العلوم الدينية التي لا تقل بحال من الأحوال عن العلوم الأخرى، إن لم تكن أفضل العلوم لأنها متعلقة بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، وهذه المؤسسات كلها بدأت تأخذ بالقواعد العلمية الحديثة كي تخرج متخصصين مؤهلين في كل مجال، والعلوم الشرعية كذلك لا تبعد عن هذا، فلا بد أن تحترم كذلك، ولا يدعى مدعٍ أن هذا نوع من احتكار الدين أو الشرعية، بل هو تكريم وحفظ للدين من غير المتخصصين، ولذلك نحن نقول إن الشخص الذى يسمح له بالفتوى هو الذى يحصل على درجة العالمية في مجال الفقه، فهو أخذ مفتاحا واحدا فقط، أي قبل الدكتوراه فهو يمتلك ثقافة عامة وغير مسموح له بالفتوى، فبعد أن يأخذ الشخص رسالة العالمية يكون مسئولا عن نفسه في الخطأ والصواب، وله حق الاجتهاد، «اشمعنا الدين اللي يبقى مشاع، الدين عقيدة وشريعة لكل شخص، فإصدار الأحكام في الشرع والعقيدة على غيرك أمر خطير جدًا».
وهنا يربط الشيخ نصر فريد واصل بين العلوم التجريبية والدراسات الدينية وكأنه لا يعلم ان من أهم سمات العلم قابليته للصواب والخطأ وثاني أهم هذه السمات قابلية النظرية العلمية للتجريب في مختبر ومن هنا تنتفي صفة العلم عن الدراسات الدينية ومنها ما يطلق عليه علوم القرآن فتدقيقا للمصطلح ان كان يريد التحدث عن التخصص والعلم من المفترض ان نقول دراسات دينية او دراسات قرآنية بدلا من علوم الدين او علوم القرآن هذه من ناحية ومن ناحية أخرى كما قلنا في السابق ان الدين ليس حكرا على جماعة او فئة دون جماعة او فئة اخرى فلم يكن احد من القدماء متخصص في شيء فكانوا ادباء وشعراء وفقهاء.. الخ هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان المجتهد المخطئ له أجر ونعتقد ان اطلاق الرسول الكريم لهذه القاعدة انما لتشجيع القوم على الاجتهاد في فهم كتاب الله عز وجل واتاحة الفرصة للناس جميعا في تدبر الكتاب وعدم اقتصار هذا التدبر على فئة معينة.
واذا كان التجديد في الاسلوب وليس في الاحكام الثابتة كما يقول الدكتور نصر، فما موقفه من عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما اوقف حد السرقة في عام الرمادة ولم يعطي سهم الزكاة للمؤلفة قلوبهم رغم ان القرآن الكريم نص على الاثنين، فان هذين الموقفين من امير المؤمنين عمر بن الخطاب انما يثبت للجميع ان الأصل هو الواقع وان مصلحة المسلمين تفوق أي شيء آخر وان الأحكام التي في القرآن انما هي للاسترشاد  وليس للإطلاق او لتثبيت المجتمع عند لحظة تاريخية لا يتعداها فكانت الآيات القرآنية تتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم لمناقشة حالة بحالة وتتغير الأحكام طبقا للسياق التاريخي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي وهذا كثيرا ما نجده في القرآن الكريم، ومن هنا جاءت الدعوى لتجديد الفكر الديني، وليس فقط الخطاب الديني، تجديد الوعي بالقرآن وفهمه فهما جديدا يتلاءم مع العصر الذي نعيش فيه.