نالت القضية الفلسطينية واحتلال اليهود لها جزءًا من كبير من موقاف الزهاوي الخرايجة وهي الورقة التي لعبت بها كل التيارات الإسلامية بمختلف مذاهبها دون تفقديم وقفة حقيقة لتحرير فلسطين.
في 27 من رجب 1372هـ في ساحة المسجد الأقصى، حضر الزهاوي المؤتمر الإسلامي للنظر في قضية فلسطين باعد احتلال اليهود لها، وكان الداعي إلى المؤتمر الشيخ محمد عبد اللطيف دراز رئيس جبهة الكفاح لتحرير الشعوب الإسلامية، باسم الجمعية، التي مقرها في القاهرة، وهو مؤتمر شعبي مبرأ من وصمات السياسة التي فرّطت في حقوق المسلمين، وأكسبتهم عاراً لا تمحوه سوى الدماء.
حضر الزهاوي هذا المؤتمر بصفته رئيساً لجمعية إنقاذ فلسطين، ومعه سكرتير الجمعية الشيخ محمد محمود الصواف، وتخلّف الداعون إلى المؤتمر، فبادر الشيخان، الزهاوي والصواف إلى تبني فكرة المؤتمر، وصارا أصحابها، وجمعا العلماء والخطباء وشباب الدعوة الإسلامية من الإخوان المسلمين، وعقد الجميع اجتماعات متواصلة، وتشاوروا وتذاكروا في قضية فلسطين، وقضايا المسلمين، وقد أسفر عملهم عن تأسيس مكتب دائم في القدس أسموه: مكتب الإسراء والمعراج، ليكون نقطة التقاء وارتكاز وانطلاق.
ثم عاد الوفد العراقي إلى بغداد، وقد صمموا أن يتجهوا- بعد الله تعالى- إلى الشعوب الإسلامية، وأعلنوا يأسهم من الحكام ومن تصرفاتهم الخائبة التي نكّست رءوس العرب، وفضحتهم في العالمين، واعتبروا القضية الفلسطينية هي قضية الإسلام الكبرى في هذا العصر، ومن الممكن أن تكون المنطلق الصحيح لخدمة قضية القضايا في مشكلات المسلمين، وهي قضية الإسلام نفسه.
قررت جمعية إنقاذ فلسطين الدعوة إلى المؤتمر الإسلامي بمناسبة شهر المولد النبوي الشريف من 27 ربيع الأول حتى الثالث من ربيع الثاني 1373هـ (3/12/1953) واستطاع الزهاوي جمع الأموال لهذا المؤتمر من الحكومة العراقية، ومن التجار الأغنياء العراقيين، ووجّهوا الدعوة إلى قادة العالم الإسلامي.
وقد حضر المؤتمر 75 شخصية أغلبهم قيادات بجماعة الإخوان المسلمين على رأسهم، سيد قطب، وعصام العطار، وعلال الفاسي، والقليبي، والورتلاني، والأميري، وسعيد رمضان، وكامل الشريف، ومحمد عبد الرحمن خليفة، وسواهم من القادة، واعتذر قادة آخرون.
وأعلن المؤتمر بطلان الوضع الذي أحدثه اليهود في فلسطين من تقسيم واحتلال وتشريد للفلسطينيين، وغصب لحقوقهم. واعتبار الصلح مع إسرائيل، أو التعامل معها خيانة عظمى، والتفكير في تدويل القدس مؤامرة استعمارية يقف العالم الإسلامي في وجهها.. إلى آخر ما هنالك من قرارات وتوصيات لو عمل العرب والمسلمون بها، لكانت الحال غير الحال، وكان للزهاوي جهود مبرورة هائلة في انعقاد المؤتمر الذي اختاره رئيساً دائماً له بالإجماع، ثم انطلق في رحلة استمرت سبعة أشهر طاف فيها عدداً من البلدان الإسلامية، والتقى الكثير من القادة والمفكرين الإسلاميين، وجمع الأموال، واستجاش العواطف، واستثار العقول من أجل هذه القضية الكبرى التي خانها من خانها، وتآمر عليها من تآمر، فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ودولياً.
وكان يكاتب الملوك من أجل هذه القضية، ومن أجل قضايا المسلمين الأخرى، فقد كتب إلى الملك سعود، والملك محمد الخامس، والملك إدريس السنوسي، والرئيس السوداني، والرئيس الباكستاني محمد أيوب خان، والملك فيصل وسواهم.
وكان يراسل ويلتقي رجال الإسلام، ويدعوهم إلى التعاقد على نصرة الإسلام والمسلمين حيث كانوا، وخاصة القضية الفلسطينية، ويدعوهم إلى الجد في العمل، والإخلاص فيه، وأن يكون هدفهم الأول استرجاع فلسطين العزيزة، وأن يبذلوا في سبيلها كل غال ونفيس، وكان يخاطب العاملين لنصرة فلسطين بقوله: «إخواني لا تهتموا بالمال، فإن الناس متى علموا صدق أعمالنا ونياتنا، فسوف يحملون المال على أطباق فوق رءوسهم، ويأتون به إلينا».
كما دعم ثورا الجزائر لتحرير من الاستعمار الفرنسي، وكانت له علاقة وثيقة مع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيس " جمعية العلماء المسلمين" فرع الإخوان المسلمين في الجزئر، ودعاه مرة لزيارة العراق وعمل من أجل جمع التبرعات للجزائر وزار عددًا من الدول لحشد التأييد لاستقلال الجزائر وطرد المستعمرين الفرنسيين.
وكان للمغرب حصة في فكر وممارسات الشيخ الزهاوي، وقد عمل مع الأستاذ علال الفاسي زعيم "حزب الاستقلال" المغربي منذ سنة 1953 على دعم المغرب.
كما كان للزهاوي صداقة مع الأمير عبد الكريم الخطابي قائد ثورة الريف المراكشي، وقد زاره في القاهرة ونسق معه الجهود الدعوية الحثيثة.
وقد سافر الشيخ الزهاوي إلى العديد من البلاد العربية والأسلمية للمشاركة في الندوات والمؤتمرات الدينية، فقد حضر المؤتمرات من أجل فلسطين خاصة، وقضايا المسلمين عامة، كقضية الجزائر وثورتها المظفَّرة، سافر إلى بلاد الشام، والحجاز، ومصر، وباكستان والهند، وشمال إفريقيا، وإندونيسيا، وماليزيا وغيرهم من البلاد الرعبية والإسلامية.
وفاته:
توفي الشيخ عصر يوم الجمعة، الرابع عشر من شعبان 1387هـ - 17/11/1967 وشُيّع جثمانه من داره في حي الوزيرية ببغداد، إلى مثواه الأخير في مقبرة الإمام الأعظم في حي الأعظمية في بغداد.