القاهرة متمسكة بوقف جماعة الإخوان المسلمين للعنف قبل الحديث عن مصالحة.
القاهرة - قضت محكمة النقض المصرية، الثلاثاء، بقبول الطعن المقدم من الرئيس الأسبق محمد مرسي ونائب المرشد العام للإخوان خيرت الشاطر و22 آخرين، على أحكام الإعدام والسجن المؤبد والمشدد الصادرة ضدهم في قضية “التخابر مع حماس”، وإعادة محاكمتهم.
وجاء الحكم، بعد أسبوع، من صدور حكم سابق قضى بإلغاء الإعدام الصادر بحق مرسي وعدد من أعضاء وقيادات الجماعة، في قضية سجن وادي النطرون.
وتساءل مراقبون عما إذا كان ذلك مؤشرا على رغبة الحكومة المصرية في إجراء مصالحة مع الإخوان وفق شروط معينة.
وأكد المراقبون أن الحكومة لم تغير من موقفها الثابت بضرورة أن يلتزم الإخوان وداعموهم بالخارج، بالكف عن مهاجمة مصر، وعدم اللجوء إلى ممارسة العنف.
وقالوا إن الإشارات التي صدرت عن الحكومة أكدت أنها ليست متعجلة للمصالحة، ما لم يبدأ الإخوان أولا بإبداء حسن النوايا، فليس هناك ما يجبر النظام برمته على التعجيل بها. لكن تلك الإشارات تقول، أيضا، إن الأحكام القضائية لن تحول دون المصالحة أو التفكير فيها.
وقللت مصادر لـ”العرب” من المبالغة في تأويل الخطوة القضائية، معتبرة أن إلغاء الحكمين ضد مرسي، جاء بسبب أخطاء وثغرات قانونية أثناء المحاكمات، ولا يمكن النظر إليه باعتباره مؤشرا على تغير في سياسة الحكومة ضد الإخوان.
وأضافت أن مراجعة الأحكام دليل على أن القضاء مستقل عن السلطة السياسية على عكس ما دأبت على ترويجه الجماعة.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد إن معظم القضايا التي أدين فيها الرئيس الأسبق (مرسي) وقيادات الإخوان المسلمين “اعتمدت فيها النيابة على تحريات أجهزة الأمن، وهذا في حد ذاته لا يكفي كدليل قانوني صحيح”.
وما زاد من الجدل، أن الأحكام صدرت في وقت دعا فيه نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، السبت الماضي، إلى إتمام “مصالحة” في مصر، وهي الدعوة التي ارتبطت بضغوط إقليمية من قبل أطراف عدة لتسوية الأوضاع السياسية بين الجماعة والحكومة المصرية.
وقال متابعون إن الأوضاع الإقليمية، تهيئ الظروف الداخلية في مصر لتهدئة سياسية مع الجماعة، لكنها ليست مصالحة، وأن تلك التهدئة لن تكون حلا نهائيا للمشكلة القائمة، لكنها فقط فرصة لالتقاط الأنفاس من جميع الأطراف.
طارق فهمي: المواءمات السياسية تعكس رغبة القاهرة في تبريد الموقف مع خصومها
وأضاف المتابعون أن جماعة الإخوان شعرت بأن دائرة الدعم الدولي تضيق من حولها، وتحديدا بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبالتالي فإن التوجهات الخارجية لن تصب في صالحها. كما أن دولا داعمة للإخوان مثل قطر وتركيا، تشعر بالحرج الدولي للاستمرار في احتوائهم، ما قد يلحق بهاتين الدولتين خسائر فادحة.
وكان النظام في مصر أبدى مؤخرا انفتاحا على قوى سياسية مدنية داخلية، تعتبر خصما قويا له، وتمثل ذلك في الإفراج عن الدفعة الأولى من الشباب السجناء، وقرب الإعلان عن ثاني الدفعات الأسبوع المقبل.
وقال طارق فهمي الخبير بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بالقاهرة، “إن هناك مناخا جديدا، يجري تشكيله داخل مصر، ما يفسح المجال أمام بعض المواءمات السياسية التي تعكس رغبة الحكومة في تبريد الموقف السياسي مع خصومها”.
وأضاف فهمي في تصريح لـ”العرب”، “أن بلورة هذه المواقف قد تكون بشكل قانوني، من خلال إقرار قانون العدالة الانتقالية الذي تجري مناقشته في دوائر مغلقة بالحكومة والبرلمان، بجانب الإفراج الرئاسي عن السجناء، مع فتح المجال أمام مشاركة سياسية بشكل أوسع في انتخابات المحليات المقبلة”.
واعتبر أن الحكومة المصرية ربما تكون أدركت أن التصعيد المستمر إلى ما لا نهاية، لن ينعكس سياسيا بالشكل المرجو، وأخذت في تغيير استراتيجيها لصالح تهدئة الأوضاع، بما يضمن سيطرتها على ميزان الوضع السياسي الداخلي.
وذهب البعض من المراقبين إلى حد التأكيد على أن الأوضاع السياسية والاجتماعية الصعبة التي تعاني منها مصر حاليا، بعد اتخاذ إجراءات اقتصادية تهدد بتزايد الغضب، دفعها إلى التفكير في ضرورة إفساح المجال أمام العديد من القوى.
ولم يكن الجدل حول الحكم الأخير مقتصرا على علاقة الحكومة المصرية بجماعة الإخوان، بل امتد ليشمل تغييرا في العلاقة مع حركة حماس التي يتهم مرسي بالتخابر لفائدتها، خاصة بعد طعن محكمة القضاء الإداري المصرية في اعتبارها منظمة إرهابية.
وتتجه القاهرة إلى عهد جديد في علاقاتها بالفصائل الفلسطينية وبينها حماس. وشهدت الأسابيع الماضية حراكا ملحوظا لتحسين الأوضاع في قطاع غزة، من خلال فتح معبر رفح البري بشكل أفضل من السابق، واستقبال قيادات بعض الفصائل للبحث عن حل للوضع الفلسطيني المتأزم.
(العرب اللندنية)