وفي 5 مايو 2016 أعلن رسميا عن بدء عملية "البنيان المرصوص" العسكرية لتحرير سرت بالكامل من داعش.
ومع مواصلة قوات الوفاق عملياتها ضد التنظيم، فقد بدأ الأخير في التراجع والتقهقر داخل سرت، حتي أصبح اليوم محاصرا في منطقة الجيزة البحرية السكنية الصغيرة، ولا يتجاوز عدد مقاتليه العشرات. كما أن البعض من العائلات النازحة بدأت في العودة إلى سرت.
وتمكنت قوات البنيان المرصوص في الأسابيع الأولى من تحقيق نجاحات مهمة ضد عناصر داعش، وسيطرت على معظم المدينة قبل أن يتباطأ تقدمها بشكل أثار العديد من التساؤلات خاصة وأن عناصر داعش لم يعد يسيطر سوى على ثلاث كيلومترات من مساحة سرت وتحديدا في منطقة الجيزة البحرية.
وتعود بداية الجماعات المسلحة في مدينة سرت عام 2011 حيث كانت آخر المعارك بين القوات الموالية لثورة 17 فبراير وبين كتائب نظام العقيد معمر القذافي، وهي معارك ضارية شاركت فيها أغلبية ما تعرف بـ"كتائب الثوار" من الشرق والغرب والجنوب الليبي.
وتمكنت آنذاك كتائب الثوار بعد قتال شرس دام أسبوعين، وانتهى آخر سبتمبر 2011، من السيطرة الكاملة على مدينة القذافي، الذي حكم ليبيا لأكثر من 42 عاما انتهت بمقتله عام 2011.
كما اتفقت هذه الكتائب في نفس الوقت على تسليم سرت إلى كتيبة ثوار مدينة سرت؛ باعتبارها الأقدر والأنسب لإدارة المدينة وحفظ أمنها، دون الانتباه إلى ميولها السلفية الجهادية.
وعلي الفور انصهرت كتيبة ثوار سرت، حسب بعض الروايات، في ما يعرف بـاللجان الأمنية العليا، وهو جسم أطلقه أواخر عام 2011 المجلس الانتقالي الليبي،الذي تولى إدارة شؤون البلد عقب إطاحة الثورة الشعبية بالقذافي، بهدف استيعاب الكتائب المسلحة التي انتشرت إبان الثورة.
وتقدر مصادر ليبية أن انصهار الكتيبة في اللجنة لم يكن اقتناعا بالدولة الليبية أو انتماء لها، بل كان للاستفادة من الإمكانيات التي وفرتها الدولة لهذه اللجنة الأمنية.
واستمرت في المدينة كتيبة شهداء الزاوية، إلى جانب كتيبة ثوار سرت، بقيادة صالح أبوعليقة، أحد الضباط السابقين في الجيش الليبي، والذي انشق عن نظام القذافي وانضم إلى الثورة، وهي كتيبة من مدينة بنغازي (شرق) وصلت إلى سرت؛ للمشاركة في المعارك ضد كتائب القذافي، ثم قررت البقاء في المدينة.
ومع بداية 2013، دخلت سرت كتيبة ثالثة، وهي "كتيبة الفاروق"، ذات التوجهات الجهادية، والتي جاءت من مدينة مصراتة (شمال غرب)، وعلى رأس الكتيبة أحمد التير؛ وذلك بعد فشلها في الترويج للتيار الجهادي بين شباب مصراتة، حيث مثلت هذه الكتيبة ذات التوجهات الجهادية دعما لـ"اللجنة الأمنية في سرت"، التي تحمل التوجه الجهادي نفسه، قبل أن تقرر القوتان، منتصف 2013، الانصهار تحت راية ما بات يعرف بـتنظيم “أنصار الشريعة”، الذي يتبنى تفسيرا متشددا للشريعة.
وأصبحت سرت منقسمة بين جهتين أمنيتين، وهما أنصار الشريعة، بقيادة أحمد التير المكنى بأبي علي، وكتيبة شهداء الزاوية، بقيادة الضابط السابق في الجيش الليبي، صلاح أبوحليقة، وعلي الفور بدأت الصراعات لتصل في إحداها إلى مقتل ما يسمى بـأمير أنصار الشريعة، أحمد التير، يوم 3 أغسطس 2013؛ مما أجج قتالا بين القوتين انتهى بعودة كتيبة شهداء الزاوية إلى بنغازي، في مارس 2014؛ لتصبح مدينة سرت بالكامل تحت سيطرة أنصار الشريعة.
وظل تنظيم أنصار الشريعة في سرت، حتى أواخر يونيو 2014، حتي تاريخ إعلان أبوبكر البغدادي قيام ما أسماها بـ"الخلافة الإسلامية" من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، شمالي العراق؛ لتبدأ سلسلة من الانقسامات داخل صفوف أنصار الشريعة بين مبايع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ورافض له.
وبعد خروج كل من رفض مبايعة البغدادي من المدينة، أصبحت سرت أواخر 2014 تحت السيطرة الكاملة لداعش، حيث كانت أول مواجهة حقيقية مع داعش في سرت في مارس 2015؛ إثر انسحاب قوات فجر ليبيا، من الموانئ النفطية، في إطار “عملية الشروق” العسكرية، التي كان هدفها تحرير الموانئ النفطية من قبضة مسلحين سيطروا عليها وأغلقوها.