«الغرابلى» تولى الجناح الإعلامى لـ«ولاية سيناء».. و«مراد» انضم لـ«داعش».. و«سعد» انتمى لـ«القاعدة» وقُتل فى سوريا
فى منتصف شهر مايو الماضى كانت كلية الإعلام جامعة الأزهر تنظم رحلة ترفيهية لعدد من طلابها برفقة عميد الكلية وعدد من أعضاء هيئة التدريس، إلى مدينة بورسعيد الساحلية، بعد أسابيع قليلة من إعلان مقتل الطالب بالكلية عبدالرحمن الغرابلى وهو أحد أبناء المدينة الباسلة. خلال مدة إقامة وفد الكلية التى استمرت لنحو أسبوع خاض بعض زملاء «الغرابلى» فى قصة مقتله، مؤكدين أن هذا الطريق والمنهج كانا غريبين على ابن بورسعيد الهادئ، بينما رفض عميد الكلية وأساتذتها الحديث فى أى شأن متعلق بالسياسة رافضين التعليق على كل ما يدور، مشددين على ضرورة إبعاد الكلية عن أى خلاف سياسى. لم يكن مسئولو الكلية يتوقعون أن تتحول الكلية الوليدة إلى ما يشبه المفرخة التى تتخصص فى تخريج «الإرهابيين» بعد سنوات قليلة من استقلالها عن كلية اللغة العربية غير أن حالة عبدالرحمن الغرابلى لم تكن سوى واحدة من 3 حالات معروفة لطلاب من الكلية التحقوا بتنظيمات إرهابية.
القصة طويلة وفيها ما يستحق أن يروى، ولكن البداية كانت عقب ثورة الـ٢٥ من يناير ٢٠١١ حين أضرب طلاب قسم الصحافة والإعلام عن الدراسة، مطالبين باستقلالهم عن كلية اللغة العربية، حيث اعتصم الطلاب أمام مقر مشيخة الأزهر للضغط على الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ليطالب رئيس مجلس الوزراء باستصدار قرار بمنح الكلية الاستقلال المنشود، وفى نهاية المطاف أصدر الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وقتها، قرارًا بفصل قسم الصحافة والإعلام عن كلية اللغة العربية وتحويله إلى كلية مستقلة تحت مسمى كلية الإعلام جامعة الأزهر، شريطةً ألا تطالب الكلية الدولة بأى التزامات.
استمرت الدراسة بمبنى كلية اللغة العربية لعدم توافر مبنى مستقل لكلية الإعلام، وخلال العام التالى نجحت أسرة جيل النشر المنشود المحسوبة على جماعة الإخوان فى السيطرة على اتحاد الكلية بعد فوزها بأغلبية المقاعد فى الانتخابات الطلابية التى أُجريت مطلع العام ٢٠١٣.
وعقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان فى نفس العام شهدت جامعة الأزهر عموما وكلية الإعلام خصوصا مظاهرات لعناصر الإخوان للمطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسى، لكن الامر تطور مع دخول امتحانات منتصف العام حيث شهدت الكلية اشتباكات بين طلاب الإخوان وقوات الأمن، اضطرت معها إدارة الكلية لتأجيل الامتحانات، وصباح اليوم التالى شهدت الكلية مشادات بين الأمن والطلاب أسفرت عن اعتقال عدد منهم لتتمكن قوات الأمن فى النهاية من فرض سيطرتها على الكلية وتستمر أعمال الامتحانات بعد تأجيلها لمدة يوم.
بعد إحكام الأمن سيطرته على الكلية وإلقاء القبض على عدد من كوادر الإخوان بها استقرت الأوضاع قليلا قبل أن يبدأ بعض طلاب الكلية فى التسرب إلى الجماعات الإرهابية.
1- "الغرابلي" إعلامي "ولاية سيناء"
ربما تعد القصة الأشهر هى قصة عبدالرحمن الغرابلى الطالب بالكلية ذلك الشاب العشرينى الذى ولد وعاش بمحافظة بورسعيد، والتحق بكلية الإعلام جامعة الأزهر قبل أن يتركها وينضم لتنظيم ولاية سيناء.
لم يعرف عن عبدالرحمن أى نشاط غير تقليدى، فقد كان وفقا لروايات القريبين منه شابًا عاديًا يقضى أوقاته فى الدراسة والعمل الصحفى والتنزه مع أصدقائه، وكان يرتاد المقاهى معهم ولا يتحرج من ذلك بحسب أصدقائه، إلا أنه تحول بين عشية وضحها إلى المسئول الإعلامى لتنظيم ولاية سيناء.
فى العام ٢٠١٢ حصل عبدالرحمن الغرابلى على الشهادة الثانوية الأزهرية ورُشح للقبول بكلية الإعلام جامعة الأزهر كما كان يحلم دوما، وبالفعل التحق بها خلال نفس العام ليبدأ مرحلة فارقة فى حياته.
تزامن دخول «الغرابلى» إلى الكلية مع انطلاق حملة الدعاية الانتخابية للمرشحين الرئاسيين المحتملين للانتخابات فى ٢٠١٣، فانحاز مع بعض أصدقائه إلى صف المرشح حازم صلاح أبوإسماعيل وشارك فى عدد من الفعاليات المؤيدة له، وكان فى تلك الفترة يؤمن تماما بأن الانتخابات هى الطريق الوحيد للتغيير.
وفى وقت لاحق انضم «الغرابلى» إلى شبكة يقين الإخبارية حيث شارك فى إعداد عدد من تقارير الفيديو للشبكة من القاهرة وبورسعيد، كما جرى اختياره لتغطية أحداث فض اعتصام الإخوان فى ميدان رابعة العدوية، وساهمت تغطيته لعملية الفض فى التحول الأبرز فى حياته حيث بدأ عبدالرحمن يفكر جديا فى جدوى الديمقراطية والانتخابات قبل أن يعتنق لاحقًا الفكر السلفى الجهادى.
توجه «الغرابلى» صوب تنظيم أنصار بيت المقدس الذى أعلن مبايعته لداعش وتغيير اسمه إلى «ولاية سيناء»، وتلقى عددًا من الدورات الشرعية والعسكرية على يد أعضاء التنظيم، وشارك فى الهجمات التى شنها التنظيم على قوات الجيش والشرطة فى أرض الفيروز كما ساهم فى إعداد إصدارات التنظيم الإعلامية وبثها عبر المواقع والمنتديات المؤيدة لـ«داعش».
وظهر «الغرابلى» فى إصدار «لهيب الصحراء» الذى بثه التنظيم فى شهر أغسطس الماضى دون أن يتم تمويه وجهه حيث التقطت الفيديوهات أثناء مشاركته فى إحدى الهجمات على قوات الجيش قبل أن يقتل، فى شهر إبريل الماضى، فيما تبقى القصة الحقيقية لمقتله غير واضحة المعالم، حيث يؤكد بعض من يعرفونه أنه قتل فى غارة جوية بينما يعتقد آخرون أنه قتل فى اشتباكات مع قوات الجيش.
من جانبه قال محمد إسماعيل-اسم مستعار- وهو زميل لعبدالرحمن الغرابلى فى الكلية إن الغرابلى لم تكن تظهر عليه أى ملامح للتشدد أثناء الفترة التى قضاها بالكلية، موضحًا أنه كان شابا اجتماعيا ودودًا وكل زملائه يحبونه، وأكد إسماعيل أن عبدالرحمن كان يسكن مع شاب ملحد من الإسكندرية خلال فترة الجامعة، مشيرًا إلى أن الأمر لم يمنع عبدالرحمن من التعامل معه والتودد إليه.
وأوضح إبراهيم خالد –اسم مستعار- وهو أحد المقربين من عبدالرحمن الغرابلى أن زميله السابق رفض العودة من سيناء إلى بورسعيد مرة أخرى، مضيفًا «أعتقد لو عاد الزمن بعبدالرحمن لسلك نفس الطريق».
2- مراد.. من الكلية إلى سوريا
محمود مراد طالب بكلية الإعلام جامعة الأزهر وزميل عبدالرحمن الغرابلى من أيام الثانوية الازهرية، ولد وعاش ببور سعيد هو الآخر، وعمل أيضًا بشبكة يقين الإخبارية لكن انتهى به المطاف إلى الفرع السورى لتنظيم داعش.
يقول أحد زملائه السابقين إن «مراد» تأثر برموز السلفية الجهادية فى بورسعيد ومن بينهم توفيق العفنى الذى قضى ١٨ عاما فى السجن إبان فترة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك وأفرج عنه عقب ثورة يناير قبل أن يعتقل مجددًا فى ديسمبر من العام ٢٠١٣، لكنه لم يكن مقتنعا بهم الاقتناع الكامل إلا أن الأحداث التى تلت ثورة يناير ساهمت فى تحوله الكلى لخانة التأييد الكامل للجماعات الإرهابية، لكن محمود مراد قرر أن يسلك وجهة أخرى إلى ما يراه من وجهة نظره جهادًا فاتجه إلى الفرع السورى فى تنظيم داعش، وانقطعت أخباره بعدها.
من جانبه أكد أحمد فكرى زميل عبدالرحمن الغرابلى ومحمود مراد الذى يعيش حاليا خارج مصر أنه لا يستطيع الجزم إذا ما كانت الكلية قد أسهمت فى اتجاههما إلى الفكر الجهادى أم لا، موضحًا أن هناك ميلا من أغلب الشباب المتدين فى الفترة الحالية إلى فكرة التغيير بالعنف خاصة بعد الأحداث التى شهدتها مصر فى الآونة الأخيرة.
وأضاف «فكرى» أن جامعة الأزهر شهدت مظاهرات احتجاجية رافضة لخارطة الطريق التى أعلنها الجيش والقوى الوطنية فى الـ٣ من يوليو، معتبرًا أن الرد الأمنى على تلك التظاهرات كان عنيفا ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى فى صفوف الطلاب واعتقال آخرين وهو ما دفع بعض الشباب للاتجاه نحو الجماعات المسلحة بعد شعورهم بالعجز والخوف وهو يرون ما حل بزملائهم.
وأشار «فكرى» إلى أن طلاب كلية الإعلام هم من الطلاب المميزين داخل الجامعة لكنهم يتعرضون لبعض التضييق أثناء فترات التدريب العملى وبعضهم يعتقل وهو ما ينمى الشعور بالظلم لديهم ويدفعهم للتفكير فى خيارات عديدة، وتابع فكرى أن هناك سببا آخر لميل الطلاب نحو العمل المسلح وهو نشأتهم الإسلامية المتدينة بحكم التعليم الأزهرى.
3- علي سعد و"حبارة"
«أشرف الأعمال قاطبة أن تموت وأنت خادم لهذا الدين» كانت تلك الكلمات التى كتبها الشاب على سعد المشهور بـ«أبوتراب المصرى» عبر صفحته الشخصية على «فيس بوك» قبل أيام من مقتله فى غارة جوية لطائرة بدون طيار فى سوريا، تلك كانت إطلالته الأخيرة قبل أن تعلن حسابات تابعة لتنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت مقتله مع عدد من زملائه فى سوريا دون أن تحدد المكان أو الفصيل الذى ينتمى له.
بالنسبة لـ«على» كانت سوريا هى الحلم الذى يتمنى أن يبلغه، دون أن يدرى أن تلك الغاية ستفضى إلى قتله فى وقت لاحق –بحسب أحد المقربين منه- وهو الذى ولد بمدينة أبوكبير التابعة لمحافظة الشرقية ونشأ فى أسرة عادية لم يعرف عنها التشدد الدينى حيث يعمل والده مدرسا للغة العربية وتهتم والدته بشئون المنزل، بينما يعد هو أكبر أشقائه الثلاثة.
فى مقتبل عمره تأثر «على» بفكر الإخوان، وانضم لإحدى الأسر الإخوانية فى محيطه مع عدد من أقرانه، واستمر منتظما بها قرابة الـ«١٣» عاما قبل أن ينقلب على فكر الجماعة فى وقت لاحق، وعمل فى قناة مصر ٢٥ قبيل إغلاقها حيث ساعد حسن خضرى مراسل القناة فى الشرقية المعتقل حاليا، فى إعداد التقارير وتغطية الأحداث فى المحافظة، كما شارك فى اعتصام رابعة إلا أنه غادره قبل الفض بيوم واحد حيث كان مقررا أن يعود فى وقت لاحق للاجتماع بالقياديين الإخوانيين باسم عودة وأسامة ياسين.
تزامن دخوله لجامعة الأزهر مع أحداث الشغب التى حدثت فى الجامعة مع بداية العام الجديد، وبالطبع كان أحد المشاركين فى مظاهرات الإخوان خلال تلك الفترة، فى العام ٢٠١٤ ألقت قوات الامن القبض على أعضاء «مسئول الأسرة الإخوانية» التى انتظم بها «على» وبقى هو بعيدا عن الأنظار لفترة، فبدأ بالتهرب من الجامعة والتنقل فى أحياء مصر القديمة خوفا من الاعتقال.
خلال فترة ابتعاده عن الإخوان بدأ الطالب بجامعة الأزهر فى قراءة كتب الشقيقين سيد ومحمد قطب وكتب رفاعى سرور مرورًا بكتب منظرى «الإرهاب» الآخرين ووصولًا إلى كتب الأردنى أبومحمد المقدسى والفلسطينى أبوقتادة، لكنه تأثر للغاية بكتب سيد قطب، كما يقول أحد زملائه فى السكن السابقين.
بالرغم من انتقاده لفكر جماعة التكفير والهجرة إلا أنه تأثر بمؤسسها شكرى مصطفى لفترة وجيزة قبل أن يتراجع عن فكر الجماعة إلى تأييد تنظيم داعش بعد ذلك، ساهم «على» فى نشر وترويج إصدارات تنظيم داعش بعد إعلانه «الخلافة المزعومة» فى سوريا والعراق، كما حصل على تزكية من التنظيم لدخول المنتدى الإعلامى الجهادى لسان حال داعش على الإنترنت، كما كان متابعا لجماعة أجناد مصر وقت ظهورها، قبل أن ينحاز لاحقًا لتنظيم القاعدة، بعد صدام فكرى مع تنظيم داعش أفضى إلى تكفير التنظيم له.
يقول أحد رفاق على المقربين لـ«البوابة» إنه تأثر بالإرهابيين أبوسليمان المصرى محمود محمد مغاورى القيادى البارز فى جبهة النصرة الذى قتل فى حلب، وعادل حبارة المتهم بتنفيذ مذبحة رفح الثانية، مؤكدًا أنه كان مقربًا من أبوسليمان المصرى الذى ساعده فى الحصول على تزكية من الشرعى العام لجبهة النصرة أبومارية القحطانى.
بعد حصول «على» على تزكية من جبهة النصرة عمل مشرفا فى موقع التوحيد والجهاد التابع للأردنى أبومحمد المقدسى قبل إغلاقه كما كان يتواصل بين الحين والآخر مع أبوقتادة الفلسطينى، ويتابع فى أحيان أخرى هانى السباعى احد المنظرين المحسوبين على تنظيم القاعدة.
حاول «على» السفر لسوريا عدة مرات قبل أن ينجح خلال العام الماضى فى السفر للأراضى التى يسيطر عليها التنظيم داخل سوريا. لدى وصوله إلى سوريا انضم لأحد المعسكرات التدريبية وتخصص فى صناعة المتفجرات كما كان مسئولا إعلاميا للتنظيم، كما كان يتواصل مع أبوالفرج المصرى أحمد سلامة مبروك الذى قتل فى غارة هو الآخر فى وقت سابق من العام الحالى وكان يلقبه بـ«أميرى».
فى أيامه الأخيرة كان «على» ينوى ترك التنظيم والعودة إلى مصر لممارسة حياته الطبيعية إلا أن «قدره عاجله» ليقتل فى غارة لطائرة بدون طيار، مطلع الأسبوع الماضى.
بعد مقتله نعت حسابات مقربة من تنظيم القاعدة على سعد واصفةً إياه بـ«فارس الإعلام» دون أن تحدد مكان مقتله، كما نشرت الحسابات صورة له قبل أن تزيلها فى وقت لاحق.
من جانبه يقول حسين فوزى –اسم مستعار- وهو أحد طلاب القوى الثورية من زملاء على، إنه اختلف معه منذ اليوم الأول لدخوله الكلية بسبب أن «على» كان يعتبره كعدو وكان يتعمد توجيه كلام غير لائق إليه بصورة غير مباشرة.
يضيف «فوزى» بعد فترة حاولت أن أتسامح معه وأحدثه بأسلوب هادئ قليلا وبالفعل بدأ يستجيب، مشيرًا إلى أنه كان غير واضح الانتماء بالنسبة له فتارة يكون مؤيدًا لمصر القوية ومرة يكون مؤيدًا للإخوان ويعتبر مرسى هو الخليفة، ومرة يسب الإخوان ويختلف معهم، بعد فترة اختفى فجأة وعندما سألت عنه علمت أنه سافر إلى سوريا.
بالنسبة لـ«فوزى» فقد كان «على» مثل الطفل الصغير الذى بيده سكين يقتل بها نفسه مضيفًا أنه عندما قرأ كتبا كثيرة فى الفكر الجهادى أضر بنفسه، مؤكدًا أنه كان يراه باحثًا عن الشهرة ليس إلا وليس عن فكر أو قضية مؤمن بها.
فى المقابل يعتبر صلاح عبدالله –اسم مستعار لزميل آخر لعلي- أن زميله كان شابا طيبا لم يحمل الحقد لأحد وكان يساعد زملاءه حتى ولو على حساب نفسه، مضيفًا أنه كان له بعض الهفوات فى أحيان كثيرة لكن ذلك لم يغيّره، وأضاف أنه قرأ كثيرا حتى وصل إلى فكره الذى اعتنقه ومات فى سبيله، منهيا كلامه بـ«الله يرحمه».
(البوابة نيوز)