وفي التاسع من ديسمبر الجاري، أعلنت حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية وهما من أبرز الأحزاب المنتمية فكريًّا وتنظيميًّا إلى جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر- موافقة قيادتهما على مشروع اندماجي، لينهيا انقساما دام 16 عامًا، عندما فجر ملف دعم ترشح (الرئيس الحالي) عبد العزيز بوتفليقة، لانتخابات الرئاسة في 1999، ما يسمى "حركة النهضة التاريخية" إلى جناحين.
وأقرَّت الهيئات القيادية لحزب "العدالة والتنمية" في الجزائر بقيادة عبد الله جاب الله، وحركة "النهضة"، مشروع إعادة توحيد ما يُعرف بحركة "النهضة" التاريخية والاندماج في إطار حزب واحد والعودة إلى ما قبل 1999.
وفي 1999، نجحت كوادر من حركة "النهضة" في تنفيذ "انقلاب" داخل الحركة التي كانت تُعدّ حينها ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، بعد حركة مجتمع السلم "إخوان الجزائر".
فقد انقسمت الحركة النهضة وقتها إلى جناح داعم لترشيح الرئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة، بقيادة مكتب الحركة التنفيدي ومجلس الشوري، وجناح آخر رافض، بقيادة زعيم الحركة التاريخي، عبد الله جاب الله، الذي انشق عن الحزب، وأسس حركة الإصلاح الوطني، ثم انشق عنها بسبب خلافات مع قياداتها، وأسس حزبه الثالث "جبهة العدالة والتنمية".
وكان "الانقلاب الداخلي" - حينها - يستهدف الإطاحة بزعيم الحركة الشيخ عبد الله جاب الله بسبب خلافات حادة بينه وبين قيادات من الصف الأول حول دعم ترشح بوتفليقة للرئاسة في أبريل 1999.
ونجحت هذه القيادات قبلها في تقليص صلاحيات زعيم الحركة خلال المؤتمر الذي سبق "الانقلاب"، باستحداث منصب أمين عام للحزب، يتولى صلاحيات عديدة كانت بيد رئيس الحركة، انتُخب له لحبيب آدمي الذي أصبح لاحقًا سفيرًا للجزائر.
هذه الجبهة حصلت على 7 مقاعد في الانتخابات البرلمانية عام 2012. بينما شاركت حركة النهضة ضمن "التكتل الأخضر"، وهو تحالف ضم أيضا حركة مجتمع السلم، وحركة الإصلاح الوطني، وحصد 48 مقعدا، وحل ثالثا بعد حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي.
وأوضح حركة النهضة في بيان يوم الجمعة الماضي، أنه تم "اعتماد مشروع التحالف الاندماجي بين الحركة وجبهة العدالة والتنمية" و"استكمال مساعي التحالف مع باقي الشركاء السياسيين المتواصلين مع الحركة".
من جانبها قال جبهة العدالة والتنمية، في بيان يوم الجمعة الماضي: إن الاندماج "قرار تاريخي يؤسس لمسار إنهاء واقع التشرذم وتعدد الكيانات، الذي وصل إليه التيار الإسلامي". ويتجه الحزبان إلى تنظيم مؤتمر يجمع قياداتهما من أجل تأسيس حزب جديد موحد.
ودعت الحركة "كافة المواطنين والإطارات والقيادات إلى التجند لإنجاح مشروع التحالف والاستعداد للاستحقاقات المقبلة".
وأكد رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، خلال افتتاحه أشغال مجلس الشورى في دورته العادية، أمس، أن الاتصالات بخصوص التحالف بين النهضة والعدالة والتنمية قطعت أشواطا متقدمة، وسيتم الاتصال بأحزاب أخرى لطرح فكرة التحالف الاستراتيجي بين أبناء الحركة الإسلامية، قائلا "التحالف الاستراتيجي الوحدوي الاندماجي بين كل من حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية يشهد تقدما كبيرا، وأيضا مع أحزاب أخرى"، كاشفا عن اتصالات أخرى مع كل من حركة البناء الوطني وجبهة التغيير باستثناء حركة مجتمع السلم.
واستغل جاب الله اجتماع مجلس شوراها، ليجدد تأكيده على أن الإتلاف "أصل وليس وسيلة"، مذكرًا بذلك أبناء التيار الإسلامي بالنتائج المحققة في دول الجوار بعدما دخلت الأحزاب الإسلامية الانتخابات بحزب واحد وفازوا.
ويرى محمد حديبي، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة الجزائرية، أن «التيار الإسلامي هو التيار الوحيد القادر على إحداث نقلة نوعية في ديناميكية مسار الدولة للأحسن».
وعبّر حديبي عن اعتقاده بأن «التزوير كثابت من الثوابت الرئيسية في كل استحقاقات الانتخابية أضر بالأحزاب الإسلامية؛ حيث إن السلطة في الجزائر ترسل رسائل سلبية للشعب من أجل نشر اليأس في صفوف الإسلاميين».
وأضاف: «بالرغم من كل هذا، نجح هذا التيار (الإسلامي) في إنشاء ما يسمى ائتلاف الجزائر الخضراء، الذي أعاد الأمل للشعب الجزائري، كما أعاد التوازن للساحة الوطنية التي تئن تحت القبضة الحديدية للسلطة خارج إرادة القانون والشعب، بل تحت استعمال منطق الاستبداد والدكتاتورية وتمييع العملية السياسية»، بحسب تعبيره.
كما قال القيادي في حركة "النهضة" خبابة يوسف: إنَّ مشروع الوحدة بين الحزبين بدأ التفكير فيه منذ فترة وحصلت عدة اجتماعات ولقاءات لتحديد أولويات وترتيبات الوحدة وإعادة "النهضة" التاريخية إلى الوجود السياسي.
وأضاف أنَّ كافة قيادات الحركة وحزب "العدالة والتنمية" رحَّبوا بالمشروع كونه يعيد الوحدة بين أبناء الحركة الذين يتبنون التوجّهات والأفكار والمرجعيات السياسية نفسها.
وتابع: "وجود الكثير من القناعات والتوجّهات المشتركة يفرض علينا تحمُّل المسئولية التاريخية لتوحيد الحزب مجدَّدًا، وتحقيق آمال وتطلعات عدد كبير من مناضلي الحركة".
ونفس الشيء الذي ذهب إليه القيادي في جبهة العدالة والتنمية لخضر بن خلاف، الذي شدد على أهمية التحالف مع الأحزاب ذات التوجه السياسي الواحد، الذي اعتبره تحالفا تكتيكيا يسبق الانتخابات التشريعية المقبلة، مؤكدا على أن الاتفاق مع النهضة يسير بصفة متقدمة، ونفس الأمر مع جبهة التغيير وحركة البناء اللذين تم الاتصال بهما وما تزال الحوارات معهم متواصلة، فيما استعبد أي تحالف مع حركة مجتمع السلم.
وتُمثِّل هذه الوحدة خطوة مهمة على صعيد توجُّه الإسلاميين إلى التكتل مجدَّدً، بعد فترة جربوا فيها خيارات سياسية متعددة، كالمشاركة في الحكومة والشراكة السياسية مع السلطة وتغيير المواقف وتبني هندسة سياسية جديدة تتجاوز دور الزعيم المؤسس إلى سلطة المؤسسات الداخلية للحزب.
ويأتي مشروع الوحدة السياسية بين حزبين إسلاميين في سياقات سياسية هامة، قبيل نحو أربعة أشهر من الانتخابات البرلمانية التي ستجري في النصف الأول من عام 2017، والتي تأمل فيها حركة "النهضة" تكرار إنجاز عام 2002، عندما حققت حركة "الإصلاح" حينها بقيادة جاب الله تقدُّمًا كبيرًا في الانتخابات البرلمانية، وبخاصةً أنَّ الانشقاقات التي عرفتها حركة "النهضة" بشكل متتالٍ، أضعفت حضورها الانتخابي في استحقاقات 2007 و2012.