كان أول ظهور لعريضة تطالب بالتعاليم الإسلامية في الجيش، في نهاية 1941، وهو يأتي بعد سنوات قليلة من خروج الصاغ محمود لبيب من الجيش وانضمامه إلى جماعة الإخوان، والتي أوكل إليه حسن البنا تأسيس مجموعة وخلايا لجماعة الإخوان داخل الجيش المصري، ليكون الجيش تحت قيادته فيما بعد ويحقق البنا من خلاله مشاريعه وأفكاره.
فقد بدأ ظهور حركة الإخوان في الجيش في سنة 1938م حينما نشطت صحيفة الإخوان "النذير" في مناقشة قضايا الجيش جنودًا وضباطًا، وأفسحت المجال لمناقشة الأخطاء والعيوب التي تسمح بها سلوكيات الجيش المختلفة كنظام المراسلة وعدم إقامة الأذان في أوقات الصلاة؛ بل عدم تخصيص وقت لصلاة الجنود أصلاً.
ومنذ هذا التاريخ أي سنة 1938م، كان حسن البنا يتحدث عن الإسلام في الوحدات العسكرية في المناسبات الدينية كمولد الرسول صلى الله عليه وسلم وغزوة بدر في شهر رمضان؛ حيث تفتح أبواب الوحدات العسكرية للوعاظ لإلقاء دروس في هذه المناسبات للجنود.
وفي ديسمبر1941 أرسلت إلى القصر الملكي عريضة باسم "الجنود الأحرار" تطالب بمنع ما يتعارض مع الإسلام وإلغاء معاهدة سنة 1936م ومنح الجندي الحق في الامتناع عن أي عمل يناقض الشرع، ووزعت منشورات داخل وحدات الجيش بمضمون هذه العريضة التي وقعت باسم "الجنود الأحرار" وهذا ما أكدته تقارير الأمن العام والبوليس المخصوص- محفظة 34 - في 7 ديسمبر سنة1941.
وكان الصاغ محمود لبيب هو سنارة الإخوان التي تدلت بين الضباط في الجيش فاستطاع أن يجتذب بعضاً منهم. وكانت أكبر الرتب التي أقبلت إلى الإخوان ( عبد المنعم عبد الرؤوف، جمال عبد الناصر ، أبو المكارم عبد الحي، كمال الدين حسين). ونظراً لحساسية وضع الضباط فقد رئي آلا يكون نشاطهم في شعب الإخوان بالمجال العام حتى لا يكونوا عرضة للمحاكمات العسكرية والفصل والقوانين التي تحظر على الضباط الاشتغال بالسياسة أو الانتماء إلى منظمات سياسية، ولذلك تقرر إلحاقهم بالنظام الخاص وتم اتصالهم بعبد الرحمن السندي.
ولما كثر عدد المنتسبين من الضباط في النظام الخاص للإخوان، أفرد لهم حسن البنا قسمًا خاصًّا يرأسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان ورئيس الجوالة وقتئذ، وبدأ استقلال محمود لبيب بعمله في هذا القسم عام 1944م مستعينًا بالطيار عبد المنعم عبد الرءوف. وبدأت أولى خطوات جماعة الإخوان الضباط.
وبدأ عبد المنعم عبد الرءوف في الانتشار وسط زملائه الضباط، واختبارهم لقبول تلك الفكرة والعمل لها، وفي أكتوبر1944م قام بدعوة النقيب جمال عبد الناصر، لحضور درس الثلاثاء لحسن البنا بدار المركز العام للإخوان، ثم أتبعه بالملازم أول حسين أحمد حمودة والملازم كمال الدين حسين؛ ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين هما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق, والملازم أول صلاح الدين خليفة الذي دعا بدوره زميله الملازم أول خالد محيي الدين، بحضور الصاغ محمود لبيب.
ويقول خالد محيي الدين:"كنا في نهاية عام 1944م وكانت الحيرة تغلفنا جميعًا بحثًا عن طرق لنا ولمصر، وذات يوم مر على عبد المنعم عبد الرؤوف، وعرض على أن نلتقي بضابط آخر يحمل ذات الهموم، ويبحث عن إجابات لذات الأسئلة، وأخذني لأقابل جمال عبد الناصر، وكان لقائي الأول معه. اصطحبت عثمان فوزي لمقابلة عبد المنعم عبد الرؤوف في جزيرة الشاي بحديقة الحيوان حيث قابلت الصاغ محمود لبيب الذي عرفت فيما بعد أنه مسئول الجناح العسكري في الإخوان المسلمين، وبدأ محمود لبيب يتكلم في تؤدة ويتطرق إلى موضوع الدين دون تعجل، وتحدث عن القضية الوطنية بنكهة إسلامية، فاشتم عثمان فوزي رائحة الإخوان من الحديث".
ويقول عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته أرغمت فاروق على التنازل عن العرش: "في أواخر مايو 1942 التقيت حسن البنا ومحمود لبيب لأول مرة واقترحت تكوين مجموعة إخوانية من ضباط الجيش ووافق البنا ولبيب ، في أكتوبر 1942 دعوت عبد الناصر لحضور جلسات الإخوان وحسين حمودة وكمال الدين حسين وكوننا مكتبة إسلامية واستمرينا إلى 1946 في ضم ضباط لتنظيم الإخوان بالجيش ، مع الصدامات السياسية 1946 تم الاتفاق على تدريب شباب الإخوان عسكريا وذهبنا نحن السبعة (خالد محيي الدين وناصر وكمال الدين حسين وانا وو عبد المنعم عبد الرؤوف وحسين حمودة وسعد توفيق) بداية 1946 إلى بيت بحي الصليبة وقمنا بالقسم على السلاح والمصحف بحضور عبد الرحمن السندي ، قمنا بتدريب شباب الإخوان على حرب العصابات من كتاب مترجم وعلى السلاح والمتفجرات وجهزنا لاحقا كتيبة من 280 مجاهد للذهاب لفلسطين".
في عام 1944م كانت الأسرة الأولى مكونة من سبعة من الضباط" يوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف- يوزباشي جمال عبد الناصر حسين- ملازم أول كمال الدين حسين- ملازم أول سعد حسن توفيق - ملازم أول خالد محيي الدين - ملازم أول حسين محمد أحمد حمودة- ملازم أول صلاح الدين خليفة".
ويضيف عبد المنعم عبد الرءوف في مذكراته: "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش مع اغتيال المرشد (حسن البنا) والحملات ضد الإخوان ضعف التواصل بشدة بين التنظيم والجماعة وحوصرنا بالجيش مما دفع المرحوم محمود لبيب إلى اقتراح تغيير اسم التنظيم للضباط الاحرار بدلا من الإخوان المسلمين ، في سبتمبر 1949 أبلغني عبد الناصر نيته ضم ضباط من تيارات وأخلاقيات مختلفة لاستحالة تنفيذ انقلاب يخطط له للتغيير وسطط شروط أخلاقية ودينية للضباط المنضمين وزي زوجاتهن ورفض طاعة تعليمات مكتب الإرشاد ووصفها بالتزمت ورفعنا الخلاف لعزيز المصري الذي طلب استمرار التعاون وعدم الانفصال والقتال ضد الإنجليز، أيدني محمود لبيب في الرأي وأصيب بالمرض وقبيل وفاته سلم عبد الناصر ورقة بها أسماء كل ضباط التنظيم والمبالغ المالية الخاصة بالاشتراكات".
ومنذ تأسيس التنظيم الإخوان في الجيش كانت تجمع اشتراكات من الأعضاء للاستعانة بها في التدريب والمساعدات الاجتماعية للأفراد في حالات الضرورة، وفي 25 من مايو1949 استدعى جمال عبد الناصر لمكتب رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي بتهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين وتدريبهم، وذلك بعد وصولهم كتابًا عن القنابل اليدوية موقع باسم جمال عبد الناصر مع أحد الإخوان المسلمين، فأجاب جمال عبد الناصر أن أحد الإخوان استعاره منه في حرب فلسطين، وقتل شهيدًا، وبذلك استطاع أن ينفى هذه التهمة عنه. وأسرع الصاغ محمود لبيب المسئول عن تنظيم الإخوان الضباط بإرسال مرتب شهر لزوجة جمال عبد الناصر، وإبلاغها اهتمام إخوانه الضباط بموضوع التحقيق، وأنهم لن يتخلوا عنه, مما أثبت قوة ارتباطنا ماديًا. وبمناسبة هذا الحادث اقترح علينا الصاغ محمود لبيب استبدال اسم تنظيم الإخوان الضباط باسم "الضباط الأحرار"؛ لإبعاد اسم جماعة الإخوان المسلمين المكروهة من الملك والأحزاب العميلة والإنجليز.
وفي نهاية 1949 طلب الصاغ محمود لبيب، الذي كان التننظيم الإخوان داخل الجيش المصري، وهو على فراش المرض، اثنين من ضباط التنظيم وهو على فراش الموت حتى يحملهما أمانة التنظيم وأسراره وأسماء أعضائه المنتشرين داخل الجيش من بعده، وهما الطيارعبد المنعم عبد الرءوف والضابط جمال عبد الناصر الذي كان علاوة على انتمائه لتنظيم الضباط التابع للإخوان المسلمين كان منتميًا لتنظيمات تتبع أحزابًا وحركات سرية أخرى غاب عبد المنعم عبد الرءوف عن الموعد لأسباب عائلية، وذهب عبد الناصر ليفاجأ بأن الصاغ محمود لبيب يطلعه على أسرار التنظيم ويعطيه خريطة تنظيم الضباطن وفقا لكتاب (شهود ثورة يوليو) لأحمد حمروش .
ويقول المفكر حمدر رائف: "وبعد وفاة الصاغ محمود لبيب قائد التنظيم الخاص انتقلت القيادة إلى جمال عبد الناصر؛ لأن محمود لبيب قبل وفاته أبلغ عبد الناصر أن الانقلاب كان موجودا في رأس حسن البنا، ولبيب على فراش الموت جهز قائمة بأفراد التنظيم الخاص والمشاركين في التخطيط والتدريب من المدنيين والعسكريين، وكان الوحيد الذي يعلم هذه التفاصيل بعد لبيب هو عبد الناصر والإخوان فشلوا في إدارة الصراع فالانقلاب الذي تم لحسابهم لم يضع الإخوان آلية للتنسيق أو التواصل الجيد مع باقي الضباط وخاصة عبد الناصر، الذي كان له طموحًا في قيادة البلاد".
ويقول الفريق طيار عبد المنعم عبد الرءوف: إنه "في سبتمبر 1949 أبلغني جمال عبد الناصر أنه لا يستطيع تجميع الضباط حول مبادئ الإخوان المسلمين وإتباع هذا الأسلوب المتزمت في اختيارهم المتمثل في أن يشترط في الضباط الذين يُراد ضمهم للتنظيم اجتناب الخمر والميسر والنساء الساقطات، وضرب لي مثلاً بقوله: إن خالد محيي الدين تركنا 1947 واعتنق المبادئ الماركسية، وانضم إلى منظمة اسكرا الشيوعية. وطال الجدل بيني وبين جمال عبد الناصر، واستغرق عدة ساعات، وظل كل منا متمسكاً برأيه ".
وفي كتابه "و الآن أتكلم" أدلى خالد محيي الدين بتلك الشهادة:“عام 1944 عرفني الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرءوف بعبد الناصر ثم محمود لبيب كضابطين من الإخوان ، قمنا بتكوين مجموعة من العسكريين الإخوان بعضها في منزل أحمد مظهر ، لم نكن جميعا من اصحاب الولاءات للإخوان فمنا من كانوا من الإخوان تماما ومنا مجرد ضباط يبحثون عن طريق ، عبد الناصر كان يقول لي انهم -الإخوان- يريدون استغلال الضباط وليست لهم أهداف وطنية ويتساءل عن سبب عدم قيامهم بالهجوم على الاحتلال والتظاهرات الكبرى".
ولما كان هناك خلاف في الرأي بين جمال عبد الناصر ومعه كمال الدين حسين من ناحية وبين عبد المنعم عبد الرءوف ومعه أبو المكارم عبد الحي من ناحية أخري، فقد طلبوا عرض الخلاف على المرشد العام- حسن الهضيبي- الذي رأي أن هذه مجموعة تريد أن تتحلل من التزاماتها كإخوان، وليس هناك بد من قبول ذلك وأنه ربما كان من الأصلح أن يستمر الإخوان في طريقهم وليستمر جمال في طريقه. وكان هذا هو ما أراده جمال عبد الناصر فأجاب بأنه سوف يستمر صديقاً للإخوان.
كانت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار تحت إشراف عبد الناصر الذي أصر على استقلالها الكامل عن كل الجماعات الأخرى سواء داخل أو خارج الجيش، وعلى الأخص، كان عبد الناصر مصمماً على عزل الحركة عن الإخوان المسلمين، بينما كان الإخوان يحاولون تجنيد أكبر عدد من ضباط الجيش عن طريق كبار مندوبيهم. وأحد هؤلاء المندوبين كان عبد المنعم عبد الرءوف عضو اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار، وعن ذلك يقول أنور السادات: " فوجئنا بالبكباشي عبد المنعم عبد الرءوف وهو ينادي بضم تنظيم الضباط الأحرار كله إلى الإخوان المسلمين ". هنا حدث خلاف في الرأي للمرة الثانية – على الأرجح– بين جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف، ولكن هذه المرة بخصوص تبعية هذا التنظيم السري – تنظيم الضباط الأحرار- للإخوان المسلمين، ورفض جمال عبد الناصر تبعية التنظيم للإخوان المسلمين ووافق باقي الضباط على رأي جمال فانسحب عبد المنعم عبد الرءوف. كما تم إسقاط عضويته من اللجنة التأسيسية لالتزامه وارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين بدلاً من تنظيم الضباط الأحرار.
ويقول المفكر أحمد رائف: "إن تسمية الضباط الأحرار ترجع إلى الصاغ محمود لبيب أول رئيس للتنظيم الخاص بالإخوان في الجيش وأن عدد من يعرفون تفاصيل الانقلاب ما بين خمسة وستة أفراد فقط من التنظيم الخاص، ولم يكن عدد كبير من مكتب الإرشاد يعرف ذلك ومن هؤلاء الذين كانوا يعرفون الموعد والتفاصيل من التنظيم الخاص؟ فريد عبد الخالق ومنير الدله وصالح رقيق وعبد القادر حلمي وحسن العشماوي وصلاح شادي وأنه تم تأجيل الثورة (يوليو 1952) يومًا كاملًا لحين الحصول على موافقة حسن الهضيبي، وذهب إليه أحد أفراد الإخوان في الإسكندرية وظل يقنعه حتى وافق في النهاية، وعليه قامت الثورة بموافقة الهضيبي".