بوابة الحركات الاسلامية : العدل والإحسان المغربية والأسئلة الصعبة (طباعة)
العدل والإحسان المغربية والأسئلة الصعبة
آخر تحديث: الأحد 18/12/2016 05:38 م
العدل والإحسان المغربية
تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة لرحيل عبد السلام ياسين مؤسس جماعة العدل والاحسان المغربية والتي تقاطعت في توجهاتها مع الطرق الصوفية، حيث اشتمل المنزع الروحي لها على تصور تربوي قائم على الصُّحبة والجماعة والذِّكر، لكنها جمعت إلى هذه الأحوال الصوفية منزعاً سياسياً حيث وضع ياسين تصوراً يتميز برفض العنف والاغتيال السياسي ورفض السرية.
ولما رأت الدولة أن أمر الرجل ـ رغم التضييق والقمع ـ لا يزداد إلا اتساعا، فرضت عليه حصاراً جزئياً في بيته عام 1989 حتى أن كل من أراد أن يدخل بيت ياسين كان يطلب منه تقديم بطاقة الهوية لرجال الأمن، وقد منع من الخروج كما منع الناس ـ حتى أقرباؤه ـ من زيارته.
قرر أفراد الجماعة في العام 1988 الامتناع عن تقديم بطاقة الهوية عند زيارة بيت ياسين، فكان أن ضاقت السلطات بنشاطهم الآخذ في التصاعد خاصة اللقاءات في بيت المرشد، فجاء الحصار الشامل. وفي بدايات عام 1990 خرج ياسين لصلاة الجمعة وألقى كلمة في جموع المصلين من عموم الناس وأعضاء الجماعة معلنا فتح جبهة جديدة، وقد سبقت هذه الفترة اعتقالات ومحاكمات حتى تم اعتقال جميع أعضاء مجلس الإرشاد، ثم وضع ياسين تحت الإقامة الجبرية أكثر من 10 سنوات حتى 10 مايو 2000. استمر النشاط الدعوي والإرشادي للشيخ عبد السلام ياسين رغم التضييق المتواصل من قبل السلطات المغربية إلى أن وافته المنية في 13 ديسمبر 2012.
إن الدارس لمتن زعيم جماعة العدل والإحسان لا يمكن إلا أن يحتار في موقفه من الديمقراطية، إذ تجده تارة يرحب بها وتجده تارة أخرى ينتقدها ويفضل عنها الشورى؛ فهو لا يرفض الديمقراطية، بل يدعو إلى مبادئها المتمثلة في التعدد الحزبي، ولو كان ذلك في انتظار قومته التي وعد بها في منهاجه؛ بل حاول البرهنة على محاسن الديمقراطية عقليا بالقول «من المسلمين من يقول إن الديمقراطية غنيمة ومكسب للإنسان، هي المخرج لا غير، وهي أخت الشورى الإسلامية ورديفتها وجنسها... ومن الإسلاميين من يصرح بأن الديمقراطية كفر... ليست الديمقراطية نقيض الكفر، وإنما هي نقيض الاستبداد، فإن وقف علمنا عند معادلة ديمقراطية=كفر، فيكون بجانبها إيمان=استبداد، وإذن فنحن مع كل مستبد يقول أنا مسلم ضد كل حر يقول أنا ديمقراطي»، (ياسين، «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين»، ص 57).

العدل والإحسان المغربية
الديمقراطية بالنسبة إلى عبد السلام ياسين تعني حكم الشعب واختيار الشعب والاحتكام إلى الشعب، وإن كان يعلم بأن الشعب لن يختار إلا ما يدعو إليه شرع الله. وإذا اختار الشعب غير ذلك «رجعنا على أنفسنا نتهمها بالتقصير في التعريف بما هو الحكم الإسلامي، واتخذنا وسائل تتيحها الديمقراطية النظيفة ولا يتيحها الاستبداد لكي نشرح للناس..، حتى يعرفونا على حقيقتنا ويعرفوا الديمقراطيين على حقيقتهم»، (ص 59).
لكن المفارقة في فكر الشيخ ياسين -ولعلها المفارقة الحاكمة لوعي معظم مفكري الإسلام المعاصرين- أن ما يعطيه للديمقراطية بيمناه السياسية يأخذه منها بيسراه الفكرية-العقائدية، فهو إذ يتناولها -سياسيا- تناولا واقعيا منفتحا، يأتي عليها بحكم الإعدام حينما يقاربها مقاربة فكرية من داخل منظومته الشرعية. (بلقزيز، «الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر»، ص 185)، وهكذا أيضا ينتهي إلى إنتاج خطابين متعارضين حولها: خطاب مدني منفتح وخطاب ديني منغلق، مصرحا بقوله: «الدعوة إلى الديمقراطية لا تعني القفز على الشورى... وإن واجب المسلمين ألا يولوا أحدا أمرهم إلا عن شورى» (ياسين، «الشورى والديمقراطية»، ص 239).
فمأخذه على الديمقراطية أنها لا تقترح على الإنسان مخرجا من الكفر؛ فالشورى غيرُ الديمقراطيةِ، إذ «الاختلاف بين شورى على قواعد القرآن وديمقراطية على قواعد عقد اجتماعي اختلاف جوهري، فالمؤمن يريد من الشورى فوزه في الدار الآخرة ومشاركته الفاعلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الديمقراطية فيريد بها مواطنة يعتز بها وحقوقا مدنية وحرية يضمنها القانون.. والفارق العظيم بينهما، هو الفارق بين المجتمع المسلم والمجتمع المدني»؛ فتغدو «الديمقراطية أخت اللادينية كما هي الشورى أخت الصلاة والزكاة».

العدل والإحسان المغربية
من هنا اختار المؤرخ والأستاذ الجامعي، المعطي منجب، الذكرى الرابعة لرحيل عبد السلام ياسين، ليضع جماعة "العدل والإحسان"، أمام عدد من الأسئلة التي تراود اليسار على الجماعة، ومشروع هذه الأخيرة أمام التحولات المجتمعية، ورؤيتها السياسية لفكرة التغيير".
وفي ندوة "الحوار وضرورة البناء المشترك" التي نظمتها جماعة "العدل والإحسان" صباح السبت 17 ديسمبر الجاري، بمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل مؤسسها عبد السلام ياسين، أكد منجب أن "المغرب لا يعرف ما سمّاه "الانقسام المصطف"؛ وهو التضاد والاختلاف الكلي لمجموعة على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي مع مجموعات أخرى"، قبل أن يستدعي نموذج الحريات الفردية والعامة، إذ اعتبر أن "الحريات العمومية لا تطرح إشكالا في المجمل كاختيار الحاكم وحرية التنظيم والعمل، ولكن الحريات الفردية تثير إشكالا بين الاتجاهين".
وشدّد رئيس جمعية "الحرية الآن" في سياق حديثه، أن "النظام السياسي متخوِّف مما سمّاه "الموجة الإسلامية"، بعدما كان حارب الموجة اليسارية في ستينيات القرن الماضي، قبل أن يطلب من قادة جماعة "العدل والإحسان"، بتوضيح الاستراتيجية السياسية ومنهجية التغيير التي يسلكونها، حيث تساءل: "أتعتمد الشارع فقط أم معها الفعل المدني والنقابي، هل أنتم ثوريون أم إصلاحيون؟.

العدل والإحسان المغربية
وعن سؤال التغير، توجّه منجب إلى قادة الجماعة، وفي مقدمتهم محمد العبادي، الذي يتولى قيادة أكبر جماعة إسلامية في المغرب، هل ستعتمدون الآلية الديمقراطية الانتخابية والاحتلال التدريجي لمؤسسات الدولة، ما موقفكم من العملية الانتخابية؟ ألا تؤمنون بالتغيير التوافقي؟ وعاد منجب للحديث عن ما سمّاه ضبابية موقف الجماعة من النظام السياسي القائم، إذ طرح المؤرخ على الجماعة، درجة قناعتها بالنظام الملكي؟ أم يطمحون للإطاحة به؟، وماذا تريدون بالضبط؟.
الأسئلة المفاجئة، التي قال منجب إنه حملها من شباب وقيادات اليسار إلى جماعة "العدل والإحسان"، وضعت الجماعة في موقف حرج، إذ عاد المؤرخ المغربي لطرح مشروع الخلافة التي تريده الجماعة، وهل يريدون تغيير إمام بإمام آخر وما مضمون النظام الذي تريدونه، وما هي مؤسساته؟ على حد تعبير منجب.
وتوجه المتحدث ذاته، إلى قيادات الجماعة بالقول: "ما موقفكم من الحريات الشخصية وحرية المعتقد؟ هل تعترفون بالمساواة الكاملة بما في ذلك الارث وهل يمكن للمرأة ان تكون رئيسة الدولة؟".