بوابة الحركات الاسلامية : القاعدة في ليبيا.. جذور وعلاقات (طباعة)
القاعدة في ليبيا.. جذور وعلاقات
آخر تحديث: الإثنين 19/12/2016 06:15 م
عبدالباسط غباره - تونس عبدالباسط غباره - تونس
مع عودة ظهور قضية مقتل زعيم كتيبة "المرابطون"، والقيادي في تنظيم القاعدة الإرهابي، مختار بلمختار بعد تداول أنباء عن القضاء عليه في غارة جوية فرانكو-أمريكية منتصف نوفمبر الماضي في ليبيا، يعود الحديث عن تواجد التنظيم داخل الأراضي الليبية.
وكانت جريدة الشروق الجزائرية، نقلت عن الموقع الإلكتروني المتخصص في قضايا الدفاع والاستراتيجية "تي تي أو"، أن طائرتي رافال فرنسيتين، قامتا يومي 14 و15 نوفمبر الفارط، بإطلاق ثلاث قنابل مكنت من تدمير العديد من المنازل؛ حيث كان يتواجد أبو طلحة الليبي بمعية بلمختار ورفقائه. ويعد بلعور، القيادي في القاعدة من أهم المطلوبين لأجهزة المخابرات الدولية خلال العقدين الماضيين، حيث تشير تقارير إعلامية وأمنية أنه ينشط خلال السنوات الأخيرة في الجنوب الليبي قادما إليه من مالي وهو ما يعيد السؤال حول حقيقة وجود التنظيم ومدى توغله في ليبيا. 
وتعود جذور نشاط تنظيم القاعدة في ليبيا إلى ثمانيات القرن الماضي، عندما أعلنت مجموعة ليبية تأسيس الجماعة الإسلامية المقاتلة مؤلفة من مقاتلين ليبيين عادوا من ساحات القتال في أفغانستان؛ حيث قامت الجماعة بعمليات مسلحة في مواقع مدنية وأمنية بليبيا في تسعينيات القرن العشرين بهدف إسقاط نظام العقيد معمر القذافي. إلا أن القوات المسلحة الليبية وأجهزة الأمن قضت عليهم، واعتقلت مجموعة كبيرة منهم.
 وأعلن تنظيم القاعدة بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2007 عن انضمام الجماعة الليبية المقاتلة إلى صفوفه. وفي عام 2009 قام زعماء الجماعة بمراجعة أفكارهم وقدموا اعتذاراً للدولة، الأمر الذي أدى إلى إطلاق سراحهم.واختار أعضاء الجماعة تأسيس إطار سياسي جديد وبديل، سموه الحركة الإسلامية الليبية للتغيير، أعلنوا عنه في بيان تأسيسي يوم 15 فبراير/شباط 2011.ومع بداية الاحتجاجات ضد حكم القذافي مطلع عام 2011 شارك أبناء الحركة في المعارك ضد النظام، ومنهم عبد الحكيم بلحاج الذي كان قائد المجلس العسكري بطرابلس.
وبعد سقوط نظام معمر القذافي، انقسمت الجماعة الليبية المقاتلة على نفسها، إذ كون عبد الحكيم بلحاج حزب الوطن الذي لم يفز بأي مقعد في المؤتمر. وكونت مجموعة أخرى من الجماعة حزب الأمة الوسط، بقيادة سامي الساعدي الذي حصل على مقعد واحد، شغله عبد الوهاب القايد شقيق أبو يحيى الليبي. وكونت الجماعات السلفية حزب الأصالة والمعاصرة المقرب من دار الإفتاء، قاده علي السباعي، ولم يفز بأي تمثيل.فيما ارتبطت بعض مجموعات الجماعة المقاتلة بكتائب عدة في طرابلس وبنغازي.
وفي أكثر من تصريح صحفي، نفى زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة السابق عبد الحكيم بلحاج، علاقته بأي حراك مسلح، معتبراً أن اتجاهه لممارسة العمل السياسي من خلال حزبه "حزب الوطن" دليل على ذلك، لكن حادث قصف منزل أبوطلحة الليبي، ليل الاثنين 14 نوفمبر 2016 بمنطقة القرضة جنوب ليبيا، أعاد للأذهان الحديث عن صلة زعامات الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا بالتنظيم مجدداً، فعبد المنعم الحسناوي المعروف بأبي طلحة الليبي والذي يعتبر من أبرز زعامات الجماعة ظهر في تسجيل مرئي برفقة مختار بلمختار، أحد زعامات القاعدة في المغرب العربي في صحراء ليبيا.
ورغم إعلان السلطات العراقية عن مقتل الحسناوي في إحدى غاراتها الجوية على أحد معاقل الإرهاب في أبريل 2014، إلا أن الحسناوي ظهر من جديد في جنوب ليبيا بعد تكليفه من قبل نائب وزير الدفاع بحكومة المؤتمر الوطني خالد الشريف، وهو الآخر من قيادات الجماعة الإسلامية المقاتلة، بإنشاء قوة عسكرية لتأمين مناطق بالجنوب الليبية عرفت باسم "غرفة عمليات ثوار ليبيا فرع الجنوب " و"مجلس شورى جنوب ليبيا".
كما تحدثت تقارير صحافية عن عديد الأسماء التي ارتبطت بالقيادي البارز في تنظيم القاعدة بليبيا عبد الباسط عزوز، والذي اعتقلته السلطات التركية على أراضيها في ديسمبر من عام 2014، كان من بينهم الحسناوي وشخصيات أخرى اعتبرتهم مصادر صحافية غربية من قيادات تنظيم أنصار الشريعة المصنف تنظيماً إرهابياً من قبل مجلس الأمن.
وقالت صحيفة المرصد الليبية إن الحسناوي المكلف من المؤتمر الوطني برئاسة غرفة ثوار ليبيا بالجنوب الليبي، كان يشرف على خط إمداد خلفي لمقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي، وأشارت إلى أنه كان يتنقل عبر مدن الجنوب لشراء السيارات والأسلحة من السوق السوداء بمبالغ مالية مغرية.فيما أكدت أن إحدى أهم شحناته المرسلة على متن جرافة عبر مصراتة تعرضت مطلع السنة الجارية إلى قصف جوي قبالة سواحل بنغازي أدى إلى إغراقها.
وفي مايو 2014 اتهم اللواء المتقاعد، في ذلك الوقت، خليفة حفتر أعضاء بالمؤتمر الوطني بدعم المجموعات المتطرفة التي تقاتل الجيش والشرطة وتنتمي لتنظيم القاعدة.وأضاف حفتر، في مقابلة مع "المصري اليوم"، أن الأموال الرهيبة التي تغدق على عناصر القاعدة من أعضاء في المؤتمر والحكومة، على حد قوله، كفيلة بتوفير أي نوع من الأسلحة في مقابل أسلحة الجيش الليبي المستهلكة.وتساءل حفترعن جدوى إجراء انتخابات في ليبيا في ظل الفوضى التي تعم البلاد، مؤكدًا أن القاعدة في ليبيا تمارس أخيرًا أعمالاً لا يمكن تحملها فكيف ستُجرى انتخابات وسط قطع الرءوس والأيادي والتمثيل بالناس واحتجازهم في أماكن بعيدة بخلاف أعمال السلب والنهب.
ورغم إعلان فرع تنظيم القاعدة في ليبيا والمعروف باسم الجماعة الإسلامية المقاتلة، تخليه عن مبدأ القتال وإلقائه السلاح، إلا أن مراقبين للشأن الليبي يؤكدون عودة نشاطه تحت مسميات جديدة لا سيما علاقته بتنظيم أنصار الشريعة الذي نشط في ليبيا بداية عام 2012. ويعد مجلس شورى" مجاهدي درنة"، من أبرز الجماعات القاعدية في المنطقة، التي ذاع صيتها بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي من معظم مناطق "درنة"، وسرعان ما سيطرت هي على المدينة بأكملها، وقد تشكلت تلك الجماعة في أواخر 2014.
ويضم شورى درنة مجموعة من الميليشيات المسلحة خاصةً بقايا أنصار الشريعة، وجيش الإسلام، شهداء بوسليم، ويُعد الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، منذ تشكيله على يد قيادات قاعدية تاريخية في التنظيم الناشط في شمال إفريقيا، وقيادات أخرى من الجماعة الليبية المقاتلة الفرع العسكري الموالي للإخوان المسلمين في ليبيا أيضاً، مثل زعيم التنظيم السابق سالم دربي قبل مصرعه.
أما مجلس شورى "ثوار بنغازي"، فيتكون من ائتلاف ميليشيات إسلامية بينها "أنصار الشريعة" وهو تنظيم إسلامي تابع لتنظيم القاعدة فكريًا، ولواء 17 فبراير، وكتيبة راف الله السحاتي، وتقاتل تلك الجماعات ضد الجيش الليبي، وأعلنت جميعها مبايعة القاعدة في 2014.أضف إلى ذلك، ميليشيات مجلس شورى" مدينة أجدابيا"، أبرز الحركات القاعدية في وسط ليبيا، والتي كان هدفها السيطرة على منطقة الهلال النفطي، إلا أن القوات الحكومية حالت دون ذلك في أواخر 2015، ليعود هذا التنظيم للساحة مرة أخرى، خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد الهزائم المتكررة لداعش وتآكل عاصمته المزعومة في "سرت" والتي حررتها قوات البنيان المرصوص.
أما تنظيم القاعدة في "المغرب العربي"، فقد أعلن عن تواجده مرة أخرى في ليبيا ودعا عناصره إلى النفير إلى هناك، في كلمة أذاعها التنظيم عبر مواقع تابعه له أواخر أكتوبر الماضي، لأبو مصعب عبد الودود، زعيم التنظيم هناك، بعنوان "بنغازي ومعركة الصبر".وجاءت كلمة عبد الودود إشارة في إلى أن التنظيم باق في بنغازي وعلى كافة أنصاره الهجرة إلى ليبيا لمناصرة التنظيم في معاركه ضد قوات الجيش الليبي.
وفي الجنوب الليبي يسيطر تنظيم المرابطون والذي يتزعمه "مختار بلمختار"، على قطاع كبير من الصحراء الغربية، وحدود متشابكة مع مالي وتشاد، وظهرت علاقة تلك الحركة بالميليشيات الشمالية بداية 2015، حيث قدمت الدعم لها بعد المعارك العنيفة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، وظهر بلمختار في تسجيلات مرئية داخل بنغازي.
وفي بيان نشر على موقع تويتر في 2 يونيو الماضي، أعلن قادة يمثلون عددا من الكتائب الإسلامية في ليبيا عن تشكيل سرايا الدفاع عن بنغازي وهي مجموعة أسست من أجل "الدفاع عن بنغازي"، وبعد فترة وجيزة من صدور البيان، أطلقت سرايا الدفاع حملة عسكرية ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشيرخليفة حفتر في شرق ليبيا.وفي تقرير على موقع "مؤسسة جايمس تاون" الأمريكي، ذكر الكاتبان ناثانيال بار ومادلين بلاكمان، أن "سرايا الدفاع عن بنغازي" تمثل أحدث مجموعة إسلامية في غرب ليبيا تهدف لإضعاف قبضة حفتر على السلطة في الشرق.وحسب بيان المجموعة، يتمثل "المصدر الوحيد في ما يتعلق بالتمويل والقتال" في دار الإفتاء، وهي سلطة دينية برئاسة الشيخ الصادق الغرياني الذي تعترف به بعض الفصائل على أنه مفتي ليبيا.
 وقد كان الغرياني من أبرز المنتقدين لحفتر وعبر مرارا عن دعمه للفصائل الإسلامية والجهادية ضد الجيش الوطني الليبي وبرز أيضا كأحد أقوى المدافعين عن "سرايا الدفاع عن بنغازي"، حيث حث الجماعات المسلحة الليبية للتوحد تحت رايتها.كما أن هناك علاقة بين قيادة المجموعة وبين الائتلاف الأوسع المعارض لحفتر. وقد كان أحد كبار قادتها، مصطفى الشركسي، المتحدث السابق باسم القوات الجوية التابعة للمؤتمر الوطني العام الذي يهيمن عليه الإسلاميون، والقائد الآخر هو إسماعيل الصلابي، وهو قائد "كتيبة راف الله سحاتي"، والذي لديه علاقات مع أطراف إسلامية مناهضة لحفتر في غرب ليبيا.
وفي أواخر شهر يوليو 2016، وبعد أن زعمت "سرايا الدفاع عن بنغازي" أنها أسقطت طائرة مروحية تقل ثلاثة جنود فرنسيين (تنفي بعض المصادر إدعاءات المجموعة وتؤكد أن المروحية تحطمت بسبب مشاكل تقنية)، بعد عدة أيام من الحادث، نشر بيان نسب لأحد قادة التنظيم، مختار بلمختار، حث فيه الليبيين على "الالتفاف حول علمائهم الصالحين"، وأثنى على وجه التحديد على الشيخ الغرياني لـ"كشفه عن الحقيقة في وجه الباطل".وهو مااعتبره الكاتبان تعبيرا عن دعم الغرياني ويمكن تفسيره على أنه تأييد ل"سرايا الدفاع عن بنغازي"، نظرا لراوابط المجموعة معه، ما يعزز الشكوك حول علاقاتها مع تنظيم القاعدة.
وفي 20 جويلية 2016، كشف تقرير للأمم المتحدة عن الإرهاب في ليبيا، تمكن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم المرابطون الموالي له، وجماعة أنصار الدين، من إقامة علاقات مع جماعات ليبية محلية مسلحة لتهريب الأسلحة والأشخاص، وتأمين وجود وتنقل مختار بلمختار بحرية في أرجاء البلاد، حيث استغلت الجماعات الإرهابية حالة الانفلات الأمني والفوضى السائدة هناك، لتنفيذ مخططاتها في محاولة ضرب الجزائر وتونس، وإجهاض مساعي المصالحة في مالي.
وفي مقال نشر في مارس 2016 على النشرية الإخبارية "المسرى" التابعة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ألمح أحد كبار قادة "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"، أبو عبد الالاه أحمد، إلى نمو نموذج التنظيم في ليبيا وردا على سؤال حول ما إذا كان للتنظيم فرع في ليبيا، أوضح أن الإدانة بالولاء لتنظيم القاعدة هو أقل أهمية بالنسبة للجماعات الليبية من قتالهم لـ"عدوان" الغرب وحلفاءه المحليين، كما فسر أن توحيد جميع الجماعات الليبية تحت راية تنظيم القاعدة يتطلب "وقتا وجهدا وتضحيات جميع الأطراف". وهي تصريحات تبرز، حسب الكاتبين، اختيار تنظيم القاعدة لعدم الكشف عن علاقاته مع الجماعات المحلية وهو خيار حافظ عليه أيضًا في ما يخص "سرايا الدفاع عن بنغازي.
وفي الأشهر الأخيرة، حقق الجيش الوطني الليبي نجاحات كبيرة ضد الإسلاميين والكتائب الجهادية في بنغازي، لكن سرايا الدفاع عن بنغازي تهدد بعكس هذه النجاحات والإلقاء ببنغازي مرة أخرى في حالة من الصراع. ويرى مراقبون أن علاقة هذه المجموعة بالجماعات الجهادية والفصائل الإسلامية المؤثرة تسمح للمجموعة بالحصول على دعم واسع من الأطراف المسلحة في ليبيا، ما يجعل منها قوة عسكرية مهمة، كما أن عملياتها تلقي الضوء على استراتيجية تنظيم القاعدة وتنامي نفوذه داخل المشهد الليبي.