بوابة الحركات الاسلامية : الإخوان بين مفترق الطرق.. قراءة في البيان الأول للمكتب العام الجديد (طباعة)
الإخوان بين مفترق الطرق.. قراءة في البيان الأول للمكتب العام الجديد
آخر تحديث: الأربعاء 21/12/2016 03:52 م
الإخوان بين مفترق
احتدم الصراع بين الجبهتين الكُبرَيَيْن جبهة محمود عزت وجبهة الشباب في جماعة الإخوان، وقد وصل الأمر إلى الإطاحة فعليًّا بجبهة الأول القائم بأعمال المرشد؛ حيث أعلنت الجبهة المناوئة له، والتي كان يقودها القيادي محمد كمال الذي قُتل في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة قبل شهرين- عَقْدَ اجتماع في القاهرة أول أمس لمجلس الشورى الذي انتخب وسط خلافات العام الماضي، بعدما كان أعضاء «مجلس شورى الإخوان في الخارج» والمحسوبون على جبهة عزت والأمين العام للجماعة محمود حسين عقدوا اجتماعاً الشهر الماضي.
وقد تمسك ما يسمى بـ«مجلس شورى الإخوان العام»، الذي تم تشكيله مؤخرا من جبهة اللجنة الإدارية العليا، وسط تقزيم وعدم اعتراف وتجاهل من جبهة القيادات التاريخية، في أول بيان له بقرار «شورى رابعة» بالاستمرار في المسار الثوري لإعادة الرئيس المعزول محمد مرسي.
وأكد المجلس، أن المكتب العام للإخوان، في طريقه لبناء خريطة تحالفات سياسية جديدة، مع قوى ثورية وشبابية، لم يسمها، بالإضافة إلى حركات التحرر في العالم والتكتلات المدافعة عن الحريات والحقوق، بحسب نص البيان.
كما تعهد المكتب العام للإخوان، بتطوير اللائحة الداخلية للجماعة، لتطوير العمل وترسيخ المؤسسية، وبناء بيوت الخبرة والمؤسسات المتخصصة التي تقود محاور العمل في الفترة المقبلة بالجماعة.
وكانت الصفحة الرسمية لمحمد منتصر، متحدث جبهة محمد كمال، الذي لقي مصرعه، في اشتباك مسلح مع أجهزة الأمن، أكتوبر الماضي، أعلنت عن انعقاد مجلس شورى الإخوان في القاهرة، والخروج بقرارات مهمة، في منشور هو الأول من نوعه، لانحسار دور الجبهة المعادية للقيادات التاريخية بقيادة القائم بأعمال المرشد محمود حسين، التي نفت أي انعقاد للمجلس، وأنكرت عليه كافة القرارات الصادرة من طرفه.

نقد البيان

محمود كمال عزت
محمود كمال عزت
بدايةً من توجيه الشكر للمعزول محمد مرسي، ووصفه بالصامد، وتوجيه التحية لمحمد بديع ووصفه بالبطل المثابر، ووصف باقي من تلوثت أيديهم بالدماء من الإخوان القابعين خلف القضبان بالمجاهدين والمجاهدات- يتضح أن هذه الجبهة إنما تؤسس في أول بيان لها للعنف، وتتوعد الشعب المصري بمزيد من الإرهاب؛ حيث اختلط الأمر لدى الجماعة، ويقدمون دينًا لا يعرفه الشعب المصري فيصبح القتل وسفك دماء الأبرياء جهادًا في سبيل الله، ومن المعروف للعامة قبل الخاصة أن تلك الجماعة في أدبياتها إنما تقر بامتلاكها صحيح الدين والحقيقة المطلقة؛ فإما أن يكون الفرد إخوانيًّا وإما أن يكون خارج جماعة المسلمين، هكذا تربت قيادات هذه الجماعة وقواعدها من السمع والطاعة إلى الولاء للجماعة والبراء من مخالفيها، بما يجعل الجماعة دوما تستخدم خطاب إقصائي ومتعالي عمن سواها من الحركات والجماعات والأفراد، وظهر هذا جليًّا في مقولتهم: "والتأسيس للمشروع السّني كمشروع حضاري منافس يعمل على معالجة جراح الأمة ومقاومة الاستبداد والاستعمار، واستعادة ريادة الأمة الإسلامية من جديد"، فهل تكون ريادة الأمة بحمل السلاح والاعتداء على الوطن والمواطنين، فلا ننسى كلمات القيادي الإخواني "صبحي صالح" عندما تعرض للعنف في إحدى المظاهرات المناهضة لجماعة الإخوان وعند سؤاله في المستشفى قال ما نصه: "سأموت على دين الإخوان" فأي دين هذا الذي يعتقدون فيه؟ هل لهم دين آخر غير الإسلام الذي نعرف؟ إن هذه الجملة وهذا الخطاب إنما يؤكدان على نظرة الإخوان الفوقية والمتعالية التي ينظرون بها للمجتمع والدولة.
تسمية البيان ومجلس الشورى المنتخب الصادر عنه هذا البيان بـ"شورى رابعة" إنما يؤكد على الاستمرار في العنف، واتخاذه منهجًا في سبيل تحقيق أهدافهم، فكما يعلم الجميع أنه تم تحويل اعتصامي رابعة والنهضة وضمهما إلى "هولوكوست" إخواني يحثون العالم من خلال الحديث عنهم بالمظلومية، فيقول البيان " ..التمسك بقرار "شورى رابعة" والاستمرار في المسار الثوري كطريق رئيسي لكسر الانقلاب العسكري، وانطلاق مشروع تحرير الوطن والأمة." 
هذا الخطاب إنما هو خطاب عدائي للدولة والمجتمع في المقام الأول وكأن الوطن مغتصب أو مستعمر يريدون تحريره من أيدي مغتصبيه، وكأن الشعب المصري لم يخرج منه ما يزيد على 30 مليون في 30 يونيو 2013، لإزاحة رئيسهم وعزله، فهل تستطيع الجماعة أن تواجه هذا العدد أو أن تحاربه وتحرر الوطن منهم على حد زعمهم، فقد اعترف العالم أجمع بنظام الحكم الحالي، وبعدما تكشفت الحقائق وضرب المخطط الإخواني الأمريكي من قبل الشعب المصري هذا المخطط الذي يسعى جاهدًا لتقسيم المنطقة وعمل "سايكس بيكو" جديدة، اعترف العالم بهذا النظام وقدرة الشعب المصري والتفافه جول قواته المسلحة ومدى الترابط بين الجيش والشعب، باعتراف أشد الخصوم لهذا النظام ومهندسي تقسيم المنطقة هيلاري كلينتون وأعوانها وهذا ما رصدته في كتابها الأخير، أن الجماعة بهذا البيان لا تعادي الدولة أو الحكومة فحسب، بل تعادي المجتمع في المقام الأول. ويتضح ذلك في هذا الجزء من البيان، كما يؤكد المكتب العام أن قضية المعتقلين على رأس أولوياتنا، ولا تنازل عن الإفراج الشامل عن كل المعتقلين دون استثناءات، ولا تنازل عن القصاص ورد الحقوق للمصابين وأسر الشهداء.
أما بخصوص ما ينبئ عنه هذا البيان من قراءة الوضع الداخلي للجماعة، فقد دارت صراعات عديدة بين الجماعة بعضها البعض حول استخدام العنف والمصالحة وغيرها من الأمور التي أدت في النهاية إلى شقاق واسع بين جبهتين متصارعتين داخل الجماعة جبهة لندن بقيادة الشيوخ وعلى رأسهم محمود عزت وإبراهيم منير اللَّذين يمتلكان خيوط اللعبة التمويلية وماليات الجماعة والقائمين في لندن والذين يملكون شبكة من العلاقات الدبلوماسية مع فاعلين حقيقيين في الشأن الدولي لقربهم من صناع القرار في البلدان المتواجدون فيها وعلى رأسهم بريطانيا وألمانيا وأمريكا، ويتبنون الخط السلمي والدعوي في هذه الفترة الحرجة من فترات الجماعة وتمارس عليهم مجموعة من الضغوط لتبني هذا الموقف والمطالبة بالمصالحة مع النظام حتى لا يتم تصنيفهم وتصنيف الجماعة بالإرهاب، والجبهة الثانية ما يطلق عليها جبهة الشباب والتي يتزعمها القيادات الموجودة حاليًّا في تركيا والتي تتلقى تمويلًا تركيًّا وقطريًّا وسعوديًّا والتي تميل للعنف وتستخدم خطابًا إرهابيًّا وعدائيًّا في المقام الأول، وتؤكد على أن استعادة السلطة لا يكون إلا باستخدام العنف، كما هو واضح في هذا البيان، ولم تستطع هذه الجبهة اتخاذ موقفها هذا قبل توتر العلاقات بين مصر والسعودية، مما يؤكد على أن السعودية وقطر تقومان بالضغط غير المباشر على مصر من خلال هذه الجبهة، خصوصًا أن العمليات الإرهابية كانت قد قلت في النصف الأول من 2016، في الداخل المصري، وانحصر الإرهاب في منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء، وإبان توتر العلاقة بين مصر والسعودية ظهرت على السطح مرة أخرى التفجيرات في شوارع القاهرة إلى أن وصل الأمر لتفجير الكنيسة البطرسية واتهام قطر بشكل مباشر بأنها الممول لتنفيذ هذه العملية، مما يؤكد أن جبهة الشباب تغلبت في الفترة الأخيرة على إيجاد ممول لها بديلًا عن تمويل الجماعة الذي بيد جبهة محمود عزت، ولا بد للجماعة أن تدفع مقابلًا لهذا التمويل، وهو الكثير من العمليات الإرهابية في الداخل المصري.
كل هذا وغيره إنما يؤكد أننا لسنا أمام جماعة واحدة للإخوان بل نحن أمام جماعتين مختلفين تكتيكيًّا وليس استراتيجيًّا، فالهدف واحد وهو الوصول للسلطة في مصر، بينما الوسيلة والتمويل والظروف الذاتية والموضوعية مختلفة، وبناء على هذا علينا إعادة التفكير في كيفية التعامل مع هاتين الجبهتين.

نص الوثيقة

محمد منتصر
محمد منتصر
البيان الأول للمكتب العام للإخوان المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
"إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران: 160).
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ومن والاه، وبعد،
فيتوجه المكتب العام للإخوان المسلمين – مكتب الإرشاد المؤقت – بالتحية إلى السيد الرئيس الصامد محمد مرسي، وإلى الشهداء الأبرار من أبناء دعوتنا الذين قدموا أرواحهم فداء لهذا الوطن، وتحية إلى المرشد العام للإخوان المسلمين المثابر البطل وإخوانه أعضاء مكتب الإرشاد والأحرار خلف الأسوار، وإلى الإخوان والأخوات، المجاهدين والمجاهدات، والمرابطين والمرابطات في ميأدين الثورة، وفي شتى بقاع الوطن، وإلى المهاجرين المثابرين المحتسبين، تحية من الله وسلام عليكم، فمنكم بعد الله عز وجل ومن صمودكم وثباتكم في الميأدين وفي السجون نستمد عزيمتنا، ونستلهم القوة التي تحقق النصر بإذن الله.
لقد اختارنا الله عز وجل، وقد كلفتمونا بأمانة عظيمة، لنحمل هموم هذه الأمة، ونقود جماعة الإخوان المسلمين، لتكون القاطرة نحو التحرر والنصر من جديد، وهو ما يلزمنا بأن نعاهد الله عز وجل، ونعاهد الإخوان المسلمين على بناء مشروع متكامل يقود الأمة لانطلاقة حضارية حقيقية، من خلال رؤية واضحة، ترصد الواقع بدقة وتستشرف المستقبل.
إن ما تعاني منه الأمة الآن من جروح غائرة في شتى أنحاء جسدها، ونزيف دماء المسلمين في شتى أنحاء العالم، لهو منطلق رئيس لإعادة تجديد دعوتنا المباركة على نهج إمامنا المؤسس الشهيد حسن البنا، والتأسيس للمشروع السّني كمشروع حضاري منافس يعمل على معالجة جراح الأمة ومقاومة الاستبداد والاستعمار، واستعادة ريادة الأمة الإسلامية من جديد.
ويؤكد المكتب العام للإخوان المسلمين التزامه بقرار مجلس الشورى العام المنتخب، بالتمسك بقرار "شورى رابعة" والاستمرار في المسار الثوري كطريق رئيسي لكسر الانقلاب العسكري، وانطلاق مشروع تحرير الوطن والأمة.
ويؤكد المكتب العام للإخوان المسلمين، أن امتلاك أدوات النصر بتعريفاتها الشاملة هو قرار استراتيجي لا تراجع عنه، وسنعمل على بنائها وتطويرها بشكل دوري ومستمر، حتى نتمكن من تحقيق تقدم في الصراع مع الانقلاب العسكري ومن يدعمه من نظم فاشية واستعمارية، كما نؤكد أن بناء خريطة تحالفات سياسية جديدة مبنية على أرضيات مشتركة مع القوى الثورية والشبابية، والقوى الفاعلة في المجتمع وحركات التحرر في العالم والتكتلات المدافعة عن الحريات والحقوق - هو أحد ركائز العمل في الفترة المقبلة.
ويتعهد المكتب العام للإخوان المسلمين بتطوير اللائحة الداخلية للجماعة، لتطوير العمل وترسيخ المؤسسية، وبناء بيوت الخبرة والمؤسسات المتخصصة التي تقود محاور العمل في الفترة المقبلة بالجماعة، وإلحاق كافة الكفاءات والخبرات في الصف بها، ليتحول العمل كليًا بالجماعة إلى عمل مؤسسي متخصص ومنظم، كما نتعهد برفع كفاءة المنظومة التربوية، وتطوير المسار الدعوي بالجماعة؛ لمواجهة الأجندات الفكرية والعقائدية المختلفة، بتقديم بناء فكري، ومشروع متكامل ومتماسك بديل عن الأطروحات التي يتم تسويقها في المجتمع بعيدًا عن المنهج الإسلامي.
إن الشباب الفتي ذو الكفاءة والحيوية، وكذلك أصحاب الخبرات ممن لهم باع وعقود من العمل داخل التنظيم - هما الرهان الرئيس سواءً بسواء للمرحلة المقبلة من مستقبل دعوتنا، وكذلك تمكين المرأة من المشاركة في المراكز القيادية هو حق أصيل للأخوات يتكفل به المكتب العام للإخوان.
كما يؤكد المكتب العام أن قضية المعتقلين على رأس أولوياتنا، ولا تنازل عن الإفراج الشامل عن كل المعتقلين دون استثناءات، ولا تنازل عن القصاص ورد الحقوق للمصابين وأسر الشهداء.
ويشدد المكتب العام على أن الترابط الوثيق بين أبناء جماعة الإخوان المسلمين هو ركيزة أساسية لحفظ هذه الجماعة وتطورها؛ لذا فإننا نمد أيدينا إلى كافة أبناء جماعة الإخوان المسلمين من الشباب ومن قيادات المراحل السابقة، ولكل أبناء الدعوة - الذين أبعدتهم الخلافات يومًا - فلا سبيل للنصر إلا بوحدة حقيقية بين أبناء جماعتنا، ونتعهد بألا نبرح باب إخواننا الذين لم يلحقوا بركاب الانتخابات القاعدية الشاملة حتى يفتحوا قلوبهم وصدورهم لنا، ويلتئم الصف من جديد، فلا تنازل عن وحدة جماعتنا.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون} (النور: 55).
الله أكبر ولله الحمد
المكتب العام للإخوان المسلمين
القاهرة – الثلاثاء – 21 من ربيع الأول 1438هـ
20 من ديسمبر 2016م