بوابة الحركات الاسلامية : الإرهاب بين أولويات المرحلة وعبقرية المواجهة (طباعة)
الإرهاب بين أولويات المرحلة وعبقرية المواجهة
آخر تحديث: الإثنين 09/01/2017 05:03 م
منير أديب منير أديب
مواجهة التنظيمات المتطرفة من أهم أولويات المرحلة التي تعيشها مصر والمنطقة العربية، ولا نكون مبالغين إذا قلنا إنها أصبحت من أهم الأولويات التي يضعها النظام العالمي الجديد مع قدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مع تسلمه للسلطة في 20 يناير الحالي.
لا شك أن المجتمع الدولي وقع في أخطاء كبيرة لها علاقة بالتعامل مع تنظيمات التطرف والتوظيف السياسي لها على مدار أكثر من خمسين عامًا، ولعل دعم المجاهدين العرب في عام 1979 في أفغانستان شاهد على الأخطاء التي نتج عنها ظهور تنظيم قاعدة الجهاد والتي باتت نواة فيما بعد لتنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش".
 على مدار ثلاث سنوات وقع المجتمع الدولي في فخ الاستخدام السياسي للتنظيمات المتطرفة للمرة الثانية، وقد بدا ذلك واضحًا وجليًا بعد ثورات ما يُسمى بالربيع العربي، فتنظيم "داعش" صنيعة أمريكية بامتياز ولا خلاف على أنها بنت البيئة العربية ولكن تم زرعها ورعايتها من خلال الأمريكان وحلفائهم.
 هدف القوى العظمى التي ساعدت في زراعة التنظيم المتطرف منذ اللحظة الأولى لاحتلال العراق في العام 2003 تقسيم المنطقة العربية وفق مؤامرة مخطط لها مقصود منها ابتلاع الأرض بواسطة تجريف الأنظمة السياسية المستقرة أنداك لصالح الفوضى التي نراها شاهدة على الأوضاع في أكثر من عاصمة عربية منها طرابلس ودمشق على سبيل المثال.
لا توجد نية حقيقية لمواجهة "داعش" من قبل الأمريكان وحلفها، خاصة وأن التنظيم نجح في نشر مزيد من الفوضى في أغلب العواصم العربية سواء من خلال أفرع التنظيم في ليبيا وسوريا أو من خلال التنظيمات المتحالفة معها، كما حاولت ذلك في مصر ولكنها فشلت، وهو ما سعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية ومازالت، فضلًا على أن هذه التنظيمات حققت أمن إسرائيل في المنطقة التي زرعت فيها، قد تكون المعادلة صعبة ولكنها حقيقية سعت إليها القوى العظمى التي غيرت مؤشر المواجهة في اتجاه التنظيمات المتطرفة بعدما كان قلق إسرائيل من التطبيع هاجسًا محركًا لها خشية المواجهة التي تتوقعها مع عواصم عربية ترى أن ذلك جزء من أمنها القومي.
تنظيم "داعش" أتاح سوقًا جديدة للبترول بخلاف السوق المستقرة التي كانت تتحكم فيها دول الخليج والمنطقة العربية لوقت قريب حتى ظهر بائع ثالث وسوق جديد، "داعش" على رأسه وبسعر بخس وهو ما كان أداة ضغط كانت ومازالت على الدول المنتجة للبترول وساعد في انخفاض أسعاره ولعله كان سببًا في إحداث طفرة في الاقتصاد التركي بعد تهريبه من المناطق التي يٌسيطر عليها التنظيم عبر السوق السوداء في الداخل التركي.
  الدولة المصرية ترفع على كاهلها مواجهة التنظيمات المتطرفة داخل وخارج الحدود على اعتبار أن محطة التنمية لن تتحقق إلا بمواجهة الإرهاب الذي يقف عقبة أمام تنمية شاملة في الاقتصاد والبشر معًا، فلا يمكن لهذه التنمية أن ترى النور امام الكارهين للحياة بكل صنوفها طالما أصلوا لذلك وجعلوه شرعًا من دون الله.
الدور المصري في المواجهة يرسم سياسة المنطقة ويُعبر عن فهم وإدراك بالظروف السياسية المحيطة وفي نفس الوقت يؤكد على فهم طبيعة هذه التنظيمات التي قد تفتقدها دول نظنها كبرى ولكنها ليس لديها أي رؤى حقيقية لفهم هذه التنظيمات أو حتى مواجهتها، وهنا يمكن أن نقول ونحن مطمئنين إن بعض هذه الدول صادقت هذه التنظيمات وعملت معها في خندق واحد.
اكتوت مصر بنار الإرهاب وسوف تظل لسنوات ليست بالقصيرة خاصة وأن التوجه المصري الجديد لا يرتبط بالحد من خطورته أو صرفه ولو مؤقتًا عن حمل السلاح وإنما المواجهة الشاملة والمعركة الصفرية للقضاء على هذه التنظيمات وهو ما سوف يكلفها وقتًا وجهدًا ومالًا وسلاحًا واستقرارًا يسعى النظام لوضعة ولكنه رأي أن الأولى حفظ الأمن أولًا وبهده يتحقق كل شيء.
 
خطة المواجهة
لا يمكن مواجهة التنظيمات المتطرفة بالشكل العسكري فقط وإن كانت المواجهة العسكرية أمرًا هامًا، فالتصفية الجسدية للإرهابين لا يمكن تجاهلها ولا التقليل من شأنها ولا أهميتها رغم أنها تمثل فقط 7% من التصور المنطقي والسليم لمواجهة رؤوس الإرهاب التي أطلت على مجتمعاتنا في غيبة الرؤى الصحيحة للعلاج من المرض المزمن والقاتل الذي زحف على الجسد العربي والإسلامي، بينما تقف المواجهة الأمنية والتي يمكن أن نختصرها في المعلومات الاستخباراتية وجهد تبادل المعلومات والوصول إليها وفهم طبيعة التنظيمات المنوط مواجهتها 32%، وتحتل المواجهة الفكرية بأدواتها قرابة 61% المتمثلة في تجديد الخطاب الديني بل وتجديد الفكر الديني وتجديد الخطاب الثقافي والتعليم وغيرها من الأدوات المهمة في هذا الإطار.
انشغل العالم وهامت المنطقة العربية لوقت طويل في فكرة مواجهة الإرهابي وليس الإرهاب بمفهومة الشامل، حتى إذا ما نجحت الأجهزة الأمنية في تصفية هؤلاء الإرهابين ظهر جيلٌ جديدٌ يمثل خطورة أعمق وأشد من الذي سبقة لسبب بسيط أن المواجهة فقط انحصرت في هؤلاء الإرهابين وليست في أسباب الإرهاب التي كانت تُولد هؤلاء الإرهابين وتمثل مفرخه لهم.
مازالت مصر تواجه تحد كبير في مواجهة الإرهاب عبر بعض مؤسساتها التي شاخت أو التي لا ترى أهميه في تحركها وقد لا تتسق أفكارها مع المنظومة العامة؛ المؤسسة الدينية من أهم هذه المؤسسات ورغم دعم الدولة لها إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك لسبب بسيط هو أنها غير مؤمنة بفكرة التجديد أو أن قياداتها غير مؤهلين لهذا الإجراء وأظن أنها الثانية.
لم تدخر الدولة جهدًا في الاهتمام بهاتين المؤسستين على الأقل بعد ثورة 30 يونيه، فبعد تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي للسلطة استقبل في قصر الرئاسة كلٌ من وزير الأوقاف وشيخ الأزهر لحث كلا المؤسستين على تقديم الإسلام الحقيقي الوسطي بعيدًا عن تطرف الرؤى التي عمت سماء المنطقة وحتى يكون الأزهر منارة في المنطقة العربية كجزء من خطط مواجهة التنظيمات المتطرفة خارج الحدود، ورغم ذلك انشغلت كلا المؤسستين بالخلاف الذي دب بينهما، وتفرغ كلٌ منهما لقضايا أخرى ضيعت من فرص المواجهة وهو ما كان له انعكاس على تنامي الإرهاب لفترة طويلة وهو ما أضطر الرئيس معه في أكثر من مناسبة لتوجيه اللوم لشيخ الأزهر فتارة يطالبه بتجديد الخطاب وتارة أخرى يُطالبه بتجديد الفكر الديني، تارة يَطلب منه الإصلاح الديني وتارة يُشهد عليه الملأ.
أظن أن مواجهة الإرهاب من أهم انجازات النظام السياسي الحالي وأهم ما يشغله، فلا يمكن أن تتحدث عن الصحة العامة لمريضك بعدما يتفشى المرض في جسده وهنا لا يُصبح للعلاج أي أثر، فالمرض يقاومك ويهزمك كما يفعل الإرهاب، ولا يمكن للتنمية أن تحقق شيئًا إذا ظهر الإرهاب، وقد تكون هذه هي المعضلة التي تواجه مصر وفشل رؤسائها وزعمائها في قراءتها أو تشخصيها.
قد يكون العلاج صعبًا وقد تنال يد الطبيب بمشرطه أعضاء حيه في الجسد، ولكنه الحل الوحيد للبقاء، فدائمًا يخلف الألم فرحة وسعادة وراحة، وعلى الرئيس أن يوجه رسائله القوية للمؤسسات المعاونة بدءًا من المؤسسة الدينية ومرورًا بالثقافة وانتهاءًا بالتعليم، ولابد أن يضع القائمون على عمل هذه الوزارات رؤية واقعية لمواجهة الإرهاب في بذوره الجنينية وحرس الأرض حتى لا يعود ثانية، وبالتالي يكون الباب مفتوحًا أمام التنمية الشاملة والحياة الطبيعية بعيدًا عن الكراهية التي تفشت في مجتمعاتنا على يد تنظيمات التطرف.
المواجهة تحتاج لإجراء سريع وتدخل حكيم وتوظيف لطاقات تستطيع أن تؤدي وهي كثيرة للمناسبة في المجالات التي ذكرناها ومصر غنية في مواردها البشرية، وأن يعقد مؤتمرًا عامًا تُطرح فيه كافة الرؤى وأن يتم النقاش حوله حتى نخرج بوثيقة مكتملة المعاني وواضحة المفاهيم إزاء المواجهة ويتفق عليها المجتمع على أن تظهر نتائجها في أوقات محددة يراها المجتمع الذي يراقب الدولة في دورها ويشد من أزرها في معركتها طويلة الأمد.