مع تصاعد التوتر في قطاع غزة بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خاصة بعد الغارات الإسرائيلية المتكررة على مواقع في القطاع، والتهديدات التي أطلقتها الأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية، عادت إلى الأذهان إمكانية شن حرب إسرائيلية جديدة على القطاع.
وكان أربعة فلسطينيين أصيبوا في سلسلة غارات من الطائرات الإسرائيلية على مواقع المقاومة في القطاع في السابع والعشرين من شهر فبراير/ شباط الماضي، رداً على صاروخ أُطلق من القطاع وسقط في منطقة مفتوحة في مستوطنات غلاف غزة، بحسب بيان الجيش الإسرائيلي.
وردت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" على التصعيد الإسرائيلي، مؤكدة أن "المقاومة ستقول كلمتها في أي عدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة، على غرار القصف الأخير".
وقال الناطق باسم الكتائب "أبو عبيدة، إن "المقاومة إذا وعدت أوفت، وعلى ما يبدو فإن العدو الإسرائيلي لا يفهم سوى لغة القوة".
وعلى الجانب الإسرائيلي، قال وزير البناء والإسكان يؤاف غلنت، إن "الحرب الأخيرة على غزة كانت بمثابة إشارة إنذار".
وأكد غلنت خلال جولته حول مستوطنات غلاف غزة، أن الجيش الإسرائيلي من المحتمل أن يواجه في المستقبل تحديات عسكرية أخطر من الحرب الأخيرة، وذلك على جبهة قطاع غزة والحدود الشمالية".
وأضاف، "المقاومة الفلسطينية طورت نفسها، ويجب أن نستخلص العبر من الحرب الأخيرة، عبر نقاشات تجري في الكابينت وربط النقاشات بالقيادة العسكرية والأمنية، لنعمل بقوى مشتركة من أجل إسرائيل".
وفي ذات السياق، أكد ضابط إسرائيلي رفيع المستوى في لواء المشاة الإسرائيلي، أن الجيش الإسرائيلي يتطلع للحرب القادمة مع غزة، مؤكداً أن "الحرب الأخيرة في عام 2014 ولت، وأننا نتطلع لما سيحدث وليس فقط ما حدث".
وقال الضابط، بحسب ما نقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إنه "تم الاتفاق على دعم أمريكي بقيمة 120 مليون دولار ليتم إنفاقها لتطوير منظومات إسرائيلية، وتم جزء منها على حدود قطاع غزة وهدف تلك المنظومات الكشف عن حفريات أنفاق بعمق عشرات الأمتار".
من جانبه قال المحلل المختص في الشؤون الإسرائيلية أكرم عطالله، إن التطورات في إسرائيل تدعو للقلق وتدفع نحو تصعيد باتجاه قطاع غزة، خاصة بعد صدور تقرير مراقب الدولة، الذي كشف عن إخفاقات إسرائيل في الحرب الأخيرة على القطاع صيف عام 2014.
وأشار عطالله في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن تقرير الحرب الإسرائيلية الأخيرة، والتحقيقات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واندفاع وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الذي يريد أن يحقق إنجاز إذا ما سقطت الحكومة الإسرائيلية، كل هذه الأمور تستدعي القلق الفلسطيني خشية شن إسرائيل حرب جديدة على القطاع.
وأوضح أن "تقرير مراقب الدولة يشجع الحكومة الإسرائيلية على شن حرب جديدة على غزة لحفظ ماء وجهها، وهو واحد من أهم الأسباب التي قد تدفع إسرائيل لشن حرب جديدة"، مضيفاً، "تصريحات المقاومة الفلسطينية ليست خياراً بل هو أمر واقع، فليس أمام المقاومة سوى الرد والدفاع في حال شنت إسرائيل هجمات على قطاع غزة، مما قد يفتح الباب أمام حرب طويلة في غزة".
الجدير بالذكر أن تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي وجه انتقادات شديدة اللهجة للحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، والمجلس الوزاري المصغر "الكابينت" خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي لم يكن على استعداد كاف لخوض الحرب من جهة، وعدم وجود تنسيق بين الجيش والاستخبارات العسكرية من جهة أخرى، وفشل الجيش في تدمير شبكة الأنفاق التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية.
من جهته قال الخبير العسكري الفلسطيني اللواء المتقاعد واصف عريقات، "إننا أمام قيادة يمينية إسرائيلية، ارتكبت العديد من الحماقات في السابق ويمكن أن ترتكب الحماقات في المستقبل بشن حرب إسرائيلية على غزة".
وأشار عريقات في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن وجود عناصر يجب التوقف عندها بعد قراءة التقدير الاستراتيجي لعام 2016 — 2017 وتقرير مراقب الدولة الأخير، فكلا التقريرين يتحدث عن قصور كبير وإخفاقات لدى الجيش والقيادة السياسية الإسرائيلية، وهذه عوامل تعتبر عوامل منع حرب إسرائيلية واسعة على قطاع غزة في الوضع الراهن، لافتاً إلى أن الاتهامات طالت الكبار من السياسيين والعسكريين الإسرائيليين من بينهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع والمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر.
وأضاف، "هناك ضعف في اتخاذ القرار في إسرائيل في الوقت الحالي، مما سيشكل مانعا أمام التفكير في التوجه لحرب جديدة على غزة، وإنما سيستمر التصعيد الممنهج واليومي الإسرائيلي، الذي يعتبر تصعيد ما قبل الحرب وليس الولوج في الحرب"، مؤكداً "وجود فرق بين الرغبة والقدرة على التنفيذ، وقدرة التنفيذ عن الجيش الإسرائيلي ضعيفة، وقدرة اتخاذ قرار الحرب عن القيادة السياسية شبه معدومة في الوقت الراهن".
وتابع، "إسرائيل تتطلع لتشكيل تحالفات مع الدول العربية، وأي حرب على قطاع غزة يبعد احتمالية التقرب من العرب، الذي يسعى إليه نتنياهو والقيادة الإسرائيلية".
(معاريف)
بينما كانت بتول ابنة الأربعة عشر عاماً تستعد لتناول طعام السحور مع عائلتها، اقتحم مسلحون منزلهم في قرية البارودة بريف اللاذقية، شمال غربي سوريا.
كانت العائلة قد هربت إلى الحديقة الخلفية على وقع إطلاق الرصاص، ثم سمعت المسلحين يدخلون إلى المنزل، قال الأب "كل شيء انتهى، دخلوا المنزل". بعدها بقليل أردي الأب قتيلاً، وبدأت رحلة بتول مع الأسر والتي استمرت ثلاث سنوات.
ولم تكن بتول وحدها التي عانت هذه الشهور الطويلة، ففي هذا الشهر أفرج عن 53 امرأة وطفلا اختطفهم، في آب/أغسطس 2013، مسلحون ينتمون إلى 14 فصيلاً أبرزهم جبهة "النصرة" وتنظيم "داعش" [المحظور في روسيا] والحزب التركستاني الإيغور والجيش الحر، من قرى أوبين وأنباتة وتلا وبيت الشكوحي وبلوطة وأسترية وأبو مكي والحمبوشية وبارودة وبرمسة واليادودة البلاطة والخراطة وكروم عرامو زالكنفة والخربة ووطى عرامو والقليعة وخربة الباز.
بتول التي نجت من الأسر بعد أن تجاوزت السبعة عشر عاماً لم تكن وحدها، 53 امرأة وطفلا، كل منهم يحمل حكايات عن الأسر وعن المسلحين وعن الحياة التي تغيرت، وعن "منزلنا الذي تحول من بيت يمتلئ بالدفء والحنان إلى مركز للقتل والتعذيب"، كما تقول بتول التي أسرت وهي طفلة وتحررت وهي شابة.
53 امرأة وطفلا ليسوا مجرد رقم في خبر أنهم اختطفوا وخبر آخر أنهم تحرروا وبينهما سلسلة أخبار عن مساعي الإفراج عنهم، ولكنهم 53 حكاية تستحق أن تُروى.
بتول
بتول البالغة من العمر17عاما والتي تحررت هذا الشهر مع 53 امرأة وطفلة وطفلا، بدت ضعيفة شاحبة بلباسها الأسود حزنا على والدها الذي قتل أمام أعينها، عندما هاجم المسلحون قريتها البارودة.
بصوتها الذي كان خافتا جدا وبالكاد مسموعا ربما نتيجة الخوف والرعب الذي زرعه المسلحون داخلها، روت بتول تفاصيل الساعات الأولى لهجوم المسلحين على قريتها، حيث قالت "كان عمري حينها 14 سنة.
كنا صائمين استيقظنا لتناول وجبة السحور، عند ذلك سمعنا إطلاق نار كثيف اعتقدنا أن هناك اشتباكات بين الجيش والمسلحين، وبعد ذلك اقترب صوت إطلاق النار، أتى إلينا جنود سوريون وسألهم أبي ماذا يحصل فقالوا له هناك أربعة مسلحين تسللوا إلى القرية ونحاول قتلهم، وقالوا لأبي لا تفتحوا لأحد".
وأضافت بتول "عندما ازداد صوت إطلاق النار هربنا من المنزل إلى الحديقة الخلفية وسمعناهم يدخلون منزلنا، عندئذ قال أبي، كل شيء انتهى، دخلوا المنزل".
كانت أشكالهم مخيفة ومرعبة، وكانوا يصرخون الله أكبر، تتابع بتول "دخلوا الى الحديقة وأطلقوا النار على أبي واردوه قتيلا، لم نستطع الدفاع عنه، وقفنا جامدين، أمي صرخت بهم، ما ذنبا لماذا تقتلونا، بناتي أطفال، كانوا سيقتلون أمي، إلا أننا اجتمعنا عليها، قال أحدهم بسخرية لا تقتلها فهي لاحول لها ولا قوة، وأدخلونا إلى منزلنا بالقوة وبدأوا بجلب جميع نساء وأطفال القرية إلى منزلنا، جلبوا الشيخ بدر غزال وهو امام القرية، امي قالت لي انه الشيخ بدر، ملامحه كانت مختلفة عما كنت اعرفه عليه نتيجة الضرب المبرح الذي تعرض له من قبل المسلحين الذين ادخلوه الى غرفة نومي وقاموا بتعذيبه انا استطعت ان استرق النظر من باب الغرفة حيث قاموا بنزع عمامته والدعس عليها ومن ثم قاموا بنتف لحيته وهم يكيلون عليه المسبات والشتائم الطائفية، هو لم يتكلم ابدا".
"لم استطع الوقوف مطولا، صرت انا الغريبة في منزلي وهم اصحاب الدار، لم اعد استطيع التجول في بيتي". تتابع بتول قولها "احضروا رجلا عمره 85 عاما هو من القرية قال لهم عندما رأى النسوة والاطفال مجتمعين، ما ذنب هؤلاء، عند ذلك اطلقوا النار بكثافة عليه حتى تدفق الدم من كافة انحاء جسده وسقط امامنا، ولم نجرؤ على التكلم او الصراخ كي لا يقتلونا، فهم قتلوا امرأة لأنها صرخت بوجههم متسائلة عن سبب قتل ابنها، اطلقوا النار عليها امامنا، سقطت امام اعيننا".
منزلنا امتلأ بالدم
وقالت بحرقة "تحول منزلنا في لحظات الى مقر للمسلحين، احد المسلحين قال لي ألا تعرفينني، أنا كنت عسكري في الجيش وأعلم أنكم كنتم تطعمون الجيش، وبعد ذلك أتى مسلح آخر وقال لنا نحن من جماعة أسامة بن لادن".
وعن سنوات خطفها التي دامت 3 سنوات ونصف، قالت بتول التي كانت طفلة في تلك الفترة "أخذونا بعد ذلك نحن وجميع الموجودين في المنزل ونقلونا الى دورين ومرج خوخة وسلمى، ومن ثم إلى الغسانية، كانوا ينقلوننا كل ما تقدم الجيش، أخذونا إلى معبر باب الهوى استرقت النظر واستطعت ان اقرأ لافتات الطرق".
وأضافت "الحرص علينا كان من الجيش الحر إلا أنه يأخذ تعليماته من جبهة النصرة".
وتستذكر بتول ايام الخطف فتقول "كنا في الأسر أنا وأمي وأختايا الصغيرتان اللتان تبلغان 11 و8 سنوات، جمعونا في منزل واحد لا نرى الشمس، كنت احلم برؤية الشمس لمدة خمس دقائق.
"عانينا من الخوف، كنت اذا سمعت احد المسلحين يدخل اخاف كثيرا، اشكالهم مخيفة لا يمكن نسيانها انا لم اتعرض للضرب، امي ضربوها هي وبقية النساء من اجل الحصول على الذهب والمال".
واضافت "نقلوني الى المشفى بسبب سوء التغذية ونقلوا لي 4 اكياس دم، عانينا من الجوع والقهر والذل".
بعد تحريرها نقلت بتول إلى المشفى واقامت فيها لعدة ايام كونها كانت تعاني من فقر حاد للدم بسبب سوء التغذية وبعد خروجها من المشفى زارت منزلها في القرية الذي قالت انه تحول الى مقر للمسلحين ومركز للتعذيب جدرانه مليئة بالكلمات الطائفية.
تعاني بتول حاليا من خوف شديد وتقول "أنا الآن أخاف أن أخرج وحدي، خالي يرافقني أينما أذهب، زرعوا فينا الرعب…هددونا بأنهم سيعاودون اختطافنا في حال تحدثنا عن فترة أسرنا، في الأيام الأولى من تحريرنا كنت أقول أغلقوا النوافذ والستائر خوفا من أن يأتوا إلينا".
حال بتول ينسحب على 106 امرأة وطفلاً وطفلة اختطفهم المسلحون من قرى ريف اللاذقية ليحتجزوهم في مكان واحد لمدة ثلاث سنوات ونصف.
فاطمة
لحظات الخوف بدت لدى فاطمة معروف سويد كالتي عاشتها بتول، فتقول "كان لدي 3 أولاد وبنت واحدة عمرها 18 سنة قتلها المسلحون عندما هجموا على قريتنا، حصل إطلاق نار كثيف كنا نائمين وقتها، خرجنا من منزلنا خائفين وهربنا إلى الجبل واختبأنا فيه، زوجي عسكري كان في عمله، وابني الكبير علي كان في المدينة وقت الهجوم".
واضافت "هربت انا وابني حيدر الذي كان وقتها عمره 12 عاما وزين 4 أعوام إلى جبل الحمبوشية، كان المسلحون يحاصرون جميع القرى المحيطة واختبأنا بالجبل حتى حلول الليل كنا حوالي 30 امرأة وطفلا، بعد ذلك هربنا بالليل إلى قرية البارودة واختبأنا بالجبل وبعد ساعات اكتشفوا مكاننا ونادوا علينا كي نستسلم لهم، قتلوا حينها ختام شحادة ابنة أخ زوجي كما أصيبت ياسمين شحادة وشقيقتها لوتس".
تركوا القتيلة ختام بالأرض وأخذونا نحن والجريحتين، نقلونا إلى قرية دورين بقينا فيها أربعة أيام. كنا خائفين جدا ومرتعدين".
واضافت "المسلحون كانوا من جنسيات مختلفة ليبيين وتونسيين وشيشان وأفغان إضافة إلى مسلحين سوريين من القرى المجاورة لنا من دورين وسلمى وغيرها، كانوا جيران لنا وكنا نعيش معا وكان بيننا زيارات".
رأس فاطمة كانت مطلوبا لدى الجماعات المسلحة كون زوجها يقاتل ضمن صفوف الجيش السوري الأمر الذي زاد في مأساتها واجبرها على التخفي باسم اخر لكن سرعان ما اكتشف المسلحون هويتها وعند ذلك قالت فاطمة "كنت أنا مطلوبة بالاسم لأنني زوجة ناظم شحادة الذي يخدم بالجيش السوري وكانوا يصفونه بـ "الشبيح"، قمت بتغيير اسمي واسم أولادي خوفا من أن يكتشفونا.
في البداية احتجزنا مسلحون من جبهة النصرة بعد ذلك سلمونا إلى مسلحي الجيش الحر الذين كانوا من دورين واكتشفوا هويتنا عند ذلك بدؤوا بجلدي بالكرباج على ظهري، وربطوني وهددوني بالقتل والذبح وحكموا عليي بعد ذلك بالجلد كل أربع ساعات.
كنا في هذه الأثناء بقرية مرج خوخة وبقينا فيها حوالي شهرين.
وأضافت "بعد عيد الأضحى بأسبوع اخرجونا إلى خارج السجن الذي هو عبارة عن منزل مغلق النوافذ ولا تدخله الشمس، خرجنا للتنفس بعد كل هذه المدة من الحبس وأتت عند ذلك سيارات مليئة بالمسلحين الأجانب وأغلبهم من الشيشان، بدؤوا بالنظر إلينا لانتقاء فتيات جميلات من بيننا لهم، إلا أن المسلحين المسؤولين عنا لم يرضوا بذلك وقاموا بتهريبنا إلى مدينة سلمى بريف اللاذقية، واحتجزونا هناك".
وأضافت "عذبونا كثيرا، كانوا يضربوننا من أجل الذهب والنقود التي لا نملك منها شيئا، جلدونا أكثر من مرة من أجل المال والذهب وأنا لم أكن أملك إلا خاتم زواجي وأعطيتإياههاه".
وتحدثت فاطمة عن أيام الأسر قائلة. بقينا 3سنوات ونصف، كنا أسرى مع بعض من 9 قرى، جمعونا في منزل واحد، كانوا يهددوننا بأنهم سيأخذون أطفالنا منا، ابني لحد الآن يعاني من الخوف الشديد.
وقالت". في البداية عانينا من الجوع قضينا 3 ايام في دورين لم يطعمونا سوى الخبز اليابس والمعفن، كان أطفالنا يجوعون ولا نعرف كيف سنطعمهم، وبعد ذلك نقلونا الى مرج خوخة ومن ثم إلى سلمى وقضينا فيها 8 اشهر تحسن الوضع قليلا، كانوا يجلبون لنا المعكرونة والرز والبطاطا و الخبز المكتوب عليه دولة قطر، والزيت وحليب الاطفال كان معنا 35 طفلا وطفلة بينهم رضع، في سلمى كنا نطبخ، وضعونا في منزل فيه غرفتين وحمام ومطبخ، كنا نتنقل داخل المنزل بحرية إلا ان الباب كان مقفل علينا ليل نهار ولا نرى الشمس لان النوافذ اغلقوها بالحجارة".
عبودية جنسية
واضافت "عندما جاءتهم معلومات عن صفقة تبادل لأربعين مخطوفا منا بمعتقلين لهم في السجون السورية قاموا بنقلنا الى مدجنة في كنسبا بريف اللاذقية كي يخفوا اماكن تواجدنا، كي لا يعترف الأربعين شخصا من الخارجين على مكاننا، بقينا بالمدجنة عشرة ايام ومن ثم اعادونا الى نفس المنزل في سلمى، بقينا هناك حتى هجم الجيش على دورين وتمركز فيها عند ذلك نقلونا من سلمى الى مدجنة كنسبا وبقينا فيها عدة اشهر، عانينا ايضا من البرد الشديد ولم نكن نستطع الاستحمام ايضا، انتشرت بيننا الامراض، كانوا ينقلون من يمرض منا الى مشافيهم الا انهم كانوا فقط يداوونا بالحبوب المسكنة، اكثر الامراض كانت معوية وجلدية".
"بعد تقدم الجيش باتجاه كنسبا تقول فاطمة "قاموا بتهريبنا إلى مدجنة في بلدة حمبوشية بداما، وتقول فاطمة" عانينا فيها كثيرا من البرد وانعدام الأكسجين والشمس وقلة النظافة، بقينا فيها شهرين وبعد تقدم الجيش نقلونا الى بلدة الغسانية بريف ادلب في فبراير العام الماضي ووضعونا داخل كنيسة الغسانية وبقينا فيها لمدة عام كامل حيث خرجنا منها في فبراير ايضا".
واضافت "بالفترة الاخيرة كانت معاملتهم جيدة معنا، سمحوا لنا بالاتصال بأهالينا".
بعد ستة اشهر من خطفنا سمحوا لي بالاتصال مع اهلي الذين كانوا يعتقدون انني ميتة، اتصلت مع اختي لمدة دقيقة واحدة فقط كان ممنوع ان نتجاوزها".
في تلك اللحظة توقفت فاطمة عن الكلام لتتحدث بعد لحظات والدموع في عيونها قائلة "لن انسى صرخة اختي سراء طيلة حياتي عندما قلت لها مرحبا يا اختي انا اختك فاطمة".
وقالت فاطمة "حتى اللحظة لا اصدق انني رجعت، لم استطيع التعرف على ابني علي عندما رجعت".
البسمة تعود الى وجه فاطمة قليلا اثناء حديثها عن صناعتها للعلم السوري مع رفيقاتها في الاسر خفية عن المسلحين حيث قالت".
خلال الاسر نسجت انا ورفيقاتي العلم السوري بنجمتيه الخضراوتين، كنا نعيد تدوير الالبسة التي كانوا يزودوننا بها واستطعنا نسج العلم السوري من خيوط الصوف، استخدمنا الاسلاك الشائكة وصنعنا منها صنارات لنسج العلم، كنا نخبئه، عملنا اساور وجزادين [أحزمة] من العلم السوري".
دولت
في صفقة التبادل الاولى التي حصلت عام 2014 خرجت دولت وحيد فضة البالغة من العمر 58 عاما من قرية بارودة حيث روت لمراسل سبوتنيك تفاصيل الهجوم على قريتها لتقول "الساعة الرابعة فجر الرابع من اغسطس 2013 استيقظت من اجل السحور لأننا كنا في شهر رمضان وذهبت لإيقاظ زوجي فرايت عددا من الاشخاص اعتقدت انهم مزارعين ذاهبين الى اراضيهم، بعد ذلك سمعت اطلاق نار واصوات تصرخ "قتلوا ابو عادل".. وعندها نظرت من النافذة فرايت امام منزلنا مشهدا مرعبا عشرات المسلحين ينتشرون في الشارع، منزلنا فيه 9 نوافذ، بدأ المسلحون بإطلاق النار على النوافذ، ابنتي كانت نائمة على السرير قمت بسحبها واختبأنا بين الكوريدور والمنتفعات عند ذلك اخذ زوجي بندقيته واطلق النار على المسلحين وقتل منهم اثنين الا انهم قتلوه"
واضافت". بعد ذلك هجموا على المنزل ونحن جالسين بالأرض، اعتقدت انهم سيقتلوننا عندئذ قلت لهم اقتلوا ابنتي اولا واقتلوني لاطمئن عليها انها ماتت ولن تتعرض للاذى والتعذيب، الا انهم لم يقتلونا، وضع احظ المسلحين البندقية على رقبتي وبدأ يهددني بالقتل ان لم اعطيه ما معي من مصاغ ونقود، قلت له ماذا تريدون منا ماذا فعلنا لكم اجابنا انكم تقفون مع النظام وهذا جزاؤكم".
وقالت دولت "بعد ذلك جلبوا عددا من اهالي القرية الى منزلنا، عمي عمره 85 سنة اوقفوه امامنا وقام 4 مسلحين بإطلاق النار عليه.
واضافت "انا خرجت في صفقة التبادل الاولى في السابع من مايو 2014 بصفقة التبادل مع مسلحي حمص القديمة، وبقيت ابنتي معهم، قلت لهم افرجوا عن ابنتي وابقوني انا ولكن لم يرضوا،
هم تعمدوا اخراج كبار السن والمرضى خلال الصفقة الاولى التي خرج فيها 40 شخصا ليرتاحوا من علاجنا".
دولت تركت وراءها ابنتها روان درويش البالغة من العمر 23 عاما، والتي قالت "كنت في العشرين من عمري عندما هاجم المسلحون قريتنا، اخذوا جدي وقتلوه امام عيني واحضروا نساء واطفالا من القرية الى منزلنا بمن فيهم نساء واطفال اصيبوا بشظايا قنابل اطلقها المسلحون عليهم".
روان الفتاة السمراء بدت قوية متماسكة رغم تجربتها القاسية التي عاشتها في سنوات الاسر.
وعن هذه السنوات تتحدث روان لتقول" اخذونا على دورين، هذه الفترة كانت من أصعب ايام الخطف، من هنا بدأت مأساتنا، اطفال جائعين واخرين مصابين ولا توجد باليد حيلة، انا ضمدت جراح المصابين".
تماسك روان ناتج ربما عن ارادتها القوية التي استطاعت من خلالها تحويل مأساتها الى اوقات مليئة بالتجارب.
وتقول روان "منذ البداية كنت احاول ان اشغل نفسي باي شيء لانسى ماساتنا، تعلمت اشياء كثيرة هناك، كنت اشغل وقتي بعلاج المصابين.. كما امضيت وقتي في نسج الصوف، صنعت جوارب للأطفال وقبعات وشالات، وملابس".
روان
"رغم كل شيء كنا صامدين". تقول روان بابتسامة عريضة "نسجت العلم السوري هناك، وخبأته في صدرب. هم اكتشفوا اننا صنعنا العلم السوري، سمعني احد المسلحين الذين يحرسوننا اقول انني اريد خيوطا خضراء لأحيك النجمتين، قال لي انت تنسجين العلم السوري، لكنني انكرت".
روان علمت الاطفال القران خلال الاسر بامر من سجانيها الذين وصفوها بالمثقفة حيث قالت ساخرة "مجرد انهم عرفوا انني حائزة على شهادة البكالوريا وصفوني بالمثقفة، البكالوريا بالنسبة لهم ثقافة، اما بالنسبة لنا فان الجامعة والدراسات العليا هي الثقافة، هم جهلة، عينوني مدرسة على المخطوفين لكي اعلمهم القران الكريم والدين، اعطونا كتبا لتعليم الصلاة، كنت حاول دائما ان املأ وقت الاطفال".
واضافت روان "في الفترة الأخيرة احضروا لنا امرأة قالت لنا ان اسمها اسماء من ادلب لتعليمنا الشريعة.. كانت تدرسنا كتبا عن عقيدة الطفل المسلم التي تتمثل بنبذ الاديان الاخرى وتبث الروح الطائفية، هذه دروس اطفالهم".
ايام الاسر الاولى شهدت ولادة طفل لزوجة عم روان لتحدث ولادته بارقة امل في قلبها انعكست في ابتهاجها الذي بدى على وجهها اثناء الحديث عنه حيث قالت "هلا الشيخ احمد زوجة عمي ولدت ابنها حيدر في الحادي عشر من اغسطس اي بعد ستة ايام من اختطافنا".
واضافت "اصيبت هلا اثناء الهجوم وكانت حامل في الشهر التاسع، هذا الطفل ملأ كل وقتي، كنت اعتني به كون والدته مصابة، انا كنت بمثابة امه الثانية"..
هلا كما روت روان كانت مصيبتها كبيرة كونها لا تعرف اي شيء عن زوجها منذر درويش وبناتها حيث ان منذر قام بتهريب ابنته دينا 6 سنوات الى حرش ابو مكي القريب من القرية وبعد عودته لتهريب زوجته واولاده الذين كانوا مختبئين في احد الجبال اطلق المسلحون النار على هلا واصابوها في قدمها وقام المسلحين بأخذ عم روان والبنات معهم الى منطقة مجهولة.
عند دخول الجيش الى حرش ابو مكي قالت روان انه عثر على دينا وهي الان بصحة جيدة، قالت لنا انها بقيت 11 يوما في حرش ابو مكي ، الا اننا لا نعلم شيئا عن عمي وابنتيه الباقيتين.
واضافت "سمعنا خلال الاسر ان قائد من داعش تبنى الابنتين اللتين كانت اعمارهن اثناء الخطف 4 سنوات ونصف والثانية سنتان ونصف".
اول مرة جلدوني لأنني زورت اسم زوجة ناظم شحادة لأنها كانت مطلوبة، وعندما اكتشف المسلحون ذلك جاؤوا الينا ليلا واخرجونا وهددوني بقطع اصبعي ولكن بالنهاية اكتفوا بجلدي".
واضافت "عانيت لفترة 3 سنوات من مرض المعدة، تقيأت الدم لاكثر من مرة، عالجوني بمشافيهم الميدانية".
أمهات سوريات .. يتذكرن أولادهن في العيد بالدموع والكبرياء
المسلحون بحسب رواية روان جلدوا اغلب النساء".. كانوا يجلدون امرأة تدعى وصال ناصر عمرها 43 عاما كل يوم بدون اي سبب، ولينا قادرو كانت تتعرض للجلد بشكل دوري بسبب اخيها الدكتور سهيل قادرو بحجة علاقاته مع الدولة، في احدى المرات قاموا بجلدها ورش عليها المياه وتركها في البرد لساعات".
روان اشارت الى ان عدد الاطفال المخطوفين كان 35 طفلا من عمر 15 سنة ومادون و20 امراة من عمر العشرين ومافوق، مضيفة
كنا نخاف على الشباب كنا نكذب باعمارهم، خاصة حيدر شحادة، كانوا يهددونه بالذبح منذ البداية".
المسلحون سمحوا لاسراهم بالتواصل مع اهاليهم فقط ليثبتوا انهم احياء وبالتالي يستطيعون عقد صفقات عليهم تمكنهم من استبدالهم بمسلحين تابعين لهم مسجونين لدى الدولة السورية.
وقالت روان "اتصلنا مع اهالينا لإثبات وجودنا، وكانوا يصوروا لنا مشاهد فيديو نهاجم فيها الرئيس الاسد ونطالبه بالسعي لإطلاق سراحنا وتحميله مسؤولية وجودنا في الاسر، اول مرة قاموا بتصويرنا كان مراسل قناة الجزيرة موجودا وهو من قام بتلقيننا ما سنقوله".
واضافت روان "كل مرة كانوا يعدوننا بالخروج كنا نصدقهم، لكنهم كانوا يحنثون".
روان تحدثت عن تفاصيل الصفقة التي انتهت بتحريرهم من الاسر "في اخر مرة جاء الينا اشخاص من منظمة قالت انها تعنى بشؤون الانسان ووعدونا بالخروج بعد شهر وقالوا لنا انهم يتفاوضون مع الجيش لإطلاق سراحنا هم صدقوا معنا لان مدير المنظمة المدعو ابو محمد كانت زوجته واخته وعدد من اقاربه مسجونين عند الدولة".
واضافت" نشبت خلافات بين المسلحين وهذه المنظمة كون المسلحين كانوا يريدون اخراج عدد من المسلحين المسجونين لدى الدولة، كانوا يطالبون باطلاق سراح 2000 سجينا بينهم 70 سجين من سجن حلب المركزي مقابل اطلاق سراحنا، وبعد ذلك كذبوا وقالوا لنا نحن نريد نساء واطفال مقابلنا، وقال لهم ابو محمد يمكن ان نخرج المسلحين المطلوبين لكم مقابل جثث الطيارين الروس".
واضافت "بعد فترة شهر ونصف قالوا لنا ان عشرين شخصا منا سيطلق سراحهم الا ان هذه الصفقة فشلت، مدير المنظمة هاجم الكنيسة التي كنا فيها بالغسانية لإخراجنا رغما عن قائد المجموعة واسمه سعيد".
واضافت "بعد ذلك حاولوا تغيير مكاننا واخذونا في للبداية الى جسر الشغور ووضعونا لساعات داخل قبو لإحدى المدارس ومن ثم نقلونا الى باب الهوى انا رأيت لافتة مكتوب عليها مشفى باب الهوى وبقينا فيها حوالي 24 ساعة على اساس ان التسليم سيتم يوم الاثنين، خرجنا بقدرة الهية،
تمت مبادلتنا ب 54 شخصا بينهم زوجة واخت واقارب ابو محمد، رأيناهم في قلعة المضيق،
نحن لم نكن نحزن عندما تفشل صفقات اخراجنا مقابل مسلحين مسجونين لدى الدولة تقول روان ، لانهم اذا خرجوا سيلتحقون بالمسلحين وسيقتلون اخواتنا واباءنا".
(سبوتنيك)