تتحرك حماس على عدة مسارات تصب في النهاية في إطار الهدف نفسه وهو سحب البساط من حركة فتح، حيث تسعى حماس إلى تكريس قبضتها على غزة، بالتوازي مع الضغط لقيام مجلس وطني جديد يحتويها ويجعلها قادرة على المشاركة في صنع القرار.
غزة - تعمل حركة حماس على ملء الفراغات التي تتركها حركة فتح، سواء في الداخل، وأيضا على المستوى الإقليمي وقد ترجم ذلك في التقارب مع مصر.
وتشهد فتح التي تقود السلطة الفلسطينية أزمة مزدوجة، نتيجة أسلوب التعاطي المثير للجدل للرئيس محمود عباس مع الصراع الإسرائيلي، فضلا عن “سوء” إدارته للملفات الداخلية سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أو داخل فتح نفسها ما ولد شعورا بالقلق على مستقبل الهيكلين.
وتأتي الانتخابات الداخلية السرية التي تجريها حماس منذ بداية العام الحالي، والتي نتج عنها حتى الآن تزعم القيادي المخضرم في كتائب عزالدين القسام يحيى السنوار لقطاع غزة، في سياق إعادة ترتيب أوراق الحركة الإسلامية تمهيدا لمرحلة جديدة ترمي من ورائها إلى لعب أدوار متقدمة على الساحة الفلسطينية، مستغلة هشاشة فتح.
ورغم أن العديد من المحللين يذهبون إلى اعتبار أن حركة حماس بانتخابها للسنوار وتنامي دور الجناح العسكري، تتجه إلى المزيد من التشدد، بيد أن آخرين يرون أن الحركة لن تتخلى عن نهجها البراغماتي الذي سمح لها بتسجيل عدد من النقاط في الأشهر الأخيرة على حساب فتح، وعلى رأسها تحسين علاقتها بالجارة مصر، في مقابل فتور العلاقة بين عباس والقاهرة.
وسجل في الفترة الأخيرة انفتاح مصري واضح على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ العام 2007، وترجم ذلك في فتح معبر رفح الحدودي بشكل متواتر، والسماح بمرور المساعدات والسلع إلى القطاع.
هذا التطور في العلاقات الحمساوية المصرية يصفه البعض بـ“غير المسبوق”، وهو يعكس رضا القاهرة على تعاون الحركة معها في عدد من الملفات المتعلقة بأمنها القومي وفي مقدمتها قضية الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.
ويتوقع أن يتدعم هذا التطور بعد إعلان حماس عن الوثيقة السياسية التي أعدتها والتي تتضمن الخطوط العريضة لسياساتها في الفترة المقبلة، وتقول التسريبات إن الوثيقة تتضمن إعلان فك ارتباطها مع جماعة الإخوان المسلمين.
ويرى مراقبون أن الكيمياء الجديدة في العلاقة بين الحركة الإسلامية والقاهرة، بالتأكيد ستمنح الأولى هامشا كبيرا من الحركة لتكريس سيطرتها على قطاع غزة، وأيضا تعزيز تغلغلها في الضفة الغربية، مستفيدة في ذلك من تزايد الاحتقان الشعبي في هذا الجزء الفلسطيني على أسلوب الرئيس أبومازن.
وأكدت حماس الثلاثاء، توجهها لتشكيل هيئة حكومية لإدارة قطاع غزة. وقال الناطق باسم الحركة حازم قاسم إن الخطوة “تستهدف سد الخلل الدستوري والقانوني الحاصل في العمل الحكومي في قطاع غزة نتيجة رفض حكومة الوفاق لأداء مهامها في القطاع”.
وفي يونيو عام 2014، أعلنت حماس حل حكومتها في غزة عقب إعلان تشكيل حكومة توافق وطني من شخصيات مستقلة بموجب تفاهمات للمصالحة الفلسطينية، إلا أن حكومة الوفاق التي يقودها رامي الحمدالله ظلت تشتكي من عدم تمكينها من قبل حماس من بسط ولايتها على القطاع وتتهم الحركة بتشكيل حكومة ظل تديرها.
فايز أبوعيطة: أي إدارة جديدة للعمل الحكومي في غزة تعد تعطيلا لحكومة الوفاق
من جهتها ظلت حماس تردد اتهامات لحكومة الوفاق بإهمال غزة والتخلي عن مسؤولياتها فيها بما في ذلك إدارة الوزارات الحكومية، وصرف موازنات تشغيلية لها.
وتردد في أوساط حماس أن اللجنة المقرر إعلان تشكيلها قريبا سيترأسها القيادي في الحركة عبدالسلام صيام الذي سبق أن شغل منصب أمين عام مجلس وزراء الحكومة المقالة السابقة التي كانت تديرها حماس.
وفي رد على هذا التمشي أعلن نائب أمين سر المجلس الثوري لحركة “فتح” فايز أبوعيطة أن “أي إدارة جديدة للعمل الحكومي تعد تعطيلا إضافيا لحكومة الوفاق وإعاقة لعملها وتعبر عن إصرار حماس على استمرار سيطرتها المرفوضة وطنيا على غزة”.
وترى أوساط فتحاوية أن الوضع الذي آلت إليه الساحة الفلسطينية، وتضخم طموحات حماس، يتحمل الرئيس محمود عباس جزءا كبيرا منه، بسبب سياساته الاقصائية لرموز منافسة له داخل فتح ما أضعف الحركة كثيرا، وهو ما ينسحب كذلك على منظمة التحرير الفلسطينية التي باتت في وضع يحسد عليه نتيجة الصراعات داخلها.
وتعتبر هذه الأوساط أن هفوات الرئيس محمود عباس لا تنضب، وتعبر عن مخاوفها من الخطوات التي قد يقدم عليها في الفترة المقبلة، مع بدأ الحديث عن مسعى أميركي لإعادة تفعيل محادثات السلام المجمدة منذ العام 2014، بما يتوافق، ومصالح إسرائيل.
واستقبل الرئيس الفلسطيني الثلاثاء، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون الشرق الأوسط جيسون غرينبلات الذي هو في مهمة استطلاعية في المنطقة لبحث سبل إطلاق العملية السياسية مجددا.
ومعلوم أن الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب، تدعم بشكل شبه مطلق التصورات الإسرائيلية للحل، حتى أنها أعلنت عن عدم تشبثها بحل الدولتين، وهذه سابقة من نوعها.
وسيذهب عباس قريبا إلى واشنطن، تلبية لدعوة رسمية من ترامب، ويخشى كثيرون تنازلات قد يقدم عليها الأخير، الذي عزز في الفترة الأخيرة تنسيقه مع إسرائيل وملاحقة النشطاء الفلسطينيين المناوئين لسياساته.
وبالأمس أعلنت حركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين العضو في منظمة التحرير عن قرارها بمقاطعة الانتخابات المحلية المزمع عقدها في مايو، لتنضم بذلك إلى كل من الجهاد وحماس.
وطالبت “السلطة، بوقف التنسيق الأمني والاعتقالات وقطع كافة الاتصالات مع إسرائيل، بالإضافة إلى تنفيذ مخرجات اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني في بيروت، وعلى رأسها عقد مجلس وطني توحيدي بمشاركة كافة الفصائل”.
ومطلب قيام مجلس وطني تشارك فيه جميع المكونات يجمع عليه في الظاهر الجميع، ولكن عباس يبدو مترددا حيال هذه الخطوة لأنها ستعني منح حماس منصة جديدة للمشاركة في صياغة القرار الفلسطيني.
والمجلس الوطني، يمثل السلطة العليا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها، وهو بمثابة برلمان للمنظمة، وقد تأسس عام 1948، وأعيد تجديده عام 1964، ويضم 765 عضوًا موزعين على الفصائل (باستثناء حماس والجهاد حتى الآن) والهيئات والنقابات.
ويقول مراقبون إن عباس لن يذهب في هذه الخطوة لأنه بذلك سيعزز من موقع حماس، التي تتخذ من هذا الهدف أولويتها في الفترة الراهنة. وطالب خليل الحية، القيادي في حماس، الثلاثاء، بتشكيل مجلس وطني يشمل كل الفصائل.
(العرب اللندنية)