حمل مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذى عقد على مدار اليومين الماضيين بعنوان دور القادة وصانعى القرار فى نشر ثقافة السلام ومواجهة الإرهاب والتحديات، عددًا من التوصيات كان أهمها، الانتقال من مرحلة رد الفعل إلى الفعل ونشر ثقافة السلام من خلال برامج تعايش إنسانى على أرض الواقع، مع التركيز على المشتركات الإنسانية والقواسم المشتركة بين الأديان فى كل النواحى العلمية والأخلاقية والخطاب الديني، وتجريم التمييز العرقى أو الدينى وخلافه من خلال التشريعات.
«البوابة» التقت عددًا من مفتى وعلماء الوطن العربى والإسلامى خلال تواجدهم فى المؤتمر، حيث أكدوا ضرورة تفعيل خطاب دينى يعيد للإسلام هيبته ومكانته، ويقضى على ما نُشر خلال عهود اختطافه.
مفتي الكاميرون:
قال الشيخ آمارو، مفتى الكاميرون، إن الدعاة والأئمة يجدون صعوبة فى تأهيلهم عبر رجال الدين المصريين، خاصة أن هؤلاء الأئمة بحاجة إلى ثمن التذكرة التى تمكنهم من التواجد فى مصر، موضحًا أنه بظهور جماعات إرهابية، وفى مقدمتها «بوكو حرام»، يصعب تنفيذ المواجهة الفكرية.
وتابع: فى الآونة الأخيرة ظهرت جماعة «بوكو حرام» الإرهابية، ونفذت جرائم ضد الدول المجاورة للكاميرون، مستخدمين أحدث وسائل الاتصال فى العالم، ونحن نبحث عن مواجهتهم بنفس السلاح المتطور لنشر الدين الصحيح»، مشيرًا إلى أن بلاده تبلى بلاءً حسنًا فى التصدى لهم حتى الآن.
وأوضح «آمارو» أن نسبة المسلمين فى دولة الكاميرون تمثل ٤٠٪ من إجمالى سكان بلاده، يلتحق منهم ٣٠ مواطنًا بجامعة الأزهر كل عام، مشيرًا إلى أن مصر أولى الدول التى فتحت سفارتها فى دولة الكاميرون، فى سبعينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الوقت يرسل الأزهر الشريف مبعوثًا إليهم يمارس مهامه إلى الوقت الراهن.
وطالب مفتى الكاميرون، الأزهر ببناء مركز له فى بلاده، مع توسيع رقعة انتشار مدارسه ومعاهده، لتكون لها أفرع بالبلاد الإفريقية وغيرها من بلاد العالم من أجل دراسة الإسلام الوسطى المعتدل، فضلًا عن إرسال من يحاضرون لهم فى بلادهم.
أوقاف الأردن:
أكد الدكتور إسماعيل الخطبة، مدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف الأردنية، أن الأزهر المرجعية الأولى فى العالمين العربى والإسلامي، وله دور كبير فى نشر الإسلام والسلام على حد سواء، وأن رسالته تتوافق مع الدعوة التى أطلقها الملك الأردنى عبدالله الحسين، التى تهتم بتجديد الخطاب الدينى، وبيان خطأ ما عليه تلك الجماعات المتطرفة.
وقال الخطبة، إن للقادة الدينيين دورًا كبيرًا فى تحرير الشعوب من النكبات والحروب والصراعات، بنشر ثقافة السلام بين شعوبهم، ليحققوا السعادة ويعيشوا فى سلام ورخاء، مشيرًا إلى أن توافق القيادة الدينية والسياسية سيكون له أثر ودور كبير فى عملية نشر السلام.
وشدد مدير عام الوعظ والإرشاد بأوقاف الأردن، على أن الخطاب الدينى بحاجة إلى أن يكون قادرًا على إيصال الرسالة الوسطية والسامية للإسلام، وإعادة ما اختطفه البعض تحت مسمى الإسلام، كى تعيش المجتمعات فى سلام ورخاء، ودور قادة هو تفعيل وتوضيح الخطاب الدينى المعتدل والمتزن والذى يدعو إلى التسامح والسلام.
الشؤون الإسلامية السعودية:
وقال أحمد بن سالم باهمام، ممثل المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالسعودية، إن المملكة تتمتع بخبرة ودراية فى التعامل مع الإرهابيين فكرًا وسلوكًا، من خلال برامج الوقاية والمكافحة لجميع القطاعات بالمملكة، مشيرًا، إلى أن وزارة الداخلية السعودية أعدت برنامجًا، لمواجهة الفكر والتطرف، إضافة إلى إحباط كثير من العمليات الإرهابية، وتفتيت الخلايا التى توجد فى المملكة، وإلى وجود معاهد للمناصحة من خلال استقطاب المقبوض عليهم ونقاشهم علميًا وفكريًا ونفسيًا، والتأهيل والرعاية للمحكوم عليهم.
وتابع باهمام: هناك برنامج تفعله وزارة التربية والتعليم لمناقشة المتطرفين فكريًا، وحوارهم لتوضيح صحيح الدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك أوجه تعاون بين المملكة والمؤسسات الدينية، منها انضمام رابطة العالم الإسلامى والهيئات التابعة لها، التى يرأسها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إضافة إلى بعض البرامج الاجتماعية التى تحقق التواصل بين المجتمعين، مشيرًا إلى أن المملكة العربية استعانت بمعلمين من مصر وليس من أى دولة أخرى، مطالبًا رجال الدين بالابتعاد عن الإعلام.
واعتبر باهمام أن الإعلام يقصّر فى عملية مواجهة المتطرفين، من خلال استضافة غير المختصين، وعدم الحصول على المعلومات الدينية من مصادرها، مؤكدًا أن العالم الإسلامى يقدم جهودًا مادية ومساعدات ومساندات إنسانية لبورما على جميع المستويات (التعليم، والصحة، المرأة، الطفل)، ولكن الإعلام دائمًا ينظر للجوانب السلبية.
الشؤون الإسلامية بالبحرين:
قال الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة، نائب رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمملكة البحرين، إن هذا المؤتمر جاء فى وقت حساس تمر به أمتنا العربية والإسلامية؛ من تحديات كبيرة ينبغى التصدى لها برؤية وعزيمة وصبر، تتمثل فى الإرهاب والتطرف من جهة، وفى دعوات الإلحاد وهدم الثوابت من جهة ثانية، وما تفرضه الصراعات السياسية والحضارية الهدامة من جهة ثالثة، مؤكدًا أن هذا لن يتحقق إلا إذا أخذ القادة من مختلف المجالات مواقعهم الحيوية فى قيادة الأمة لتحقيق السلام بين ربوعها، عاقدين العزم على مواجهة كل تلك التحديات بإصرار وإيمان.
وأكد آل خليفة أن الأمة الإسلامية قادرة على إدارة شئونها باقتدار، من خلال مناراتنا الدينية والعلمية، كالأزهر الشريف، وأخذ زمام الأمور فى ترشيد الخطاب الدينى، وتنقيته مما يشوبه ويعكره، لافتًا إلى أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمملكة البحرين، لن يألو جهدًا فى خدمة الدين الحنيف والدفاع عن قضايا الأمة، داعيًا جميع المعنيين فى الأمة الإسلامية لأنْ يعملوا على التوظيف الصحيح للخطاب الإعلامى والمناهج الدراسية والمنابر الدينية والثقافية، لما لها من أهمية كبيرة فى تصويب المسار وتحصين الأمة وصون ثوابتها ومكتسباتها.
الأوقاف الكويتية:
أكد المستشار سعد العجمى، ممثل وزير الأوقاف الكويتي، أن هناك تعاونًا متبادلًا بين الكويت ومصر بشكل عام، على المستوى الاقتصادي، والسياسي، و الديني، مشيرا إلى وجود ٢٠ ألف طالب يدرسون فى مختلف الجامعات المصرية، والتعاون مستمر على المستوى الدينى والدعوى بشكل خاص، من خلال الدراسات، والتبادل العلمي.
وأوضح العجمي أن الأزهر الشريف لم يخرج متطرفًا واحدًا، كى تتم مهاجمته على هذا النحو فى الإعلام، مشددًا: «نحن المسلمين العرب، غير المصريين، نحزن حين يتم الهجوم على الأزهر الشريف، أو يحاول البعض مهاجمته».
وشدد ممثل أوقاف الكويت على أن «الأزهر لو صحت مقولة اتهامه بالإرهاب وتصدير إرهابيين لكان علماؤنا إرهابيين»، مؤكدًا: الأزهر لا يُعلم إلا الوسطية والاعتدال، ونحن نفخر به.
البشاري:
وأوضح الدكتور محمد البشاري، أمين عام المؤتمر الإسلامى الأوروبي، وعضو مجمع الفقه الإسلامى الدولي، أن مصر رائدة فى تفتيت الخطاب القتالي، فجاء هذا المؤتمر ليوضح شكلًا من أشكال التعاون إلى أن تكون بالقيادات الإسلامية والسياسية والفكرية، لأنه مسئولية مشتركة بين الجميع.
وقال: «إن مصر رائدة فى مجال نشر صحيح الدين، ونبذ التطرف، وعلى الجميع أن يتعاون معها، فلابد من تضافر التعاون بين الشرق والغرب لمواجهة الإرهاب».
وشدد، «المواجهة هى الأفكار وليس السلوك، الذى اعتمد عليه الداعشيون والقتاليون فى تسويق أفكارهم»، مشددًا: لابد من تغير الأوضاع الاقتصادية أيضًا حتى تحصنوا الشباب من أن يقعوا فى فخ الإرهاب.
مفتي الكونغو:
قال الشيخ على موينى، مفتى جمهورية الكونغو الديمقراطية، إن الحركات الإرهابية ليست من الدين أو الفطرة، وليست من الإنسانية، وإنما جاءت للتفرقة بين المسلمين.
وأوضح «مويني» أن بلاده ليس لديها أى مشاكل مع الحركات الإرهابية، لأنها بالأساس لم تتوغل داخل الكونغو، ولكنهم يعرفونها جيدًا، مضيفًا أن بلاده تواجه كل هذا من خلال عقد اللقاءات والمؤتمرات وعبر البرامج التليفزيونية، لتوعية الناس.
وتابع مويني: «الدعوة بشكل عام فى بلدنا تقوم من خلال توعية الناس أيضًا على المنابر، وليس هناك أى فئة معينة متواجدة فى بلدنا للقضاء على هؤلاء، لأن هذه الحركات لم تدخل فى بلادنا، ولهذا نحذر الناس كى لا يدخلوها ويعرفون أنها ليست بحركات إسلامية».
مفتي المالديف:
قال الشيخ محمد رشيد إبراهيم، رئيس المجلس الأعلى للإفتاء بدولة المالديف، إن مصر هى الدولة القادرة على جمع كبار وفطاحل العلماء، من دول العالم الإسلامى وغير الإسلامي، للبحث فى مواجهة ظاهرة الإرهاب والأفكار المتطرفة؛ مضيفًا «نحن معهم نختار الطريق الصحيح، بقيادة علماء مصر».
وأضاف «إبراهيم»، خلال كلمته فى مؤتمر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والذى أقيم بالقاهرة، تحت عنوان: «دور القادة وصانعى القرار فى نشر ثقافة السلام ومواجهة الإرهاب والتحديات»، أن الأزهر له دور كبير فى العالم الإسلامي، فى مواجهة الأفكار الإرهابية والمتطرفة، مشيرًا إلى أن «الأزهريين يقومون بالدعوة الإسلامية، لمواجهة مثل تلك الأفكار المتطرفة، والأزهر هو المؤسسة الوحيدة التى تقوم بأفكار وسطية، بالنسبة للدين الإسلامي».
وقال إن «مصر، بلد الحضارة، شهدت تعميرًا وبناء شمل المسلمين وغير المسلمين، فذهابنا للأهرامات، تأكيدًا على أن غير المسلمين كانوا يعمرون الأرض، ووجودنا داخل قلعة صلاح الدين، وزيارتنا لمسجد محمد على، أكبر دليل على أن المسلمين واصلوا رحلة البناء».
وأوضح أن رسالة البشرية عمومًا هى الإعمار، ورسالة الإرهابيين عكسها، فلا يمكن أن يكون لهم مكان آخر، ونطالبهم بأن يكون هناك إعمال للعقل، وعودة لصفوف البشر، مؤكدًا أنهم حريصون على التواصل مع الأزهر والمؤسسات الدينية، من أجل تحصين مجتمعاتهم من التطرف والإرهاب، والالتزام بقواعد الدين الوسطي.
مفتي أوكرانيا:
من جانبه؛ قال الدكتور أحمد تميم، مفتى أوكرانيا، إن العمليات الإرهابية لا تقتصر فقط على بعض الدول، ولكنها نالت العالم أجمع، وتحاول الانتشار فى كل البلدان الغربية، مؤكدًا أن الجميع بحاجة إلى نشر الدين الصحيح بين عامة المجتمعات لتحصينهم من الأفكار المتطرفة.
وأضاف تميم، أن هناك تعاونًا دائمًا بين المؤسسات الدينية وأوكرانيا، يتمثل فى تبادل المعلومات المتعلقة بالأمور الفقهية، وإرسال الطلاب للتعليم فى جامعة الأزهر، فضلًا عن الأساتذة المبعوثين من الأزهر، لتعليم الطلاب فى أوكرانيا، من خلال نشر الثقافة الإسلامية، وإرسال بعض حفظة القرآن لمسابقة القرآن الكريم فى شهر رمضان المبارك؛ إضافة إلى المقرئين والدعاة.
وأوضح، أنهم فى أوكرانيا يقومون بإرسال بعض الأئمة الأوكرانيين للدورات المكثفة، التى تقوم بها مؤسسات الأزهر لإعداد الأئمة وتأهيلهم، كى يساعدوا الإدارة فى نشر المفاهيم الصحيحة للإسلام، فضلًا عن المشاركة الدائمة فى المؤتمرات التى تقيمها المؤسسات الدينية.
وطالب مفتى أوكرانيا مؤسسة الأزهر بأن تتعاون مع دولة أوكرانيا، من خلال إصدارات باللغة الروسية والأوكرانية، التى يحتاجها المسلمون هناك، وكذلك القرآن الكريم، بالإضافة لتعريف المواطنة وتثقيف المسلم، والتضحية من أجل الدين والوطن.
وأشار الدكتور أحمد تميم، مفتى أوكرانيا، إلى أن عدد المسلمين يمثل ٥٪، أى ما يعادل ٢ مليون أوكرانى مسلم، من قوميات مختلفة، موضحًا أنهم أصبحوا قلة، خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
ولفت إلى أن المرجع الدينى والروحى لمسلمى أوكرانيا هو الأزهر الشريف؛ لأنه منبر المسلمين على مر العصور، مؤكدًا أن الطلاب الأوكرانيين، الذين يدرسون فى الأزهر عددهم قليل، وبالتالى فنحن بحاجة إلى دعاة الأزهر، لنشر الثقافة الإسلامية، وحماية المجتمع من الفكر المتطرف، ولذلك كان لنا اتفاق مع السفارة المصرية بأوكرانيا لإرسال الطلاب لدورات مكثفة.
وأوضح أن الدولة الأوكرانية منحت المسلمين برنامجًا أسبوعيًا على الفضائية الأوكرانية، لكى نتحدث فيه عن سماحة الإسلام، فضلًا عن برنامج آخر للتليفزيون الرسمى الأوكراني، إضافة لعملنا كممثلين للمسلمين فى مجلس الطوائف والمنظمات الدينية، وهناك تعاون وطيد بين كل المجتمعات المدنية وممثلى الجاليات والقوميات، من شأنه تكاتفنا كجبهة واحدة ضد الأفكار المتطرفة.
مفتي صربيا:
أما الدكتور مولود دودش، مفتى صربيا، فيرى أن الأزهر هو رمز للإسلام الوسطي، ولا يوجد له مثيل فى العالم، مقارنة بالدول الأخرى، لأنهم يفهمون الإسلام كما كان فى عهد النبى الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وأكد أن هناك ضرورة لتجديد الخطاب الدينى لتغيير الزمان، وما حدث من إرهاب فى العالم ليس من عمل المسلمين، لافتًا إلى أن المسلمات فى صربيا تعانين من الاضطهاد بسبب الحجاب، نظرًا لما حدث من أعمال عنف باسم الدين الإسلامي، مضيفًا «جئنا لنتحدث عن الصورة الحقيقية للإسلام، لأن خير الناس أنفعهم للناس». وأوضح مفتى صربيا أن الخروج من الأزمة الحالية ومواجهة التطرف، يجب أن يكون من خلال الاتفاق بين دولتهم (صربيا)، والأزهر الشريف، بزيادة عدد الطلاب المبتعثين للدراسة فى الأزهر، فضلًا عن إرسال أساتذة من جامعة الأزهر لتعليم الدين الإسلامي، والثقافة المصرية للمسلمين فى صربيا.
(البوابة نيوز)