بعض سلفيى «النور» تحولوا إلى «ثوريين».. وتبنّوا مشروعات «لا دينية»
عبدالغفور دخل فى صراع مع «برهامى».. وأبوإسماعيل استقطب «الجهاديين»
يعانى حزب النور منذ الثلاثين من يونيو من نارين.. نار موقف جموع الإسلام السياسى المناصر للإخوان.. وعموم المجتمع الذى لا يفرّق بين حزب النور والإخوان وكتلة الإسلام السياسى بشكل عام.
وأما عن مستقبل حزب النور والدعوة السلفية، فإن جميع المعطيات تؤكد قبول الدعوة السلفية بمجمل الأفكار الحداثية للدولة، ودخول بيت الطاعة للدولة، والمعطيات على الأرض تصبّ فى خانة تراجع الحزب شعبيًا بصورة كبيرة.
فالشيوخ المسموعو الكلمة بعيدو الصيت؛ صاروا يشتَمون بأقذع الألفاظ على وسائل التواصل الاجتماعى، من شباب إسلامى وسلفى. وصارت بعض الجماهير تهاجمهم فى المساجد، وتعتدى عليهم بالقول والفعل، تحول كثير من سلفيى النور إلى سلفيين ثوريين، أو مستقلين، أو إلى خارج نطاق السلفية، وأحيانًا خارج نطاق التيار الإسلامى بشكل عام، وانقلب منهم من ليس له معتقد إلى اللادينية والإلحاد. حصلت «البوابة» على تقييم بعض نواب كتلة حزب النور لأدائهم فى البرلمان، والذى قدمه الدكتور أحمد خليل عبدالعزيز خيرالله، مساعد رئيس حزب النور للشئون الثقافية، وعضو المجلس الرئاسى والمتحدث الرسمى باسم الكتلة البرلمانية لدورة 2012، ورئيس الكتلة البرلمانية لدورة 2015، وتم عرضها على لجان الدعوة السلفية فى كل المحافظات لمعرفة آرائهم فى هذا التقييم.
التوصل بين الإعلام وقيادات حزب النور بعد تقاعد وانحصار الأضواء عن نادر بكار أصبح ضعيفًا للغاية، إذ يرى سلفيو برهامى، أن الوسط الصحفى هو أقبح الأوساط، كما يردد كثير من دعاتهم، وأن الصحفيين هم وجوه متلونة وألسنة كاذبة وأخلاق فاسدة، ولا يجب الحديث معهم أو الثقة فيهم، لذلك يصعب على كثير من الصحفيين التعامل معهم بسهولة.
كانت أيام حزب النّور الأولى ذهبية.. ففى أول انتخابات برلمانية حرة تم عقدها فى البلاد بعد ثورة يناير، حصد حزب النّور واحدًا وعشرين بالمائة (٢١٪) من نسبة المقاعد فى مجلس الشعب، وأثبت نجاحًا أكبر فى انتخابات مجلس الشورى، وعلى أساس الانطباعات التى استُقيت من المصريين الذين صوتوا لحزب النور، جاء معظم التأييد الذى حظى به حزب النّور من الدائرة السلفية والناخبين الأكثر تحفظًا، الذين رأوا فى الحزب بديلًا نقيًّا لجماعة الإخوان المسلمين المتلونة، والتى تستغل الدين من أجل السياسة، بدا حزب النّور، فجأة، البديل النقى الجديد فى السياسة المصرية.
تدهور الأحوال
ومع ذلك، فقد تدهورت الأمور فى سبتمبر من عام ٢٠١٢، امتد النزاع بين د.عماد عبدالغفور، رئيس الحزب، وأعضاء لجنة قيادته إلى العلن، أوضح نادر بكار، المتحدث الرسمى باسم الحزب أيامها، وأهم واجهاته التليفزيونية، أنه منذ تم تعيين عبدالغفور كمستشار خاص للمعزول مرسى لم يعد باستطاعته الاستمرار كرئيس للحزب، أيضًا فيما كان الاحتكاك الحقيقى وراء الكواليس هو الصدام الشخصى بين عبدالغفور وياسر برهامى، رئيس الدعوة السلفية والمحرك الحقيقى (للحزب والجماعة والتنظيم)، فقد كان من الواضح أن الشيخ لا يراعى فصل العمل بين السياسة والدين (أو كما يحلو لأنصار رفض الإسلام السياسى الفصل بين الدعَوىّ والسياسىّ)، ويعمل على توجيه بكار وغيره سياسيًّا، وما زاد الطين بِلة، أن منهج عبدالغفور السياسى كان مختلفًا عن برهامى وجماعته، حذِرًا ولم يرد للنّور أنّ يلزم نفسه أكثر من اللازم بمبادرات حكومة مرسى، فيما اعتقد عبدالغفور أنّه قد حان للإسلاميين أنّ يقفزوا بشكل كامل فى الساحة السياسية.
الأمر الأهم، وهو موقف الحزب من ترشيح حازم صلاح أبوإسماعيل للانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢، والذى لم يؤيده حزب النور.. واكتفى بدعم الإخوان أيامها، مما أفقد الحزب قواعد كثيرة له فى الوجه البحرى، وسحب عدد من مؤيدى أبوإسماعيل مقراتهم فى القاهرة والجيزة، حيث كشف قيادى فى الدعوة السلفية حقيقة تفجّر الخلاف بين «إسماعيل» الدعوة السلفية قبل الانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٢ قائلًا: «الأخطر أنه تم رصد أمر خطير يتعلق بالمقربين من الشيخ حازم، وهو أن معظمهم من «الجهاديين والقطبيين»، فلما سألته الدعوة السلفية الشيخ حازم حين جاءها طالبًا الدعم: لماذا يلتف حولك الجهاديون والقطبيون؟ قال: أنا لا أعرف عن فكرهم شيئًا، هم أناس جاءوا ليدعمونى، فلا أستطيع إبعادهم، فسألوه: لماذا تواجد الشيخ عبدالمجيد الشاذلى ورفاعى سرور معك على المنصة فى أحد المؤتمرات، وأنت تعلم أنه صاحب كتاب حد الإسلام، الذى يؤصل فيه لفكر «التوقف والتبين»؟ والثانى لا يعذر بالجهل، قال أنا لا أعرف عنهم هذا، ومعرفتى بهم كانت عن طريق صديق والدى، مما أحدث شرخًا كبيرًا بين الدعوة السلفية وحازم أبوإسماعيل نتج عنها ابتعاد كتلة تصويته عن الحزب.
فاز حزب النور فى أول انتخابات برلمانية بعد الثلاثين من يونيو بـ١٢ مقعدًا فقط من إجمالى ٦٠٠ مقعد، وأن الأحزاب فى البرلمان تملك ٢٤٦ مقعد، أى ٤١٪ فقط من مقاعد البرلمان.
وقطع حزب النور ورجالات الدعوة السلفية مشوارًا آخر بعد الثلاثين من يونيو، كل ما ذكرناه هو نظرة الآخرين للحزب والدعوة فى الممارسة السياسية، لكن كيف ينظر حزب النور لنفسه؟ وكيف يقيّم أداءه طوال العامين الماضيين تحت قبة البرلمان؟
تقييم النور لنفسه
ما حصلنا عليه من تقييم كتلة نواب النور فى البرلمان لنفسها يؤكد أن الحزب يعتبر نفسه حقق كثيرًا من النجاحات، رغم المعوقات المجتمعية والإدارية، ويرى الحزب ممثلًا فى الكتلة البرلمانية أنه يدفع فاتورة رغمًا عن أنفه من أول ٢٠١١، بل من قبل ٢٠١١، وهى مسألة عدم تفريق الناس فى المجتمع بين التيار الإسلامى ككل وبين التيار السلفى والدعوة السلفية بالإسكندرية كجزء من كل، وبين الأشخاص الموجودين فى حزب النور قبل تأسيس الحزب، والأشخاص الموجودين الآن بعد الثلاثين من يونيو.
تتوجس قيادات عليا فى الحزب من هذا الأمر.. بات يزعجهم بشكل كبير، على حد قولهم، «الناس مش قادرة تدرك أن أبناء الدعوة السلفية عملوا حزب، لازم بقى تدخل جوا وتشوفوا الانفصال الإدارى داخل حزب النور، وتشوفوا العمل اللى بيتم، لأن طبيعة العمل السياسى غير العمل الدعوى، فالخلط اللى الناس بتحاول تضغط عليه لهدف واحد بس، وهو حل الحزب لا أكثر ولا أقل».
اعتبرت كتلة البرلمان، التى قدمت كشف حساب مؤخرًا للدعوة السلفية أنها تدفع فاتورة هذه الدعوى، لدرجة أن النائب أحمد خليل قال فى تفريغ صوتى لتقييم نواب النور الذى حصلت جريدة «البوابة» على نصه «إن هناك بعض النواب داخل البرلمان إلى الآن لا يستطيعون التفريق بين حزب النور وغيره من التيار الإسلامى، أحد النواب الأفاضل قال للنائب أحمد خليل باللفظ: سامحنى.. أنا بعد ما رئيت الولد باللفظ كده بتاع حزب النور اللى كان بيرمى الأطفال من فوق العمارة فى إسكندرية أنا قولت على حزب النور كلام صعب جدًا».
ورد الدكتور أحمد خليل خيرالله بلهجة غاضبة عليه «حضرتك متخيل إن حادثة مشهور فيها مين ده ومين اللى عمل الكلام ده، وده توجهه إيه وفكره إيه، ورفع علم مين، وأنت ضد الكلام ده كله تمامًا، بل بعضهم بيكفرك» وتسمع من نائب محترم يقول لك هذا الكلام: ماذا سيكون رد فعلك.
وأوضح التقرير الذى رفعته الكتلة البرلمانية فى جلسة سرية للدعوة السلفية أن محاولات تهميش الحزب والعمل على إقصائه وقمعه فكرة راسخة فى عقل قيادات وأعضاء كثيرة فى البرلمان الحالى.
إنجازات الكتلة
استعرض النائب أحمد خليل، أبرز الإنجازات التى قامت بها كتلة النور فى البرلمان، واعتبر أنه هو الحزب الوحيد الذى كان لديه تعليقات محورية على مشروع اللائحة الداخلية للبرلمان، وأن مجلس الدولة لما راجع اللائحة وأعاد اللائحة للمجلس بعد تقييمها، وافق على جميع تعديلات النور، واعتبر أن الفضل يرجع للكادر القانونى محمد صلاح خليفة، لأنه، على حد وصف التقييم، كفاءة قانونية.
كما رأى التقييم أن الدكتور عبدالرحمن البكرى، أحد الكفاءات التعليمية فى الحزب، قام بتفجير قضايا كثيرة فى هذا الملف تحسب للكتلة، لما له من خبرة ودراية قبل فترة الانضمام للنور والفوز بالانتخابات البرلمانية باعتباره دكتورًا فى الجامعة، وباحثًا متخصصًا فى الوثائق، رغم أنه ليس متخصصًا فى مجال التعليم، على حد وصف التقييم.
كذلك المهندس محمود هيبة، والدكتور محمود رشاد، فكثير من مداخلاتهم عن الموضوعات الزراعية اهتمت بها الدولة لأنها تحتاج أن تسمع كوادر فنية.
واستعرض التقييم، بقيادة النائب أحمد خليل، أداء النواب محمد عبيدى وعبدالحكيم مسعود ومحمد إسماعيل جادالله الخدمى فى دوائرهم وفى نفس الوقت فى اللجان التى يمثلونها، والمشاركة فى الكلمات واللجان المختصة بها.
واعتبر كلمة الدكتور محمد إسماعيل جادالله عن الخطاب الدينى وارتباطه بالأزهر كرجل أزهرى، يعتمد عليها فى تطوير الخطاب الدينى الذى تسعى إليه الدولة الآن.
وناقش أداء النائب الدكتور محمد عبيدى، فى لجنة الإسكان، منذ الدورة الماضية وهذه الدورة، واعتبر أداءه فى هذه الدورة متميزًا للغاية، لأنه لمس، على حد وصف التقييم، قضايا كثيرة تمس المواطن البسيط، مثل القضايا الخدمية والبطالة.
واعتبر التقييم نجاح النائب عبدالحكيم مسعود فى بنى سويف، وتعاطى الجماهير معه، وتعليق لافتات الشكر له تجاوبًا من المواطنين معه فى البرلمان.
وتحدث عن النائب الدكتور أحمد العرجاوى، واهتمامه بقضايا الصحة وارتباطه بفنيات وزارة الصحة، لذلك موجود فى لجنة الصحة.
أعضاء البرلمان
وتناول التقييم الذى رفعه الحزب للدعوة، تقييم أداء نواب ليسوا من النور.. ولا لهم أى صلة بالحزب، ولكن من باب الاستفادة منهم وعمل تقييم وصلاحية لهم مثل النائبة مريان ملاك فى لجنة الاتصالات، كأداء فنى، حيث اعتبروها متميزة جدًا حتى فى عرضها وتقييمها لبيان الحكومة ورؤيتها فى الممر الرقمى لمصر، ورؤيتها لأداء الاتصالات داخل الحكومة المصرية.
كذلك النائب الدكتور كريم سالم، دكتوراه فى السياسة العامة، وهو مرشح لجنة الخطة والموازنة، والدكتورة هبة هجرس أمين المجلس القومى للإعاقة، والتى أثنى التقييم على أدائها، باعتبارها مهتمة بـ١٢ مليون مواطن لهم حقوق علينا، وقال التقييم إن نسبة الأمية فى مصر مفجعة جدًا،إذا ما قورنت بنسبة الأمية داخل المعاقين هى ٩٨٪.
وقال التقييم إن كتلة النور تبنت اقتراحات الدكتورة هبة هجرس ومجموعة الإعاقة الموجودة داخل البرلمان، ذلك القانون الذى أعده المجلس القومى للإعاقة فى الأساس.
واعتبرت كتلة النور أن الإشكاليات الكبرى فى نظرة المجتمع لقانون الإعاقة، إن الناس تريد تبقى فى مدارس خاصة للمعاقين، مستشفيات خاصة للمعاقين، الدكتورة هبة بتقول هذا الكلام غير صحيح، المفروض المعاقين يتواجدوا فى كل مكان، ولهم نسب حضور وتواجد فى المجتمع. وأخيرا تناول التقييم مضابط البرلمان، فقد اعتبروا أن نواب النور الوحيدين الذين تحدثوا عن قانون السجون وقانون الكيانات الإرهابية.
وثيقة سرية: رجال
لعنة ٣٠ يونيو
وحول تقييم كتلة النور الانتخابية لنفسها طوال الدورتين السابقتين، قال محمود الجمل، الخبير فى الشأن البرلمانى، بعيدًا عن كل محاولات التقييم لنواب حزب النور فى البرلمان، يظل الحزب مطاردًا بلعنة اشتراكه فى حركة ٣٠ يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان.
وأضاف: هذه اللعنة كانت من أسباب تراجع تمثيل الحزب فى مجلس النواب من ١٢٠ نائبًا فى برلمان ٢٠١٢ لستة نواب فى برلمان ٢٠١٥، ويحلو للبعض أن يطلق عليهم من باب التهكم «نصف دستة أشرار».
أضاف الجمل الأمر الثانى هو تحول حزب النور من معارض صاخب أيام حكم الإخوان، وصل بالدكتور يونس مخيون، رئيس الحزب، للتهديد بالانسحاب من لقاء جمع الرئيس المخلوع مرسى بممثلى الأحزاب المصرية، والحديث عن تعيين ١٣ ألفًا من كوادر الإخوان بمختلف مفاصل الدولة، وهو الرقم الذى لم تثبت صحته حتى الآن.
(البوابة نيوز)