بوابة الحركات الاسلامية : مستقبل المسيحية في أرض الميلاد (2) (طباعة)
مستقبل المسيحية في أرض الميلاد (2)
آخر تحديث: الإثنين 27/03/2017 02:59 م
مستقبل المسيحية في
مثل معظم مسيحيي سوريا، يعيش بسام في مخيمات للاجئين، ولا يخطط للعودة إلى موطنه مرة أخرى، بل يبحث عن وسيلة للذهاب إلى الغرب، حيث انتقل شقيقه يوسف إلى شيكاغو قبل عامين، وعلى الرغم من أن يوسف أخوه لا يعمل ولكن زوجته عملت في وول مارت، بسام مثله مثل الكثيرين الذين من شأنهم أن يعجلوا بنهاية المسيحية في سوريا، فلا أحد يريد العودة إلى دياره بعد ما سيطرت داعش على أجزاء كبيرة منها.
في طريق المقابر الواقعة بإحدى القرى، الواقعة على أطراف المدينة، ومع ظهور أول خيط لضوء الفجر اتجه بسام والمشيعون لدفن والد بسام في مثواه الأخير، وعلى طول الطريق كان نعش والد بسام راقدا في أحد السيارات ومعه كاهنا يجلس بجوار النعش، ومن خلفها عدد من السيارات التي تقل أفراد الأسرة والعائلة، ولكن حتى دفن الأموات لا يمر مرور الكرام كان على أسرة بسام دفع 500 دولار حتى يتمكن من دفن والده، الأمر المحرج لبسام العاطل عن العمل منذ بدء الحرب في سوريا، فقامت الكنيسة بدفع المبلغ لدفن التابوت.
كان بسام والعائلة ينتوون أن يستريحوا من عناء الطريق في منزل والد زوجة بسام، والذي يقطن في نفس القرية التي تم فيها دفن الوالد، خاصة وأن والد زوجته دعاهم لقضاء يومهم هذا، ليستريحوا لقاء عناء ومشقة سفرهم؛ ولكن للآسف لم تسر الأمور على مايرام كما كان مخططا لها، فجأة وبدون مقدمات بدأ أفراد العائلة في الركوض ناحية أحد المنازل القريبة والممتدة على مرمى بصرهم، بعدما سمعوا صوت النيران يحيط بهم ومن كل اتجاه.
يحكي زومايا وهو والد زوجة بسام أن منزله امتلأ في غضون دقائق بعائلة بسام التي قصدت منزله بعد سماع صوت الرصاص في الشوارع، ولكن بحلول الظهيرة كان التنظيم قد أسر كل أفراد عائلة بسام البالغ عددهم 230 شخصا.
توسل كاهن الكنيسة لأحد مقاتلي التنظيم الإرهابي بترك عائلته، خاصة وأنهم لا يتبعون أي جماعات مسلحة، ولكن رد الداعشي عليه قائلا: "إنهم يتبعون التنظيم الآن"، في الوقت الذي تسمر فيه زومايا خوفا من إبداء أي تصرف يعكس هويته المسيحية.
وطالب داعش المجتمع الدولي بدفع 23 مليون دولار فدية لهؤلاء الأسرى، بقيمة 100 ألف دولار للفرد، الأمر الذي دفع مجلس الأمن الدولي للاجتماع  لمناقشة محنة الأقليات الدينية فى العراق. حيث علق زيد رعد الحسين، المفوض السامي لحقوق الإنسان عقب الاجتماع بقوله: "إذا بدأنا بالنظر لحقوق الأقليات بعد ذبح داعش لهم فهذا معناه الفشل الكامل في حمايتهم"، مشيرا لسيادة حالة الغضب التي شهدها المجلس إزاء التقاعس الأمريكي، وعدم الوفاء بواجبها ناحية المجتمع الدولي، على الرغم من فاعلية الضربات الجوية التي شنتها ضد التنظيم في سوريا والعراق، إلا أن الولايات المتحدة قدمت معونات إنسانية منذ أكتوبر 2013 ما يقرب 416 مليون دولار فقط، وهو أقل بكثير مما هو مطلوب.
كما علق لي ساكو، البطريرك الكاثوليكي لكنيسة بابل في خطاب له وجهه إلى مجلس الأمن، عبر رسالة إلكترونية قائلا: "الأميركيون والغرب كانوا يقولون لنا أنهم جاءوا لتحقيق الديمقراطية والحرية والازدهار ... ولكن كل ما نعيشه الآن هو الفوضى والحرب والموت ومحنة ثلاثة ملايين لاجئ".

المصير المجهول لمسيحيي العراق:

المصير المجهول لمسيحيي
هناك 3.1 مليون نازح عراقي، 85٪ منهم من السنة. لم يعان أحد على أيدي داعش أكثر من المسلمين أنفسهم، كما تأثرت أعداد كبيرة من الأقليات الدينية الأخرى مثل الأيزيديون الذين تم حصارهم على جبل سنجار في شمال العراق في الصيف الماضي، حيث هددهم داعش بالإبادة الجماعية؛ وكذلك الشيعة التركمان؛ إلى جانب شاباك؛ كاكاي؛ وطائفة المانديين الذين يتبعون يوحنا المعمدان.
الأمر الذي أقره ديفيد سبرستاين، سفير الولايات المتحدة الأميركي والمعني بملف الحريات الدينية بأن المسيحيين المستهدفين في المقام الأول من قبل تنظيم  داعش الإرهابي، وأيضا الأقليات شهدوا جميعا تحولات قسرية من صلب وقطع لرؤوس على مرأى ومسمع من الجميع.
كان من الصعب على كل من الرئيسين بوش الابن الإنجيلي المحافظ؛ ومن بعده أوباما، الليبرالي التقدمي من معالجة محنة المسيحيين بشكل حقيقي، تخوفا من تجدد ما عرف باللعب باسم المسيحسية  وصراع الحضارات، الاتهامات التي تم توجيهها للغرب عام 2007، عندما كانت القاعدة تقوم باختطاف وقتل كهنة في الموصل، الأمر الذي عبرت عنه وزيرة خارجية الولايات المتحدة في عهد بوش الابن كونداليزا رايس بأهمية حماية الحرية الدينية في العراق، وأن الموضوع ذي أولوية بالنسبة لها ولإدارة بوش، وعلى الرغم من ذلك ظل العنف الممنهج ضد المسيحيين دون معالجة، القضية التي ظهرت بعد الغزو الأمريكي للعراق، وتعد مأخذا يحسب على إدارة بوش في عدم قدرتها على التعامل معها وحلها.
وفي الآونة الأخيرة، تم توجيه نقدا لاذعا للبيت الأبيض لاستخدامه مصطلح "مسيحي"، لما تعكسه كلمة مسيحي عن تمييز ديني، وما يحمله مصطلح "اضطهاد المسيحيين" بالشحن السياسي؛ وقد استخدم "حقوق المسيحيين" بديلا عن "الاضطهاد" الأمر الذي بدا جليا عندما أدانت الإدارة الأمريكية مقتل "الأقباط المصريين" في ليبيا في فبراير 2015، مستخدمة كلمة المواطنين المصريين" دون الإشارة إلى هوياتهم الدينية.
انعكس التخوف من استخدام "المسيحية" في إدارة أوباما بشكل واضح، وهو ما بدا عندما أشار إليهم الرئيس الأمريكي في خطاب له في خريف 2015 بـ"المجتمعات"، عندما أراد أن يعبر عن قلق إدارته بنزوح ملايين منهم من أرضهم، قائلا: "لا يمكننا السماح لهذه المجتمعات بأن يتم تهجيرهم قسرا من أوطانهم القديمة"، وتعد قضية اللاجئين قضية شائكة بالنسبة للإدارة الأمريكية، فمن بين أكثر من 122 ألف لاجئ عراقي دخلوا إلى الولايات المتحدة، ينتمي نحو 40% منهم بالفعل إلى الأقليات المضطهدة، خاصة وإن قبول المزيد منهم سيكون صعبا فهناك حدود لما يمكن للمجتمع الدولي القيام به.
على جانب آخر تأخذ إجراءات الهجرة إلى الولايات المتحدة ما يقرب من 16 شهرا على أقل تقدير، وهذا يعد وقتا طويلا جدا، بالنسبة لتداعي الأحداث في المنطقة، مما يعني بموت الكثيرين، إن مصير مسيحيو الشرق الأوسط ليس مجرد مسألة دين فقط، فهو مرتبط بنوع المجتمع الذي ستربط به، فمثلا مسيحيون الشرق الأوسط متضامنين ومتعاطفين مع الفلسطينيين، ولديهم موقف سلبي من إسرائيل إزاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، مما يصعب من اندماجهم مع مسحيين الولايات المتحدة، والذي يرى أغلبيتهم ضرورة أن تحتل إسرائيل فلسطين، حتى يتمكن يسوع من العودة، والمعروف بـ" الحق المسيحي"، الموقف الذي يقطع المسيحيين الشرقيين من الانضمام إلى لوبي قوي قد يعارض خلاف ذلك قضيتهم.
إن مصير المسيحيين في الشرق الأوسط لا يتعلق بكونها مجرد مسألة دينية فقط، بل يمتد أيضا لتغير الخريطة الديموغرافية للسكان في المنطقة والمتنوعة في عرقياتها أو بمعنى أدق كسر للخريطة البشرية الكامنة منذ الأزل في المنطقة. 
وتشير المجلة في تحقيقها عن دور المسيحيين في دولة مثل لبنان، حيث استطاع المسيحيون من لعب دورا قويا في الحكومة، وفي وقت سابق من عام 2015، أغلق لبنان حدوده أمام جميع الفارين من ويلات داعش في سوريا والعراق تقريبا باستثناء مسيحييو الدولتين الهاربين من داعش. وعندما هاجم المتطرفون القرى على طول نهر خابور، أمر وزير الداخلية نهاد مشنوق المسؤول عن الحدود السماح للمسيحيين بدخول البلاد، وبرر مشنوق وهو سني معتدل، إن إيواء المسيحيين هو واجب اجتماعي وسياسي بقدر ما هو واجب أخلاقي.
يلعب التوتر بين السنة والشيعة في لبنان دورا في نظام الرعاية السياسية، والذي قسم المجتمع المسيحي إلى حزبين سياسيين متنافسين، كلاهما ولد من الحرب الأهلية في البلاد منذ 15 عاما. الأولى هي حركة المستقبل المؤيدة للسعودية، وتتألف أساسا من السنة.
أما الثاني فهو حزب الله الشيعي المدعوم من إيران، الحزب الذي تحالف علنا منذ عام 2006 مع الحركة الوطنية الحرة، وهو حزب مسيحي برئاسة ميشال عون. وبالنسبة إلى حزب الله، فإن المسيحيين يتيحون الفرصة لإقامة تحالف مع أقلية أخرى. (من بين مليار ونصف مليار مسلم في العالم، 10 إلى 20 في المئة فقط من الشيعة).
ويرى السياسيون أن هذه التحالفات ما هي إلا لعبة سياسية، خاصة وأن ظهور داعش كتنظيم عزز من هذا التحالف، التحالف الذي جعل حزب الله أن يدفع من 500 إلى 2000 دولار حتى يقاتل الشباب المسيحيين المتواجدين في وادي البقاع اللبناني لمحاربة داعش، فالمسيحيون هنا يقومون بنفس الشيء الذي قد تفعله الولايات المتحدة، وهو دعم إيران كحصن ضد التطرف السني؛ بالنسبة لكثير من المسيحيين في الشرق الأوسط، فإن التحالف مع حزب الله الشيعي يوفر الأمل في البقاء، وإن كانت ضئيلة، فالحرب لم تضع أوزارها بعد، ومن الصعب التكهن بالطرف المنتصر.
تمتد على بعد مئات الأميال من سهل نينوى سلسلة من المدن المسيحية الفارغة، والتي تقع على خط المواجهة ضد داعش في شمال العراق، وتحتل القوات الكردية الأراضي الآشورية والكلدانية والسريانية، والتي استولى عليها داعش فيما بعد مرة واحدة، إضافة إلى بلدة تلسكوف، والتي كان يعيش بها 7 آلاف مواطن، لم يتبق منهم سوى ثلاثة فقط.
وتقوم قوات سهل نينوى، وهي ميليشيات مسيحية اشورية تضم 500 فردا، بدوريات فى البلدة، وتعد هذه الدوريات واحدة من خمس ميليشيات آشورية تشكلت خلال العام الماضي، وتشترك مع ميليشيات أخرى مثل دويخ نوشا، وهي كتيبة تضم أكثر من 300 مقاتل، أكثرهم من المتطوعين، حيث تقوم هذه الميليشيات في هدف مزدوج مع في حماية سهول نينوي، وللمساعدة في تحرير الأراضي المسيحية من داعش وحماية شعوبها، إلى جانب المليشيات الاخرى مثل المجلس العسكري السرياني الذي يقاتل الى جانب الاكراد في شمال شرق سوريا، والكتائب البابلية التي تعمل في ظل الميليشيات التي يسيطر عليها الشيعة في العراق.
يساعد هذه الميليشيات عدد قليل من المواطنين الأميركيين والكنديين والبريطانيين، الذين أحبطوا بسبب تقصير حكوماتهم في قتال داعش، وهؤلاء سافروا إلى سوريا والعراق للقتال من تلقاء أنفسهم، وذلك باسم الإخوة في المسيحية، أو للتكفير عن غزو الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان. فعلى سبيل المثال قام أحد الأمريكيين يدعى ماثيو فانديك، مؤسس شركة أبناء الحرية الدولية، وهي شركة أمنية، بتوفير التدريب المجاني للميليشيات، فاندايك، الذي يبلغ من العمر 36 عاما، سافر إلى ليبيا في عام 2011 لمحاربة قوات معمر القذافي؛ وتم القبض عليه وقضى 166 يوما في الحبس الانفرادي قبل الهروب والعودة إلى القتال. ليس لديه تدريب عسكري رسمي، ولكن منذ الخريف الماضي، أحضر قدامى المحاربين الأمريكيين إلى العراق لمساعدة الاتحاد الوطني الليبرالي، بما في ذلك جيمس هالترمان، المقاتل المخضرم والذي كان مشتركا في حربي أفغانستان والعراق، الشركة تكونت عبر شبكة الانترنت بعد مشاهدة أخبار حول قيام غربيين بمحاربة داعش على في قناة فوكس نيوز، ووفقا لجوزيف بينينجتون القنصل العام في آربيل فإن حكومة الولايات المتحدة لا تدعم مجموعات قتالية مثل فاندايك، وأنهم ليسوا جزءا من الجهود الأمريكية في المنطقة.
وفي العراق، لا تعمل الميليشيات في الجبهة إلا بموافقة قوات البشمركة الكردية التي تستغل قتالها ضد داعش لتوسيع أراضيها إلى سهل نينوي، وهي منطقة متنازع عليها بين العرب والأكراد، حتى ولو كان القتال على بعد 1000 ياردة من القواعد يجب على الميليشيات المسيحية أن تطلب من الأكراد الحصول على إذن؛ في الوقت الذي يطمح فيه الأكراد إلى دمج جميع الميليشيات المسيحية في قوتهم.
نجحت قوات البشمركة الكردية في التحالف مع حزب العمال الوطني، وحزبين آخرين على الرغم من توجس حزب العمال الوطنى. من استغلال الاكراد للقضية المسيحية في الاستيلاء على الأراضي المسيحية من أجل توسيع رقعة أراضيهم الكردية، مع الاحتمال القائم بتخلي القوات الكردية عنهم في ظل اقتراب داعش، في الوقت الذي تبحث فيه الميليشيات سبل حماية شعبها.
وباستثناء قذائف الهاون اليومية أو قذيفتين تطلقها داعش من قرية تبعد مسافة ميل ونصف من وقت لآخر، فإن المنطقة الخاضعة للميليشيات المسيحية لا تعد هدفا حيويا للتنظيم الإرهابي في الوقت الحالي، وذلك بعد أن هزمت الغارات الجوية للتحالف الدولي ضد داعش التنظيم للخروج من تلسكوف في الصيف الماضي، ليتراجع التنظيم حوالي ميل ونصف إلى الجنوب الغربي.
وتطرح المجلة في التحقيق فرضية عن مستقبل الأقليات لو تم افتراض هزيمة داعش، وترى أن مصير الأقليات الدينية في سوريا والعراق لا يزال قاتما ما لم تمنح هذه الأقليات قدرا من الأمن، النتيجة التي توصلت إليها الباحثة نينا شيا من معهد هدسون، وهو مركز للأبحاث السياسية والاستراتيجية، حيث رأت في ظل تآكل النزوح المستمر وسيطرة الأكراد على المناطق المسيحية فمن الصعب تواجد المسيحين العراقيين في أراضي لهم ولن يسمح لهم إلا بالإقامة الكاملة في كردستان، بينما يرى آخرون أنه من الضروري أن يكون للأقليات منطقتها المستقلة، خاصة وأن  المنفى يعد العامل القاتل لموت لهذه المجتمعات، ونقل التحقيق على لسان دكتور سرود المقدسي، عضو البرلمان الكردي قلقه الذي قال: "لقد كنا هنا عرقيا لمدة ستة آلاف سنة، وكمسيحيين منذ 1700 سنة .. نحن لدينا ثقافتنا ولغتنا وتقاليدنا فإذا تم دمجنا لنعيش في مجتمعات أخرى، فسيتم حل كل هذا في غضون جيلين".
ويرى كثير من المسيحيين الآشوريين أن الحل العملي لهم هو إنشاء ملاذ آمن على سهل نينوى، وهو الحل الأكثر واقعية للعودة إلى ديارهم مرة أخرى، ويقول القس إيمانويل يوحانا، رئيس برنامج المساعدات المسيحية في شمال العراق: "لأول مرة منذ 2000 سنة، لا توجد خدمات في كنيسة الموصل.. حتى لو أتى الغرب ببضع مئات التأشيرات لبعض الناس .. ماذا عن البقية الذين تقدر أعدادهم بمئات الآلاف؟ .. إذا تحول العراق إلى ثلاث مناطق - السنة والشيعة والأكراد – هل يمكن أن يكون هناك منطقة رابعة للأقليات؟"، مشيرا إلى إن العراق هو عبارة زواج قسري بين السنة والشيعة والأكراد والمسيحيين، لكنه فشل.