اتهمت وزارة الداخلية في مصر جماعة «الإخوان المسلمين» بالوقوف وراء مخطط لاستهداف الكنائس شمال البلاد بهدف «تأجيج الفتن الداخلية»، وقالت إنها أوقفت 13 شخصاً ضمن أفراد خلية تتبع الجماعة المُصنفة إرهابية في مصر، غالبيتهم من سكان محافظة دمياط في الشمال.
ونشرت وزارة الداخلية صوراً وتفاصيل عن مخزنين للسلاح تم ضبطهما في مزرعتين في البحيرة والاسكندرية (في الشمال) يضمان كميات ضخمة من السلاح والذخائر ومعملاً لتصنيع المتفجرات، علماً أن مخزن البحيرة يعد أضخم مخزن للسلاح يُضبط خارج نطاق محافظة شمال سيناء.
وقُتل الأسبوع الماضي 28 مسيحياً في هجوم بحزام ناسف نفذه انتحاري تسلل إلى قاعة صلاة كنيسة «مار جرجس»، كبرى كنائس محافظة الغربية، وجُرح 77 آخرون، فيما قُتل 17 شخصاً بينهم 7 ضباط وجنود في الشرطة، في تفجير انتحاري بحزام ناسف أمام بوابة الكنيسة المرقسية عندما لم يستطع التسلل إلى الكنيسة التي كان يرأس بابا الأقباط تواضروس الثاني قداس «أحد السعف» فيها، وجُرح 48 من المارة ورواد الكنيسة. وتبنى تنظيم «داعش» الإرهابي في بيان الهجومين. وحددت وزارة الداخلية هوية الانتحاريين، وأوقفت 3 من أعضاء تلك الخلية، ورصدت مكافأة مالية لمن يُدلي بمعلومات تساعد في توقيف 16 فاراً آخرين.
وكانت قوات الأمن دهمت قبل أيام مزرعة في محافظة البحيرة قالت إن قيادياً في «الإخوان» يملكها، وقتلت مسلحيْن. وكشفت وزارة الداخلية تفاصيل عن تلك الواقعة، ونشرت صوراً لمخازن أسلحة تحت الأرض في المزرعة، وغرف كاملة بُنيت تحت الزراعات وفيها معامل متطورة لتصنيع العبوات الناسفة والمواد المتفجرة، وكميات ضخمة من الذخائر من أعيرة مختلفة وأسلحة خفيفة ومتوسطة.
وقالت الوزارة إن معلومات توافرت لقطاع الأمن الوطني تفيد بصدور تكليفات من قيادات «الإخوان» في الخارج للقيادات داخل البلاد بتشكيل مجموعات مسلحة في محافظات دمياط، والبحيرة، والاسكندرية، وكفر الشيخ، وكلها محافظات شمال مصر، لتنفيذ سلسلة من التفجيرات والعمليات العدائية ضد مؤسسات الدولة ومنشآتها الحكومية والمسيحية وعدد من الشخصيات العامة ورجال الشرطة بهدف إحداث حال من الفوضى وعدم الاستقرار والعمل على تأجيج الفتن الداخلية. وأوضحت أنه تم ضبط 13 عنصراً إرهابياً.
ونشرت وزارة الداخلية عقدي ملكية مزرعتين في محافظتي البحيرة والاسكندرية للقياديين في «الإخوان» شكري نصر محمد البر ورجب عبده مغربي، وقالت إنها اكتشفت فيهما العديد من المخابئ السرية تحت الأرض يتم استخدامها كأوكار لتصنيع العبوات المتفجرة وتخزين الأسلحة والذخائر بأنواعها لحين تسليمها للعناصر المنفذة للحوادث الإرهابية. وأوضحت أنه جارٍ ملاحقة عناصر فارة، وأنه تم توقيف 13 عنصراً، 8 منهم من منطقة «البصارطة» في دمياط، و5 من الاسكندرية.
وأفيد أن قوات الأمن استخدمت أجهزة تعطيل المتفجرات أثناء دهم مزرعة البحيرة بسبب تفخيخ محيطها بالألغام الأرضية والعبوات الناسفة، وتم كشف معامل تصنيع العبوات الناسفة ومخازن السلام عبر مجسات أرضية استخدمت في عملية الدهم.
ووفق مصدر أمني، مثّلت الأجهزة والمتفجرات المضبوطة في تلك المزرعة تطوراً مهماً في التقنيات التي وصلت إليها الجماعات الإرهابية، إذ وجدت أجهزة تكثيف وطرد متطورة لتصنيع العبوات الناسفة شديدة الانفجار لا يستطيع التعامل معها إلا عنصر مدرب على التفاعلات الكيماوية.
إجراءات أمنية صارمة
في غضون ذلك، شدّدت أجهزة الأمن المصرية من إجراءاتها جنوب مصر سعياً وراء تضييق الخناق على 16 فاراً متهمين بالتورط في تفجير كنيستَي الإسكندرية وطنطا الأسبوع الماضي، غالبيتهم من سكان محافظة قنا في الصعيد، وبينهم سكان من محافظة البحر الأحمر.
ووسعت أجهزة الأمن في قنا من دائرة الاشتباه في قرى العناصر التي اتهمتها بالتورط في التفجيرين، ودهمت مجموعات قتالية مدعومة بعربات مصفحة وقوات من الأمن المركزي عدداً من البؤر التي يشتبه في أنها تؤوي بعض العناصر ذات الصلة بالعناصر الفارة.
وفرضت أجهزة الأمن إجراءات وتدابير أمنية استثنائية، على مخارج محافظة قنا، بما فيها المدقات الجبلية وكل الطرق الصحراوية. وتواصلت عمليات تفتيش جميع العربات والأشخاص القادمين لمدن قنا وقراها أو المغادرين منها، فيما يخضع مقربون من العناصر المطلوبة لتحقيق يومي من الأجهزة الأمنية. ويتولى فريق أمني رفيع المستوى تنسيق الخطط الهادفة لضبط العناصر التكفيرية المتورطة في تنفيذ التفجيرين.
وقامت قوات الشرطة في محافظة البحر الأحمر بتشديد إجراءاتها على الطرق التي تربط البحر الأحمر بمحافظة قنا، وتم قصر دخول مدن البحر الأحمر، التي تضم منتجعات سياحية عدة، على سكان المحافظة أو من يحملون تصاريح عمل فيها أو الحاجزين في منتجعاتها السياحية.
وفرضت حال من الاستنفار الأمني في مدينة سفاجا، وتم دعم المكامن الأمنية في المدينة بمزيد من القوات خشية تسلل أي من العناصر الإرهابية الهاربة إلى المدينة. كما تحولت مداخل مدينة الغردقة إلى ثُكنات عسكرية، ودهمت فرق من أجهزة البحث الجنائي الفنادق الشعبية والشقق المفروشة في أحياء المدينة بحثاً عن أي عناصر مطلوبة.
في غضون ذلك، دعت مديرية الأوقاف في قنا أئمة المساجد في مدن المحافظة وقراها ونجوعها إلى سلسلة اجتماعات للبحث في سبل مواجهة الفكر التكفيري المنتشر في بعض مناطق المحافظة. وصدر قرار بتشكيل لجنة للمرور على مكتبات المساجد ومراجعة ما بها من كتب، ومصادرة أي كتاب يحمل فكراً متطرفاً.
وزار بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية تواضروس الثاني أمس مديرية أمن الإسكندرية، والتقى قياداتها الأمنية، وأعرب عن تعازيه في شهداء الشرطة ضحايا الهجوم على كنيسة «مار مرقس». كما زار البابا جرحى الهجوم الإرهابي في مستشفى الشرطة في الإسكندرية.
... وسلاح إيراني في حوزة جماعات إرهابية
كشفت السلطات المصرية وجود سلاح إيراني في حوزة جماعات إرهابية شمال سيناء وفي العمق المصري. ووفق معلومات «الحياة»، فإن نوعين من السلاح باتا في حوزة الجماعات الإرهابية يُصنعان حصراً في إيران.
وعلى رغم أنه في الأعوام الثلاثة الماضية ضبطت السلطات الأمنية في مصر كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر في حوزة إرهابيين، منها أسلحة متطورة لا تستخدمها إلا الجيوش وُجدت في مخازن تم دهمها شمال سيناء حيث ينشط مسلحون يتبعون تنظيم «داعش» الإرهابي، فإن تلك الأسلحة الروسية والغربية تُعد من الأسلحة المتداولة في السوق العالمية للسلاح. ويسود اعتقاد الأجهزة الأمنية في مصر، بأن تلك الأسلحة وصلت إلى البلاد بعد سقوط النظام الليبي عام 2011، ونهب قوى وجماعات متطرفة ترسانة السلاح في ليبيا التي اعتمدت إلى حد كبير على التسليح الروسي.
لكن التطور اللافت أخيراً هو ظهور سلاح إيراني في ساحات المواجهة في مصر، سواء شمال سيناء أو في العمق المصري. وعلى رغم أن نوعين على الأقل من السلاح الذي يُصنع حصراً في إيران ضُبطا أخيراً، فإن أجهزة الأمن لا تجزم بتعاون بين إيران والجماعات الإرهابية، فالحقيقة المؤكدة أن «سلاحاً إيرانياً في حوزة الإرهابيين، أما كيفية وصوله إليهم، فهناك احتمالات عدة».
وحسب معلومات «الحياة»، فإن المتطرفين يستخدمون بندقية قنص من طراز متطور مُصنعة في إيران، في استهداف جنود الجيش والشرطة شمال سيناء. وظهرت تلك البندقية في الإصدار الأخير الذي نشره «داعش» لقنص جنود شمال سيناء من على مسافات بعيدة، في محاولة من التنظيم لإثبات وجوده وسعياً وراء التماسك أمام الضربات القاسمة التي يتلقاها من قوات الجيش والشرطة والتي حدّت من قدرته على تنفيذ هجمات مباشرة.
وبعد أن سيطرت قوات الأمن على معاقل التكفيريين شمال سيناء ووسطها، خصوصاً في القرى الجنوبية في الشيخ زويّد ورفح وفي جبل الحلال، تراجعت إلى حد كبير قدرة الجماعات الإرهابية على شن هجمات كبرى تستهدف المكامن الأمنية، أو حتى الدخول في مواجهات مباشرة مع القوات، أو زرع العبوات الناسفة في طريق تحركها.
وأمام تلك المعطيات، لجأ المسلحون المتشددون إلى «القنص» وسيلة لاستهداف قوات الأمن، فتكرر قتل جنود أو جرحهم قنصاً من على مسافات بعيدة في الأشهر الأخيرة. وبث «داعش» فيديو لتلك العمليات ظهر فيها سلاح القنص، وهو من نوع «شاهر» الإيراني.
وفيما تتحرى أجهزة الأمن عن طريقة وصول هذا السلاح للإرهابيين في سيناء، كُشف وجود ألغام أرضية مضادة للأفراد مُصنعة في إيران في حوزة مجموعة إرهابية تتبع جماعة «الإخوان» في مزرعة في محافظة البحيرة شمال مصر. ووفق معلومات مؤكدة، فإن تلك الألغام الإيرانية قد تُستخدم في تفخيخ محيط منطقة وجود الإرهابيين لتكبيد القوات خسائر في حال دهم البؤرة الإرهابية، أو تُستخدم بعد تعديل بسيط كعبوة ناسفة يتم تفجيرها من بعد، أو تستخدم ضمن أدوات التفخيخ. وضبطت قوات الأمن أكثر من 20 لغماً إيراني الصنع مدوناً عليه بالفارسية نوع اللغم وعياره، وهو مخصص للأغراض الحربية، ويقع ضمن نطاق تسليح الجيوش.
وقال الباحث في شؤون الأمن والإرهاب في مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية أحمد كامل البحيري لـ «الحياة»، إن بندقية القنص التي استُخدمت شمال سيناء وظهرت في الفيديو الأخير لـ «داعش» هي سلاح قنص إيراني مُعدل من نوع «شاهر»، لافتاً إلى أن هذا السلاح تنتجه إيران حصراً بعد إدخال تعديلات على نسخته الأصلية «شتاير»، وهي تصنيع نمساوي.
وأوضح أن البندقية «شاهر» أو «الصياد» سعت إيران إلى الحصول عليها من النمسا في التسعينات، لكن إسرائيل تدخلت وأوقفت صفقة تصدير تلك النوعية إلى إيران التي قامت بتصنيع السلاح بعد إدخال تعديلات على النسخة النمساوية، أبرزها زيادة مدى البندقية من 2300 متر إلى 4000 متر، والعيار من 12.5 إلى 12.9، فضلاً عن أن السلاح الإيراني المُعدل أعيرته مخترقة للدروع غير المُصفحة، إضافة إلى زيادة مدى رؤية المنظار في البندقية الإيرانية. وأشار إلى أن التعديلات التي أدخلتها إيران على النسخة النمساوية جعلت الطراز الإيراني أكثر تطوراً، وهو طراز لا يُصنع إلا في إيران. وأوضح البحيري أن البندقية «شاهر إيه إم 50» التي ظهرت في فيديو «داعش» لا تمتلكها إلا إيران وتنظيم «حزب الله» وحركة «حماس».
وأعرب عن اعتقاده بأن «إيران لم تعط هذا السلاح المتطور إلى التنظيمات المسلحة في مصر، على رغم أن في السياسة كل شيء وارد، لكن الأرجح أن تنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء حصل على هذا السلاح الإيراني من خلال عناصر منشقة من كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، في قطاع غزة».
أما في خصوص الألغام الأرضية الإيرانية التي عُثر عليها في البحيرة، فيعتقد البحيري أنه تم تهريبها أيضاً من شمال سيناء، لافتاً إلى أن الأخطر على الإطلاق هو الكشف عن وجود كميات من مادة «آر دي إكس» شديدة الانفجار، ما يؤكد أن تلك التنظيمات الإرهابية مدعومة من دول خارجية. وقال إن قوة انفجار مادة «آر دي إكس» تعادل 8000 مرة قوة «سي فور»، وهي مادة محظور تداولها دولياً بين الأفراد، وتملكها الدول فقط، وتُصنع في مصانع حربية، وحتى مصر لا تُصنع تلك المادة شديدة الانفجار، لافتاً إلى أن تلك المادة يتم تفجيرها من طريق أجهزة طرد كهربائية.
وأوضح أن تلك المادة «لا تخرج من مخزون الدول المُصنعة لها إلا من خلال صفقات تبرمها مع دول أو مصانع أسلحة، وعبر إجراءات وموافقات أمنية مُعقدة جداً، ما يعني أن الكميات التي ضُبطت في البحيرة اشترتها دولة وأعطتها لمهربين أوصلوها إلى الإرهابيين. المؤكد أن دولة ما رعت وصول تلك المادة الخطرة إلى التنظيمات الإرهابية في مصر».
(الحياة اللندنية)