■ حرّض على حمل السلاح لإعادة «المعزول» إلى الحكم وراجعته الجماعة الإسلامية
■ انحاز في السجن إلى مجموعة «أحمد سلامة مبروك» وقبل بفتوى «أبو الفرج» التكفيرية
■ تزوج ابنة قيادى تكفيري قبل أن يختفي فى أوائل ٢٠١٣ من المشهد تمامًا
وعود جديدة بالخلافة الإسلامية، وعمليات دولية قذرة اجتذبت شبابًا جددًا إلى مستنقعات متنوعة، ملوحة بشعار الخلافة الذى لباه الإرهابى مطراوى فاروق، وباع حياته من أجله، ولم يكن يدرى أنه يسير إلى حتفه، لقد تورط مطراوى فى عمليات قتل مروعة لأبرياء، فخسر آخرته، ودنياه.
ولم تكن أفغانستان فقط المستنقع الذى جر الشباب المسلم إلى حتفهم، بل جرت حسابات استخباراتية هؤلاء الشباب إلى مستنقع آخر فى الصومال، هرب إليه بعض الأفغان العرب، وشكّلوا هناك تنظيمات، صارت مطلوبة أمريكيًا ودوليًا، ولم يكن هؤلاء الأفغان العرب مجرد ضحايا أو أبرياء، بل تورط كثير منهم فى أعمال إرهابية، وبينهم من راحوا ضحية حسابات كانت أكبر من عقولهم.
واندفع الشباب إلى مستنقع ثالث هو البوسنة والهرسك؛ حيث هبّوا للدفاع عن مسلمى هذا البلد المنكوب الذين تعرضوا للذبح على يد الصرب فى مجازر وحشية لم يسبق لها مثيل فى ذلك الوقت، وكوّنوا كتيبة فى جيش البوسنة، ولما توقفت الحرب دفع بعضهم حياته ثمنا لوهم لم يتخيلوا أنهم سيصلون إليه يوما ما.
ثم كان المستنقع العراقى والسورى واليمنى وأخيرا الليبى، بؤر نزاع قذرة، وتنظيمات مشبوهة، لا يدفع ثمن الانضمام إليها إلا شباب المسلمين.
التبليغ والدعوة البداية
كان مطراوى فاروق زكى أحد أدواتها، نشأ فى حى عين شمس أحد ضواحى القاهرة الشعبية، وتحديدا فى شارع الزهراء خلف مسجد الغباشى، وأثناء صغره فقد إحدى عينيه أثناء اللعب مع الأطفال أمام منزله، فصار بعين واحدة، وقد عانى كثيرا فى طفولته مما أصيب به فى عينيه، بعدها عرف طريقه إلى جماعات التطرف والإرهاب.
بدأ مطراوى فى جماعة التبليغ والدعوة، حيث خرج لمدة ثلاثة أيام فى مسجد على بن أبى طالب بشارع السيد أحمد، وارتدى ملابسهم من العمامة البيضاء والقميص القصير والسروال تحته، معبرا عن هذه الحالة الشعورية التى تنتاب الخارج فى سبيل الله مع عناصر التبليغ والدعوة.
وفى هذه الأثناء كانت مجموعات الجهاد الإرهابية فى عين شمس تتخفى بالخروج أيضا مع جماعة التبليغ والدعوة، فتعرف خلالها على أحد الشباب والذى أقنعه أن الخروج والانتماء للتبليغ لن يحسم الجولة مع الجاهلية المعاصرة ويجب الإعداد البدنى والروحى والسرى ليوم معركة الفصل مع اليهود والأمريكان ومن يعيق الطريق أمام الطليعة المؤمنة من الحكام وأعوانهم من الشرطة والجيش المصرى.
حسم مطراوى أمره ووجد أن تيار الجهاد الإرهابى هو الذى سيحقق أوهامه، فاختاره بديلا عن التبليغ والدعوة، وعمل محفظا للقرآن الكريم خلف بيته بمنطقة عين شمس فى مسجد الأنصارى، واستقطب الأطفال إليه، لاعبا بعقولهم بأن محطتهم النهائية هى عودة الخلافة.
التخفى من أعين الأمن
سرعان ما اشتعلت منطقة عين شمس بالأحداث من قبل الجماعة الإسلامية فى سنوات ٨٨ و٨٩، الأمر الذى كان يتحسب إليه تيار الجهاد الإرهابى، فأخذ الحيطة والحذر، وفى أواخر عام ١٩٩٠ اجتاحت سلسلة من الحملات الأمنية منطقة عين شمس، وتم القبض على مطراوى فاروق لأول مرة أثناء تعليم الصبيان بمسجد الأنصارى، وتم اصطحابه إلى قسم عين شمس الذى مكث فيه عدة أيام، وتعهد للأمن أنه مجرد معلم للصبيان، وأنه غير منتم للجماعة الإرهابية، وأنه يخرج فى سبيل الله مع جماعة التبليغ والدعوة.
وخرج مطراوى على الفور من الحجز ليحتفظ بسرية نشاطه، فأسس مجموعة لتنظيم الجهاد الإرهابى فى المنطقة، واستطاع أن يضم إليها أشخاصا، عرفوا فيما بعد فى المنطقة بالانتماء لنفس التنظيم وهم أحمد حمدى وأخوه محمد حمدى وأشرف توفيق وأحمد عباس وأخوه حسين عباس.
ووفقا للإرهابى عبدالرؤوف أمير أن مطراوى كان منطويا على نفسه، ولكنه كان نشيطا جدا فى الدعوة الفردية، وكان يتجول كثيرا فى المنطقة المجاورة لسكنه، ويرتاد بعض المساجد للخطابة والتأثير فى الناس، ويدفع عن نفسه شبهات الانتماء للجماعة الإرهابية بالتخفى فى ثوب التبليغ والدعوة.
تنظيمات الطلائع وعين شمس
وانضم مطراوى فى آخر المطاف إلى تنظيم طلائع الفتح الإرهابى أيضا، من خلال معرفته بمجموعة طارق عبدالفتاح من منطقة شبرا والذى أسس مجموعات طلائع الفتح أوائل التسعينيات من القرن الماضى بعد عودته من أفغانستان بتكليف مباشر من أيمن الظواهرى زعيم التنظيم.
وفى أوائل عام ١٩٩٣ تم اكتشاف تنظيم طلائع الفتح الإرهابى بمجموعاته المختلفة، ولأنه استطاع أن يتخفى عن نظر الأمن فترة من الوقت تأخر القبض عليه معهم حتى تم اكتشاف خلية زميله حسام حسن قائد مجموعة الطلائع الجزء الخامس فى عام ١٩٩٥، وتم توجيه تهم التدرب على السلاح والانتماء لتنظيمات الطلائع الإرهابية والاتفاق الجنائى على تنفيذ عمليات ضد الجيش بسرقة السلاح الميرى من الكمائن بمنطقة السويس واستخدامها للتعدى على رجال الشرطة فى المنطقة.
ونزل قرار الاتهام فى القضية رقم ٥/ ١٩٩٥ المعروفة إعلاميا باسم طلائع الفتح الجزء الخامس، وحمل اسم مطراوى فاروق زكى رقم ثمانية، وحكم عليه بالسجن المؤبد، وأودع سجن العقرب، وفى السجن انضم مطراوى إلى مجموعة الإرهابى أحمد سلامة مبروك الشهير بأبو الفرج المصرى.
رفض المراجعات
وعند الإعلان عن مبادرة الجماعة الإسلامية وقف العنف وتبعتها مبادرة سيد إمام الشريف، وافقت مجموعات كثيرة مثل مجموعة إسماعيل نصر الدين ووحيد سعد فكرى، على وقف العنف، لكن مطراوى فاروق انحاز للمجموعات الرافضة للمبادرة وقبل بفتوى أحمد سلامة مبروك المعروف بأبو الفرج المصرى التى كفر فيها كل من يقبل المبادرات والمصالحات مع النظام وبقى فى عنابر المتشددين إلى أن تم نقله إلى سجن أبو زعبل شديد الحراسة.
وبعد ثورة يناير تم نقله إلى سجن الاستقبال بطرة حتى صدر قرار المجلس العسكرى رقم (٩٧٣) لسنه ٢٠١١، بالعفو عن باقى العقوبات السالبة للحرية المحكوم بها على المسجونين الذين أمضوا نصف مدة العقوبة المحكوم بها عليهم، والبالغ عددهم ستين محكومًا عليهم، حيث كان مطراوى قد أمضى أكثر من خمسة عشر عاما فى السجون فى هذه الأثناء فشمله قرار العفو وأفرج عنه.
وبمجرد خروج مطراوى لم يجد المنزل الذى تربى فيه فى منطقة عين شمس، فقد باع والده الحاج فاروق زكى المنزل ورحل إلى منزل آخر بمنطقة الخانكة بالقليوبية، وعلى الفور تزوج مطراوى بعد خروجه ابنة أحد قيادات الجهاد الإرهابية القديمة، الذى كان يثق فى مطراوى بشكل كبير باعتباره ثبت فى المحنة السجن ولم ينحز إلى المبدلين والمغيرين من عناصر الجماعة الإسلامية الذين قبلوا بالتراجعات على حد وصفه.
الالتحاق بالفصائل السورية
ثم اختفى مطراوى فى أوائل عام ٢٠١٣ من المشهد تماما، حيث تردد أنه سافر إلى سوريا، غير أن مصادر أكدت أنه استجاب للهاربين من السجون، ولبى نداء الانضمام إلى الفصائل الإرهابية السورية، فرحل بمجرد أن أقام المعزول مؤتمر مناصرة الثورة السورية فى الاستاد وعثرت السلطات المصرية على وثائق بحوزة عناصر تكفيرية تؤكد التحالف التركى مع داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام، ففى أحد الفيديوهات المحملة على جهاز أحد هؤلاء التكفيريين يظهر رتل من الأسلحة الثقيلة والمدرعات والدبابات التركية المحملة على «تريلات» تأتى من الجانب التركى إلى سوريا عبر معبر «جرابلس» الذى يسيطر عليه تنظيم داعش، وتظهر فى الفيديوهات أعلام التنظيم السوداء، ترفرف فى خلفية الصورة بوضوح شديد.
وعثرت على فيديوهات أخرى يظهر فيها رتل من الأسلحة والمدرعات والسيارات العسكرية التركية، وتعبر من خلال حاجز أمنى تسيطر عليه إحدى الجماعات المتشددة التابعة للقاعدة، قادمة هى الأخرى من تركيا فى طريقها إلى سوريا، ويبدو فى الفيديوهات مقام سليمان شاه الذى لم يمسسه أى سوء رغم أنه واقع فى منطقة يسيطر عليها «داعش»، ويعد مقامًا وضريحًا، ومع ذلك لم يتم تدميره كما فعل ويفعل «داعش» و«النصرة» مع المساجد الصوفية وأضرحة الأولياء والصالحين فى سوريا والعراق، وهو ما يشير إلى العلاقة الوثيقة بين الطرفين داعش وتركيا.
ومن بين المستندات التى وجدت بطاقة الرقم القومى وجواز السفر الخاصين بالمصرى «مطراوى فاروق زكى» من مركز الخانكة بالقليوبية، الأولى برقم ٢٧٠١٢٢٨٠١٠٢٨١١.، وعلى جوازه تأشيرة من مطار إسطنبول بتاريخ ٢٣/٨/٢٠١٣.
حاجز عفرين المحطة الأخيرة
وفى مفاجأة مدوية فى صفوف المتطرفين، كشفت التحقيقات الأولية التى بدأتها قوات الأسايش وهى تعتبر شرطة تابعة لإقليم كردستان فى عفرين بعد تفجير حدث بالقرب من حاجز فى قرية غزاوية بناحية شيروا شمال ريف إدلب، قيام ٦ أشخاص كانوا يستقلون سيارة بتفجير أنفسهم بمجرد الاقتراب من الحاجز، وهم مصريو الجنسية ينتمون لجبهة النصرة.
ووفقًا لمصدر مسئول، تم توزيع بيان عن التفجير فى أسايش عفرين حينها فإن تحقيقاتهم كشفت المزيد حول ملابسات التفجير الانتحارى الذى حدث عند حاجز قرية غزاوية، وأدى التفجير الانتحارى داخل سيارة جيب كانت تقل ٦ أشخاص لمقتل جميع من فيها.
كما كشفت التحقيقات أيضا أن ٥ من القتلى مصريون، كانوا قد حصلوا على جوازات سفر للذهاب إلى تركيا ومنها عبروا إلى الأراضى السورية عبر محافظة إدلب، ويرافقهم طفل يدعى جهاد مطراوى فاروق قتل مع المجموعة خلال التفجير.
وحسب نفس المصدر توجه كل من حازم إسماعيل عبدالكريم أحمد وهو أحد المفصولين من إحدى الجهات الإستراتيجية المصرية برفقة طفليه أسامة ومعاذ إضافة إلى المدعوة أسماء سمير خميس محمد معروف وهى ابنة أحد قيادات الجهاد التكفيرية فى مصر، وامرأة أخرى لم يتم التعرف على هويتها، إضافة إلى طفل ثبت انه ابن مطراوى من جواز سفره، وثبت من خلال معاينة جثامينهم أنهم كانوا ينوون تنفيذ سلسلة من العمليات الانتحارية، ولدى وصولهم إلى حاجز قرية غزاوية التابعة لشيراوا وانكشافهم لعناصر الحاجز، قام كل من حازم وأسماء بتفجير نفسيهما داخل السيارة ما أدى لمقتل جميع من فيها.
كما عثر بداخل السيارة على ٦ جوازات سفر تعود للقتلى، إضافة إلى حسابات مصرفية وهويات تثبت انتماء كل من أسماء سمير خميس محمد معروف وحازم إسماعيل عبدالكريم أحمد ومطراوى فاروق وجهاد مطراوى فاروق زكى محمد لجبهة النصرة.
وهكذا انتهت حياة مطراوى فاروق غريبا فى ديار ليست دياره، متخيلا أنه سيحقق كثيرا من تخيلاته وأوهامه التى دفعته إلى الانتماء إلى هذه الجماعات فرسم صورًا وهميَّة، وأحلامًا ورديَّة، وطموحات لم يستطع تطبيقها على أرض الواقع، فلم يتعلم من تجارب الآخرين فى أفغانستان ودرس السجن الذى قضى به خمسة عشر عاما، فشرب من نفس الكأس اللعينة ودفع حياته ثمنا لعدم الوعى قبل السعى.
(البوابة نيوز)