ولخصت مسؤولة عن شعبة الأمن المعلوماتي وأستاذة التعليم العالي بجامعة لوزان، في إحدى محاضراتها الأمنية حول مخاطر الجريمة الإرهابية المعلوماتية، بالقول «إن السيطرة والتحكم في البنى التحتية الحساسة هي أهم أولويات الإرهاب المعلوماتي».
ولعل الأنماط السلوكية الجديدة التي أضحت تنهجها التنظيمات الإرهابية، مرتبطة بالأساس بتكنولوجيا المعلوميات، إذ أنها اقتصرت في البداية على ولوج نظم المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الاحتيال، لتتطور إلى جرائم معلوماتية تروم الحصول على نوع معين من المعلومات، أو تغييرها أو إتلافها، تحقيقا لأهداف مالية، ولذلك تم نعت هذه الأفعال عند ظهورها بمجموعة من الأوصاف الجرمية المرتبطة أساسا بالتقنية المتطورة، وسميت في البداية ب»جرائم الانترنت»، ثم «جرائم التقنية»، ثم «جرائم المعالجة الآلية للمعطيات»وأخيرا الجرائم السبيرانية.
وتفيد دراسة أمنية حول الإرهاب المعلوماتي «أنه في مقابل الإجرام الالكتروني الذي تحركه عادة أطماع مادية ومطامح شخصية لا ترقى إلى درجة المس الخطير بالنظام العام الذي هو أهم خصائص الجريمة الإرهابية، كانت هناك انعكاسات سلبية أخرى لهذه الثورة العلمية، تمثلت في المساهمة المباشرة لوسائل الاتصال الحديثة في تحقيق ما يسمى بالتضامن الإيديولوجي بين مختلف التنظيمات الإرهابية، وذلك عن طريق تسهيل عملية تبادل الأفكار والتوجهات في ما بينها، الشيء الذي أفضى إلى خلق مؤشرات تقارب بين العديد من المجموعات المتطرفة تكللت بالاندماج الكلي بمجرد توحيد المبادئ والمرتكزات العقدية التي تجمعها».
وحسب الدراسة الأمنية نفسها، فإن شبكة المعلومات المتطورة وفرت نوعا من الدعم اللوجيستي لهذه التنظيمات، وذلك بتأمينها لعنصر السرية الذي تتسم به هذه المجموعات، وكذا لمساهمتها الفعالة في توفير الإمداد وتمرير المعلومات اللازمة لتنفيذ مخططاتها الإرهابية.
وقد أثبتت التجربة الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب، شيوع استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة داخل المجموعات الأصولية، إذ تم اعتمادها في تنظيم الهياكل الداخلية، وفي توجيه التعليمات سواء أفقيا بين مجموع الخلايا المكونة للتنظيم أو عموديا بين الزعامة والقاعدة المرتبطة بها، بل تم استخدامها حتى في تنفيذ المخططات التخريبية، كالمتفجرات المتحكم بها عن بعد بواسطة أجهزة الهواتف النقالة، واعتمادها أيضا كمورد للتزود بالمعلومات المتعلقة بكيفية تصنيع المواد المتفجرة.
وتفيد الدراسة الأمنية «أن الأمر لا يقف عند حد استخدام التنظيمات الإرهابية لوسائل التقنية الحديثة في تنفيذ مخططاتها التخريبية، بل يتعداه إلى أبعد من ذلك، إذ أدى التطور المتنامي للظاهرة الإرهابية وتعقد شبكاتها الدولية إلى البحث في أحدث التقنيات والاختراعات العلمية لتسخيرها كوسيلة وكهدف خدمة لمشروعها الإجرامي، ولا شك أن نظم المعالجة الآلية للمعطيات كانت على قائمة هذه الأولويات، الشيء الذي أفرز نمطا جديدا من الإرهاب يمكن تسميته بالإرهاب المعلوماتي. وبرز الإرهاب المعلوماتي بعد أحداث حادي عشر شتنبر التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا بعدما أثبتت الدراسات الإستراتيجية المنجزة عقب تلك الأحداث بداية الانتقال من عمليات المواجهة المباشرة إلى حرب فضاء المعلومات، وعزم التنظيمات الأصولية المتشددة على استهداف الأنظمة المعلوماتية الحساسة في الدول لتحقيق أكبر خسائر ممكنة، دون الحاجة إلى المواجهة المباشرة والمفتوحة مع أجهزة الأمن والاستخبارات.
ووفق الدراسة الأمنية، فإن أهمية المخاوف من الإرهاب المعلوماتي تجد تبريرها في تداخل الأنظمة المعلوماتية وتشابكها، ليس فقط داخل الدولة الواحدة وإنما في امتدادها عبر الحدود الوطنية، و ذلك راجع إلى نسبية الحدود الجغرافية في علاقتها بالظاهرة الإرهابية التي لم تعد تعترف بالفواصل الطبيعية أو الاصطناعية بين الدول، وهذا يعني أن اعتداءا إرهابيا يستهدف شبكة للاتصالات يمكن تحقيقه عن بعد بمجرد الضغط على زر في الحاسب الآلي المرتبط بتلك المنظومات، وهكذا سوف لن يحتاج الإرهابي إلى طائرات أو قنابل أو مواد متفجرة بل وحتى إلى انتحاريين لتنفيذ مخططه التخريبي.
ولم تستبعد تقارير الخبراء الإستراتيجيين الأوربيين، جنوح التنظيمات الإرهابية إلى استعمال التقنية المعلوماتية في مخططاتهم التخريبية.
وتتباين النظريات والمرتكزات الإيديولوجية المتدخلة في إبراز ظاهرة الإرهاب المعلوماتي، فضلا عن اختلاف دوافعها وتقاطع مبادئها مع ظواهر محاكية لها كالعنف والتطرف.
وإذا كانت الدول العربية قد تبنت تعريفا موحدا للظاهرة ضمن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، فذلك راجع إلى وحدة الانتماء والعقيدة وتشابه المرتكزات والمنطلقات الدينية والعقدية، فضلا عن تطابق التوجهات وأساليب المكافحة، وهو ما ساعد على إيجاد تقعيد قانوني للظاهرة يتضمن تعريفا موحدا.
وحظي الإرهاب المعلوماتي، حسب الدراسة الأمنية، بإجماع وتوافق على تعريفه، ويعزى ذلك بالأساس إلى ندرة الدراسات الفقهية التي تطرقت إليه، فضلا عن حصر الاهتمام به في المجال الأمني الذي لا يعير أهمية قصوى للتعريفات ويصرف كل انشغالاته نحو رصد الظاهرة، والبحث في مسبباتها وطرق المكافحة القمينة بمجابهتها.
وعرفت بعض الأجهزة الأمنية الأوربية الجريمة الإرهابية المعلوماتية بأنها كل فعل يقع تنفيذا لغرض إرهابي، يهدف إلى تخريب أو إتلاف النظم المعلوماتية داخل الدولة، بغرض زعزعة استقرارها أو الضغط على حكومتها السياسية لتحقيق مطالب معينة.
بينما عرفته أجهزة غربية أخرى بأنه كل فعل يهدف إلى زعزعة استقرار الدولة أو الضغط على حكومتها السياسية لحملها على الاستجابة لمطالب معينة، وذلك عن طريق ارتكاب جرائم .
وعلاوة على الهجمات الواسعة، هناك زيادة في عمليات اختراق الشبكات بغرض التجسس والتي تشكل أساس أعمال الوكالة الوطنية الفرنسية لأمن الأنظمة المعلوماتية، وأعرب بوبار عن سوء تقدير التهديد بشكل كبير مع أنه يشكل 95 بالمئة من التهديد المعلوماتي.