التعاون المصري مع حماس لضبط الشريط الحدودي بين قطاع غزة وسيناء في إطار الحرب على الإرهاب ومحاصرة فلوله، لا يخفي بعض التوجس من كتائب القسام، الجناح العسكري لهذه الحركة ذات المرجعية الإسلامية، وخشية أن يظهر شق منه تعاطفه مع الجماعات التكفيرية التي تتوزع في جزيرة سيناء. وهو ما يجعل مصر حريصة على وحدة الصف الفلسطيني مع مراعاة أمنها الداخلي أولا وأخيرا.
القاهرة – العلاقات الجديدة بين القاهرة وحماس تفتح هاجسا كبيرا لدى العديد من الدوائر السياسية حول طبيعة العلاقة ومدى انعكاس ذلك على مصر ومصالحها الأمنية، خاصة ملف الإرهاب في سيناء والذي تعد حركة حماس التي تدير حدود قطاع غزة منذ عام 2007 المنفذ الرئيسي لإمداد الجماعات المتطرفة بالسلاح، ولاعبا أساسيا فيه.
واتخذت حماس إجراءات متتابعة لتحسين الوضع الأمني على الشريط الحدودي لقطاع غزة بعد أن فرضت منطقة عازلة حدودية وأغلقت غالبية الأنفاق ووضعت كاميرات وأبراجا للمراقبة ودوريات شرطية منتظمة لضبط الأمن.
شكل الحصار السريع والمفاجئ للجماعات المتطرفة صدمة للتنظيمات الإرهابية النشطة في شمال سيناء بعد أن أُغلق المنفذ الرئيسي في غزة لتوريد الأسلحة والعناصر الإرهابية.
وحاول فرع تنظيم داعش في سيناء، الضغط مبكرا على حماس لإفشال التقارب مع النظام المصري، وتشويه العلاقة بين الطرفين وترويج أن الفلسطينيين العصب الرئيسي لحالة الفوضى في سيناء ودس عناصر جهادية لشباب انضموا حديثا إلى داعش في حادثة كمين البرث بسيناء في يوليو الماضي والتي راح ضحيتها 26 جنديا ونحو 40 متطرفا.
وتمارس الجماعات المتطرفة في سيناء عملية منظمة لمضايقة حماس أمنيا وشعبيا، بعد أن بدأت الحركة في ضبط حدودها مع مصر وإغلاق الأنفاق السرية القديمة، والتي كانت تمثل المعبر الرئيسي للحركة في ظل الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع.
وجاء من ضمن شروط الوساطة المصرية بين فتح وحماس، فك الحصار الاقتصادي على غزة، الأمر الذي يضعف ضغط التنظيمات المتطرفة على الحركة ويقضي على قيمة وأهمية الأنفاق الحدودية الخفية.
وشهد الخطاب الإعلامي للمتطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي تحولا كبيرا في الهجوم على حماس باعتبارها مجموعة من المرتدين والخونة من الواجب قتالهم.
وكشفت تقارير أمنية إسرائيلية مؤخرا أن السلفيين في غزة خرجوا في هجرات مختلفة بعد التحول الطارئ في أداء حركة حماس، وانتقل بعضهم إلى سيناء وانضموا إلى الجماعات التكفيرية فيها.
البعض من المتابعين يشككون في نوايا حركة حماس بسبب تاريخها الطويل في المماطلة وإفشال اتفاقيات مصالحات عديدة
وكان أغلب الجهاديين في الأصل أعضاء سابقين في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، لكنهم انشقوا بعد خلاف حاد حول سياسة حماس الجديدة، ورفضوا التعاون مع مصر باعتبار أن نظامها معاد للمشروع الإسلامي.
ورغم أن حركة حماس تصف نفسها بالإسلامية ولا تزال، على الرغم من تعديل ميثاقها، تعد جزءا خفيا من جماعة الإخوان المسلميـن، إلا أن خطابها المتحرك لا يتسق حاليا مع الحركات السلفية في قطاع غزة، ويبدو في نظرها “مرتدا”.
وترى حماس من مصلحتها أن تعيد العلاقات مع مصر ودول الخليج في ظل الانكسار الاقتصادي الذي تعرضت له بسبب الحصار، وتوقف المساعدات القطرية التي كانت تمثل الدعم الرئيسي للحركة بعد المقاطعة التي فرضتها مصر والسعودية والإمارات والبحرين على قطر، ناهيك عن التحولات الإقليمية الكبيرة.
ولم تتوقف انتهازية حماس عند إعادة علاقتها مع مصر التي وصف قادة الحركة في أوقات سابقة حكومتها بغير الشرعية إبان عزل الرئيس محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان في يوليو 2013 وكثفت بعدها العمليات الإرهابية في سيناء، لكن الحال قد تغير بعد حرص حماس لحفاظها على مسافة مع جماعة الإخوان وتعديل ميثاقها.
ويقول تقرير أميركي صدر عن مركز روتجرز لدراسات الشرق الأوسط مؤخرا، إن انشقاقا ضرب الإسلاميين في غزة بعد موقف حماس، وهو ما جاء على إثره وضع بعض قادة حماس المعارضين للتحركات الأخيرة تحت الإقامة الجبرية.
وظهرت حالة من التوتر بين حركة حماس وتنظيمات محسوبة على التيار السلفي- الجهادي التي عارضت بشدة التعاون مع مصر، وتسببت، بحسب التقرير، في قيام شرطة حماس بإلقاء القبض على بعض العناصر السلفية بعد الخطاب التحريضي الذي تبناه عدد من الأئمة بخروج حماس عن نهجها الإسلامي الصحيح وفرض هدنة مع إسرائيل وعدم تطبيقها للشريعة الإسلامية في القطاع والتعاون مع السلطات المصرية.
وأكد ناجح إبراهيم الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أن “ربط التعاون الوظيفي بين الجناح العسكري لحماس مع التنظيمات المتطرفة في سيناء غير صحيح ولا يمكن إثباته، لكن المصالحة المصرية مع الحركة لها تأثير مباشر على حصار الإرهاب وغلق كافة الأنفاق الحدودية وتقويض العمليات الإرهابية في شمال سيناء”.
حماس تدير حدود قطاع غزة منذ عام 2007، وهي المنفذ الرئيسي لإمداد الجماعات المتطرفة بالسلاح، ولاعب أساسي فيه
وأضاف “مصر لم تدعم المصالحة إلا بعد أن تأكدت من تحقيق مكسب أمني كبير لإعادة السيطرة على شمال سيناء بالتعاون مع حماس التي كانت ذكية وأكثر واقعية من جماعة الإخوان المسلمين في قراءة المشهد السياسي وعدم اتكائها على قطر”.
ورجح البعض من المراقبين أن الحلقات التي يتم نسجها بين القاهرة وحماس غير مستبعد أن تفضي إلى حديث جدي عن مصالحة مع جماعة الإخوان في مصر، شريطة أن تلتزم منهج المراجعة الذي قامت به حماس مؤخرا.
وأوضح خالد محمد سعيد الخبير في الشؤون الدولية، أن “تقارير أمنية كشفت أن الكثير من عناصر الجماعات الجهادية في سيناء كانوا في الأصل جنودا في كتائب القسام، واكتسبوا خبراتهم الكبيرة في المعارك شمال غزة مع الجيش الإسرائيلي، وهو ما يضع حماس في مأزق كبير بسبب رفض الكثير من عناصر الجناح العسكري التخلي عن إخوانهم المتشددين في سيناء”.
ويرى أنه “بطبيعة الحال لن يكون من السهل الطلب من أعضاء حماس أن تتحول مصر لديهم فجأة من العدو الأكبر إلى الصديق الأقرب، فانتهازية الحركة لا تسير دائما على النهج المطلوب”، مشيرا إلى أن تلك المعضلة تجعل موقف حماس معقدا، وهو ما يجعل المصالحة الفلسطينية مهددة، خاصة عند التطرق للملف الأمني. ويشكك البعض من المتابعين في نوايا حركة حماس بسبب تاريخها الطويل في المماطلة وإفشال اتفاقات مصالحات عديدة.
وانتخبت حماس مؤسس كتائب القسام في الضفة الغربية صالح العاروري نائبا لرئيس المكتب السياسي للحركة، وهو ما اعتبره خبراء تطورا قد يعكر صفو العلاقات مؤخرا بين مصر وفتح من جهة وحماس من جهة أخرى، بسبب العلاقات المتشعبة بين العاروري وقطر وتركيا وحزب الله الذين تتهمهم مصر بدعم الإرهاب.
لكن بعض التقديرات ذهبت إلى أن اختيار العاروري هدفه دحض التصورات التي تشكك في المستوى السياسي لحماس، وأن قيادته تمسك بزمام الأمور، رامية إلى دحض التكهنات التي قالت إن هناك خلافات جذرية بين المستوى العسكري والسياسي حول المصالحة والعلاقة مع مصر. وخبرة حماس أجبرتها في وقت سابق على الدخول في اتفاقات مع جماعات متطرفة من أجل إعادة فتح الأنفاق لسد العجز الاقتصادي في غزة، لكنها بدأت تدرك أن التمادي في هذا الاتجاه يمكن أن يؤثر سلبيا على التماسك الداخلي للحركة.
ويقود التيار المتطرف في الحركة حملة معارضة لسياسة رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، ويرى هذا الفريق أن هذا الطريق يؤدي إلى ضعف الحركة مستقبلا والخروج عن ثوابتها، والعدول عن هدف الحركة الخاص بمحاربة إسرائيل.
وإذا سارت الأمور وفقا للتصورات المصرية، وجرى سد المنافذ الكثيرة في غزة، سوف تستقر الأمور في سيناء، لأن التكفيريين أصبحوا محاصرين من جميع الجهات، في ظل خطط الجيش المصري وتشديد الرقابة عليهم، والتخلص من البيئات الحاضنة لعناصرهم، في سيناء وغزة، والدليل تراجع المستوى العملياتي للتنظيمات الإرهابية منذ دخول التفاهمات مع حماس حيز التنفيذ.
(العرب اللندنية)