يؤكد مختلف الخبراء على أن التحدي الحقيقي في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية ليس هزيمته عسكريا، كما أن اجتثاث التنظيم المتشدد ميدانيا ليس نهاية الحرب بل المرحلة الأولى والأسهل، في نظرهم، فالحرب الحقيقة هي تلك التي تتعلق باجتثاث الأسباب التي أدت إلى ظهور تنظيم داعش. اليوم، وعلى وقع هزيمة داعش لا ينظر المتابعون لما يجري في العراق بتفاؤل كبير للمستقبل، وعبّر عن ذلك خبراء من كبار محللي السياسات ومتخصصون شاركوا في جلسة استثنائية حول العراق نظمها منتدى جنوب آسيا والشرق الأوسط “سايم”، وأجمعوا على أن المعركة الحقيقية في العراق بدأت الآن والمجتمع الدولي مطالب أكثر من أيّ وقت مضى بالعمل على تأمين مستقبل مستقرّ لهذا البلد.
لندن – العراق في حاجة إلى الاستقرار وتشريك الجميع في العملية السياسية حتى يضمن ألا تعود الجماعات الإرهابية من قبيل تنظيم داعش للظهور، هذا ما قاله ملاحظون مطلعون على ما يجري في البلاد التي مزقتها الحرب خلال مؤتمر نظمه منتدى جنوب آسيا والشرق الأوسط “سايم” في لندن، تحت عنوان “العراق: التطلع إلى المستقبل”.
جاء تنظيم المؤتمر في سياق التطورات الحاصلة في العراق على وقع المراحل الأخيرة للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية التي تدور في المناطق الشمالية للبلاد.
لكن، ورغم أن هذا التنظيم المتشدد في الرمق الأخير بعد أن فقد كل مناطقه تقريبا وانهارت عاصمتا “خلافته” في الموصل العراقية والرقة السورية، إلا أن الخبراء يقولون إن “استقرار العراق غير مؤكد أكثر من أيّ وقت مضى”.
ولا تبدو مرحلة ما بعد داعش واضحة الملامح في المدى الزمني المنظور. فما زالت التوترات ترتفع بين مختلف مراكز السلطة، حيث استولت القوات العراقية على كركوك من القوات الكردية بعد أسابيع من استفتاء إقليم كردستان العراق على الحكم الذاتي.
وبالنظر إلى تعقد هذه التفاعلات وإلحاحها، فإن المناقشة المنسقة بين مختلف مجالات المسؤولية والخبرة في المنطقة أمر مهم خصوصا وأن الوضع في العراق، حيث نشأ تنظيم الدولة الإسلامية، أضحى شأنا دوليا.
ملحق الدفاع بالسفارة البريطانية في العراق يؤكد على ضرورة ألا يغادر التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية العراق مباشرة بعد هزيمته على أرض المعركة لأن التجربة تؤكد أن هذا التنظيم الإرهابي يمكن أن يلم شمله ويتمكن من النهوض من جديد عندما تسنح الفرصة
كان من أبرز المتحديثن العميد غارث كوليت، الملحق العسكري للسفارة البريطانية في العراق، الذي قال إن “الشيء المهم بالنسبة إلى العراق هو الاستقرار، ثم الاستقرار، ثم الاستقرار. وإلا سيعود نوع آخر من داعش”.
وأكّد العميد كوليت أن الناس الموجودين في مناطق تمت استعادتها من سلطة داعش يجب أن يحصلوا على مواطن عمل حتى لا يكونوا في حاجة إلى المال للبقاء على قيد الحياة، ويمكن أن يعطيهم إياه المجندون لداعش.
ويرى ملحق الدفاع بالسفارة البريطانية في العراق خلال حديثه عن مستقبل الاستراتيجية الدفاعية في البلاد، أنه على المملكة المتحدة أن تواصل في “نصح ومساعدة” الحكومة العراقية على مدى الفترة التي تحتاجها بغداد.
وقدّر العميد كوليت أن “العراق يحتاج خمس سنوات للتعافي من أثر الحرب”. وأضاف أنه من المهمّ للائتلاف المحارب لداعش “ألا يغادر العراق” مباشرة بعد هزيمته على أرض المعركة لأن هذا التنظيم الإرهابي يمكن أن يلمّ شمله من جديد. وهناك سوابق تشير إلى لجوء التنظيم لشبكات محلية تمكنه من النهوض من جديد عندما تسنح الفرصة.
يتمثل التحدي الأكبر في العراق في استيعاب العشائر السنية وهو أمر ينذر، إن لم يتحقق، ببعث التنظيم المتشدد من جديد.
وعانى العراق من انقسام سني شيعي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003. وتهيمن أحزاب شيعية تدعمها إيران على الحكومة واستخدمت قوات ضد جماعات أغلبها من السنة.
وهنا، يؤكد أندرياس كريغ، وهو أستاذ مساعد في كلية كينغ (كينغس كوليدج) في لندن، أنه “يحب على العراق أن يتبنى سياسة أكثر شمولية تجاه كل مواطنيه لأن هذا النموذج يوفر أمنا حقيقيا”.
وأضاف أنه “لا يمكن للدولة العراقية أن توفّر الأمن لكل شعبها”، موجها اللوم للسياسات التي تسببت في ظهور الانقسامات في البلاد والتي ظهرت بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003، من ذلك سياسة اجتثاث البعث.
وحمّل كريغ تواصل الإخفاقات الأمنية في البلاد لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي حيث تمّ ملء الجيش العراقي بالموالين له، ولهذا السبب فر الجنود أمام داعش في سنة 2014. وأضاف أن السياسيين الموالين لإيران مثل المالكي يهددون مشروع عراق يضم الجميع.
الكثير من الناس الذين عاشوا تحت سلطة داعش في حاجة إلى رعاية صحية عقلية بسبب الصدمات النفسية التي تعرضوا لها لكن العراق ينقصه الأطباء والمختصون في العلاج النفسي
وقال كريغ “لقد عانى العرب السنة من التعذيب والاغتصاب والإعدام دون محاكمة على يد الحكومة بزعامة الشيعة. كما يواجهون التطهير العرقي”. ولذلك “يشعرون بأنهم مواطنون من درجة ثانية”.
وقال كريغ إن ما نحتاجه هو توفير التمويلات لإحداث استقرار في المناطق المتضررة من الحرب. وأضاف أنه في المناطق الحساسة يجب أن تكون الشرطة من أفراد تلك المجتمعات.
وشدّد على ضرورة كبح النفوذ الإيراني الذي تمثله ميليشيات الحشد الشعبي و أيضا عبر فاعلين آخرين، “فالإيرانيون يتحركون لأن الآخرين لا يحركون ساكنا”.
كذلك حث جوناتون باريس، مستشار كبير لدى مجموعة شرتوف، على مجابهة النفوذ الإيراني في العراق وقال إن الرئيس الأميركي جورج بوش أعلن عن “انتهاء المهمة” في سنة 2003، وباراك أوباما فعل الشيء نفسه في سنة 2011 لكنه أضاف أن دونالد ترامب في حاجة إلى البقاء في العراق لوقت أطول.
كما تناول المؤتمر حاجة المجتمع الدولي لتركيز جهوده على معاناة النساء والأقليات الذين كانوا ضحية لأعمال داعش الإرهابية.
وفي كلمة ألقتها نيكول بيش نيابة عن آن كلويد، نائبة في البرلمان البريطاني عن حزب العمال ورئيسة مجلس المجموعة البرلمانية متعددة الأحزاب المعنية بحقوق الإنسان، والتي قالت إنه “بانسحاب داعش يوجد منفذ لفرصة مساندة النساء والأقليات”.
وأضافت “يجب أن نعطي صوتا لكل من تمّ تهميشه لتفادي عودة داعش”، وحثت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان لإعداد استراتيجية تخطيط تضم الأقليات. وقالت يجب ألا تغيب المحاسبة في أعقاب الحرب ويجب توثيق كل الانتهاكات و”هناك حاجة إلى تمرير التشريعات لحماية الأقليات”.
وأضافت “إلى جانب الإيزيديات عانت كثير من النساء السنّة في ظل حكم داعش… ويجب ألا يتعرضن للوصم بعد تعرضهن للاغتصاب”، مشيرة إلى أن مفهوم “العار والشرف” يستمر في الحد من حرية النساء، “وهناك فرصة لإصلاح الكثير من الأخطاء بعد داعش”.
وصرح ناظر ميرجان محمد، نائب رئيس بعثة السفارة العراقية في لندن، أن “الاستقرار يتطلب إعادة البناء والمصالحة”، وهو أمر تعكف عليه الحكومة العراقية.
وقال إن هناك 3.1 مليون نازح داخلي لكن هناك أيضا أكثر من مليوني شخص عادوا إلى محافظاتهم لكن ليس بالضرورة إلى بيوتهم إذ أن “الكثير منهم يعيشون في مخيمات وملاجئ غير رسمية”.
وأضاف المتحدث بأن الكثير من الناس الذين عاشوا تحت سلطة داعش في حاجة إلى رعاية صحية عقلية بسبب الصدمات النفسية التي تعرضوا لها لكن العراق ينقصه الأطباء والمختصون في العلاج النفسي.
(العرب اللندنية)