الركون إلى تديين الصراع العربي الصهيوني لا يمثل فقط اعتداء على الطبيعة الحقيقية للصراع، وإنما يمثل أيضا توفيرا لكل عناصر ومقومات تأبيد الصراع وتحويله إلى حلقة مفرغة من التشنّجات الحضارية والسياسية الناتجة عن التوظيف الأصولي للقضية، عبر الاتفاق على النظر إليه من منطلقات أصولية عنصرية متطرفة، لا تضيّع القضية وتميّعها فقط بل تصنع صراعات أخرى بين الأصوليات الدينية المختلفة.
تلعب القضايا الدينية والإثنية دورا كبيرا في خلق وتأجيج الصراعات البشرية، ولا يمكن إنكار وجود عوامل تاريخية وثقافية مختلفة وراء النزاعات على الأرض والموارد والثروات.
ولكن التجارب علّمت الإنسان الإدارة العقلانية للصراع، والحكمة السياسية التي تتحرى الحلول الواقعية بعيدا عن الخيارات العدَمية وتدمير الذات، بالعمل على تحييد المعتقدات الدينية والمواقف الأيديولوجية وتخليص الصراع من أعبائها، ونبذ سياسات الهوّية واحتواء نزعاتها، والتركيز على الحقوق الإنسانية والمصالح الموضوعية والمكاسب الحقيقية سعيا للوصول إلى تسويات عادلة تضع حدا للخسائر وتنصف المظلومين وتمنح المقهورين الأمل وتكبح جماح الطرف المعتدي.
وهو نهج ترفضه القوى الأصولية والعقائدية والشعبوية التي تجد في أدلجة النزاعات والأزمات واستدعاء الهويات والمفاهيم الدينية لميدان السياسة فرصة لتعظيم أرباحها السياسية وفرض أجنداتها وتزييف الوعي العام حتى لو أدى ذلك إلى مفاقمة الصراع وتوسيع دائرته وتجذيره وتأبيده ومضاعفة تضحيات الشعوب وتعميق آلامها.
ورقة الرهان الإسلامي
إن إصرار أنظمة وتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة على أسلمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتباره صراعا دينيا وجوديا وأبديا بين المسلمين واليهود، هو مثال صارخ على الاستثمار السياسي المغلف بالأيديولوجيا الدينية ومآلاته الكارثية، إذ تسببت سياسات الأسلمة بالشراكة مع المشروع الإسرائيلي العنصري في تعقيد الصراع وزيادة معاناة الفلسطينيين وتوفير المبررات للعدوان عليهم.
فالقضية الفلسطينية لدى النظامين الإيراني والتركي هي ورقة لبناء الشرعية والشعبية في الداخل، وأداة لخلق التأثير والنفوذ في الخارج.
أسلمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تؤدي إلى تعويمه دينيا، وتحويله إلى أيديولوجية صالحة للاستهلاك
أما بالنسبة إلى النظام القطري فهي وسيلة لصناعة دور إقليمي ودولي يعوّض ضعف الإمكانات الجيوسياسية للدولة، وأما عند التيارات الإسلامية فتمثل غطاء لمشروع الهيمنة والتمكين والاستلاب الديني الذي تحمله.
ويعتبر السلوك السياسي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان نموذجا للبراغماتية الجامحة التي تعتمد الاستثمار السياسي في قضايا الدين والهوية لاستقطاب الولاء الجماهيري واكتساب السلطة الرمزية.
فمنذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لم يفوّت أردوغان فرصة لتوظيف القرار في خدمة سياساته الداخلية والخارجية، وكأنه وجد ضالته فيه أو أنه جاء لإشباع حاجة لديه،.
حيث سارع لاستضافة قمة طارئة لمنظمة التعاون الإسلامي حول القدس في إسطنبول نصّب فيها نفسه متحدثا باسم المسلمين، وهاجم إسرائيل والولايات المتحدة من منطلقات دينية تخدم الشعبوية واليمين المتطرف في البلدين، وأعقبها بسلسلة من التصريحات النارية اليومية التي تعكس عقلية الوصاية على الدين وأتباعه ومقدساته، والنزوع المحموم للاستثمار السياسي والدعائي في الأزمات، من قبيل قوله “إذا فقدنا القدس فسنخسر المدينة المنورة ومكة والكعبة”، و”القدس شرفنا وعزّتنا وهي بمثابة خط أحمر للمسلمين”، و”قرار دونالد ترامب نذير مؤامرات جديدة تجاه العالم الإسلامي”.
كالعادة استعمل أردوغان قضية فلسطين لتقديم نفسه باعتباره المدافع عن حقوق المسلمين المضطهدين في العالم، من دون مبالاة بأن أسلمة مظلوميات الشعوب تصبّ في صالح التنظيمات المتطرفة العنيفة وتمنحها الشرعية، وتوفر لها الغطاء الديني والسياسي وتزود سردياتها بالذخيرة الأيديولوجية والرمزية وتهوّن من وقع جرائمها.
فليس الإرهاب، في جوهره، إلا انعكاسا عمليا لسياسات وخطابات شعبوية تصنعها نخب سياسية تُكثر من إدانته وشجبه.
لكن الأهم لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو استثارة العاطفة الدينية عند مؤيديه في الشارع التركي، في سياق ما وصفـه المراقبون بأنه “حملة انتخابية مبكرة”.
التعامل بواقعية مع القضية
كما يعول أردوغان على خطاب الأسلمة الملحمي في صناعة “هالة أخلاقية” حول الدور التركي في المنطقة بما يعزز مكانته بين أنصاره في الداخل كزعيم أممي يشبع حاجتهم القومية للشعور بالتفوق العثماني، وهو في ذلك يسعى إلى ترميم رأسماله السياسي المحلي الذي تضرر بإجراءاته الانتقامية التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016.
على الصعيد الإقليمي والدولي يأتي خطاب أردوغان التصعيدي تجاه إسرائيل والولايات المتحدة في إطار مناكفة الإدارة الأميركية في ظل توتر علاقاته معها حاليا، وهو لا يجازف هنا بعلاقات بلاده الاستراتيجية مع تل أبيب أو واشنطن.
فالأولى معتادة على مزاوجته بين خطاب شعبوي متشنج ضدها وتعاون وثيق معها على الأرض.
والثانية تعلم أن دوافع خطابه الهجومي تجاهها ترتبط بملفات أخرى غير القدس؛ منها موقفها الداعم لأكراد سوريا الذين يتوجس الأتراك من تطلعاتهم، وعدم تأييدها لسياساته السلطوية في الداخل التركي ورفضها تسليم خصمه فتح الله غولن، ورغبة السلطان التركي في التماهي أكثر مع محور روسيا وإيران عبر هجاء السياسة الأميركية، وحاجته لبناء “شرعية سنية” جديدة تغطي سياساته في المنطقة وتعوّض الصورة التي خسرها بالتحالف مع طهران.
فالأميركيون يدركون أن خطاب أردوغان المنفعل ضدهم ليس له علاقة بقرار نقل سفارتهم إلى القدس بل إن غضبه البراغماتي المحسوب قد يخدم الولايات المتحدة عبر مساعدته على تنفيس الغضب الجماهيري العربي والإسلامي وامتصاص النقمة الشعبية على القرار من خلال بلاغة شعاراتية حماسية تلعب على المشاعر والانفعالات وتعيد توجيهها.
ذلك أن أسلمة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تؤدي إلى تعويمه دينيا، وإفراغه من محتواه الواقعي والسياسي، وتحويله إلى قضية رمزية وأيديولوجية تصلح للاستهلاك في منصات الخطاب الديني والحملات الانتخابية للإسلام السياسي وبرامج المناوشات اللفظية في الفضائيات المؤدلجة.
الصراع على القدس هو مواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويجب أن يبقى صراعا وطنيا فلسطينيا أخلاقيا خالصا، لأن الضرر المادي المباشر يقع على الشعب الفلسطيني، فهو الذي سُلبت أرضه وانتهك وجوده، وهو الذي طمست هوّيته وهجّر من بلده واستبيحت كرامته الإنسانية، وهو الذي تعرّض للتطهير العرقي قديما، ومازال يتعرض لسياسات الفصل العنصري الممنهجة راهنا.
أسلمة مظلوميات الشعوب تصب في صالح التنظيمات المتطرفة وتمنحها الشرعية، وتوفر لها الغطاء الديني والسياسي
ولذلك فإن سياسات أسلمة القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى قضية دينية وعقائدية فضفاضة وقابلة للتأويل والتوظيف والاستغلال، مع تهميش وتذويب كل أبعادها الوطنية والأخلاقية والحقوقية والإنسانية المتمحورة حول مأساة الشعب الفلسطيني، ألحقت ضررا بالغا بحقوق الشعب الفلسطيني، وشكلت انتقاصا من تضحياته، وجيرتها لصالح أنظمة وتنظيمات متعطّشة للاتجار السياسي والهيمنة، وهو ما يعبر عن الاستخفاف بآلام الفلسطينيين، ومحاولة استثمار مظلوميتهم سياسيا وأيديولوجيا لتمرير أجندات حزبية وإقليمية لا تمتّ بصلة لمصالحهم، بل هي تتناقض معها وتعمل ضدها، وتزجّ بالدم الفلسطيني في نزاعات السلطة والنفوذ والموارد التي تجتاح الشرق الأوسط.
فمثلما أنعشت أنظمة استبدادية عربية شرعيتها المتآكلة بالمناداة بعروبة فلسطين، اعتاد مشروع الإسلام السياسي الترويج لنفسه من خلال الاتكاء على قضية القدس والمسجد الأقصى.
وكما كان تأسيس حركة حماس في فلسطين ودور سياساتها في التسبّب بحصار ودمار غزة، وتكريس ثقافة الانتحار باسم المقاومة، وخلق وتعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي، من أبرز أوجه استثمار الإسلام السياسي السني في قضية فلسطين لتعزيز حضور القوى الأصولية في العالم العربي، وتوفير قضية معنوية وجماهيرية لدعم دعاية الصحوة الدينية، كان تأسيس نظام ولاية الفقيه لحزب الله في لبنان من أوضح صور استثمار الإسلام السياسي الشيعي في القضية لتسويق السياسات الإيرانية في المنطقـة، وإضفاء طابع ديني وأخلاقوي عليها.
أصوليات متخادمة
إذ رفع كلا المشروعين الأصوليين شعار “مقاومة الاحتلال الصهيوني”، ولكن ترجمته على الأرض كانت تعقيدا وتأبيدا وتجذيرا للصراع ومضاعفة لقسوته وللخسائر والتضحيات والأوجاع، إذ زوّدت الاحتلال بالمسوغات لممارسة جرائمه وفظاعاته، كما أدت أسلمة المقاومة إلى شرعنة للعمليات الانتحارية ونشر ثقافة الموت وخيارات اليائسين، والتغطية على السعي الأصولي الحثيث للتغول والهيمنة. إذ استخدم شعار مقاومة الاحتلال كغلاف لأجندة تهدف إلى تكريس أشكال أخرى من الاحتلال الأيديولوجي والثقافي الأصولي للمجتمعات العربية، واحتكار الدين والوطنية وتوزيع أحكام الكفر والخيانة على الخصوم، ما أدى إلى تغذية استقطابات ونزاعات فئوية وطائفية وانقسامات اجتماعية وسكانية حادة.
إذ تسببت السياسات الأصولية التي تتلبس الدفاع عن القدس والأقصى في ضرب التماسك الاجتماعي في عدة بلدان عربية، الأمر الذي أسهم في تشويه صورة القضية الفلسطينية وانتهك أخلاقية فكرة المقاومة، وربطهما بالغرائزية الشعبوية والارتهان للخارج والنزعة الحزبية الضيقة المتحللة من كل التزام وطني أو أخلاقي، والمتّسمة بالانغلاق والتعصب الشديد والتناقض مع مصالح المجتمعات.
كان شعار “قضية المسلمين المركزية” الذي رفعته القوى الأصولية وصفا للقضية الفلسطينية، بجانب سياسات أنظمة عربية دكتاتورية وشمولية تاجرت هي الأخرى بهذه القضية، من بين أسباب تغييب قضايا حيوية تهم المجتمعات العربية مثل محاربة الفقر والأمية والتخلف وتكريس العدالة الاجتماعية.
فشل خارجي في دعم الفلسطينيين
فكانت المحصّلة فشلا على الجبهتين؛ فشل داخلي في التنمية الوطنية، وفشل خارجي في إسناد الفلسطينيين ودعمهم لنيل حقوقهم.
وعلى الرغم من أن الدول العربية هي طرف في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لما يشكله من مخاطر على الأمن القومي العربي بالمجمل وتهديده الاستقرار في المنطقة، ولما أفرزه قيام دولة إسرائيل بطابعها الديني العنصري والسردية الأصولية العدائية التي أحاطت بتأسيسها من تهديدات جيواستراتيجية للدول العربية المشرقية واستقرارها السياسي والاجتماعي؛ ذلك أن الأصولية الصهيونية (تسييس اليهودية وتوظيفها في مشروع الاحتلال الإسرائيلي) هي عنصر في منظومة أصوليات دينية تغذي بعضها بعضا في المنطقة والعالم وتؤجج الصراعات فيهما، وتضم أيضا الأصولية الإسلامية (تسييس وأدلجة الإسلام وتوظيفه في مشروع الهيمنة الدينية)، وأصولية ولاية الفقيه (تسييس التشيّع وتوظيفه في مشروع التمدد الإيراني)، وانضمت إليها مؤخرا الأصولية الإنجيلية (تسييس المسيحية البروتستانتية وتوظيفها لخدمة الشعبوية الأميركية) لتحل محل أصولية “المحافظين الجدد”؛ فإن لا أحد يدفع ثمن السياسات الإسرائيلية بصورة يومية ومؤلمة كما يدفعه الشعب الفلسطيني.
ولذلك على الدول العربية أن تدعم الفلسطينيين على المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية كي يكونوا أكثر قدرة على إدارة الصراع سلميا، وفي إطار شرعية القانون الدولي والتعاطف الإنساني العالمي الذي اكتسبته القضية الفلسطينية تاريخيا، باتجاه تسوية عادلة وشاملة تضمن حقوقهم كاملة وغير منقوصة.
ليس الصراع مع إسرائيل “صراع وجود” كما يريده الإسلاميون، ولا “صراع حدود” كما تريده الحكومة الإسرائيلية، فالإسلام السياسي يريدنا أن نعيش في التاريخ البعيد، وأن نقارب الصراع مقاربة دينية أصولية وماضوية تفضي للتبشير بإبادة جماعية لليهود، بما يساوي العرب والفلسطينيين أخلاقيا مع الحركة الصهيونية التي مارست التطهير العرقي ضد الفلسطينيين.
أما الاحتلال الإسرائيلي فيريد إلغاء التاريخ القريب للتغطية على جرائم الحرب التي مارسها بحق الفلسطينيين وحقائق انتمائهم لبلدهم، بهدف تكريس سرديته الدينية الأصولية المستمدة من التاريخ السحيق عن الحق اليهودي في “أرض الميعاد”؛ بينما الصراع في جوهره هو “صراع حقوق”.
حقوق الفلسطينيين في الاعتراف والإنصاف والحياة والكرامة، ورد اعتبارهم أمام العالم بعد أن دفعوا لعقود ثمن سياسات أدلجة الصراع وتعويمه عقائديا وأمميا وتعميق طابعه الهوياتي والعنصري التي انتهجتها إسرائيل وأنظمة وتنظيمات الإسلام السياسي، وشاركتها في ذلك أنظمة جمهورية سلطوية عربية صنعت جزءا من شرعيتها بالاستثمار في القضية الفلسطينية عبر استخدام شعارات قومية عروبية لتأطيرها تارة، ومجاراة التيارات الأصولية في تديين وأسلمة القضية تارة أخرى.
لقد سعت كل من سرديّتيْ الأسلمة والتهويد إلى إلغاء حقوق الإنسان الفلسطيني، وتغليب الصبغة الدينية للصراع على مضامينه الحقوقية والإنسانية والأخلاقية، بما أتاح مجالا أوسع للاستثمار السياسي وتحقيق مصالح الأنظمة الإقليمية والتنظيمات الدينية والحكومات الإسرائيلية، واستدعى وكرس التدخلات الدولية في المنطقة.
إن من تداعيات القرار الشعبوي للرئيس الأميركي دونالد ترامب إنعاش وتنشيط الشعبوية المتفشية في المنطقة، فأدلى الجميع بدلوه سعيا لإعادة إنتـاج نفسه وتعبئة رصيده السياسي والشعبي، وتخليق رأسمال رمزي والمزايدة على الخصوم والمنافسين وتمرير الأجندات، ابتداء من رجب طيب أردوغان مرورا بقاسم سليماني وحسن نصرالله ونوري المالكي وإسماعيل هنية، فالشعبوية تغذي الشعبوية، والتطرف يسند التطرف.
لقد كانت عبارة “إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين” التي وردت في وعد بلفور في العام 1917 إيذانا بانطلاق عملية تسييس الهويات الدينية في الشرق الأوسط المعاصر، إذ لم تنعتق المنطقة من تسييس الدين بضعف وانهيار الخلافة العثمانية، فاعتبار وعد بلفور الديانة اليهودية هوية قومية لمعتنقيها ومطالبته بتأسيس دولة لهم تلاهما بعد عقد من الزمن في مصر، عام 1928، تأسيس حسن البنا لجماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرت الديانة الإسلامية هوية قومية للمسلمين ونادت بالخلافة الإسلامية.
التطرف ينتج عندما يتم تديين القومية، أي استعمال الدين لتعضيد الهوية القومية كما في النموذج الإيراني
التديين مدخل للتطرف
وفي العام 1979 ظهر الخميني ليؤسس في إيران نظام ولاية الفقيه وليعتبر الهوية المذهبية الشيعية هوية للدولة وهوية قومية للشيعة عابرة للحدود الوطنية، معلنا تصدير الثورة الإسلامية.
وبينما دعت الأصولية الإسرائيلية إلى تجميع اليهود من كل أصقاع الأرض في “إسـرائيل” والعمل على جعل العـالم يخدم هذه الدولة الدينية المصطنعة، بشّرت أصوليتا حسن البنا والخميني بالسيطرة على العالم تحت شعاريّ “أستاذية العالم” و“تصدير الثـورة” على التـوالي، وكانت السمـة المشتركة بين هذه الأصوليات الثلاث هي الشعور بالأفضلية والتفوق ونقاوة الذات.
وبالتالي، فإن جزءا كبيرا من ظاهرة التطرف الديني والعنف الأصولي المستشري في الشرق الأوسط لم يكن سوى نتاج طبيعي للبيئة السياسية والأيديولوجية المأزومة والموبوءة التي خلقها وراكمها استدعاء وتسييس مفاهيم دينية أصولية تاريخية مثل مفهوم “أرض الميعاد” اليهودي، ومفهوم “الخلافة” السني، ومفهوم “ولاية الفقيه” الشيعي، وتصادمها واحتكاكها الشرس في المنطقة.
إذ ينتج التطرف عندما يتم “تديـين القومية” أي استعمال الدين لتعضيد الهوية القـوميـة وتقديسها كمـا في النمـوذج الإيراني، وعندما تتم “قومنة الدين” أي تحويل الدين إلى هوية قومية تمييزية كما في حالتي الإسلام السياسي واليهودية السياسية.
(العرب اللندنية)