بوابة الحركات الاسلامية : تركيا.. محطة ترانزيت للعناصر الإرهابية (طباعة)
تركيا.. محطة ترانزيت للعناصر الإرهابية
آخر تحديث: الأربعاء 03/01/2018 12:11 م
تركيا.. محطة ترانزيت
الكتاب: تركيا: الإرهاب والأقليات النوعية
المؤلف: مجموعة باحثين
الناشر: مركز المسبار 2015

يتناول كتاب «تركيا: الإرهاب والأقليات النوعية» الأوضاع في تركيا بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومدى انعكاسها على الإسلام السياسي التركي، إلى جانب ملفات تاريخية أخرى ترتبط بكيفية تعاطي حزب العدالة والتنمية مع خريطة الأقليات الدينية، والمواقف المتأرجحة من المسألة الكردية والقضية الأرمينية، وتحولات الدور السياسي للجيش التركي، والعلاقة بين الوهابية وأنقرة. حيث القضايا، التي تطرق إليها الكتاب، تعطينا الخلفية الضرورية لفهم التحوّلات القادمة في تركيا، وتعالج في الوقت نفسه ملفات على أهمية كبيرة، شديدة التداخل على المستويين الداخلي والإقليمي، خصوصاً ما يتعلق بملف الأكراد وحزب العمال الكردستاني والعلويين والأرمن، وضبابية موقف أنقرة إزاء ما يتعرض له المكوّن المسيحي في سوريا من عمليات تهجير وإبادة، وأخيراً وليس آخراً، انخراط تركيا في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على «داعش» بعدما أصبحت حدودها معبراً رئيساً لرفد الفصائل الجهادية التكفيرية في سوريا بالمقاتلين المنضوين في تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» وغير ذلك من الجماعات الأصولية المتطرفة.
وسوف نحاول في هذا العرض التركيز على الدراسات التي تناولت تنظيم "داعش" وعلاقاته بالجيش والاستخبارات التركية، ومدى تأثير الانتخابات الأخيرة في هذه العلاقة بين الطرفين، حيث أن أهم آثار الأزمة السياسية التي تلت الانتخابات، تتمثل في موقف تركيا من «داعش». فكانت سياسة «تركيا الإخوانية» من حيث تعاملها مع التنظيم على امتداد حدودها مع سوريا والعراق، تجعل المزاج العام للشارع التركي يتقبل «الإرهابيين»، الأتراك العائدين من القتال في سوريا. ولكن الأمر تغيّر كثيراً بعد أزمة الانتخابات، وصارت تركيا في مقدمة أعداء «داعش». ومن الآثار الأخرى للأزمة السياسية التي يواجهها إردوغان: انهيار التفاهم بين الحكومة والأكراد. لقد استخدم إردوغان حلّ القضيّة الكرديّة سلميّاً، لإبقاء الأكراد تحت السيطرة، عبر المماطلة والوعود المتتالية للزعيم الكردي عبدالله أوجلان. بينما منح الأخير المزيد من الفرص والوقت لحزب العدالة والتنمية، حتّى استطاع فرض كامل سيطرته على السلطة في تركيا. يعتبر إردوغان أن المواجهة مع الأكراد ستجلب له مكاسب انتخابية عبر رفع منسوب القلق لدى الناخب التركي، الذي وُضع أمام خيار الاستقرار السياسي بإعادة تصدر حزب العدالة والتنمية للمشهد السياسي.
وقد أدت سياسات حزب العدالة والتنمية إقليمياً ودولياً، لا سيما إثر التدخل المفرط في ملفات إقليمية ملتهبة، إلى انفراط نهج «تصفير المشاكل مع دول الجوار» الذي نظَّر له رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في كتابه ذائع الصيت «العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية».
وفي ضوء التحولات الإقليمية والإرباك السياسي الذي تمر به تركيا في زمن حزب العدالة والتنمية، الذي يحاول استعادة شعبيته المتآكلة، يحضر السؤال التالي: أين الجيش التركي حامي العلمانية؟ يرى بعض الخبراء في الشؤون التركية أن إردوغان نجح في تغيير العقيدة العسكرية للجيش، وقد قطع شوطاً طويلاً أمام درب التعديلات الدستورية والإصلاحات القانونية الكفيلة بتقليص تدخل الجيش، والذي اتخذ حيزه التطبيقي عبر كبح جماح الميول التدخلية لضباطه، من خلال محاكمتهم بجريرة الضلوع في مؤامرات انقلابية ضد الحكومة المنتخبة، والزج بعشرات كبار الضباط في السجون. لكن آراء أخرى ترجح أن يسهم تجدد الصراعات مع «داعش» ومع الأكراد في استعادة الجيش لدوره السياسي، وخصوصاً أن النخبة السياسية المدنية التركية، بشتى مشاربها وأطيافها الفكرية، لم تستطع ملء الفراغ الناجم عن غياب العسكر عن المسرح السياسي.
وحسب دراسة جاسم محمد "داعش أمن الدولة التركية في العهد الإخواني"، ضمن الكتاب نجد أنه في إطار التوصل إلى حلّ مشترك للتعامل مع تهديد “الإرهابيين” الذين يسافرون إلى سوريا بهدف القتال، سبق أن دعت بلجيكيا خلال عام 2014 إلى عدة اجتماعات، أولها كان في مايو 2014، يدعو فيه الدول الأوروبية التسع المعنية بملف "الإرهابيين" الأجانب في سوريا وبحضور ممثلين عن الولايات المتحدة وتركيا وتونس والمغرب والأردن، وفي هذا السياق، أفادت الداخلية البلجيكية، بأنّ التعامل مع ملف العائدين من المقاتلين في سوريا، يشكل أحد أهم المشاغل الحالية، مشيرة إلى أنّ وجود مرتكز لتنظيم القاعدة على أبواب أوروبا (أي تركيا) يعتبر مشكلة جديدة طرحها النزاع في سوريا .
وصرح مسؤولون أتراك بأن حياة بومدين (شريكة كوليبالي) الذي اقتحم المتجر اليهودي شرق باريس، بالتزامن مع عملية شارلي إبيدو في 7 يناير 2015، كانت في تركيا قبل خمسة أيام من الحادث. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن وزير الخارجية: مولود جاويش أوغلو قوله في مقابلة: “إن بومدين وصلت إلى إسطنبول قادمة من مدريد في الثاني من يناير 2015، ولم تتلق تركيا أي طلب من باريس بمنع دخولها”. وأضاف: “توجد صورة لها في المطار، بعد ذلك أقامت مع شخص آخر في فندق، وعبرت إلى سوريا في الثامن من يناير 2015، نستطيع قول ذلك بناء على تسجيلات هاتفية.
وكان هناك سؤال يثير الاهتمام: هل تنظيم "داعش" يمثل تهديداً لتركيا إن لم يكن في هذه المرحلة، فربما في المرحلة القادمة؟ الإجابة عن هذا السؤال: إن تركيا تعتبر من الدول العميقة في المنطقة وتملك مؤسسة عسكرية واستخباراتية، وهذا يعني أن الاستخبارات التركية تمسك –ربما- ببعض قيادات التنظيم، وتدخل معه باتفاقات اقتصادية، منها بيع النفط من تركيا والعراق، وتدفق المقاتلين عبر الحدود، وإقامة معسكرات تدريبية، بالإضافة إلى اعتبار تركيا بالنسبة إلى "داعش"، ملاذاً ومحطة عبور، من خلالها يتمكن التنظيم من إدارة شبكة من الشركات والعملاء وغسيل الأموال، لتكون تركيا بوابة التنظيم -أيضا- إلى العالم. أما مدى استمرارية هذه التوافقات والاتفاقات ما بين التنظيم، فهو يعتمد على متغيرات المصالح بين الطرفين. إن تنظيم "داعش" يعتبر تنظيماً غير منضبط، أي لا تحكمه قواعد سياسية وأيديولوجية، لكن على الرغم من ذلك، فهو يحاول أن يطرح نفسه بأنه مؤسسة عسكرية أيديولوجية، وذات حكومة وقيادة مركزية.
وأكد وزير الخارجية التركي أوغلو، أن عدد المواطنين الأتراك في صفوف تنظيم "داعش"، يتراوح ما بين (500-700) شخص، وذلك وفقا للبيانات المتوافرة لدى الوزارة. وأضاف: إن تركيا تتخذ الإجراءات والتدابير الأمنية كافة لتأمين الحدود الجنوبية، إلا أن طول الحدود الممتدة لنحو (911) كيلومتراً لا يمكن مراقبتها تماما، إذ يعرف المهربون والمتسللون الكثير من الطرق والدروب السرية على الحدود التركية- السورية. على الرغم من أن التقارير ذكرت وجود أكثر من (3000) مقاتل "جهادي" تركي في سوريا والعراق.
إن سياسة تركيا إردوغان من حيث تعاملها -إن لم يكن تورطها- مع تنظيم "داعش" على امتداد حدودها مع سوريا والعراق، تجعل المزاج العام للشارع التركي يتقبل "الإرهابيين" الأتراك العائدين من القتال في سوريا، فلم تشهد الأراضي التركية عمليات انتحارية أو داعشية. وعلى الرغم من أن حكومة إردوغان واجهت بعض التظاهرات، لكن الأحداث لم تسجل أي تجمع أو نشاط معارض للسلفية "الجهادية". التقارير الاستخباراتية قدرت أن "الإرهابيين" الأتراك وصل عددهم إلى ما يقارب ثلاثة آلاف مقاتل يتوزعون ما بين "داعش" و"النصرة"، هذا العدد ربما لا توجد عنده أزمة علاقة مع الحكومة التركية، بسبب مرونة الحركة والتنقل عبر الحدود مع سوريا والعراق. إن جغرافية تركيا وموقعها لعبا –أيضا- دوراً بخفض معاناة "الإرهابيين" الأتراك، نسبة إلى الجماعات الأخرى العابرة للقارات والحدود.
ما دعا أنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية) للقول في مؤتمر صحفي عقدته مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من مدينة برلين، في معرض حديثها عن تنظيم "داعش" الإرهابي: إن تركيا تمثل محطة ترانزيت للعناصر الإرهابية التي تدخل سوريا وتحارب في صفوف تنظيم "داعش".
إن دور الاستخبارات يظهر إلى جانب العسكر خلال فترة الحروب والصراعات، وإن دولة عميقة مثل تركيا، بالتأكيد لا تترك أن يكون هنالك نشاط لتنظيمات وجماعات “جهادية” دون أن يكون لها دور في إدارة هذا الصراع ميدانيا على مستوى الجيش، ومعلوماتيا على صعيد الاستخبارات. إن تنظيم "داعش" -أصلا- نشأ في العراق على أساس كونه حلقة عسكرية استخباراتية مغلقة، وقام على خبرات عسكرية مؤدلجة. كشفت هيكلية تنظيم "داعش" أن قيادات التنظيم أغلبها من ضباط النظام السابق في العراق ما قبل 2003، أبرزهم الحاج بكر الذي كان يعتبر القائد العسكري الفعلي للتنظيم، والذي قتل في سوريا عام 2014، وأبو مسلم التركماني الذي يعتبر الشخص الثاني في التنظيم، والذي قتل –أيضا- في العراق 2014، وإبراهيم البيلاوي (المسؤول الاستخباراتي للتنظيم والمشرف على أمن أبي بكر البغدادي)، وهذا يعني أن هذه الجماعة لديها معرفة وخبرة في إدارة العلاقات العامة مع أطراف وشخصيات عسكرية تتطلبها مصلحة التنظيم، فهي لديها الإمكانات في قراءة تقدير الموقف مع الطرف التركي، يساعدها في إيجاد علاقة التفاهم والتعاون المشترك.