بوابة الحركات الاسلامية : مرجعيات العقل الإرهابي: المصادر والأفكار (طباعة)
مرجعيات العقل الإرهابي: المصادر والأفكار
آخر تحديث: الثلاثاء 03/09/2019 12:30 م حسام الحداد
مرجعيات العقل الإرهابي:
الكتاب: مرجعيات العقل الإرهابي: المصادر والأفكار
المؤلف: مجموعة من الباحثين
الناشر: مركز المسبار 
كانت الجماعات الارهابية المنتمية للإسلام دائما ما تقدم لنا تصوراتها عن العدو القريب او العدو البعيد، وفي الأونة الأخيرة لم يعد العدو محصورا في الغرب والولايات المتحدة (العدو البعيد) أو العدو القريب (الأنظمة الحاكمة في العالمين العربي والإسلامي)، لكن اتسع وتمدد وصار أول الأعداء هو "الرفيق المخالف" وصارت التصفية والتطهير أو الاقتتال الذاتي بين ممثلي الجهاديين ومنظريهم أكثر حضورا ومقدما على سواه، في الميدان العملي أو الخطاب الفكري. ومن الممكن ان نستخلص من هذا ملمحا جديدا هو تصدع أيديولوجيا الإرهاب، وصراعات منظريها ليست أقل هوادة من حروب تنظيماتها؛ مما يهدد ثباتها المرجعي وينذر بانتحار ذاتي أو سرطان بنيوي يصيب هذا الفكر، تأكل فيه خلاياه بعضها بعضا.
وحول مرجعيات العقل الإرهابي يتناول الكتاب الذي بين أيدينا بعض المصادر النظرية التي يستند إليها "الجهاديون المتطرفون" و"التنظيمات الإرهابية" و"السلفية الجهادية" لإضفاء المشروعية المزعومة لعنفهم ضد المجتمع والدولة، ساعياً إلى تتبع المسارات التاريخية لنضوج الأيديولوجيات الجهادية على مستوى التنظير والتأصيل والتأثر، على اعتبار أن الفهم العام الذي يحاول تفسير ظاهرة "العنف المتأسلم" لا بد له من استحضار الرموز والأطر العقائدية التراثية والحديثة، لتحديد القوالب النظرية التي ينهض عليها الخطاب السلفي الجهادي.
استهل الكتاب دراساته بالفقيه الحنبلي ابن تيمية (1263-1328) الذي تمّ استعادة تراثه مجزأً من قبل الجماعات الإسلامية، ونزعت أفكاره عن سياقها التاريخي المرتبط بمغالبة المد المغولي، وسيادة التتر على مراكز الثقافة الإسلامية آنذاك. هذه الاستعادة جعلت أفكار تطبيق الشريعة والحكم بغير ما أُنزل وتكفير الحكام وأعوانهم، تقف على خط واحد مع أفكار تكفير المجتمع وتجهيله، وتخلق من الجماعة التي تصدر الأحكام أصلا متعاليا ينعزل عن المجتمع والحاكم ويتفرغ لإصدار قرارات التكفير، وما إن تمت عملية الأدلجة باستغلال الظروف السياسية والاجتماعية حتى بدأت رحلة العنف.
فثنائية «الحاكمية» و«الجاهلية» التي تتوجه ضد الحاكم والمجتمع معا، شكلت حجر الرحى في التأصيل للإرهاب والإقصاء الذي بدأ مع كل من سيد قطب (1906-1966) وأبو الأعلى المودودي (1903-1979). شرح الكتاب المقولات التي أرساها المنظران. إن مفهوم الحاكمية من أهم المفاهيم التي تحتكم إليها الحركات الإسلامية؛ وترتكز الحاكمية على السيادة المطلقة لرؤية منسوب له؛ فليس هناك من مشرع إلاّ الله، فعلى المسلمين أن يكونوا محكومين بالمبادئ الأساسية للشريعة التي يفسرها الإسلاميون حسب جدليتهم السياسية. لقد تلقف مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا (1906-1949) مفهوم الحاكمية والجاهلية وطرح بذورهما في أرض خصبة قام بالاعتناء بها بعده سيد قطب والمودودي، لتكتمل الفكرة الأساسية التي ستقوم المجموعات الإرهابية بتحويلها لشرعنة الإرهاب ضد الحاكم وأعوانه، وضد المجتمع الذي لا يدعم ويؤيد المبادئ السياسية لهم.
أطلق البنا مواقف حادة تجاه مقومات النظام الديمقراطي، رافضاً التعددية الحزبية، وطالب بـ«القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصف واحد». لقد شكل البنا المزاج العام للمجندين في حركة الإخوان وأخواتها السياسية، لذلك لا غرو أنه ترك تأثيرا ملحوظا في الحركات الجهادية، أقله من خلال الأفكار الانقلابية التي تضمنتها إنتاجاته، ولا شك أن سيد قطب، خلف وراءه التأثير الأقوى في الحركات الجهادية. وتبين -إحدى الدراسات- أن تنظيم القاعدة جهد لأن يكون الوريث الشرعي الفعلي للحالة القطبية وتحويلها من النظرية إلى التطبيق، فقد تركت أدبيات قطب تأثيرات واضحة عند عبدالله عزام وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبي محمد العدناني.
لم تكن قيادات الإسلام السياسي الشيعي بمنأى عن التأثير في الحركات الجهادية المعاصرة، فالأطروحات التي قال بها الخميني (1902-1989) تؤسس للعنف من منطلقين: ثوري وانقلابي، إذ إن الفضاء الأيديولوجي أو المصادر القابعة في عمق أفكاره تؤكد منابع الاستبدادية السياسية والدينية. والجدير بالذكر أن إيران ترجمت أعمال سيد قطب، وتولّى ذلك المرشد الحالي علي خامنئي بنفسه، وأصدرت طابعا بريدياً باسم سيد قطب، فإلى أي حد يمكن الحديث عن حلقة وصل بين ابن تيمية والمودودي والبنا وقطب والخميني على المستوى التنظيري أولا، وبوصفهم ملهمي الجهاديين المعاصرين ثانياً؟
يتطرق الكتاب إلى رمز آخر من رموز السلفية الجهادية: أبي قتادة الفلسطيني (عمر محمود عثمان)، محاولا تحليل المصادر النظرية التي يعتمد عليها لا سيما في قضايا: الجهاد والخلافة والديمقراطية. يرى أبو قتادة أن الديمقراطية مناقضة للشريعة الإسلامية، لأنها منظومة تنبني على العلمانية، مكفرا كل من رفع راية الديمقراطية، ناظراً إليها كــــ «راية شركية»، ومتهماً من يؤمن بها بالزندقة. يبدو أن التوظيف السياسي للدين بمثابة الخاصية المشتركة في التنظيرات والتجارب التاريخية والمتأسلمة، ويمكن ملاحظة أثر ابن تومرت في الإسلام السياسي في الجزائر وتحديداً الجبهة الإسلامية للإنقاذ.