وزارة الشؤون الدينية تلوح بعزل الأئمة المتورطين في التوظيف السياسي، والخطوة مهمة لقطع الطريق أمام استثمار دور العبادة في الحملات الانتخابية.
تونس - مع بدء قبول القوائم المرشحة للانتخابات المحلية المقررة في 6 مايو المقبل، طالبت أحزاب مدنية متعددة بتجاوز الإخلالات التي شابت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014 وخصوصا منها توظيف حركة النهضة ورقة المساجد والأئمة ورجال الدين لاستقطاب الناخبين، وهو ما استجابت له وزارة الشؤون الدينية.
وأصدرت وزارة الشؤون الدينية بيانا دعت فيه إلى ضرورة تطبيق الفصل السادس من الدستور الضامن لحياد المساجد ودور العبادة، محذّرة من إقحام المساجد في تجاذبات سياسية واستغلال منابرها للدعاية الحزبية في الانتخابات البلدية.
وعمم أحمد عظوم وزير الشؤون الدينية التونسي مراسلة إلى المسؤولين في المناطق الداخلية دعاهم فيها إلى منع توظيف دور العبادة للدعاية من أي طرف حزبي أو سياسي، مطالبا بمد الوزارة بقوائم اسمية في الأئمة والخطباء المرشّحين للانتخابات.
واعتبر سياسيون ومراقبون تونسيون أن هذه الخطوة مهمة ويمكن الاعتماد عليها لقطع الطريق أمام استثمار دور العبادة في الحملات الانتخابية.
وقال محمد التليلي منصري رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس لـ”العرب”، “إن الهيئة باتت على أتم الاستعداد لتأمين الانتخابات البلدية على أحسن وجه”.
وأضاف أن الهيئة ستسخّر كل جهودها لعمليات المراقبة لما قد تقترفه بعض الأحزاب السياسية أو القائمات المرشّحة من إخلالات خلال الحملات الانتخابية، مؤكّدا أن الهيئة شكّلت فرق مراقبة سيكون لها الحق حتى في الدخول إلى المساجد لتقييم مضامين الخطب الدينية.
وبيّن منصري أن أعضاء الهيئة الذين سيكلفون بمراقبة خطب المساجد ودور العبادة سيكونون محلفين تفاديا لأي اختراقات حزبية قد تحصل بين فرق المراقبة، مشدّدا على أن مسألة التحييد ضرورية لإنجاح العملية الانتخابية وأنها ستشمل أيضا مؤسسات أخرى كالإدارة والمؤسسات التربوية.
وقبل الانطلاق الفعلي للحملات الانتخابية في 14 أبريل القادم، حذّر الكثير من المراقبين من مخاطر عودة الاستقطاب الثنائي بين حزبي نداء تونس والنهضة والقائم أساسا حول خطابات الهوية والدين خصوصا بعد أن أعلن حزب نداء تونس قبل أيام قليلة عن فكّ ارتباطه بالنهضة وبعد تصريح راشد الغنّوشي الذي لوح فيه بالحرب الأهلية في مواجهة محاولات عزل حركته.
وقال حكيم عمايرية مستشار وزير الشؤون الدينية لـ”العرب” إن الوزارة واعية بكل هذه المخاطر والمنزلقات ولذلك تحركت بسرعة ووجهت مراسلات للمسؤولين المحليين والأئمة دعتهم فيها إلى وجوب تحييد المساجد ودور العبادة لتلافي تكرّر ما تمّ تسجيله في محطات انتخابية سابقة من تجاوزات حتّمت إعفاء العديد من الأئمة والوعاظ من مهامهم.
وأكّد عمايرية أن الوزارة شكّلت فرق مراقبة يترأسها الوعاظ الدينيون في كل محافظة لمراقبة مضامين خطب الجمعة لتجنّب سقوط بعض الأئمة في خطابات سياسية قد يشوبها تحريض ضد بعض المرشّحين أو استقطاب لحزب سياسي معيّن.
وشدد مستشار وزير الشؤون الدينية على أن المراقبة ستكون شديدة ومنتظمة وعلى أن العقوبات ستكون صارمة ضدّ كل إمام أو مشتغل بالحقل الديني قد يحاول توظيف دور العبادة لخدمة أجندة سياسية انتخابية لأي طرف حزبي وفي مقدّمة تلك العقوبات الإعفاء والشطب النهائي من هياكل الوزارة.
ولم ينف مستشار عمايرية في حديثه لـ”العرب” وجود بعض الأئمة الذين يعتلون منابر الجوامع وفي نفس الوقت لهم انتماءات سياسية، مؤكّدا أن الوزارة تمكّنت وعلى عكس فترة حكم “الترويكا” أو ما بعدها من السيطرة على كل الجوامع ودور العبادة في البلاد.
ويثير ترشّح بعض الأئمة أو العاملين في الحقل الديني ضمن قائمات انتخابية للاستحقاق الانتخابي المحلي مخاوف الكثير من الملاحظين من إمكانية انتهاج هؤلاء خطابا دعويا قد يؤثر على نوايا تصويت المواطنين.
وقال حكيم عمايرية “إن الوزارة لم تتأكّد بعد من إمكانية ترشح بعض الأئمة أو رجال الدين المنضوين تحت سلطة الإشراف للاستحقاق الانتخابي”، مؤكّدا أن الوزير طلب إعداد قوائم اسمية لكل المنتسبين للوزارة الذين يعتزمون خوض الانتخابات.
وأكّد أنه سيتم إعفاء كل من سيترشّح للانتخابات المحلية من أعوان الوزارة إلى غاية انتهاء الانتخابات والإعلان عن النتائج النهائية من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وتمّ سابقا اتهام العديد من الوعاظ الذين أشرفوا على مراقبة خطب الجمعة خلال الاستحقاقات الانتخابية بالبلاد عامي 2011 و2014 بالانتماء إلى حركة النهضة، التي تسيطر على الكادر الديني، وهو ما جعل تقاريرهم وفق العديد من الملاحظين غير نزيهة ومنحازة.
وعلّق مستشار وزير الشؤون الدينية على هذه الاتّهامات قائلا إن “الوزارة لديها ثقة في الوعاظ الذين سيقومون بعملية المراقبة والتقييم للخطب الدينية، لكنها ستتعامل بكل حزم وفي إطار القانون مع كل من تخوّل له نفسه حجب بعض التجاوزات أو محاولة غض النظر عنها بسبب الانتماءات الحزبية”.
(العرب اللندنية)