بوابة الحركات الاسلامية : سوسيولوجيا العنف والإرهاب (طباعة)
سوسيولوجيا العنف والإرهاب
آخر تحديث: الأربعاء 21/02/2018 03:32 م
سوسيولوجيا العنف
الكتاب: سوسيولوجيا العنف والإرهاب
المؤلف: إبراهيم الحيدري
الناشر: دار الساقي 2015
إبراهيم الحيدري: عالم اجتماع وكاتب عراقي. صدر له عن دار الساقي "تراجيديا كربلاء"، "صورة الشرق في عيون الغرب"، "النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب"، "النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة".
ويتناول الكاتب في هذا المؤلف " سوسيولوجيا العنف والإرهاب" موضوع الإرهاب وانتشاره في جميع أنحاء العالم، ويبحث خطورته وحساسيته وتعقيده ونتائجه الوخيمة على المجتمع والفرد، وذلك عبر دراسته من الناحيتين السوسيولوجية والسيكولوجية. ويركّز على الحركات الأصولية السلفية، وكذلك على جذور الفكر السلفي الجهادي. كما ويبحث في أهم الحركات الإسلامية الأصولية المتطرفة، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة وتفرعاتها، وخاصةً تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إضافةً إلى الأصوليات الدينية الأخرى، كاليهودية والمسيحية، وكذلك الحركات الثورية التي خرجت على السلطة في الإسلام كالخوارج والحشاشين وغيرهما.
ويقع الكتاب في خمسة فصول يستعرض فيها المؤلف تاريخ الأفكار المتصلة بالعنف والارهاب، فيناقش ثقافة العنف ذاته متعرضاً لتاريخ الحركات الأصولية اليهودية والمسيحية والإسلامية، ثم يستعرض أسباب التوسع السريع للتنظيمات الإرهابية، كما يناقش موضوع ثقافة التسامح ويشير إلى حقيقة مؤداها أن الإرهابيين يستندون إلى منظومة فكرية وثقافية تسوّغ أعمال العنف وتحاول تبريره وإعطاءه شرعية وتستعين بشعارات ومقولات تخاطب الغرائز وتدغدغ العواطف البدائية من دون الوعي أو إعمال العقل ولهذا يصبح العنف هو الطريق الطبيعي الذي يقود إلى الإرهاب إذا لم يوقف عند حده.

الإرهاب: تعريفه وتاريخه وأسبابه
تعني كلمة إرهاب الطرائق والأساليب التي تحاول بها جماعة منظم، أو فئة أو حزب، تحقيق أهدافها عن طريق استخدام آليات العنف والقوة والقسوة وتوجهها ضد الأشخاص سواء كانوا أفراد أو جماعات أو ممثلي السلطة ممن يعارضون أهداف الجماعة.
يشير مفهوم الإرهاب إلى منهج أو طريقة عمل مباشر يرمي إلى إثارة الرهبة والرعب، أي إيجاد مناخ من الخوف والهلع بين السكان. وغالبًا ما يستخدم الإرهاب في أعمال عنف من قبل مجموعة أو منظمة سرية معينة ضد مدنيين ويتبعون أهدافًا سياسية محددة. وإن الاستراتيجية التي يتبعها الإرهابيون هي استخدامهم أبسط الوسائل التقنية للاحتيال على وسائل الردع العسكري ذي الإمكانيات التقنية الأكثر تطورًا، وفي الوقت الذي تدعي فيه القوى العسكرية حيازة أسلحة ثقة تحميها، يزرع الإرهابيون سلاح الخوف والرعب والدمار في قلب المدن. فالإرهاب يجعل أقوى الأسلحة غير ذات جدوى في أيدي صناع القرار السياسي والعسكري.
يستند الإرهابيون إلى منظومة فكرية وثقافية تسوغ أعمال العنف وتحاول تبريره وإعطاءه شرعية وتستعين بشعارات ومقولات تخاطب الغرائز وتدغدغ العواطف البدائية دون الوعي والعقل، ولهذا يصبح العنف هو الطريق الطبيعي الذي يقود إلى الإرهاب إذا لم يوقف عند حده.
وبحسب علم النفس الاجتماعي، الإرهابي هو شخص عصابي، أي أنه مريض فقد المرونة وإمكانية التفاهم والحوار والتسامح في التعامل مع الأمور ولم يستطيع إيجاد حل آخر لكل قضية تسيطر عليه، ولذلك يكون حله لها قسريًا حتى لو اقتضى ذلك تدمير الذات وإفنائها. ص31
وبالرغم من أن هناك شبه إجماع بين العلماء والفلاسفة والمفكرين على أن الإرهاب هو فعل عنف ينطوي على انتهاك للقوانين الإنسانية، فإنهم لم يتوصلوا إلى تعريف إجرائي شامل له وذلك لأسباب عديدة في مقدمتها الخلافات الايديولوجية والسياسية والطابع الدولي للإرهاب، الذ يجعل وجهات النظر تختلف باختلاف المصالح والأهداف، وكذلك الطابع السياسي للإرهاب وتنوع أشكاله وأساليبه. 
تعرف إجرائي للإرهاب.
الإرهاب هو كل عمل عنف مسلح يرتكب بغرض سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ايديولوجي أو ديني ينتهك المبادئ العامة للقانون الإنساني، التي تحرم استخدام وسائل وأساليب وأدوات عنف قاسية أو مهاجمة أهداف مدنية بريئة دون أن يكون لذلك ضرورة ماسة. والإرهاب هو رعب تحدثه أعمال عنف قصدية كالقتل والاغتيال وإلقاء المتفجرات والسيارات المفخخة وأعمال التخريب وإبادة وغيرها. وهو غالبًا ما يكون عنيفًا سياسيًا باعتباره سلوكًا غير منضبط يخرج عن القيم والمعايير الإنسانية وكذلك عن وسائل الضبط الاجتماعية العرفية والوضعية. 
* الفرق بين الإرهاب والعنف
إن الفرق بين الإرهاب والعنف هو أن الإرهاب عنف منظم ومقنن ويهدف إلى تحقيق أهداف محددة وتقوم به منظمات غير حكومية غالبًا، كما يستخدم وسائل وأدوات متعددة لتحقيق أهدافه، ومنها تهديد العدو المقابل وإيقافه عند حده أو الانتقام منه لكسر شوكته أو تدميره، من دون استخدام قواعد ومعايير أخلاقية. هذا النوع من الإرهاب هو غير مشروع ولا أخلاقي، لأنه موجه ضد الأبرياء من المدنيين والممتلكات العامة والخاصة.
أما العنف المشروع فهو عنف محدد وموجه نحو هدف أخلاقي هو تحرير الوطن من الاحتلال والاستقلال والتخلص من الظلم والقمع أو الدفاع عن النفس، وهو عنف مضاد ورد فعل على أعمال عنف وإرهاب تقوم به منظمة سياسية أو دولة ضد دولة معتدية أخرى. 
* أسباب الإرهاب
ليس هناك سبب واحد أو عامل واحد للإرهاب، فهناك عوامل متعددة ومتنوعة ومختلفة ترتبط بتعدد وتنوع واختلاف المواقف والأهداف والمصالح التي يتخذها الإرهابيون. ومن الناحية السوسيولوجية، فإن العنف والإرهاب غالبًا ما ينشأن في فترات التغيرات والتحولات الاجتماعية الجذرية والسريعة، وذلك بسبب حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية وتطلعات مستقبلية.
يمكننا تقسيم أسباب الإرهاب إلى أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، وتأتي في مقدمة الأسباب المباشرة العوامل السياسية والدينية والعرفية، في حين تكون الأسباب غير المباشرة على شكل عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية.
الأسباب السياسية الداخلية والخارجية تقف في أغلب الأحيان وراء أكثر أعمال العنف والإرهاب، خصوصًا في الدول الاستبدادية الشمولية، وذلك بسبب الفقر والجهل وعدم المساواة وغياب التفاهم والحوار الديمقراطي وعدم مشاركة جميع الطبقات والفئات الاجتماعية في الحكم وبخاصة في أوقات الأزمات والكوارث والحروب والصراعات الطبقية. كما تعتبر الحروب والمنازعات الأهلية أهم أسباب انفجار العنف ولإرهاب السياسي. 
ويستعرض تاريخ «الإخوان المسلمين» في مصر ثم يشير إلى جهيمان العتيبي عندما هاجم المسجد الحرام بـمكة المكرمة مع أربعمئة من المتطرفين وكان ذلك تالياً لاحتلال السفارة الأميركية من قبل الثوار الإيرانيين وسابقاً على قيام تنظيم «القاعدة» الإرهابي والظواهر المرتبطة به لأنه هو التنظيم الذي أفرخ فيما بعد تنظيم «داعش» الإرهابي.
ويصل المؤلف في الفصل الخامس تحت عنوان ثقافة التسامح متسائلاً: ما هو معنى التسامح بداية؟ إنه من المفاهيم المتداولة اليوم والتي تستخدم في السياقات الاجتماعية والثقافية والدينية التي تصف مواقف وممارسات واتجاهات تتسم باحترام الآخر ونبذ التطرف والعنف. يقول فولتير: أنا لا أؤمن بكل ما تريد أن تقول ولكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقول ما تريد. ونفس المعنى عبر عنه الإمام الشافعي بقوله: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. وهو يرى أن مفهوم التسامح ليس بجديد فقد ظهر مع الأديان السماوية ولكنه برز كمفهوم اجتماعي وثقافي وسياسي في العصر الحديث وفي سياق التحولات البنيوية العديدة التي ظهرت في عصر الحداثة والتنوير والتقدم الاجتماعي ومبادئ حقوق الإنسان والتي قامت على أنقاض مجتمعات العصر الوسيط وفي سياقات الصراع بين الدول القومية والدول الدينية. وسنكتشف أن الاضطهاد الديني كان أحد أسباب بلورة هذا النوع من الصراع وإبراز آثاره السلبية. ويختم المؤلف كتابه الرصين بالبحث في آراء علماء الاجتماع لاكتشاف الوسائل والأساليب التي تساعد على الوقوف أمام العنف والإرهاب وخلق بيئة خالية من الكراهية والعدوانية والتأكيد على ضرورة أن يسودها الحب والتعاون والتسامح والحوار.
 وقد طرح المؤلف ستة عوامل تكتسب أهمية خاصة في طريقنا لمكافحة العنف والارهاب وهي:
أولاً: تحسين طرق التربية والتعليم واتباع أسس علمية وعقلانية رشيدة تبدأ بالتنشئة الاجتماعية منذ زمن الطفولة مروراً بالمدرسة والشارع والمؤسسات الأخرى على أن لا يقوم التعليم على أساس الحفظ أو التلقين أو الاستبداد.
ثانياً: تحسين منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية وتشذيبها من الخرافة والشر والقدر الأعمى والتعصب والعدوانية لأن القيم الاجتماعية والأخلاقية هي محركات السلوك الاجتماعي وتوجيهه نحو التعاون والتسامح وعمل الخير نحو التنازع والعنف والإرهاب.
ثالثًا: تنقية الحواضن الفعلية التي تنمو فيها قوى العنف والإرهاب الفاعلة مع إدانة الإرهاب والإرهابيين ومحاربة الدافعين إلى العنف والمحرضين عليه في المنطقة كلها.
رابعاً: إشاعة ثقافة العفو والتسامح بدلًا من ثقافة العنف والكراهية والعدوان من طريق إصلاح منظومة مؤسسات الدولة والمجتمع وتوزيع الحقوق والواجبات بين المواطنين بعدالة ومساواة.
خامساً: تشجيع مؤسسات المجتمع المدني المتحررة من أيديولوجيا السلطة للقيام بواجباتها في مراقبة الدولة وهيئاتها، وبذلك نضمن أن تكون هناك تنظيمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية للمرأة ومحاسبتها وتوجيهها نحو خدمة المجتمع.
سادساً: إن فصل الدين عن الدولة والسياسة يعني عدم إخضاع الفعاليات السياسية والاقتصادية والثقافية باحتكار لأي سلطة دينية تدعي أنها تملك الحقيقة المطلقة كما يعني أن يكون التشريع وفقاً للدستور باعتباره قانوناً وضعياً، ويختتم المؤلف كتابه العميق بتكرار أن الثقافة نقيض الإرهاب وأن الفكر نقيض العنف.