برلمانيون يخوضون معركة لسن قانون يقضي بحل الأحزاب الدينية، وحزب "مصر القوية" الإسلامي يواجه تهمة التحريض على الدولة.
حتى هذه الصراخات خسرها الإخوان وإلى الأبد
فجرت قضية القبض على رئيس حزب “مصر القوية” الإسلامي عبدالمنعم أبوالفتوح، جدلا حول ضرورة التخلص من رواسب الإخوان المتمركزة في أحزاب دينية تعمل كواجهة للجماعة لتمثل دور معارضة الهدف منها إحراج الحكومة سياسيا.
وألقت أجهزة الأمن القبض على أبي الفتوح مؤخرا بتهمة التحريض على الدولة وبث معلومات خاطئة، وجرى حبسه على ذمة القضية هو وعدد من قيادات حزبه.
ولم يتم القبض عليه منذ سقوط الإخوان، وترك يتحرك داخل البلاد وخارجها، لكن عندما توصل الأمن إلى معلومات تؤكد تنفيذه خطة سياسية وتوظيف حزب “مصر القوية” بالتعاون مع الجماعة، ألقي القبض عليه.
وتدور غالبية تحركات الأحزاب الدينية في فلك الإخوان بسبب عدم قدرتها على النهوض بمواقف، فقد فشلت خلال السنوات الماضية في أن يكون لها وجود سياسي مؤثر خارج نطاق كوادرها التقليدية.
وتخدم جماعة الإخوان مصالحها بتوظيف الآخرين، خاصة من هم ينتمون لتيار الإسلام السياسي في مختلف المسارات ووفقا لمقتضيات المرحلة.
نواب اعتبروا أن الأحزاب الدينية أصبحت تمثل خطرا على الأمن القومي للبلاد، لأن هذه الأحزاب تخدم أجندة جماعة الإخوان
وطالب عدد من أعضاء مجلس النواب أخيرا، أجهزة الدولة بسرعة التحرك لفتح ملف الأحزاب الدينية، واتخاذ قرارات فورية لحلها، واعتبار أنها أصبحت تمثل خطرا على الأمن القومي للبلاد، لأن هذه الأحزاب تخدم أجندة جماعة الإخوان.
وظلت الحكومة المصرية تقدم رجلا وتؤخر أخرى حيال هذه الخطوة، وعندما لجأ البعض إلى القضاء لم يتمكنوا من الحصول على أحكام قاطعة بالحظر.
وقال البرلماني محمد أبوحامد “إن الدستور المصري لا يسمح بوجود أي حزب قائم على أساس ديني، والأحزاب التي تتخفى في ثياب سياسية هي على سبيل الخداع لأن كل المؤتمرات التأسيسية لها قامت على الدين ورعاية شيوخ السلفيين وقيادات الإخوان”.وتابع “إن حزب مثل ‘مصر القوية’ الذي يقوده أبوالفتوح، أو حزب ‘الوسط’، ويقوده أبوالعلا ماضي، وأفرج عنه، وعصام سلطان المحبوس على ذمة قضايا إرهابية، معظم المنضمين لهما قواعدهم من الإخوان، والجماعة هي التي قامت بتأسيس هذه الأحزاب لتكون غطاء لها.
وتبدو محاولة البرلمان هذه المرة ذات طابع أكثر جدة، للتخلص من الازدواجية التي ظهرت ملامحها بوضوح على تصرفات الحكومة، التي تحارب المتطرفين وتفتح المجال العام أمام أحزابهم السياسية”.
وتؤيد جماعة الإخوان حضورها في المشهد السياسي بعد تأسيس حزبها “الحرية والعدالة” عبر تشجيع ودعم أحزاب بمرجعية دينية تساندها، ووفرت لها دعما للمنافسة مع التيارات الفكرية الأخرى، وهي ذاتها التي تحرص على توظيفها في معركتها.
وقامت الجماعة بتوظيف وجوه إعلامية ليبرالية من خارج التيار الإسلامي من خلال فضائيات تبث من تركيا وقطر، من الكوادر الإعلامية وسياسيين وفنانين ممن انحسرت عنهم الأضواء، للإيحاء بأن المعارضة الحالية عريضة وتتجاوز حدود الإخوان.
وأرادت جماعة الإخوان أن ترسل بإشارة مفادها أن “التيار الليبرالي يتبنى موقف الجماعة من النظام الحالي، وأن الإسلاميين بمختلف أحزابهم يدعمونها في صراعها ضد الدولة”.
وترمي هذه الرؤية إلى محاولة إرباك النظام الحاكم في مواجهة النشاط الإرهابي، أملا في إعادة النظر في مسألة إقصاء الجماعة التي تطرح نفسها كحالة ضامنة لكبح الإرهاب وإعادة الإسلاميين إلى السياسة، ورهن ذلك بعودتها إلى المشهد.
ورغم ثبوت تورط أعضاء ينتمون للجماعة في بعض الأعمال الإرهابية في مصر، غير أن ثمة جهات غربية لا تزال تعتقد في قدرة الإخوان على القيام بدور سياسي يمكن أن يضبط إيقاع العنف المتفشي في المنطقة.
وحرصت جماعة الإخوان على إعاقة نشاط الأحزاب الدينية التي لا تقف في صفها والدفع بموالين لها لتجميد أنشطتها وتشويه صورة حزب النور السلفي الذي أيد عزل الإخوان عن السلطة وله نواب في البرلمان حاليا.
ومع اختلاف ظروف تأسيس حزبي “الوسط” و”مصر القوية”، تبنى الحزبان رؤية جماعة الإخوان ومواقفها السياسية، مع أنهما زعما أنهما حزبان مستقلان عن التنظيم.
ولم تدع الجماعة شخصا إسلاميا يزعم الاعتدال في خطابه وممارساته ومواقفه إلا وحاصرته بالهبات والمنافع مع تسهيل إقامة علاقات مع قوى خارجية، لتظل مواقفه السياسية في خدمتها، وكي لا يذهب في الاستقلال إلى مداه ويشكل تيارا منافسا من داخل الحركة الإسلامية.
وعملت الجماعة على ألا يخرج حزب “الوسط” وقادته من فلكها في أثناء وجود الإخوان بالسلطة أو بعد الخروج منها، من خلال استخدام كل وسائل الترغيب المادي، وهو ما حرم الحزب تماما امتلاك قدرة على الظهور بمواقف مستقلة عن الجماعة.
وانعكس ذلك على مواقفه وخياراته، وصار شبه مجمد النشاط منذ يوليو من العام 2013، وبدا كأنه فرع من فروع الإخوان أو ذراع من أذرعها، واعتزل العمل السياسي تقريبا وصار عنوانا بلا مضمون بمجرد إعلان الجماعة موقفها الحاد برفض المسار الحالي.
هناك رغبة من قبل برلمانيين مصريين في فرض قانون يقضي بحل الأحزاب الدينية، باعتبارها جسرا سياسيا لجماعة الإخوان التي وضعتها الحكومة على قوائم الإرهاب، ويرى مراقبون أن جماعة الإخوان تصر على الالتصاق بالأحزاب ذات الرافد الإسلامي وتملك شرعية قانونية لأن الحكومة تريد بقاءها كورقة قد تضطر إلى المساومة عليها
وقام مشروع حزب “مصر القوية” الذي أسسه وقاده عبدالمنعم أبوالفتوح، على الرغبة في وصوله إلى كرسي الرئاسة بأي ثمن، وهو يشبه حال حزب “الراية” الذي أسسه القيادي الإسلامي ذو التوجه القطبي حازم أبوإسماعيل، المحبوس حاليا في قضايا تتعلق بدعم والتحريض على قتل المواطنين.
وحرصت الجماعة على إظهار تجربة أبي الفتوح، الذي أعلن انفصاله عنها عام 2011، كدرس لكل من يعتقد إحراز النجاح من دونها أو من خارجها، وكانت خطة إفشاله مدرجة ضمن أولوياتها، لتؤكد أن نجاح أي إخواني لا بد أن يكون عبر وسائلها ودعمها.
وما نجحت فيه الجماعة مع حزب الوسط من طريق الاحتواء والهبات والدعم، حققته مع حزب “مصر القوية” بكسر طموحات زعيمه وحرمانه من تأييد المخزون البشري الإخواني.
وبما أن الأجنحة التي تشكل منها تيار أبي الفتوح ثلاثة، وهي الليبرالي واليساري والإسلامي، علاوة على قطاعات محسوبة على الشباب الثوري، فهذه الفصائل لم تقنع لاحقا بدعم شخص مغضوب عليه من تياره.
وسعى ليبراليون ويسار وثوار إلى الاشتباك بزخم مع الحالة الإسلامية جماهيريا كي يظهروا في الشارع بوفرة عددية تمكنهم من الضغط في الداخل وإقناع الخارج بأنهم قوة حقيقية.
والسبب الرئيسي هو أن قادة الإخوان أرادوا توجيه المشهد الحزبي الإسلامي الوليد بنفس أدبيات وأدوات قيادة الجماعة، ومن منطلقات السمع والطاعة والمرجعية المرشدية.
وعاد أبوالفتوح في ظل أزمة الإخوان الحالية طارحا اسمه من جديد، لعل الجماعة تجد فيه منقذها فتمنحه ما حرم منه في السابق.
وكان الضوء الأخضر من الإخوان يعني الكثير له ولحزبه؛ لأنه يمتلك مظلة سياسية يتحرك بها ويحظى بقبول لدى أجنحة مؤثرة لدى قوى إقليمية داعمة للإخوان، ولا تنقصه إلا جماهير الإخوان التي ستجذب إليه الأجنحة الثورية والليبرالية من جديد.
وتدرك الجماعة خطورة انخراط فصيل إسلامي في المشهد السياسي الحالي بما يغري آخرين لفك تجميد نشاطهم لتفقد الجماعة أوراقها ويزداد ضعفها وتترسخ عزلتها.
(العرب اللندنية)