بوابة الحركات الاسلامية : البحث عن "داعش".. بعد القضاء عليهم في العراق والشام (طباعة)
البحث عن "داعش".. بعد القضاء عليهم في العراق والشام
آخر تحديث: الأربعاء 07/03/2018 01:27 م
البحث عن داعش.. بعد
أعلنت روسيا في ديسمبر 2017، انتهاء عملياتها العسكرية ضد تنظيم «داعش» في سوريا، وعقب هذا الإعلان بأيام أكدت العراق تحرير كامل أراضيها من قبضة عناصر هذا التنظيم الإرهابي، وأخيرًا جاء إعلان «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، سيطرتها الكاملة على مدينة الرقة السورية - المركز الأقوى والمعقل الأبرز لداعش في الأراضي السورية. تلك الأنباء الصادرة من جهات رسمية في ثلاث دول جعلت العالم يتنفس من جديد محاولا استكمال حلمه بانتهاء الارهاب العالمي بانتهاء هذا التنظيم "داعش" في سوريا والعراق، وسرعان ما استيقظ العالم من هذا الحلم اللحظي، وحل بديلًا له خوف أشد من سابقه، تولد هذا الخوف من مطالبة قادة الدول المعنية بمكافحة هذا التنظيم المجتمع الدولي بضرورة التكاتف من أجل مواجهة «الخطر الداعشي» - رغم إعلانهم الانتصار عليه - وهي المطالبات التي تعني أن خطر التنظيم الإرهابي ما زال قائمًا على الرغم من القضاء عليه في مناطق نفوذه.
وعودة مرة أخرى للبيانات الرسمية نجد انه في منتصف يونيو من عام 2017، سجلت السلطات التركية أسماء 53 ألف و781 شخصًا من 146 دولة، أكدت دولهم الأصلية مغادرتهم أراضيها من أجل الانضمام إلى داعش، وأشارت إلى أنهم اتخذوا من تركيا ممرًا للوصول إلى سوريا، وذلك وفقًا لإحصائية نشرتها «منظمة مشروع كلاريون» المهتمة بمجال حقوق الإنسان ومكافحة التطرف في 26 من أكتوبر عام 2017 م.
وفي السابع من ديسمبر عام 2017، أعلنت روسيا أن الأراضي السورية «تحررت بالكامل» من قبضة الإرهابيين، وأكدت على لسان رئيس هيئة الأركان «فاليري غيراسيموف»، سحب قواتها من سوريا لانتهاء العمليات ضد تنظيم «داعش».
وأشار رئيس هيئة الأركان الروسية، إلى أن مهمة الجيش الروسي المتعلقة بدحر تنظيم «داعش» الإرهابي المسلح أنجزت، بينما قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: إنه «خلال عامين تقريبًا، قضت القوات المسلحة الروسية بالتعاون مع الجيش السوري على الإرهابيين الدوليين إلى حد كبير، وبالتالي اتخذت قرار إعادة القسم الأكبر من الوحدات العسكرية الروسية المتواجدة في سوريا إلى روسيا».
البحث عن داعش.. بعد
وعقب أيام من الإعلان الروسي، أكدت العراق على لسان رئيس وزرائها حيدر العبادي، تحرير كامل الأراضي العراقية من قبضة عناصر تنظيم داعش الإرهابي؛ ثم أعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، سيطرتها الكاملة على مدينة الرقة السورية التي كانت المركز الأقوى والمعقل الأبرز لداعش في الأراضي السورية.
بعد هذا الاعلان أكد قادة الدول المعنية بمكافحة هذا التنظيم، على ضرورة تكاتف المجتمع الدولي من أجل مواجهة الخطر الداعشي المتناثر في شتّى بقاع العالم من ذئابه المنفردة ودعايته المنتشرة في الفضاء الإلكتروني، وخلاياه النائمة والعائدين إلى بلدانهم الأصلية، وهذا ما يعنى بعبارة أخرى أن خطر داعش ما زال قائمًا على الرغم من القضاء عليه في مناطق نفوذه، وأمام هذه الحقيقة المؤلمة أصبح الجميع وفي مقدمتهم المراكز البحثية والمتخصصة في مجال مكافحة التطرف والإرهاب تبحث عن إجابة للسؤال الأهم: أين ذهبت عناصر داعش بعد خروجهم من سوريا والعراق؟ ولم تتوقف محاولات البحث عن إجابة لهذا السؤال عند الباحثين والعاملين في هذا الحقل فقط؛ بل تعدت ذلك إلى القادة السياسيين، الذين أولوا اهتمامًا بالغًا لهذا الأمر، وتصدوا بأنفسهم للإجابة عن هذا السؤال المحير.
ففي 24 من أكتوبر عام 2017، وبعد 4 أيام من الهجوم الإرهابي الذي استهدف عناصر أمنية في منطقة الواحات، وأسفر عن استشهاد 16 شرطيًّا؛ قال السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي في حديث تلفزيوني: «النجاح الموجود في سوريا والعراق ضد تنظيم داعش، سيترتب عليه انتقال عناصر التنظيم من هذه الجبهة في اتجاه ليبيا ومصر - الحدود الغربية - وشبه جزيرة سيناء وغرب إفريقيا».
وفي يوم الأحد 10 من ديسمبر 2017، أكد الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، أن العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» المتمركز في سوريا، ستستمر من منتصف فبراير 2018 حتى أواخر الشهر ذاته، مناقضا بذلك الإعلان الروسي، الذي أكد أن «الأراضي السورية تحررت بالكامل من قبضة الإرهابيين».
وفي سياق متصل قال وزير الحج والأوقاف الأفغاني «فيض محمد عثمان»، إن: «أكثر من 5 آلاف و 900 داعشيٍّ فرّوا من العراق وسوريا، وهم على وشك الدخول إلى الأراضي الأفغانية»، معربًا عن قلقه إزاء انتقال هؤلاء الإرهابيين إلى الأراضي الأفغانية، داعيًا الأجهزة الأمنية إلى اتخاذ الحيطة والحذر، وذلك وفقا لما أورده موقع «أفغان نيوز».
وتساءل وزير الحج والأوقاف الأفغاني، قائلًا: أين هؤلاء الآن؟ وإلى أين ستكون وجهتهم القادمة؟، متابعًا: «لا شك أن أفغانستان ستكون الهدف الأهم بالنسبة لهؤلاء الإرهابيين».
وأمام واقع بقاء الخطر الداعشي، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، في تقرير خاص، أنه لم يعد أمام عناصر التنظيم الإرهابي بعد القضاء عليهم في سوريا والعراق سوى ثلاثة خيارات:
الخيار الأول: اللجوء إلى أماكن أو مواقع لهم فيها موطئ قدم، مثل ليبيا والحدود العراقية السورية أو بؤر محدودة في سيناء.
الخيار الثاني: القيام بعمليات إرهابية في أوروبا، ينقلون خلالها – بشكل أكبر- المعركة من الشرق إلى الغرب.
الخيار الثالث: الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء، وهو أمر لهم فيه خبرة في العراق.
البحث عن داعش.. بعد
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن الخيار الأول هو الأقرب للواقع؛ فلا شك أن مقاتلي تنظيم داعش بدأوا بعد سقوط معاقلهم في العراق وسوريا في الفرار إلى مناطق أخرى، يرى فيها قادة التنظيم أرضًا خصبةً لإنشاء معاقل جديدة له، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي دولة سيحط تنظيم داعش رحاله فيها ليبدأ رحلة إقامة خلافته المزعومة من جديد مثلما فعل في العراق وسوريا من قبل؟
وهناك أراء تقول إن عناصر «داعش» توجهوا بعد القضاء على التنظيم في سوريا والعراق إلى: «أفغانستان، وغرب إفريقيا، وسيناء، وباكستان، وليبيا، وآسيا الوسطى»، وهي آراء لها ما يؤيدها على أرض الواقع.
 حيث تُمثل أفغانستان مناخًا مناسبًا لتنظيم داعش؛ إذ تتشابه مع العراق وسوريا في تواجد تنوع طائفي، وهو الأمر الذي يُمكن عناصر التنظيم الإرهابي من اللعب على وتر الطائفية، وبالتالي إيجاد تربة خصبة للقيام بعملياتهم الإرهابية والتمركز هناك.
أما بالنسبة لتوجه مقاتلي داعش إلى إفريقيا؛ فيعد ذلك أحد الخيارات المرجحة بقوة، وقد تواردت الكثير من الأنباء التي تؤكد عودة بعض الأفارقة الذين كانوا يقاتلون في صفوف «داعش» بسوريا والعراق إلى موطنهم الأصلي.
وفي هذا الصدد، حذّر مفوض السلم والأمن في الاتحاد الإفريقي «إسماعيل شرقي» من إمكانية عودة حوالي 6 آلاف مقاتل أفريقي قاتلوا في صفوف «داعش» إلى القارة السمراء؛ داعيًا الدول الإفريقية إلى الاستعداد «بقوة» للتعامل مع عودتهم، ومشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك تقارير تفيد بوجود 6 آلاف مقاتل أفريقي ضمن 30 ألف انضموا إلى داعش، وهو الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتكرر ما حدث في الجزائر حين عاد مقاتلون من أفغانستان وأنشأوا جماعات مستقلة حصدت أرواح آلاف الأبرياء.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن عودة الدواعش إلى إفريقيا - وبالأخص في منطقة الساحل والصحراء - يمثل خطورة بالغة على القارة الإفريقية بشكل خاص، وعلى أمن واستقرار المواطنين بشكل عام؛ الأمر الذي يتطلب بذل جهودٍ كبيرة وتعاون بين دول القارة على المستويين المحلي والعالمي، وتبادل المعلومات الكافية بشأن هؤلاء المسلحين، لمنع تسربهم لشرايين القارة السمراء.
وعلى الرغم من أن الجيش المصري نجح في توجيه ضربات قاصمة للجماعات الإرهابية في سيناء، وقضى على المئات من عناصرها وحصر وجودها في عدة بؤر معزولة ومتناثرة؛ إلا أننا نلاحظ من وقت لآخر وقوع بعض العمليات الإرهابية التي يتغير شكلها التكتيكي وأبعادها الاستراتيجية، لكن هذه العمليات في المجمل تتخذ من قوات الجيش والشرطة والأقباط والجماعات الصوفية ورموز الدين الإسلامي أهدافًا لها.
ومع أن هذه العمليات المتناثرة تشير إلى أن بعض خلايا التنظيم في مصر ما زالت قادرة على إلحاق الأذى والتخريب؛ إلا أن خطة تنظيم داعش الأساسية في مصر، والتي كانت تستهدف تحويل مصر إلى بؤرة صراع وانقسام، منيت بفشل ذريع، بفضل بطولات رجال الجيش والشرطة وتضحياتهم.
وأمام هذه التضحيات والبطولات؛ لجأ التنظيم الإرهابي إلى حيلةٍ أخرى، وهي اللعب على وتر الطائفية، ليسهِّل بذلك عمليات تجنيد المحليين وإيجاد مواقع سيطرة له في الداخل، على غرار ما حدث في عدد من دول المنطقة، لكن هذا المخطط الإرهابي مني بالفشل الذريع أيضًا ، بسبب وعي المصريين ومتانة نسيجهم الوطني وتمسكهم بوحدتهم، وهو ما تجسد في المواقف القوية والمتناغمة للأزهر الشريف والكنيسة القبطية، حيث بادر الأزهر الشريف من خلال هيئاته الدعوية والتعليمية والبحثية، وعلى رأسها مرصد مكافحة التطرف، إلى نشر الوعي بين المواطنين، وتفنيد حجج التنظيم الزائفة والرد عليها، وتصحيح الفتاوى الشاذة التي يعتمد عليها في إغواء الشباب واستقطابهم إلى صفوفه، ويؤدي الأزهر هذا الدور ليس في مصر فقط بل في العالم أجمع، إذ ينشر مرصد مكافحة التطرف أبحاثه ودراساته بإحدى عشرة لغة.
البحث عن داعش.. بعد
وعلى الصعيد الليبي فإن الغياب الأمني على الأراضي الليبية بسبب الانقسامات والنزاعات وشبه غياب الدولة منذ سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، كلها اسباب تسمح لأي تنظيم إرهابي بالاستقرار في هذه الدولة دون مقاومة حقيقية؛ وقد سعى تنظيم «داعش» إلى استغلال هذا الأمر، وشرع بالفعل في تعزيز تواجده في بعض الأراضي الليبية محاولًا اتخاذها مركزًا له.
وقد أعلن «داعش»، في وقتٍ سابق، أن له ثلاث ولايات في الأراضي الليبية، هي: «طربلس، وبرقة، وفزان»، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا في الفترة ما بين عامي 2015 و2016 مركزًا لتنفيذ عملياته الإرهابية في شمال أفريقيا، ولم يكن هذا الإعلان الداعشي مجرد دعاية إعلامية، وإنما أصبح واقعًا ملموسًا حين استولى التنظيم في عام 2015 على مدينة «سرت»، قبل أن ينجح الليبيون في استعادتها، لتبقى أمامهم معضلة بقاء خلايا داعش المنتشرة في الصحراء الليبية حتى الآن، وقد صرح البنتاجون في عام 2016 بأن عدد المقاتلين الدواعش في ليبيا بلغ 6 آلاف و500 مقاتل تقريبًا.
ولأن ليبيا لا تتوفر فيها بعض الظروف التي تساعد «داعش» على تحقيق مكاسب سريعة على أرض الواقع؛ حيث لا يوجد بها اختلافات مذهبية حادة، أو عدو مشترك يمكن حشد الدعم ضده، وهي الظروف التي سعى التنظيم الإرهابي إلى التغلب عليها، واستبدالها بأخرى تعزز من تواجده وتتيح له ترسيخ نفوذه هناك، وذلك عن طريق التعجيل بانهيار الدولة، وتقويض المشاعر القومية المشتركة لدى الليبيين.
وبالإضافة إلى حالة الفوضى والفراغ.. فهناك أسباب أخرى دفعت «داعش»، لاختيار الأراضي الليبية معقلًا له، من أبرزها: هشاشة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لبعض دول الجوار، الأمر الذي يجعلها هدفًا سهلًا للتنظيم،- بالإضافة إلى موقع ليبيا «الجيوسياسي»؛ حيث تقع على حافة منطقة الساحل، مما يسمح لـ «الدواعش» بالتوسع نحو غرب إفريقيا، ومحاولة التحالف مع «بوكو حرام» التي تنشر الرعب في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد وجنوب النيجر وشمال الكاميرون، هذا بالإضافة إلى امتلاك ليبيا لثروة نفطية هائلة توفر للتنظيم حال السيطرة عليها موارد مالية ضخمة.
وتندرج باكستان ضمن قائمة أهم الدول التي يسعى «داعش» إلى تعزيز تواجده فيها، وقد ذكرت جريدة «تايم ترك» التركية أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن الهدف الجديد لمقاتلي داعش القابعين في أفغانستان هو إفساد مشروع الصين، والمعروف بـ «طريق الحرير الجديد» الذي يعد أضخم مشروع تجاري في العالم يربط الصين بتركيا وأوروبا وجمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان وباكستان ودول أخرى.
ان القيام بعمليات ارهابية في أوروبا، ونقل المعركة من الشرق الى الغرب، يعد الخيار الثاني الذي قد يلجأ إليه تنظيم «داعش» - بحسب خبراء - ويعتمد التنظيم في تنفيذ هذا الخيار على ما يُعرف بـ «العائدون من داعش».
البحث عن داعش.. بعد
و«العائدون من داعش»، مصطلح شهد تغيُّرًا كبيرًا بعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق؛ فقد كان يُطلق في البداية - قبل هزيمة التنظيم - على بعض المنضمين إلى «داعش» ممن خُدعوا بدعايته، ثم سرعان ما اكتشفوا - بعد انضمامهم إليه - أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافًا جذريًّا عمّا يُرَوّجه التنظيم؛ لذا قرروا تركه والعودة إلى بلادهم.
والآن، وبعد هزيمة التنظيم في سوريا والعراق، أصبح المصطلح يحمل معنى مغايرًا تمامًا؛ إذ لا يمكن الجزم بما إذا كان هؤلاء العائدون لا يزالون يحملون الفكر الداعشي أم لا؟ وقد أعربت الكثير من حكومات الدول الغربية عن خوفها الشديد من هؤلاء، وفي هذا السياق ذكرت مجلة «نيوزويك» وموقع «إي يو إوبزرفر»، أن مفوض الاتحاد الأوربي للشئون الأمنية «جوليان كينج» أعرب عن بالغ قلقه من ظاهرة «العائدون من داعش»، قائلًا: «رغم أنني أتوقع نزوح عدد قليل من مناطق الصراع إلى أوروبا؛ إلا أن هذا العدد القليل من العناصر المتطرفة سيمثل خطرًا داهمًا يجب التصدي له بكل حزم وحسم».
وفي ألمانيا؛ قدّرت السلطات الألمانية عدد من غادروا البلاد خلال السنوات الأخيرة وانضموا إلى تنظيم «داعش» بما يقارب 940 شخصًا، قُتل منهم حوالَي 145 شخصًا، بينما عاد 250 آخرون إلى ألمانيا؛ ولكن ماذا عن المتبقين؟ هذا ما يشغل السلطات الألمانية في الفترة الراهنة.
وتوقعت السلطات الألمانية في بادئ الأمر أن تحدث موجة عودة لجميع الألمان المقاتلين في صفوف «داعش»، عقب هزيمة التنظيم في العراق وسوريا، لكن هذا لم يحدث، ولم يعد سوى الـ 250 شخصًا الذين أشرنا إليهم من قبل، وما زال مصير الآخرين مجهولًا باستثناء النسوة الأربع اللاتي ألقت السلطات العراقية القبض عليهن في مدينة الموصل، ومن بينهن الفتاة الساكسونية المشهورة «لينداف» والبالغة من العمر 17 عامًا؛ لتبقى المعضلة التي تحيّر السلطات الألمانية: أين ذهب بقية الدواعش الألمان؟
القلق ذاته يسيطر على السلطات الفرنسية؛ خاصة أن خطر «العائدون من داعش» يداهم فرنسا أكثر من غيرها، وقد تحدّث وزير الخارجية الفرنسي «جان - إيف لودريان»، عن وجود ما يقارب الـ 500 فرنسي يقاتلون في صفوف التنظيم بسوريا والعراق، ووصف في تصريحاتٍ لقناة «بي إف إم تي في» الإخبارية الفرنسية عودتهم إلى فرنسا بـ «الأمر بالغ الصعوبة»، دون أن يوضح ما الذي يعنيه بهذا الوصف؛ قائلًا: «سوف يقعون في الأسر أو يتبعثرون في أماكن أخرى».
وأكد وزير الداخلية الفرنسي «جان جامبو»، أن فرنسا لن تتفاوض مع الإرهابيين الفرنسيين الذين يريدون العودة إلى الأراضي الفرنسية - متخذًا بذلك نفس نهج رئيس وزراء بلجيكا «شارل ميشيل»، وأوضح «جامبو»، أن «هؤلاء الأشخاص عارضوا بعنف أسس مجتمعنا، وإذا كانوا في الوقت الراهن بدون موارد، فهل يجب علينا التفاوض معهم لإعادتهم إلى مجتمعنا؟، من المؤكد أننا سنحترم قواعد القانون الدولي، ولكن التفاوض معهم من أجل العودة المحتملة إلى البلاد، ليس في الحسبان».
وأضاف وزير الداخلية الفرنسي: «أن احتمال تعرُّض الفرنسيين المنضمين لتنظيم داعش لخطر عقوبة الإعدام في العراق لا يغيّر من الأمر شيئًا؛ فلقد اختاروا أسلوب حياتهم، ولا بُدَّ أن يتحملوا عواقب اختياراتهم»، ولم يستبعد «جامبو»، إمكانية إرسال لجان قضائية لاستجواب المقاتلين الفرنسيين الذين أُلقي القبض عليهم في العراق؛ قائلًا: «لقد تمّت دراسة وضْع النساء والأطفال الذين يريدون العودة، كل حالة على حِدَة».
البحث عن داعش.. بعد
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أن تعامل كل دولة مع المقاتلين العائدين إليها سيحدد إلى أي مدى يمكن أن يشكّل هؤلاء العائدون خطرًا عليها، أو عاملًا إضافيًّا يُسهم في تعزيز فهم الدولة المعنية لفكر هذه الجماعات وكيفية محاربته، ومن ثَمّ فمن المؤكد أنه كلما امتلكت الدولة برامج متقدمة لتأهيل هؤلاء العائدين وتيسير إعادة دمجهم في مجتمعهم، عظمت الاستفادة منهم، وقَلّ ما يمثّلونه من خطورة.
وفيما يتعلّق بالخيار الثالث الذي قد يلجأ إليه تنظيم «داعش»، وهو: الانتقال إلى حرب العصابات والذوبان في الصحراء - وهو أمر اكتسب التنظيم فيه خبرة خلال الفترة التي قضاها في العراق - فإن هذا الخيار سيلجأ إليه فقط «الدواعش» الذين لن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم، أو الانضمام إلى التنظيم في أي دولة أخرى غير العراق وسوريا؛ ولذلك يبقى هذا الخيار هو أضعف الخيارات من بين خيارَي لجوئهم إلى دول يوجد فيها موطئ قدم للتنظيم، أو القيام بعمليات إرهابية في أوروبا؛ بهدف نقل المعركة من الشرق إلى الغرب.
وفي ضوء ذلك، فإن تعزيز الجهود الدولية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وتعاون الدول استخباراتيًّا وعسكريًّا، يساهم في منع ظهور "داعش جديدة" مرة أخرى، أو على الأقل يَحُدّ من هذا الأمر؛ كما يجب العمل وبقوة على وقف السياسات العالمية الجائرة التي كان لها دورٌ كبير في صناعة الإرهاب وتغذيته، خاصّةً المواقفَ الدولية الظالمة تُجاهَ حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وكذلك إيجاد حل لقضايا المضطهدين والمشردين في جميع أنحاء العالم، وفي مقدمتها قضية مسلمي بورما، التي انتقد الأزهر الشريف مرارًا وتَكرارًا الصمتَ المطبق تجاهها، كما يجب مساعدة الدول في حل أزماتها الاقتصادية، خاصة مشكلة البطالة، التي تُستغلّ كثيرًا مِن قِبَل الجماعات المتطرفة لاستقطاب الشباب.
البحث عن داعش.. بعد
كذلك، فإن الاهتمام بقضية التعليم ورفع الوعي لدى المواطنين - خاصة الوعي الديني - أمر يأتي على رأس الأولويات المطلوب تكاتف الجهود لتحقيقها؛ فقد أثبتت الكثير من الدراسات أن الشباب المتدين بحق والواعيَ جيدًا لتعاليم دينه، أقلُّ عُرْضَةً للاستقطاب من الجماعات الإرهابية، مقارنةً بنظرائهم غير الواعين بتعاليم الدين ومبادئه السمحة؛ وباختصارٍ يجب على كل دول العالم - بلا استثناء - أن تسعى لتجفيف منابع العنف والإرهاب بداخلها، وأن تُغلِقَ جميع الطرق التي يمكن أن تتسلل منها التنظيمات الإرهابية إلى عقول الشباب.
ومن المهم للغاية تفنيد وتفكيك أيديولوجيات هذه الجماعات، وأفكارها المتشددة، وهو الأمر الذي نُحَصِّن به الشباب من الوقوع في براثنها؛ بل وحملهم على الوقوف صفًّا واحدًا في مواجهتها، وقد قطع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف شوطًا كبيرًا في تفنيد مغالطات هذه الجماعات وشبهاتها وأباطيلها؛ من خلال بيان مناقضتها الواضحة لمقاصد الإسلام ومبادئه العليا.