بوابة الحركات الاسلامية : الأب جورج مسّوح .. الخير والرحمة في تقارب المسيحية والإسلام (طباعة)
الأب جورج مسّوح .. الخير والرحمة في تقارب المسيحية والإسلام
آخر تحديث: الإثنين 26/03/2018 01:13 م
الأب جورج مسّوح ..
تقارب المسيحية والاسلام يجلب الخيرات  .هذا هو المنطلق الذى قامت عليه كتابات الدكتور الأب جورج مسّوح والمحور الاساسي لرسالة حياته التى غيبها الموت .ولد مسوح  عام 1962. حصل علي  ليسانس في الرياضيات من الجامعة اللبنانية عام 1987، وليسانس وماجستير في اللاهوت الأرثوذكسي من معهد القدّيس سرجيوس في باريس عام 1992. نال شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية من المعهد البابوي للدراسات العربية والإسلامية في روما عام 1997 عن أطروحته المواضيع المسيحية في أعمال رجال الدين المسلمين في لبنان ما بين عامَي 1975 و1996.
رُسم كاهنا عام 1997. اهتمّ بدراسة العلاقات المسيحية الإسلامية. وكان مدير مركز الدراسات المسيحية الإسلامية في جامعة البلمند بلبنان  وأستاذ الحضارات والثقافات وعلوم الأديان والدراسات الإسلامية في الجامعة. شارك في  عدة مؤتمرات وندوات حول هذه العلاقات وعن الحوار بين الأديان. وعن هذا الموضوع الحيوي اصدر كتاب "الخيرات الآتية: نظرات في تقارب المسيحية والإسلام" ودعا في  هذا الكتاب كلا من المسيحيين والمسلمين لكي يعيشوا حياتهم بتقارب ومحبة وحوار بالرغم من الاختلافات العقائدية، ضمن مبدأ اطلق عليه مسمي "الشركة الإيمانية" القائمة على "استباق الخيرات"، أي "أن نتراحم على أساس أننا كلنا خلق الله، والخلق كلهم عيال الله"، وبالتالي عدم تلهي أهل الأديان بالتنازع حول صحة هذا الدين ومعتقداته بإزاء الدين الآخر. ومن مؤلفاته ايضا "الآن وهنا" ويضم عددمن مقالاته  المنشورة  حول موضوعات مسيحية  وتأمّلات إنجيليّة، وموضوعات اجتماعية ووطنية و العنف والسلام ومقالات عن الشهداء والقدّيسين، ثمّ الظواهر الدينيّة الشعبيّة ومواضيع تهمّ الكنيسة والأرثوذكسيّين، منها الكنيسة والسلطة والأرثوذكسيّون والسياسة إلى العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة. 
وكتب أبحاث نُشرت في مجلات متخصصة وكتب مشتركة  وكان ينشر مقال  أسبوعي  في صحيفة النهار اللبنانية .والي جانب اهتمامه بحوار الاديان اعلن عن انتمائه للفكر العلماني  وحارب بقلمه الافكار المتطرفة فكتب الكثير من المقالات والابحاث التى اعتبر فيها ان " التكفير كفر " حيث يقول يعبّر تنامي الحركات الدينية المسلحة عن أزمة عميقة في مجتمعاتنا العربية كلها، وخصوصاً حين لا تستهدف هذه الحركات عدواً خارجياً، بل تستهدف شريكاً في الوطن، أو تستهدف إضعاف الدولة أو الاستيلاء عليها.
التكفير هو الباب الذي تدخل منه الجماعات المسلحة إلى تبرير أفعالها العنفية. فكل مَن لا يؤمن ويعتقد بما تؤمن به هذه الجماعات هو كافر، وكل دولة لا تتّبع الشريعة الإسلامية في دستورها وقوانينها دولة كافرة، وكل مَن يخدم هذه الدولة ويعمل فيها، من موظفين وقضاة وجيش وشرطة، هو كافر... والكفر، لدى هؤلاء، مؤدّاه استباحة الدماء.
ويذهب التكفيريون إلى حد الاعتقاد بأن كل مَن لا يتّبع شرع الله، وفق ما يفسرون ويتبعون، هو كافر خارج عن الأمة، وإنْ شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام شهر رمضان وحجّ إلى بيت الله. ويستندون في ما يطلقونه من أحكام الى آيات قرآنية نزلت بالكفّار والمشركين، والى أحاديث نبوية بعضها ضعيف الإسناد.
هذا التكفير يعبّر عن أزمة في مفهوم الدولة في الفقه الإسلامي الذي وُضع في زمن كانت الدولة مختلفة فيه عن الدولة في زمننا الحاضر. فالدولة كانت خلافة إسلامية تضمّ جغرافياً البلاد الإسلامية كلها أو معظمها. أما نحن، فمنذ نحو قرن نحيا في إطار الدولة الوطنية أو القومية، وما كان يصلح في القديم لا يمكن بالضرورة أن ينجح اليوم.
لذلك، نرانا في حاجة إلى اجتهادات فقهية معاصرة تأخذ في الاعتبار المتغيّرات. وهنا يأتي دور المرجعيات الفقهية في استنباط فقه معاصر يواكب مقتضيات الدولة الحديثة التي نشأت في العالم العربي بعد زوال الدولة العثمانية وانتهاء الخلافة الإسلامية. وهذا يتطلّب إزالة التباسات عدة حول المفاهيم والمصطلحات المعرفية المستعملة، أو التي يمكن أن تُستعمل، في بعض الوثائق الإسلامية "الوسطية". فتعبير "المواطنة"، على سبيل المثال، الذي يعني، ببساطة، المساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد الدولة الواحدة، لا يمكن أن ينسجم مع دستور الدولة الدينية، لأن المساواة معدومة فيها.
كلامنا لا يعني دفاعاً عن الأنظمة العربية التي فشلت كلّها على اختلاف تسمياتها، منذ عهود الاستقلال، في إرساء الأسس الثابتة التي تقوم عليها الدولة الحديثة. فطغت الديكتاتوريات العسكرية تحت ستار العلمانية والعروبة وتحرير فلسطين... وصار الحكّام يشبهون أباطرة القرون الوسطى، ويتشبّهون بالآلهة في الأمر والنهي والهيمنة على كل مفاصل الشأن العام. لذلك يسعنا القول إننا لم نشهد، طوال القرن الماضي، دولاً مدنية حقيقية في عالمنا العربي، بل دولاً لا صفة محترمة لها.
الإنسان في حالة إشراك، في حالة عبودية لن ينقذه منها سوى إعادة الاعتبار إلى العقل الذي تمتدحه كل النصوص الدينية. فعوض العقل يعمّ الجهل والغوص في الغيبيات، وعوض صنع المستقبل تسود العودة إلى الماضي السحيق واستحضار النزاعات.
وإذا بقي الخطاب الديني، كما هو اليوم، تحريضياً واستنهاضياً في سبيل رفعة شأن الأديان أو المذاهب فسيفقد الإنسان أكثر فأكثر من إنسانيته التي خلقه الله عليها. ولن يكون من معنى حقيقي للأديان إذا لم يتحرّر الإنسان من عبادتها، وردّ العبادة لله وحده الذي لا شريك له.
وعن دور المسيحيون التنويري  كان يقول منذ القرن التاسع عشر حتى بداية العشرين أطلقوا مشاريع عديدة، كلها تقوم على قاعدة العلمانية والفصل ما بين الدين والدولة، ومنها القوميات والاشتراكية وسواها والمواطنة والمساواة وإلى آخره. وهم أرادوا أن يكونوا على سوية كاملة مع المسلمين وشراكة تامّة على كل المستويات. مع الانتداب الفرنسي ونشوء الأوطان الجديدة.. وكان يطالب بقيام الدولة الوطنية  فيقول الدولة الوطنية والعصرية، أعتقد أنه حتى في لبنان، هذا الكيان الذي أُسّس أيضا على شراكة طائفية إسلامية مسيحية أخفقوا في بناء دولة حقيقية؛ دولة تقوم على المواطنة، المشروع القومي العربي وغيره ومشروع الطائفية، كلاهما أخفق في بناء دولة عصرية ديمقراطية تقوم على كل هذه الأفكار التي كان يتكلم عليها المسيحيون العرب سابقا. وهذا أدى إلى فشل ذريع، ولم نستطع لا أن نحرّر فلسطين ولا نفعل شيئا ووصلنا إلى الحائط مع وصولنا إلى دكتاتوريات حكمت هنا وهناك. وفي هذا الوقت أيضا، بالتوازي، كان هناك تصاعد لإسلام سلفي معيّن بدءا بالإخوان المسلمين. لم يحدث تجديد للفكر الإسلامي الفقهي عن موضوع الدولة. هذان المشروعان كلاهما خرج عن محمد عبده وخرج عما فكّر به المفكّرون العلمانيون المتنوّرون إلى أن وصلنا إلى حائط. فإمّا تكون سلفيّا أو جهاديّا أو وهّابيّا أو أصوليّا، أو من ناحية أخرى تدعم أنظمة أيضا لا تُقيم أي اعتبار للديمقراطية وللمواطنة وسواها.هناك عمل على المؤسسات الدينية. أنا أعتقد أن الحل طرحه  فرح أنطون منذ 150 سنة تقريبا حين تحدّث عن الفصل بين السلطتين الزمنية والدينية. يعطي سببا، يقول: يجب أن تُبعدوا الدين عن أوحال السياسة؛ لأن السياسة نفاق ورياء وكذب. الدين يجب أن يُنزَّه عن وحول السياسة. وبالتالي رجال الدين حين يعملون في السياسة يتخلَّون عن مبادئهم الدينية. لذلك لابد من الفصل بين الدين والسياسة وإعطاء أخلاق للسياسة لأن اللاهوت أو علم الكلام يجب أن يعطي شيئا في كل شيء، يعطي فكرا، إن كان في السياسة أو في الاجتماع وفي كل شيء. ولذلك يجب العمل على فكر سياسي يفصل بين الدين والدولة. وهنا ننزّه الدين عن السياسة، ولكن ليس معنى ذلك أن يصمت رجال الدين. رجال الدين أولا يجب أن يكونوا أخلاقيين. وهذا يتطلّب اجتهادا لدى الكل؛ لأن لدينا أيضا نحن المسيحيين ردة سلفيّة معيّنة. هناك خوف، هناك تقوقع. هذا التقوقع يكاد يقضي علينا أيضا نحن المسيحيين. من هنا، ما يصيب المسلمين يصيبنا، وما يصيب الفكر الإسلامي يصيب الفكر المسيحي. يُعدَون من بعضهما البعض. ولذلك يجب الفصل ما بين السلطتين من أجل أن يستطيع الدين أن يكون ضمير السياسيين، يوبّخ السياسيين، وليس أن يعمل في السياسة. إذا عملوا في السياسة، فمَن سيوبّخهم؟. على الدين اذن أن يعمل معارضة أخلاقية، ضميرية، فكرية، نعم. أو مثقّفة بمعنى أن المثقف هو الذي يشير دائما إلى مواقع الخلل، أين يوجد أيضا هدر لكرامة الإنسان وسواه. من هنا، الدين، هذا هو دوره. وسوف يبقي تحذيره  من المصير المنتظر للمجتمعات التي يتداخل فيها الدين في السياسة يدق اجراس الخطر – حتى بعد رحيله -  حيث كان يري ان هذه المجتمعات ذاهبة إلى مزيد من صراعات ومزيد من الجهل. كان قديما.. والامام محمد عبده أيضا قالها، إن الأتراك استعملوا بعض الفقهاء في بلاطهم لتعميم الجهل لكي يبقوا مسيطرين به على الناس. يخافون من الفكر، يخافون من الذكاء، يخافون من الاجتهاد. ولذلك طالما ليس لدينا أناس فقهاء يرتفعون إلى مستوى أن يجدّدوا بالفكر ويوعّوا الناس.. فالعمل توعية. ليس الحل غدا. ولكن الحل بعد عشر سنوات أو عشرين سنة يجب أن نبدأ من اليوم في موضوع الوعي والتدليل على أن استخدام الدين اليوم هو لصالح السياسة. لو تُستخدم السياسة لصالح الدين فليست ثمة مشكلة. ولكن العكس هو ما يحصل: يُستعمل الدين لصالح السياسة ولصالح الفتنة ولصالح التقاتل. ولذلك يجب إنقاذ الدين من أيدي هؤلاء.
لقد رحل الاب جورج مسوح  ولكن من المهم ان لا ترحل افكاره عن واقعنا فمازالنا ننتظر الخيرات .