ومن قراءة متأنية للتراث العلمي الإعلامي العربي في السنوات الخمس الماضية، نجد أن ثمة اهتمامًا من الباحثين العرب بدور الإعلام في مكافحة الإرهاب ومحاصرة ثقافة التطرف عبر بحوث ومؤتمرات كثيرة ناقشت الظاهرة بأبعادها المختلفة، ساعيةً إلى نشر ثقافة التسامح والسلام الاجتماعي، حسب د. حسن علي محمد أستاذ الإعلام بجامعة المنيا في بحث له بعنوان "الإعلام والإرهاب الإشكاليات والتحديات"، والذي يؤكد فيه أن الباحث المدقق يواجه نقصًا ملموسًا في الدراسات التي تناقش دور الإعلام في دعم الإرهاب ونشر ثقافة التطرف، واستخدامات الإرهابيين للإعلام وما حققوه من نجاحات، وتنظيم داعش الذي طوَّر من أساليبه الإعلامية خاصةً في توظيف شبكات التواصل الاجتماعي.
ولهذا فإنه لا يمكننا إغفال الدور الذي لعبه الإعلام في تغذية العنف والإرهاب والتطرف من خلال استغلال الإرهابيين له في تسويق أغراضهم وغاياتهم وتوظيفها في تضليل الأجهزة الأمنية، واكتساب السيطرة على الرأي العام عن طريق نشر أخبار العمليات الإرهابية التي يقومون بتنفيذها، حيث يرون في التغطية الإعلامية لجرائمهم معيارًا هامًا لقياس مدى نجاح فعلهم الإرهابي؛ فتنساق وسائل الاعلام وراء نشر مجاني لما يبثونه في وسائل ووسائط إعلامهم.
وهو ما دفع ديفيد برودر، المراسل الصحفي في الواشنطن بوست، إلى المطالبة بحرمان الإرهابي من حرية الوصول إلى منافذ الوسائل الإعلامية؛ لأن تغطية العمليات الإرهابية إعلاميًا يعتبر مكافأة لهم على أفعالهم الإجرامية بإتاحة الفرصة لهم في مخاطبة الجمهور.
ويمكن حصر الأدوار التي أدتها تلك الوسائل الإعلامية في المساعدة في زرع العنف وتنمية فكر التطرف والإرهاب – بشكل مباشر أو غير مباشر – في الآتي:
• مساحة الحرية المطلقة التي منحتها شبكة المعلومات الدولية لمعتنقي الفكر المتطرف والترويج له وإتاحة الفرص لنشر بياناتهم وتصريحاتهم وكتبهم وأفلامهم وتسجيلاتهم على امتداد العالم بسهولة ويسر غير مسبوقين.
• التهويل والتضخيم في قوة الإرهابيين لتحقيق الإثارة الصحفية والإقبال الجماهيري بغرض الربح المادي في ظل المنافسة الشرسة.
• هيمنة الطابع الإخباري على التغطية الإعلامية للإرهابيين وتغييب التغطية ذات الطابع التحليلي والتفسيري .
• افتقار بعض هذه الوسائل إلى الخبراء والمتخصصين في المجالات الأمنية والاجتماعية والنفسية والتربوية؛ لإقناع المشاهد بحقيقة الحدث وعدم الانسياق وراء التضخيم الإعلامي.
• قيام بعض القنوات الفضائية بعرض المناظر والمشاهد المأساوية وتصوير الأضرار بشكل متكرر ومبالغ فيه، إضافةً إلى بث وجهات نظر الإرهابيين دون إتاحة الفرصة لتعريتها والرد عليها.
وحول إشكالية تحرير مصطلح الإرهاب يقول د حسن علي: "ثمة إشكاليات في تناول موضوع الإعلام والإرهاب؛ أولها غموض وضبابية مصطلح الإرهاب؛ مما يثير عددًا من التساؤلات مثل:
• من الذي له الحق في وصف مقاومة المحتل بالإرهاب؟
• متى توصف مقاومة الاستبداد واحتكار السلطة بالإرهاب؟
• من الذي يسمي قتل الأبرياء بالجهاد؟ ويرمي الآثار الإنسانية المسجلة تراثًا عالميًا بالكفر ويفتي بتدميرها؟
إن المصطلح مراوغ، يتلون بألوان كثيرة، وتحريره واجب علمي حتى لا تتداخل السياسة في عمل الباحث المستقل؛ ومن ثم فإن للإرهاب صورًا تتداخل مع عنف محمود في مواجهة الاحتلال وعنف مذموم يؤذي المدنيين!!.
وحول كيفية دعم الإعلام للإرهاب يقول: "أن يحارب الإعلام الإرهاب أمر لا يحتاج إلى كثير بحث؛ فتوضيح الواضحات سوء ظن بالقاريء الذكي، أما ما يحتاج حقًا إلى البحث والتأمل هو تلك الظاهرة المتمثلة في دعم الإعلام للإرهاب، ثم نسمع حججًا وتفسيرات حول استخدامات الإرهابيين للإعلام لا تقنع الباحث المتشكك أو الباحث المدقق!.
نعم، ثمة صراع شرس على الجمهور ومنافسة طاحنة على كعكة الإعلانات، وأموال ساخنة تتدفق في شرايين كثير من الفضائيات والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي؛ مما جعلها تجنح إلى الإبهار، وما يبثه الإرهابيون من مقاطع فيديوهات تبهر المتلقي في الإخراج والتصوير بتقنيات عالية، كما في حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وذبح الضحايا المصريين ونحرهم وقطع رقابهم في ليبيا وكأنها أفلام سينمائية، إضافةً إلى ملابسهم السوداء والاكسسوارات والأسلحة عوامل لإقناع الشباب بأنهم مصدر قوة، معتمدين على أن اللقطة المصورة الواحدة في الإعلام تغني عن ألف كلمة، ويدركون أنها خير وسيلة للتأثير على الشباب، فضلًا عن السرعة في استغلال سرعة تداول الأخبار، وسهولة التخلص من حسابات فيسبوك وتويتر، وصعوبة وصول الجهات الأمنية إلى المصدر، أسباب جعلت المنظمات الإرهابية تتخذها واجهة إعلامية لتوصيل رسائلهم بعيدًا عن الرقابة والتدخل؛ مما يساعدهم في التعبئة وتجنيد إرهابيين جدد, وهذا الأمر يحافظ على استمرار الخلية وبقائها، وهم يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمي الإنترنت مع قضاياهم ويجتذبون الصغار بعبارات حماسية مثيرة خاصةً من خلال غرف الدردشة الالكترونية.